مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 284

(36)
جلسة 14 من ديسمبر سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

القضية رقم 1646 لسنة 2 القضائية

قوة الشيء المحكوم فيه - صدور حكم على خلاف حكم سابق حائز لقوة الشيء المحكوم فيه - مخالفته للقانون - إلغاؤه - مثال.
إذا ثبت صدور حكم من المحكمة الإدارية بإنهاء الخصومة على أساس رفض طلب المدعي تسوية حالته باعتباره في درجة صانع دقيق بأجر يومي قدره 300 م من بدء إلحاقه بالخدمة، وقد أصبح هذا الحكم نهائياً بعدم الطعن فيه في الميعاد وحاز قوة الشيء المقضى به، بينما قضى الحكم اللاحق المطعون فيه بتسوية تخالف مقتضى الحكم الأول، وهما قد صدرا في منازعة اتحد فيها الخصوم والموضوع والسبب - إذا ثبت ذلك، فإن الحكم المطعون فيه، إذ فصل في المنازعة على خلاف الحكم السابق الذي حاز قوة الشيء المحكوم فيه، يكون قد خالف القانون، ويتعين إلغاؤه، والقضاء بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها.


إجراءات الطعن

في 30 من يونيه سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية بجلسة 9 من مايو سنة 1956 في القضية رقم 435 لسنة 3 القضائية المرفوعة من أحمد عبد الرحمن منصور ضد مصلحة المواني والمنائر، والقاضي "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لسابقة الفصل فيها، وبقبولها، وفي الموضوع باستحقاق المدعي لتسوية حالته على أساس درجة صانع دقيق من تاريخ دخوله الخدمة، وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف الفروق من أول مايو سنة 1945، مع إلزام الجهة الإدارية بالمصاريف المناسبة، ورفض ما عدا ذلك من الطلبات" وقد طلب رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه - الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها". وقد أعلن الطعن للحكومة في 29 من يوليه سنة 1956، وللمدعي في 2 من أغسطس سنة 1956، وعين لنظر الدعوى جلسة 15 من يونيه سنة 1957، وأجلت لجلسة 16 من نوفمبر سنة 1957 للسبب المبين بالمحضر، وفي هذه الجلسة سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات، وأرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 435 لسنة 3 القضائية أمام المحكمة الإدارية بالإسكندرية، وطلب فيها تسوية حالته بالتطبيق لأحكام كادر العمال على أساس اعتباره في درجة صانع دقيق من بدء تعيينه الحاصل في 2 من إبريل سنة 1944. وقد دفعت الحكومة بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الدعوى رقم 1131 لسنة 2 القضائية التي حكم برفضها بجلسة 9 من يونيه سنة 1954. وقضت المحكمة بجلسة أول مايو سنة 1956 برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً، وبقبولها، وفي الموضوع باستحقاق المدعي لتسوية حالته على أساس درجة صانع دقيق من تاريخ دخوله الخدمة، وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف الفروق المالية من أول مايو سنة1945، مع إلزام الجهة الإدارية بالمصاريف المناسبة، ورفض ما عدا ذلك من الطلبات. وأسست قضاءها فيما يختص برفض الدفع بعدم القبول على أنه يبين لها من أوراق الدعوى رقم 1131 لسنة 2 القضائية المشار إليها التي سبق أن أقامها المدعي أنه طلب فيها الحكم باستحقاقه لتسوية حالته على أساس صانع دقيق بعد مضي خمس سنوات من بدء التعيين بأجر يومي قدره 300 م يزاد بالعلاوات الدورية في حدود ربط هذه الدرجة، مع صرف الفروق المالية المستحقة وكذلك صرف الأجر المستحق عن جميع أيام العمل الفعلية اعتباراً من أول مايو سنة 1945 لغاية عام 1952، فقضت المحكمة الإدارية بجلسة 29 من يونيه سنة 1954 باستحقاق المدعي لمحاسبته على أساس أيام العمل الفعلية، وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف الفروق المالية، ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. واستندت في رفض طلب المدعي تسوية حالته في درجة صانع دقيق على أنه عين في وظيفة مساعد صانع في سنة 1944، وأنه بالتطبيق لقراري مجلس الوزراء المؤرخين 23 من نوفمبر و28 من ديسمبر سنة 1944 لا يفترض ترقيته لدرجة صانع دقيق من بدء التعيين، بل يتعين انقضاء خمس سنوات لغاية أول مايو سنة 1945 تاريخ تنفيذ كادر العمال، وإلا فإن ترقيته تكون جوازية وتخضع لأحكام الترقية العادية وهي الأقدمية ووجود الدرجات الخالية. وما دام المدعي قد عين في وظيفة مساعد صانع ولم يكن قد أمضى فيها خمس سنوات حتى أول مايو سنة 1945، فإنه يشترط لترقيته إلى درجة صانع دقيق اجتياز الامتحان ووجود درجات خالية، وهو أمر لم يتوافر في حالته. ثم استطردت المحكمة فذكرت في حكمها المطعون فيه أن قضاءها في الدعوى رقم 1131 المشار إليها على هذا النحو لا ينصرف إلى طلب المدعي تسوية حالته على أساس درجة صانع دقيق من تاريخ دخوله الخدمة في سنة 1944، وهو طلب وإن كان المدعي سبق له أن أبداه في مذكرته المقدمة في الدعوى سالفة الذكر في 22 من يونيه سنة 1954، إلا أن المحكمة لم تعرض له لا في سرد وقائع الدعوى ولا في أسباب حكمها، حتى يمكن القول بأن قضاءها برفض بعض طلبات المدعي قد انصرف إلى هذا الطلب؛ ومن ثم يكون موضوع الدعوى الحالية لم يسبق الفصل فيه. ثم قالت عن الموضوع إن الثابت من الأوراق أن المدعي التحق بخدمة المصلحة في 7 من مايو سنة 1944 في مهنة خراط ثالثة بعد أن جاز الامتحان الذي عقد له في 3 من إبريل سنة 1944، ونظراً لأن قواعد كادر العمال الصادرة في أول مايو سنة 1945 تقضي بأن من يشغل وظيفة من الوظائف المدرجة في الكشوف الملحقة به يستحق أن تسوى حالته على أساس أجر الدرجة المخصصة لتلك الوظيفة إذا كان قد دخل الخدمة بامتحان، ولما كانت الوظيفة التي كان يشغلها المدعي في أول مايو سنة 1945 هي من بين المهن الواردة في الكشوف رقم (6) الخاصة بالصناع والعمال الفنيين في الوظائف التي تحتاج إلى دقة، وتسوى حالتهم بمنحهم أجراً يومياً 300 م من بدء التعيين في الدرجة (300 م - 400 م) يومياً المعدلة إلى (300 م - 500 م) يومياً من 12 من أغسطس سنة 1951؛ ومن ثم يكون من حق المدعي أن تسوى حالته وفقاً لهذه الأحكام بمنحه أول مربوط تلك الدرجة وقدره 300 م من بدء تعيينه الحاصل في 7 من مايو سنة 1944، مع تدرج أجره وفقاً لأحكام كادر العمال ولقرار مجلس الوزراء الصادر في 12 من أغسطس سنة 1951 وصرف الفروق المترتبة على تلك التسوية منذ أول مايو سنة 1945.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الواضح من أسباب الحكم أن موضوع الدعوى الحالية هو ذات الموضوع المحكوم فيه في الدعوى رقم 1131 لسنة 2 القضائية المقامة من نفس المدعي بالاستناد إلى كادر العمال؛ فمن ثم لا يجوز بصورة أو بأخرى إثارة أي منازعة جديدة فيما تضمنه القضاء الصادر في الدعوى السابقة؛ إذ أضحى فيما قضى به حقيقة يمتنع إثارة الجدل في شأنها؛ ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه - إذ تصدى للنزاع ثانية، فقضى فيه بما يخالف القضاء السابق - يكون قد أخل بقاعدة حجية الشيء المقضى به، فينطوي بذلك تحت الحالتين الأولى والثانية من حالات الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا المنصوص عليها في المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 الخاص بمجلس الدولة.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية في القضية رقم 1131 لسنة 2 القضائية أن طلبات المدعي الختامية كان من بينها طلب الحكم باستحقاقه لتسوية حالته باعتباره في درجة صانع دقيق بأجر يومي قدره 300 م من بدء التحاقه بالخدمة وما يترتب على ذلك من آثار. وقد تعرضت المحكمة لهذا الطلب وناقشته في أسباب حكمها، وانتهت إلى الحكم بإجابة المدعي لبعض طلبات معينة ليس من بينها هذا الطلب، وبرفض ما عدا ذلك من الطلبات ومنها هذا الطلب.
ومن حيث إن الحكم الأول الصادر في 29 من يونيه سنة 1954 في الدعوى رقم 1131 لسنة 2 القضائية من المحكمة الإدارية بالإسكندرية قد أنهى الخصومة على أساس رفض طلب المدعي تسوية حالته باعتباره في درجة صانع دقيق بأجر يومي قدره 300 م من بدء إلحاقه بالخدمة، وقد أصبح هذا الحكم نهائياً بعدم الطعن فيه في الميعاد وحاز قوة الشيء المقضى به، بينما قضى الحكم المطعون فيه الصادر في 9 من مايو سنة 1956 بتسوية تخالف مقتضى الحكم الأول، وهما قد صدرا في منازعة اتحد فيها الخصوم والموضوع والسبب. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه، إذ فصل في المنازعة على خلاف الحكم السابق الذي حاز قوة الشيء المحكوم فيه، يكون قد خالف القانون، ويتعين إلغاؤه، والقضاء بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها، وألزمت المدعي بمصروفاتها.