مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1980 إلى آخر فبراير سنة 1981) - صـ 342

(48)
جلسة 10 من يناير سنة 1981

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد نور الدين العقاد وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة نبيل أحمد سعيد وعبد المعطي زيتون ومحمد فؤاد شعراوي وفاروق عبد الرحيم غنيم - المستشارين.

الطعن رقم 134 لسنة 24 القضائية

عقد توريد من غرامة التأخير - الإعفاء منها - (حالاته) - حراسة.
مؤدى نص المادة 107 من لائحة المناقصات والمزايدات أنه متى وقعت جهة الإدارة غرامة التأخير لتوافر شروط استحقاقها بإخلال المتعاقد معها بالتزاماته قبلها - قيام المتعاقد بالشكوى من توقيع الغرامة عليه وإثبات أن التأخير نشأ عن حادث قهري خارج عن إرادته - اقتناع المسئول المختص بذلك في ضوء الظروف والملابسات التي أحاطت بتنفيذ العقد - سلطة هذا المسئول إعفاء المتعاقد من غرامة التأخير - تطبيق عقد توريد كتب مدرسية بعد طبعها - التأخير في التوريد - غرامة التأخير - تقديم المتعاقد شكوى طالباً رفع هذه الغرامة تأسيساً على فرض الحراسة على مطبعته وما يترتب على ذلك من توقف العمل بها - فرض الحراسة على المطبعة لا يعتبر حادثاً قهرياً في تطبيق المادة 107 من لائحة المناقصات والمزايدات - أساس ذلك.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق أول فبراير سنة 1978، أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 134 لسنة 24 القضائية، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 4 من ديسمبر سنة 1977، في الدعوى رقم 503 لسنة 23 القضائية، المقامة من يوسف علام ضد وزير التربية والتعليم، والقاضي "برفض الدعوى مع إلزام المدعي مصروفاتها".
وطلب الطاعن للأسباب المبينة في تقرير طعنه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والفصل في الدعوى على أساس من نص المادة 107 من لائحة المناقصات والمزايدات.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها القانوني مسبباً، انتهت فيه إلى طلب إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بأحقية يوسف علام في استرداد مبلغ 704.309 جنيه (سبعمائة وأربعة جنيهات وثلاثمائة وتسعة مليمات) والفوائد القانونية اعتباراً من تاريخ المطالبة القضائية في 1/ 2/ 1969 مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وبعد اتخاذ الإجراءات القانونية تم نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة بجلسة 19 من مايو سنة 1980 حيث قررت الدائرة إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) لنظره بجلسة 7 من يونيه سنة 1980 وبعد تداول نظر الطعن وسماع ما رأت المحكمة سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحاضر الجلسات قررت إصدار الحكم بجلسة 29 من نوفمبر سنة 1980، ثم قررت مد أجل النطق به لجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، على ما يستفاد من أوراق الطعن، في أن السيد/ ....... أقام الدعوى رقم 503 لسنة 23 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد وزير التربية والتعليم (بصفته) طالباً الحكم بإلزامه برد مبلغ 704.309 جنيه (سبعمائة وأربعة جنيهات وثلاثمائة وتسعة مليمات) قيمة غرامة التأخير التي وقعتها عليه عن عملية توريد بعض الكتب المدرسية عام 1962/ 1963 مع الفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية، والمصاريف. وفي بيان دعواه، ذكر المدعي أن المدعى عليه - بناء على أحكام الأمر العسكري رقم 32 لسنة 1958 بتخويل وزير التربية والتعليم سلطة إصدار أوامر تكليف في المحافظات والمديريات - جرى على إصدار أوامر تكليف له بصفته مالكاً المطبعة المسماة بمطابع الاتحاد المصري للطباعة يكلفه فيها بطبع الكتب المدرسية، وأنه كان حريصاً على تنفيذ التزاماته المفروضة عليه بمقتضى هذه الأوامر في مواعيدها المحددة. وبتاريخ 14 من ديسمبر سنة 1961 أصدر الوزير المذكور أمراً بتكليف المدعي بطبع خمسة كتب مدرسية وتوريدها في موعد غايته نهاية شهر يونيه سنة 1962 وفعلاً بدأ المدعي في أعمال الطباعة بمجرد تسلم النماذج والأصول من الوزارة، إلا أنه في 7 من يناير سنة 1962 أصدر رئيس الجمهورية الأمر رقم 161 لسنة 1962 بفرض الحراسة على المطبعة المشار إليها وعمل بهذا الأمر في ذات التاريخ بنشره في الجريدة الرسمية، مما أدى إلى وضع الأختام على المطبعة وحصر موجوداتها الأمر الذي استتبع توقف العمل في طبع الكتب المدرسية موضوع التكليف حتى اليوم العاشر من مارس سنة 1962 حيث تم الاتفاق بين المدعي والحراسة على البدء في العمل. ونظراً لأن فرض الحراسة يعتبر ظرفاً طارئاً في تطبيق المادة 147 من القانون المدني، خاصة وأن هذا الإجراء لم يكن متوقعاً من قبل المدعي ولم يكن في إمكانه دفعه، فلهذا كان الأمر يقتضي مد مدة التوريد لذات الفترة التي توقفت فيها الحراسة عن الطباعة وهي الفترة من 7/ 1/ 1962 إلى 10/ 3/ 1962 مع عدم اقتضاء أية غرامات تأخير عنها، يضاف إلى ذلك أن الوزارة لم يلحقها أي ضرر من جراء التأخر في توريد الكتب حيث إن التوريد تم قبل بداية العام الدراسي 1962/ 1963. وأن مرد هذا التأخير إلى سبب أجنبي لا دخل لإرادة المدعي فيه، مما كان يتعين معه رفع غرامة التأخير طبقاً لنص المادة 107 من لائحة المناقصات والمزايدات.
وبجلسة 4 من ديسمبر سنة 1977 قضت المحكمة برفض الدعوى مع إلزام المدعي بمصاريفها، مستندة في قضائها هذا إلى عدم توافر شروط تطبيق نظرية الظروف الطارئة، ذلك أن فرض الحراسة على مطبعة المدعي لا يعتبر من قبيل الظروف الطبيعية أو الاقتصادية التي لم تكن في الحسبان عند التعاقد، وإلى أن المدعي نفسه لم يذهب إلى أن ثمة خسائر فادحة حاقت به وأخلت باقتصاديات العقد نتيجة فرض الحراسة. وأن الجهة الإدارية تستقل بتوقيع غرامة التأخير دون حاجة إلى إثبات وقوع ضرر لها.
وينصب الطعن على مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون مع خطئه في تطبيقه وتأويله، ومبنى ذلك أنه ولئن كان لا مجال لتطبيق نظرية الظروف الطارئة على الدعوى، إلا أنه لا شبهة في أن فرض الحراسة على مطبعة المدعي إنما يعتبر حادثاً قهرياً يترتب عليه إعفاؤه من الغرامة المستحقة عن التأخر في التوريد بالقدر الذي تسبب فيه هذا الحادث القهري في التأخير حسبما تكشف عنه أوراق الدعوى وذلك طبقاً لحكم المادة 107 من لائحة المناقصات والمزايدات.
ومن حيث إنه يلزم التنويه بادئ ذي بدء، إلى أنه لا وجه لبحث مدى توافر شروط تطبيق نظرية الظروف الطارئة على المنازعة محل الطعن، ذلك أنه فضلاً عن أن تقرير الطعن ذاته قد سلك نهج الحكم المطعون فيه فيما ذهب إليه من عدم انطباق هذه النظرية على واقعة النزاع. فإن مقتضاها لدى توافر شرط تطبيقها، إنما يتمثل في إلزام الإدارة بتحمل نصيب في الخسارة الفادحة التي لحقت بالجهة المتعاقدة معها واختلت بها اقتصاديات العقد اختلالاً جسيماً، الأمر الذي لا شأن له بحالات غرامات التأخير التي توقع متى توافرت شروط استحقاقها بحصول إخلال في تنفيذ العقد من جانب المتعاقد مع الجهة الإدارية.
ومن حيث إن المادة 107 من لائحة المناقصات والمزايدات تنص على أنه "إذا شكا المتعهد أو المقاول من توقيع الغرامة عليه، وقدم مستندات تثبت أن التأخير نشأ عن حادث قهري، واقتنع بها رئيس المنطقة أو الفرع أو مدير السلاح أو رئيس المصلحة، فيمكنه الموافقة على رفعها إذا لم تزد قيمتها على 50 جنيهاً بالنسبة إلى المناطق والفروع وعلى مائتي جنيه بالنسبة إلى المصالح أو الأسلحة، بشرط أن يعطي إقراراً بأنه لم يلحق الحكومة ضرر أو عطل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من جراء هذا التأخير، ويرافق هذا الإقرار مستندات الصرف. أما ما زاد على ذلك فيكون رفعه من سلطة وكيل الوزارة المختص لغاية 2000 جنيه (ألفي جنيه) وما زاد على ذلك فيكون من سلطة الوزير" ومؤدى هذا النص، أنه متى وقعت جهة الإدارة غرامة التأخير لتوافر شروط استحقاقها بإخلال المتعاقد معها بالتزاماته قبلها، وقام هذا المتعاقد بالشكوى من توقيع الغرامة عليه، وأثبت بما قدمه من مستندات أن التأخير إنما نشأ عن حادث قهري خارج عن إرادته، واقتنع المسئول المختص بذلك في ضوء الظروف والملابسات التي أحاطت بتنفيذ العقد، فإن من سلطة هذا المسئول أن يعفي المتعاقد من غرامة التأخير.
ومن حيث إنه بتطبيق هذه القواعد والأحكام على المنازعة موضوع الطعن، يبين أن وزارة التربية والتعليم أصدرت بتاريخ 14/ 12/ 1961 أمراً بتكليف السيد/ ........ بطبع خمسة كتب مدرسية، على أن يتم توريد كافة الأعداد المطلوبة من هذه الكتب في 30/ 6/ 1962، وإذا لم يتم توريد كامل هذه الأعداد إلا في 29/ 8/ 1962، فتكون مدة التأخر في التوريد حوالي شهرين، وهي ذات المدة التي وقعت عنها الوزارة غرامة تأخير. ولما كان المتعاقد المذكور قد تقدم بعد ذلك بشكوى طالباً رفع هذه الغرامة تأسيساً على فرض الحراسة على مطبعته في 7/ 1/ 1962 وما ترتب على ذلك من توقف العمل بها من هذا التاريخ حتى 10/ 3/ 1962 تاريخ اتفاقه مع الحارس الخاص على البدء في العمل، فتبلغ مدة التوقف عن العمل أكثر من شهرين وهي مدة تستغرق تلك التي تأخر فيها عن التوريد، بالإضافة إلى أن هذا التوقف إنما نشأ عن حادث قهري لا يد له فيه وهو فرض الحراسة على المطبعة، وبعرض الأمر على وكيل الوزارة المختص أشر على المذكرة المعروضة في هذا الشأن بالموافقة على ما انتهت إليه من رفض طلب الإعفاء من غرامة التأخير استناداً إلى أن التأخر في توريد الكتب لم ينشأ عن حادث قهري، ولما كان الأمر رقم 161 لسنة 1962 بفرض الحراسة على المطبعة المشار إليها بناء على القانون رقم 163 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ، لا يعتبر حادثاً قهرياً من شأنه إعفاء المتعاقد من مسئوليته عن إخلاله بتنفيذ التزاماته التعاقدية، فهذه الحراسة هي بطبيعتها من التدابير التي اقتضتها حالة الطوارئ، كإجراء من إجراءات الأمن تلجأ إليه الحكومة لتأمين سلامة البلاد في الداخل والخارج، وهي لا تنصب إلا على أموال الأشخاص، ومن ثم فلا تؤثر في الأصل على ملكية الشخص الذي فرضت الحراسة على أمواله، وكل ما يترتب عليها هو أن ينوب الحارس على هذه الأموال عن الخاضع للحراسة نيابة قانونية في إدارتها واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحصيل ما لهذا الخاضع من حقوق وأداء ما عليه من التزامات، وينبني على ذلك أن ما يترتب على أعمال الحارس من آثار إنما ينصرف إلى الخاضع للحراسة، وأن يسأل الحارس إذا قصر في تأدية واجباته بوصفه نائباً أو وكيلاً عن الخاضع، فيحق للأخير الرجوع عليه بكافة التعويضات عما لحقه من ضرر نتيجة ذلك التقصير. وليس من شك في أنه متى كان الأمر كذلك، وكان فرض الحراسة على المطبعة آنفة الذكر لا يعدو أن يكون مجرد إجراء مؤقت قصد به إلى حفظ هذه المطبعة وإدارتها لحين تسليمها إلى صاحبها على أن يقوم الحارس عليها باقتضاء ما لها من ديون وتنفيذ ما عليها من التزامات وذلك كله لحساب مالكها، فمن ثم لا تعتبر هذه الحراسة بهذا الوصف حادثاً قهرياً يرتب إعفاء الخاضع للحراسة من غرامة التأخير الموقعة عليه نتيجة التأخر في توريد الكتب المدرسية المكلف بتوريدها.
ومن حيث إنه لا محل لما أثارته هيئة مفوضي الدولة، خاصاً باعتبار الحراسة حادثاً قهرياً بالقدر الذي تسبب فيه هذا الحادث في التأخير - ذلك أن هذا النظر لا يستقيم مع منطق الأمور، الذي يقتضي اعتبار واقعة فرض الحراسة في ذاتها حادثاً قهرياً أو عدم اعتبارها كذلك، أما وصفها بالحادث القهري في مرحلة ما أو في وقت ما ووصفها بغير ذلك في مرحلة أخرى أو وقت آخر، فهو أمر غير مقبول يعوزه الاستناد إلى معيار محدد، ثم إنه بفرض صحة واقعة توقف العمل بالمطبعة لمدة شهرين تقريباً لحصر الموجودات وتسلمها بمعرفة الحارس، فإن هذه الواقعة لا ترقى إلى مستوى الحادث القهري الذي من شأنه إقناع الجهة الإدارية برفع غرامة التأخير عن المتعاقد معها، لو قيل بغير ذلك لكان الأمر في خصوصية تحديد مدة التوقف الموجبة للإعفاء من الغرامة متروكاً للحارس ولصاحب المطبعة يطيلان أو يقصران فترة حصر موجوداتها حسبما يتراءى لهما. ومع ذلك فبالاطلاع على ملف العملية، تبين وجود عدة مكاتبات بين وزارة التربية والتعليم وبين المتعاقد معها يوسف علام تحمل تواريخ 17 و31/ 1/ 1962، 6 و18 و21 من فبراير سنة 1962 أي خلال الفترة التي قيل بتوقف العمل بالمطبعة فيها.
ومن حيث إنه في ضوء ما تقدم، لا يعتبر فرض الحراسة على مطبعة المدعي السيد/ ......... في 7/ 1/ 1972 حادثاً قهرياً في تطبيق فيه إلى هذه النتيجة حيث قضى برفض الدعوى وإلزام المدعي بمصاريفها، فيما قامت به من توقيع غرامة تأخير على المدعي لتأخره في توريد الكتب المدرسية المكلف بطبعها، ورفضها طلب رفع هذه الغرامة، فإنها تكون قد أعملت حكم القانون على وجهه الصحيح وتكون دعوى المدعي في هذا الخصوص غير قائمة على أساس سليم من القانون، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة حيث قضى برفض الدعوى وإلزام المدعي بمصاريفها، فإنه يكون قد أصاب الحق فيما انتهى إليه، ويكون الطعن المقدم عنه من السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في غير محله، ويتعين لذلك رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.