مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 289

(37)
جلسة 14 من ديسمبر سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

القضية رقم 1655 لسنة 2 القضائية

( أ ) ميعاد الستين يوماً - طلب المساعدة القضائية قاطع للميعاد في المنازعات الإدارية - كيفية حساب بداية الميعاد.
(ب) جزاء تأديبي - ركن السبب في القرار الإداري - صدور حكم المحكمة الجنائية ببراءة الموظف من تهمة تعاطي المخدرات - تأسيس الحكم على بطلان التفتيش - توقيع جزاء تأديبي من جهة الإدارة استناداً إلى إخلال هذا الموظف بواجبات وظيفته لضبطه في مكان الواقعة وسط من يتعاطون المخدرات - صحة الجزاء.
(ج) بوليس - تقديم عسكري بوليس للمحاكمة أمام مجلس عسكري - الإجراء الخاص بحضوره الجلسة المحددة للمداولة في القرار ليس إجراءً جوهرياً - لا بطلان على إغفاله.
(د) موظف - وقفه عن العمل - الأصل ألا يصرف مرتبه ما لم يقرر الرئيس المختص صرفه كله أو بعضه لأسباب موكولة إلى تقديره - المادة 129 من قانون الموظفين - سريان هذا الأصل على عساكر البوليس والخفراء.
1 - إن الأثر المترتب على طلب المساعدة القضائية من حيث قطع التقادم أو ميعاد دعوى الإلغاء يظل قائماً ويقف سريان التقادم أو الميعاد لحين صدور القرار في الطلب سواء بالقبول أو الرفض؛ إذ أن نظر الطلب قد يستغرق زمناً يطول أو يقصر بحسب الظروف وحسبما تراه الجهة القضائية التي تنظر الطلب تحضيراً له حتى يصبح مهيئاً للفصل فيه، شأنه في ذلك شأن أية إجراءات اتخذت أمام أية جهة قضائية وكان من شأنها أن تقطع التقادم أو سريان الميعاد؛ إذ يقف هذا السريان طالما كان الأمر بيد الجهة القضائية المختصة بنظره، ولكن إذا ما صدر القرار وجب رفع الدعوى خلال الميعاد القانوني محسوباً من تاريخ صدوره، فإن كانت دعوى إلغاء تعين أن يكون خلال الستين يوماً التالية.
2 - متى ثبت أن المحكمة الجنائية قد قضت ببراءة المدعي من تهمة تعاطي المخدرات، وكان سبب البراءة يرجع إلى عيب شكلي في إجراءات ضبط الواقعة، وهو بطلان التفتيش، بمقولة إن الحالة التي هوجم فيها المقهى لم تكن من حالات التلبس التي تسوغ قانوناً تفتيش المقهى، فإن هذا الحكم لا ينفي قيام سبب الجزاء التأديبي وهو إخلال الموظف المتهم بواجبات وظيفته أو الخروج على مقتضياتها، وقد يثبت ذلك للسلطة التأديبية من أوراق التحقيقات الجنائية ومن التحقيقات التي تجريها هي ومن تسمعهم من شهود. وقد ثبت لها تواجد المدعي في المقهى التي هاجمها البوليس وضبط بها، وهذا أمر غير منكور منه، كما ثبت من تحليل المادة المضبوطة أنها حشيش، وأن ما علق على حجارة الجوزة آثار حشيش. فإذا استفادت من ذلك كله أن المدعي أخل بواجبات وظيفته وخرج على مقتضيات السلوك الواجب على رجل البوليس والابتعاد عما يحط من كرامته ويسئ سمعته، فإن الجزاء التأديبي - والحالة هذه - يكون قد قام على سببه.
3 - إن حضور العسكري للمحاكمة أمام المجلس العسكري في الجلسة التي كانت مخصصة لمداولة المجلس في القرار الذي يصدره في هذا الادعاء المنسوب إليه لا يعتبر من الإجراءات الجوهرية التي يترتب على عدم مراعاتها بطلان المحاكمة.
4 - إن الأصل هو عدم صرف مرتب الموظف الموقوف عن عمله، ما لم يقرر الرئيس المختص صرفه كله أو بعضه لأسباب موكولة إلى تقديره، وهذا الأصل رددته المادة 129 من قانون موظفي الدول. ولئن كان هذا القانون لا يسري على عساكر البوليس والخفراء، وإنما تسري عليهم القوانين واللوائح الخاصة بهم، إلا أنه غني عن البيان أن الحكم المشار إليه هو من الأصول العامة التي رددها القانون المذكور؛ وبهذه المثابة يسري في حق عساكر البوليس والخفراء، ما دام لا يوجد نص يخالف ذلك في القوانين واللوائح الخاصة بهم.


إجراءات الطعن

في يوم 5 من يوليه سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الداخلية بجلسة 6 من مايو سنة 1956 في القضية رقم 19 لسنة 3 القضائية المرفوعة من فهمي الشيخ محمود سالم ضد وزارة الداخلية، والقاضي بعدم قبول الدعوى شكلاً، لرفعها بعد الميعاد، وألزمت المدعي بالمصروفات. وطلب رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في طعنه - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإعادة القضية إلى المحكمة الإدارية للفصل فيها من جديد. وقد أعلن هذا الطعن للحكومة في 11 من أغسطس سنة 1956، وإلى المدعي في 18 منه، وعين لنظره جلسة 22 من يونيه سنة 1957، وتأجلت لجلسة 9 من نوفمبر سنة 1957 للسبب المبين بالمحضر، وفي هذه الجلسة سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات، وأرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم، مع الترخيص في تقديم مذكرات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 19 لسنة 3 القضائية بعريضة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 21 من مارس سنة 1954 قال فيها إنه يعمل بإدارة أسلحة ومهمات البوليس بالقاهرة بوظيفة عسكري ترزي منذ عام 1936، وفي 28 من إبريل سنة 1952 اتهم في القضية رقم 21 لسنة 1952 جنح مخدرات الجمالية فصدر أمر الحكمدارية في 7 من مايو سنة 1952، بإيقافه عن العمل حتى يفصل في هذه القضية مع عدم صرف راتبه طوال مدة الإيقاف الذي بدأ من 30 من إبريل وفي 4 من يناير سنة 1953 قضت محكمة الجنح ببراءته وأفتت إدارة الرأي المختصة بمجلس الدولة بإعادته إلى عمله مع صرف مرتبه طوال مدة إيقافه، وقد عاد إلى عمله وباشره بالفعل في 26 من مارس سنة 1953 بناءً على أمر وزارة الداخلية الصادر في 22 من مارس الذي قضى بإعادته إلى عمله مع صرف مرتبه طوال مدة الإيقاف. إلا أنه فوجئ بتقرير إحالته إلى مجلس عسكري مركزي لمحاكمته إدارياً عن تهمة المخدرات التي حكم ببراءته فيها، وأصدر هذا المجلس في 21 من مايو سنة 1953 حكماً يقضي بسجنه مدة ستة وخمسين يوماً كجزاء إداري وأصدرت حكمدارية بوليس مصر في 30 من مايو قراراً بفصله لإدانته أمام المجلس العسكري المركزي مع حرمانه من مرتبه طول مدة الإيقاف. ويقول المدعي إنه قدم للمحاكمة أمام المجلس العسكري في 20 من مايو سنة 1953، كما هو ثابت بدفاتر السجن، وعاد في نفس اليوم بعد أن أشر رئيس المجلس العسكري بانتهاء محاكمته. ويقول المدعي إن قرار المجلس العسكري الصادر في 23 من مايو نص فيه على أنه حضر في ذلك اليوم، في حين أنه لم يخرج من السجن في ذلك اليوم، كما هو ثابت بدفاتر السجن، وعلى ذلك فإن حكم المجلس العسكري باطل؛ لأن إجراءاته كانت مخالفة للقانون، هذا فضلاً عن أنه لم ينص في حكمه على الفصل أو الحرمان من المرتب طول مدة الإيقاف؛ ولذلك طلب الحكم بإلغاء القرار الصادر من حكمدارية بوليس مصر في 30 من مايو سنة 1953 بفصله لإدانته أمام المجلس العسكري المركزي، وبإعادته إلى عمله، مع إلزام وزارة الداخلية بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، مع حفظ كافة الحقوق الأخرى. وقد أحيلت هذه الدعوى من محكمة القضاء الإداري إلى المحكمة الإدارية لوزارة الداخلية لاختصاصها، وذلك بالتطبيق لأحكام القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة. وقد دفعت الحكومة بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد؛ إذ صدر القرار المطعون فيه بتاريخ 30 من مايو سنة 1953، ولم يرفع المدعي دعواه إلا في 21 من مارس سنة 1954، وقالت عن الموضوع إن المدعي يشغل وظيفة عسكري ترزي بحكمدارية بوليس مصر، وقد قبض عليه وآخرين في 29 من إبريل سنة 1952 يتعاطون المخدرات، فتقرر وقفه عن العمل من تاريخ القبض عليه، وفي 4 من يناير سنة 1953 قضت محكمة الجنح بقبول الدفع ببطلان التفتيش وبراءة المتهمين، وتبعاً لذلك وافقت الوزارة على رفع الإيقاف. وباستطلاع رأي إدارة الرأي المختصة بمجلس الدولة أفتت بأن الحكم بالبراءة في المحاكمة الجنائية لسبب يتعلق بالإجراءات الجنائية كبطلان التفتيش لا يمنع من مجازاة الموظف إدارياً، فكلفت الوزارة حكمدارية بوليس مصر اتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاكمته عسكرياً، فقررت الحكمدارية تشكيل مجلس عسكري مركزي أدان المدعي فيما هو منسوب إليه من مخالفته حسن الانتظام والربط العسكري، وحكم بسجنه ستة وخمسين يوماً، ثم قررت الحكمدارية نتيجة لذلك فصله من الخدمة بالاستغناء بسبب ثبوت تواجده بداخل غرزة يحرق فيها الحشيش، الأمر الذي يحط من كرامة رجل البوليس ويسئ إلى سمعته، فقضت المحكمة الإدارية لوزارة الداخلية بجلسة 6 من مايو سنة 1956 بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد، وألزمت المدعي بالمصروفات. وأسست قضاءها على أن القرار المطعون فيه نشر بالأوامر اليومية لمحافظة القاهرة في 6 من يوليه سنة 1953، ولم يثبت أن المدعي تظلم من القرار المطعون فيه، وفقط تبين من الاطلاع على ملف طلب الإعفاء وجود صورة تظلم من قرار فصله موقعاً عليه منه، ولا تحمل هذه الصورة أي تاريخ، ولم يتبين منها اسم الجهة التي يكون قد أرسل إليها، وحتى لو اعتبرت هذه الورقة دليلاً على تظلم المدعي من القرار المطعون فيه وافترض أنه قدم هذا التظلم في نهاية الستين يوماً لتاريخ نشر القرار، فإنه كان يتعين عليه رفع الدعوى في خلال ستين يوماً من تاريخ انقضاء أربعة الأشهر التالية لتاريخ تقديم هذا التظلم نظراً لعدم تلقي المدعي رداً عليه، أي في ميعاد أقصاه 6 من مارس سنة 1954، وقد رفعت الدعوى بعد ذلك. أما عن طلب الإعفاء المقدم من المدعي فهو لا يقطع مدة سقوط الحق في دعوى الإلغاء، طبقاً لما جرى عليه قضاؤها؛ ومن ثم تكون الدعوى قد رفعت بعد الميعاد القانوني، ويكون الدفع بعدم قبولها في محله.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المحكمة الإدارية لم تعتد بطلب الإعفاء المقدم من المدعي كإجراء قاطع لميعاد رفع الدعوى، وذلك نتيجة لالتزامها تطبيق النصوص المدنية في شأن المنازعات الإدارية المطروحة عليها، في حين أنه ليس ثمة ما يوجب تطبيق هذه النصوص على المنازعة الإدارية، سواء أكان مرد ذلك إلى النص أم كان مرجعه إلى اختلاف طبيعة هذه المنازعة عن المنازعة الخاصة التي وضع القانون الخاص في الأصل ليحكمها، ومتى عرف ذلك ينهار كل ما يمكن استخلاصه من النصوص الخاصة ليوجه طعناً إلى القضاء الإداري الصادر في شأن الاعتداد بطلب المعافاة كإجراء قاطع لمدة الطعن إذا كانت تلك النصوص هي مبنى الطعن؛ ولذلك فإذا طرحت عند البحث تلك النصوص الخاصة كي يتجه فيه إلى النصوص الإدارية يبين أنها سكتت عن بيان أثر طلب الإعفاء على المواعيد المقررة بها؛ لذلك كان لا مندوحة للقضاء الإداري - بحكم طبيعة وظيفته - من استكمال تلك النصوص بما يحقق الغرض الذي استهدفه المشرع من تقرير هذه الوسيلة كإجراء يقوم مقام الرسوم في رفع الدعوى، وارتسمها كقاعدة قضائية من قواعد القانون الإداري تقوم جنباً إلى جنب مع القواعد التشريعية في مجالات القانون العام.
عن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد:
من حيث إن مبنى هذا الدفع أن قرار فصل المدعي صدر في 30 من مايو سنة 1953، ونشر في الأوامر العمومية لمحافظة مصر في 6 من يوليه سنة 1953، ولم يرفع المدعي دعواه إلا في 21 من مارس سنة 1953؛ ومن ثم تكون الدعوى غير مقبولة شكلاً لرفعها بعد الميعاد.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن الأثر المترتب على طلب المساعدة القضائية، من حيث قطع التقادم أو ميعاد دعوى الإلغاء، يظل قائماً، ويقف سريان التقادم أو الميعاد لحين صدور القرار في الطلب، سواء بالقبول أو الرفض؛ إذ أن نظر الطلب قد يستغرق زمناً يطول أو يقصر بحسب الظروف وحسبما تراه الجهة القضائية التي تنظر الطلب تحضيراً له حتى يصبح مهيأ للفصل فيه، شأنه في ذلك شأن أية إجراءات اتخذت أمام أية جهة قضائية وكان من شأنها أن تقطع التقادم أو سريان الميعاد؛ إذ يقف هذا السريان طالما كان الأمر بيد الجهة القضائية المختصة بنظره، ولكن إذا ما صدر القرار وجب رفع الدعوى خلال الميعاد القانوني محسوباً من تاريخ صدوره، فإن كانت دعوى إلغاء تعين أن يكون خلال الستين يوماً التالية.
ومن حيث إنه قد بان للمحكمة أنه بعد أن صدر قرار فصل المدعي في 30 من مايو سنة 1953 ونشر في الأوامر العمومية لمحافظة مصر في 6 من يوليه سنة 1953 بادر إلى تقديم طلب للجنة المساعدة القضائية بمحكمة القضاء الإداري في أول أغسطس سنة 1953 لإعفائه من رسوم الدعوى التي يزمع رفعها لإلغاء قرار فصله، فصدر قرار هذه اللجنة في 11 من فبراير سنة 1954 بإعفائه من الرسوم، وندب الأستاذ عيسى عبد الحي المحامي لمباشرة الدعوى، ثم رفع دعواه أمام المحكمة المذكورة بإيداع صحيفتها في 21 من مارس سنة 1954، أي خلال الستين يوماً التالية لقرار اللجنة؛ ومن ثم تكون دعواه مقبولة لرفعها في الميعاد القانوني، ويكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه متعيناً إلغاؤه.
عن الموضوع:
من حيث إن الدعوى صالحة للفصل فيها.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه الصادر في 30 من مايو سنة 1953 والمنشور بالأوامر العمومية لمحافظة مصر في 6 من يوليه سنة 1953 بفصل المدعي من الخدمة قد قام على ما نسب إليه من سلوكه سلوكاً مغايراً للترتيب الحسن ونظام البوليس، وذلك أنه بمصر في نحو الساعة 11 مساءً من يوم 28 من إبريل سنة 1952 وجد جالساً بداخل غرزة بدائرة قسم الجمالية يحرق فيها الحشيش، الأمر الذي يحط بكرامة رجال البوليس ويسئ إلى سمعتهم.
ومن حيث إنه ولئن كان المدعي وزملاؤه قد قضي ببراءتهم من تهمة تعاطي الحشيش من محكمة المخدرات في 4 من يناير سنة 1953، إلا أن سبب البراءة يرجع إلى عيب شكلي في إجراءات ضبط الواقعة، وهو ما ذهبت إليه المحكمة من بطلان التفتيش، بمقولة إن الحالة التي هوجم فيها المقهى لم تكن من حالات التلبس التي تسوغ قانوناً تفتيش المقهى، ومهما يكن من أمر في أثر ذلك في خصوص الحكم بالعقوبة الجنائية، إلا أنه لا ينفي قيام سبب الجزاء التأديبي، وهو إخلال الموظف بواجبات وظيفته أو الخروج على مقتضياتها، وقد يثبت ذلك للسلطة التأديبية من أوراق التحقيقات الجنائية ومن التحقيقات التي تجريها هي ومن تسمعهم من الشهود. وقد ثبت لها تواجد المدعي في المقهى التي هاجمها البوليس وضبط بها، وهذا أمر غير منكور منه، كما ثبت من تحليل المادة المضبوطة أنها حشيش، وأن ما علق على حجارة الجوزة آثار حشيش فإذا استفادت من ذلك كله أن المدعي أخل بواجبات وظيفته وخرج على مقتضيات السلوك الواجب على رجل البوليس والابتعاد عما يحط من كرامته ويسئ إلى سمعته، فإن الجزاء التأديبي - والحالة هذه - يكون قد قام على سببه.
ومن حيث إن المدعي ينعى على إجراءات المحاكمة العسكرية مخالفتها للقانون بمقولة إنه بعد أن مثل أمام المجلس العسكري بجلسة 20 من مايو سنة 1953 عاد إلى السجن في ذات اليوم ولم يبرحه بعد ذلك، كما هو ثابت بدفاتر السجن، غير أن المجلس المذكور لما أصدر قراره في 23 من مايو سنة 1953 أثبت فيه حضوره في هذا اليوم، الأمر الذي لم يحدث.
ومن حيث إنه يبين من محضر محاكمة المدعي أمام المجلس العسكري المحرر على أنموذج إجراءات المجالس العسكرية أن المدعي حضر أمام المجلس في يوم 20 من مايو سنة 1953 المحدد لمحاكمته، ووجه إليه المجلس ما رأى توجيهه من أسئلة، وسمع أقوال الشهود ودفاع الضابط الذي ندب للدفاع عنه، واطلع على المذكرة المقدمة منه، ثم انتهت الجلسة. وبعد ذلك اجتمع المجلس بصفة سرية في يوم 23 من مايو ليصدر قراره في الادعاء المنسوب إليه، وقد قرر اعتباره مذنباً فيه، ثم اجتمع بعد ذلك بصفة علنية وأصدر الحكم بسجنه مع الأشغال الشاقة ستة وخمسين يوماً، ولم يثبت المجلس كتابة أن المدعي حضر أمامه في هذه الجلسة - كما يقول المدعي - إلا أن الأنموذج المطبوع الذي تدون عليه إجراءات المحاكمة تضمن نصاً مفاده أنه بعد أن يثبت للمجلس إدانة المتهم وقبل صدور الحكم تفتح الجلسة ثانية، ويستحضر "المسجون" أمامها. والواضح أن هذا هو ما يستمسك به المدعي من أن المجلس العسكري ذكر خلافاً للواقع أنه حضر أمامه في هذا اليوم.
ومن حيث إنه ولئن صح ما يدعيه المدعي من عدم حضوره أمام المجلس بجلسة 23 من مايو سنة 1953، فإن ذلك لا يعتبر من الإجراءات الجوهرية التي يترتب على عدم مراعاتها بطلان المحاكمة؛ لأن هذه الجلسة كانت مخصصة لمداولة المجلس في القرار الذي يصدره في هذا الادعاء والحكم الذي يوقعه عليه، بعد أن يتحقق المجلس من ممثل الادعاء على أن "المسجون" هو نفس الشخص المذكور اسمه في تقرير الادعاء، وأن كشف الجزاءات مستخرج من السجلات والشهادات الخاصة بأخلاق المسجون وتفاصيل خدمته، وقد قدمها ممثل الادعاء واطلع عليها المجلس، ولم يطعن المدعي على هذه الشهادات والبيانات في دعواه الحالية بأي مطعن.
ومن حيث إن الأصل هو عدم صرف مرتب الموظف الموقوف عن عمله، ما لم يقرر الرئيس المختص صرفه كله أو بعضه لأسباب موكولة إلى تقديره، وهذا الأصل رددته المادة 129 من قانون موظفي الدولة. ولئن كان هذا القانون لا يسري على عساكر البوليس والخفراء، وإنما تسري عليهم القوانين واللوائح الخاصة بهم، إلا أنه غني عن البيان أن الحكم المشار إليه هو من الأصول العامة التي رددها القانون المذكور؛ وبهذه المثابة يسري في حق عساكر البوليس والخفراء، ما دام لا يوجد نص يخالف ذلك في القوانين واللوائح الخاصة بهم.
ومن حيث إن المجلس العسكري المركزي أصدر قراراً مستقلاً في يوم 23 من مايو سنة 1953 بحرمان المدعي من مرتبه عن مدة الوقف ترتيباً على القرار الصادر بفصله، واعتمدت الحكمدارية هذا القرار؛ فمن ثم يكون هذا الطلب على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه أيضاً.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم تكون الدعوى بشقيها على غير أساس من القانون، ويتعين القضاء برفضها، مع إلزام المدعي بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبقبول الدعوى، وبرفضها موضوعاً، وألزمت المدعي بمصروفاتها.