مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1980 إلى آخر فبراير سنة 1981) - صـ 319

(46)
جلسة 10 من يناير سنة 1981

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد صلاح الدين السعيد نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد محمد عبد المجيد ونصحي بولس فارس وأبو بكر دمرداش أبو بكر وجبريل محمد جبريل زيادة - المستشارين.

الطعن رقم 748 لسنة 22 القضائية

عاملون بالمعاهد العالية الخاصة - تأديب - مجلس الدولة - اختصاص.
المستفاد من استقراء النصوص القانونية الواردة في القانون رقم 52 لسنة 1970 في شأن تنظيم المعاهد العالية الخاصة إخضاع العاملين بها لنظام تأديبي لا يختلف في مجموعه عن النظام التأديبي الذي يخضع له العاملون المدنيون بالدولة والعاملون بالقطاع العام ويكاد أن يتطابق مع النظام التأديبي الذي يخضع له بعض طوائف الموظفون العموميون من العاملين بالجامعات ورجال الشرطة ورجال السلكين الدبلوماسي والقنصلي - نتيجة ذلك: اختصاص القضاء التأديبي بمجلس الدولة بالفصل في المنازعات التأديبية الخاصة بهم - أساس ذلك - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 31 من يوليه سنة 1976 أودع السيد/ رئيس هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 748 لسنة 22 قضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة التربية والتعليم بجلسة 31 من مايو سنة 1976 في الدعوى رقم 36 لسنة 10 قضائية والقاضي بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الطعن، وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير طعنه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه والقضاء بإحالة الدعوى إلى المحكمة المدنية المختصة.
وبعد إعلان تقرير الطعن على النحو المبين بالأوراق أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها القانوني رأت فيه الحكم بذات الطلبات الواردة بتقرير طعنها، وبعد اتخاذ الإجراءات القانونية عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 25 من يونيه سنة 1980، وبجلسة 9 من يوليه سنة 1980 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الرابعة" وحددت لنظره أمامها جلسة 22 من نوفمبر سنة 1980 وبعد أن سمعت إيضاحات ذوي الشأن قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الحكم المطعون فيه صدر بجلسة 31 من مايو سنة 1976 وقدم الطعن فيه في 31 من يوليه سنة 1976 وبحسبان أن يوم 30 يوليه صادف يوم عطلة رسمية "يوم جمعة" ومن ثم يمتد ميعاد الطعن إلى اليوم التالي ويكون الطعن والحال كذلك قد أقيم في الميعاد مستوفياً أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يستخلص من الأوراق - في أنه بتاريخ 24 من فبراير سنة 1975 أودع السيد....... سكرتارية المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة التربية والتعليم عريضة دعوى قيدت بجدول هذه المحكمة برقم 36 لسنة 10 القضائية طالب فيها الحكم بقبولها شكلاً وفي الموضوع ببطلان وإلغاء قرار وقفه احتياطياً عن العمل الصادر في 5 من أغسطس سنة 1972 وصرف النصف الموقوف صرفه من راتبه اعتباراً من ذات التاريخ وما يترتب على ذلك من آثار، وقال شرحاً لدعواه إنه من ضمن العاملين بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية بشبرا وأنه عين به بوظيفة رائد شباب وظل يؤدي عمله بأمانة حتى فوجئ بقرار يصدر من السيد/ رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للدارسات الاجتماعية بوقفه احتياطياً عن العمل بتاريخ 5 من أغسطس سنة 1972 وصرف نصف راتبه بصفة مؤقتة بدعوى اتهامه بالاستيلاء على جزء من حصيلة الرسوم الخاصة بطلاب ذلك المعهد بالاشتراك مع أمين خزينة المعهد ومضى الطاعن قائلاً إنه على الرغم من أن طبيعة تأهله العلمي والمهني فإنه لا صلة له بالأعمال الإدارية أو المالية، وقد كلفه عميد المعهد بالإشراف على أعمال الخزينة ومراجعة إيراداتها ومصروفاتها الأمر الذي انتهى إلى وصمه بتهمة الاستيلاء على المال العام على النحو الثابت ببلاغ رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للدراسات الاجتماعية للنيابة العامة ضده وأمين الخزينة في 6 من أغسطس سنة 1972، وأضاف المدعي أنه يخضع في تأديبه الإداري لأحكام القانون رقم 117 لسنة 1959 والقانون رقم 19 لسنة 1959 باعتباره من العاملين بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية التابع فنياً وإدارياً لوزارة التعليم العالي، وأن الوقف الاحتياطي له آجال محددة وأن وقفه قد طال لأكثر من ثلاث سنوات وأصبح بغير سند يقتضيه، وبجلسة 31 من مايو سنة 1976 حكمت المحكمة بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وأقامت قضاءها على أن المدعي يعمل بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية بشبرا وهو من المعاهد التي تخضع لأحكام القانون رقم 52 لسنة 1972 في شأن تنظيم المعاهد العالية الخاصة، الذي يتضح من أحكامه أنه أقام نظاماً تأديبياً خاصاً لتأديب أعضاء هيئات التدريس والعاملين في المعاهد العالية الخاصة، ولما كان مفاد ما نصت عليه المادتان 10، 15 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة أن اختصاص المحاكم التأديبية بنظر الطعون محدد بالطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية، والطعون في الجزاءات الموقعة على العاملين بالقطاع العام في الحدود المقررة قانوناً، لذلك لا يكون للمحكمة اختصاص بنظر الدعوى ولائياً.
ومن حيث إن مبنى الطعن أنه وإن كان المدعي من العاملين بأحد المعاهد الخاصة الذين لا يسري في شأنهم أحكام البندين التاسع والثالث عشر من المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، إلا أنه كان يتعين على المحكمة في ضوء طلب المدعي في المنازعة الحالية التي تنصب على إلغاء القرار الصادر بوقفه والذي يدخل في اختصاص مجلس إدارة المعهد وفقاً لأحكام القانون رقم 52 لسنة 1970، أن تأمر بإحالة المنازعة الحالية إلى المحكمة المدنية المختصة إعمالاً لحكم المادة 110 من قانون المرافعات.
ومن حيث إن الثابت من مطالعة أحكام القانون رقم 52 لسنة 1970 في شأن تنظيم المعاهد العالية الخاصة أن المعاهد الخاصة قد أنشئت وفقاً لحكم المادة الثانية منه لتحقيق أحد الأهداف الآتية وهي المعاونة في تحقيق الأهداف التعليمية المقررة لبعض المعاهد الحكومية، وتسيير الدراسة فيها في هذه الحالة وفقاً لخطط ومناهج الدراسة المقررة بالمعاهد الحكومية المماثلة. وتحقيق أهداف خاصة بها طبقاً لخطط ومناهج دراسية تقرها وزارة التعليم العالي قبل تنفيذها، والمشاركة في تحقيق خطط التنمية ووضع العلم في خدمتها، كما قضت المادة الثالثة بخضوع المعاهد العالية الخاصة لإشراف وزارة التعليم العالي ولها حق التفتيش على هذه المعاهد في الحدود وبالقيود الواردة في القانون.
ونظم القانون في الباب الثاني منه إجراءات الترخيص بإنشاء المعاهد العالية الخاصة وشرط في المادة الخامسة منه في صاحب المعهد العالي الخاص أن يكون من الأشخاص الاعتبارية العامة أو من الوحدات الاقتصادية التابعة للمؤسسات العامة أو من النقابات أو من الجمعيات المشكلة وفقاً لأحكام القانون المتمتعين بجنسية جمهورية مصر العربية أو جنسية إحدى الدول العربية بشرط المعاملة بالمثل، كما وضع القانون في الباب الثالث منه النظام الإداري والمالي للمعاهد المذكورة وذلك كله على وجه يكفل لوزارة التعليم العالي هيمنة دقيقة تكاد تكون شاملة سواء في مرحلة الترخيص بالإنشاء أم بالنسبة للنظام الإداري والمالي لهذه المعاهد بعد قيامها، وتأكدت هذه الهيمنة فيما نصت عليه المادة 30 من خضوع امتحانات النقل والامتحانات النهائية للنظم والقواعد التي تقررها وزارة التعليم العالي لكل معهد عال خاص وأن وزارة التعليم العالي تعتمد نتائج الامتحانات النهائية، كما يمنح الطلاب الذين يتمون دراستهم في المعهد بنجاح بكالوريوس أو ليسانس أو دبلوم أو درجة علمية أخرى على حسب الأحوال وتعتمد هذه الشهادات من وزير التعليم العالي ومن دواعي هذه الهيمنة كذلك التنظيم الذي شيدته المواد من 37 وما بعدها إلى المادة 44 في شأن تأديب أعضاء هيئات التدريس بالمعهد والعاملين المعينين بهذه المعاهد فقد حددت المادة 38 العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها عليهم، وأعطت لمدير المعهد توقيع عقوبة الإنذار بالنسبة إلى أعضاء هيئة التدريس والعاملين المعينين بالمعهد أو توقيع عقوبة الخصم من المرتب لمدة لا تجاوز 15 يوماً ولمرتين على الأكثر في السنة بالنسبة للعاملين من غير أعضاء هيئة التدريس، وقضت المادة 39 بأن العقوبات الأخرى لا يجوز توقيعها إلا بقرار من مجلس التأديب، ونظم القانون مجالس التأديب على غرار نظام مجالس التأديب بالجامعات فقضى في المادة 40 منه بأن يشكل مجلس التأديب الابتدائي لأعضاء هيئة التدريس والعاملين بالمعهد من اثنين أعضاء مجلس إدارة المعهد يختارهما المجلس وعضو من إدارة الفتوى المختصة بمجلس الدولة من درجة نائب على الأقل، كما نص في المادة 42 منه على أن يشكل مجلس التأديب الاستئنافي برئاسة رئيس إدارة الفتوى المختص بمجلس الدولة هذا كما أخضع القانون رقم 52 لسنة 1970 سالف الذكر على ما نصت عليه المادة 43 منه أمر وقف العاملين في المعاهد العالية الخاصة عن العمل احتياطياً لأحكام تكاد أن تتطابق مع تلك المنصوص عليها في نظم العاملين المدنيين بالدولة وبالقطاع العام فنصت على أنه لا يجوز أن تزيد مدة الوقف على ثلاثة أشهر إلا بموافقة مجلس التأديب الابتدائي وأن يترتب على وقف العامل وقف صرف نصف مرتبه وأوجبت عرض الأمر على مجلس التأديب الابتدائي فور التقرير بصرف أو عدم صرف النصف الموقوف من المرتب فإذا لم يعرض عليه خلال عشرة أيام من تاريخ الوقف وجب صرف المرتب كاملاً حتى يقرر المجلس ما يتبع في شأن نصف المرتب الموقوف، وأضافت هذه المادة بأنه إذا برئ العامل أو حفظ التحقيق أو عوقب بعقوبة الإنذار صرف إليه ما يكون قد أوقف صرفه من مرتبه فإن عوقب بعقوبة أشد تقرر السلطة التي وقعت العقوبة ما يتبع في شأن المرتب الموقوف صرفه.
ومن حيث إن المستفاد من استقراء النصوص السابقة على هدي باقي أحكام قانون المعاهد العالية الخاصة آنف الذكر ومذكرته الإيضاحية أن المشرع ارتأى لاعتبارات تتصل بحسن سير العمل في هذه المعاهد الخاصة وتحقيق الغرض المأمول من إنشائها إخضاع العاملين بها لنظام تأديبي لا يختلف في مجموعه عن النظام التأديبي الذي يخضع له العاملون المدنيون بالدولة والعاملون بالقطاع العام ويكاد أن يتطابق مع النظام التأديبي الذي يخضع له بعض طوائف الموظفين العموميين مثل العاملين بالجامعات ورجال الشرطة ورجال السلكين الدبلوماسي والقنصلي الذين يختص القضاء التأديبي بمجلس الدولة بالفصل دون غيره في المنازعات التأديبية الخاصة بهم نزولاً على حكم البندين التاسع والثالث عشر من المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 وتنظيم تأديب العاملين بالمعاهد العالية الخاصة على هذا النحو يستتبع لزوماً خضوعهم لذات النظام القضائي الذي يخضع له الموظفون العموميون العاملون بالقطاع العام ويساند هذا النظر ما ذهب إليه المشرع في المادة 15 من قانون مجلس الدولة آنف الذكر من أن تختص المحاكم التأديبية بنظر الدعاوى التأديبية على المخالفات المالية والإدارية التي تقع من العاملين بالجمعيات والهيئات الخاصة التي يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية ممن تجاوز مرتباتهم خمسة عشر جنيهاً كما تختص هذه المحاكم بنظر الطعون المنصوص عليها في البندين تاسعاً وثالث عشر من المادة العاشرة سالفة الذكر لأنه طالما أن العاملين بالجمعيات والهيئات الخاصة التي يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية يخضعون لقضاء المحاكم التأديبية تأديباً وطعناً على النحو السالف بالرغم مما قد يكون هناك من تنافر بين نظمهم التأديبية وتلك التي تسري في شأن الموظفين العموميين والعاملين بالقطاع العام فإن خضوعهم لقضاء المحاكم التأديبية يكون أوجب وألزم إذا ما رأى المشرع نفسه إخضاعهم لنظام تأديبي يتماثل مع بعض نظم التأديب الخاصة بالموظفين العموميين خاصة وأن اكتمال بنيان هذا النظام لا يتأتى إلا بخضوع أفراده لذات النظام القضائي التأديبي الذي يسري في شأن الموظفين العموميين والعاملين بالقطاع العام فيحتكم الجميع لإجراءات ولمبادئ قانونية موحدة يتوجها وحدة النظام التأديبي الذي يخضعون له.
ومن حيث إن القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة قد جاءت نصوصه تنظيماً وتفصيلاً لما قررته المادة 172 من الدستور في صيغة عامة مطلقة حيث نصت على أن مجلس الدولة يختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية بما يدل على أن المشرع قد خلع على المحاكم التأديبية الولاية العامة للفصل في مسائل تأديب العاملين، وأن ولايتها هذه كما تتناول الدعوى التأديبية المبتدأة التي تختص فيها المحكمة بتوقيع جزاء تأديبي فإنها تتناول الطعن في أي جزاء تأديبي على النحو الذي فصلته نصوص قانون مجلس الدولة، وأن اختصاص المحكمة التأديبية بالفصل في هذا الطعن لا تقتصر على الفصل في الجزاءات بل يتناول غيرها من الطلبات الفرعية أو المرتبطة به لاستنادها إلى أساس قانوني واحد يربط بينهم.
ومن حيث إنه متى استبان ما سلف وكان موضوع القرار المطعون فيه وقفاً احتياطياً عن العمل وبسبب تأديبي مرده إلى الاتهام الذي وجهه المعهد العالي للخدمة الاجتماعية للمدعي فإن الاختصاص بالفصل فيه ينعقد للمحكمة التأديبية دون غيرها باعتبارها صاحبة الولاية العامة في مسائل التأديب على الوجه الذي سلف، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم اختصاصه بنظر الدعوى قد خالف صحيح حكم القانون ويتعين الحكم بإلغائه وبإعادة الدعوى إلى المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة التربية والتعليم للفصل في موضوعها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة التربية والتعليم بنظر الدعوى وإعادتها إليها للفصل فيها.