مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1980 إلى آخر فبراير سنة 1981) - صـ 365

(51)
جلسة 24 من يناير سنة 1981

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد صلاح الدين السعيد نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد محمد عبد المجيد ونصحي بولس فارس ومحمد عزيز أحمد علي وأبو بكر دمرداش أبو بكر - المستشارين.

الطعن رقم 925 لسنة 20 القضائية

عاملون بالهيئة العامة لبناء السد العالي - تأديب - مجلس تأديب - محاكمة تأديبية - مجلس الدولة - اختصاص.
نص القانون رقم 156 لسنة 1962 في شأن بعض الأحكام الخاصة بالهيئة العامة لبناء السد العالي على تخويل مجلس إدارة الهيئة وضع اللوائح الخاصة بالموظفين والعمال التي تنظم قواعد تعيينهم وترقياتهم ونقلهم وتحديد مرتباتهم وأجورهم ومكافآتهم وتأديبهم وسائر شئونهم الاجتماعية والإدارية دون التقيد بالقوانين واللوائح المعمول بها في الحكومة والمؤسسات العامة والهيئات العامة - صدور قرار وزير الكهرباء والسد العالي رقم 10 لسنة 1968 بإصدار لائحة التحقيق والتأديب والجزاءات للعاملين بالهيئة العامة لبناء السد العالي - نص المادة 14 منه على أن تتولى المحكمة التأديبية المختصة محاكمة العاملين من الدرجة الثانية فما فوقها أما العاملون من الدرجة الثالثة فما دونها فتكون محاكمتهم أمام مجلس تأديب - نظام التأديب وقد صدر بناء على قانون خاص بالهيئة العامة لبناء السد العالي يبقى نافذ المفعول حتى بعد صدور القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة - الأصل المقرر هو أن القانون العام لا يلغي القانون الخاص - لم يشر القانون رقم 47 لسنة 1972 إلى إلغاء صريح لنظم التأديب المقررة بقوانين خاصة فتبقى سارية نافذة حتى بعد العمل بهذا القانون - نتيجة ذلك: الاختصاص في تأديب العاملين بهيئة بناء السد العالي من الدرجة الثالثة فما دونها منوطاً بمجلس التأديب المشكل في هذا الشأن ولا ينعقد الاختصاص في شأنهم للمحكمة التأديبية ابتداء - اختصاصها بنظر الطعن في القرار الإداري النهائي الذي ينتهي إليه مجلس التأديب وجهة التظلم والتعقيب الإدارية ليس من شأنه أن يجعل لها الاختصاص المبتدأ في نظر تأديبهم وإنما هو من شأن مجلس التأديب الذي يمثل الخطوة الأولى أساساً ضمن سلسلة إجراءات تأديب هؤلاء العاملين.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 3 من يوليه سنة 1974 أودع الأستاذ الدكتور محمد عصفور المحامي بصفته وكيلاً عن السادة 1 - .... و2 - ..... و3 - ...... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 925 لسنة 20 قضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بأسيوط بجلسة 5 من مايو سنة 1974 في الدعوى رقم 44 لسنة 1 قضائية الذي قضى بعدم قبول الدفع بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وباختصاصها وبمجازاة المتهم 1 - ......... بخصم خمسة عشر يوماً من راتبه، وبمجازاة المتهم 2 - ....... والمتهم 3 ...... بخصم خمسة أيام من راتب كل منهما، وطلب الطاعنون للأسباب المبينة بتقرير طعنهم الحكم بقبول الطعن شكلاً والحكم أصلياً بعدم اختصاص المحكمة التأديبية بنظر الدعوى، واحتياطياً ببراءة الطاعنين مما نسب إليهم وإلزام الجهة المطعون ضدها المصروفات. وبعد إعلان تقرير الطعن على الوجه المبين بالأوراق قدمت هيئة الدولة تقريراً برأيها القانوني رأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المطعون فيه.
وبعد اتخاذ الإجراءات القانونية عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 28 من مايو سنة 1979 وبجلسة 26 من نوفمبر سنة 1980 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الرابعة" وحددت لنظره أمامها جلسة 13 من ديسمبر سنة 1980 وفيها سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما هو مستخلص من الأوراق - في أنه بتاريخ 30 من يونيه سنة 1973 أودعت النيابة الإدارية سكرتارية المحكمة التأديبية لرئاسة الجمهورية تقرير اتهام ضد السادة 1 - ..... و2 - ...... و3 - ...... نسبت إليهم فيه أنهم خلال الفترة من 27 من مايو سنة 1972 وحتى 9 من أغسطس سنة 1972 بالهيئة العامة لبناء السد العالي خرجوا على مقتضى الواجب الوظيفي ولم يؤدوا الأعمال المنوطة بهم بدقة وأمانة وسلكوا في تصرفاتهم مسلكاً لا يليق والاحترام الواجب وارتكبوا ما من شأنه المساس بمصلحة مالية للدولة بأن الأول:
1 - كلف أحد العمال باستلام طقم البساتم موضوع التحقيق من التاجر...... بالرغم من علمه بمخالفتها للمواصفات الصادر بها أمر التوريد رقم 74 الصادر في 27 من مايو سنة 1972 وبالرغم من أن استلام هذه الأصناف ليس من اختصاصه وإنما من اختصاص إدارة الإمداد والتموين بالهيئة.
2 - لم يقم بإعادة الأصناف المشار إليها للتاجر المذكور بالرغم من تكليفه بذلك بكتاب مدير إدارة الإمداد والتموين بالهيئة رقم 4274 في 14 من يوليه سنة 1972 على النحو المفصل بالأوراق.
3 - حرر مذكرة مؤرخة في 7 من أغسطس سنة 1972 لنائب مدير الهيئة ضمنها طلب صدور أمر مباشر للتاجر..... لتوريد عدد سبعة أطقم بساتم وذلك خوفاً من نفاذها من السوق المحلي بالرغم من أن هذه البساتم كانت موجودة وقت تحرير المذكرة داخل جراج الهيئة على النحو المبين بالأوراق.
الثاني: أجرى فحصاً ظاهرياً للبساتم الواردة من التاجر..... بأسوان ولم يذكر في محضر الفحص الذي حرره أن البساتم مخالفة للمواصفات كما لم يحتفظ بمحضر الفحص الذي حرره وذلك على النحو الوارد تفصيلاً بالأوراق.
الثالث: أجرى فحصاً ظاهرياً للبساتم محل التحقيق ولم يذكر في محضر الفحص الذي شارك فيه أن البساتم مخالفة للمواصفات الواردة بأمر التوريد وذلك على النحو الموضح بالأوراق، وأنه بناء عليه يكون المخالفون المذكورون قد ارتكبوا المخالفة المالية والإدارية المنصوص عليها في المواد 52/ 1/ 2، 53/ 3/ 4، 55/ 1 من القانون رقم 58 لسنة 1971. وطلبت النيابة الإدارية محاكمة المذكورين بالمواد سالفة الذكر وبالمادتين 57، 58 من القانون رقم 58 لسنة 1971 وإعمالاً لحكم المادة 14 من القانون رقم 117 لسنة 1958 والمادتين 3، 9 من القانون رقم 19 لسنة 1959. وعلى أثر صدور قرار رئيس مجلس الدولة رقم 148 لسنة 1973 بإنشاء المحكمة التأديبية بمدينة أسيوط على أن يشمل اختصاصها العاملين بمحافظات المنيا وأسيوط وسوهاج وقنا وأسوان والوادي الجديد. ونظراً لأن المحالين إلى المحاكمة التأديبية تابعون لمحافظة أسوان فقد أحيلت الدعوى إلى المحكمة التأديبية بأسيوط للاختصاص، وبجلسة 5 من مايو سنة 1974 قضت المحكمة التأديبية بعدم قبول الدفع بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وباختصاصها وبمجازاة المتهم 1 - ..... بخصم خمسة عشر يوماً من راتبه، وبمجازاة المتهم 2 - ..... والمتهم 3 -....... بخصم خمسة أيام من راتب كلاً منهما وأقامت قضاءها على أن المحاكم التأديبية كانت تستمد اختصاصها بتأديب العاملين بالجهاز الإداري للدولة من القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية، ولما صدر القانون رقم 19 لسنة 1959 في شأن سريان أحكام قانون النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية على موظفي المؤسسات والهيئات العامة والشركات والجمعيات والهيئات الخاصة أصبحت المحاكم التأديبية مختصة بتأديب العاملين بهذه الجهات إلا أن هذا القانون قد نص في المادة الأولى منه على أنه يجوز بقرار من رئيس الجمهورية استثناء بعض المؤسسات والهيئات المشار إليها من تطبيق أحكام هذا القانون وبالنسبة لهذه الجهات المستثناة فقد كان ينحسر عنها اختصاص المحاكم التأديبية ولعل هذا النظر كان ينطبق على العاملين بالهيئة العامة لبناء السد العالي التي يتبعها المهتمون في الدعوى المنظورة إذ أن القانون رقم 156 لسنة 1962 في شأن بعض الأحكام الخاصة بالهيئة العامة لبناء السد العالي أوضح في مادته الثانية أن مجلس إدارة الهيئة يضع اللوائح الخاصة بالموظفين والعمال التي تنظم قواعد تعيينهم وترقيتهم وتأديبهم دون التقيد بالقوانين واللوائح المعمول بها في الحكومة والمؤسسات العامة والهيئات العامة، إلا أنه بصدور القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة والمعمول به اعتباراً من 5 أكتوبر سنة 1972 أصبحت المحاكم التأديبية تستمد اختصاصها سواء في الدعاوى التأديبية أو في نظر الطعون في الجزاءات الموقعة على العاملين من هذا القانون الذي نص في المادة الثالثة من الفصل الأول من الباب الأول على اعتبار المحاكم التأديبية جزءاً من القسم القضائي بمجلس الدولة ومن ثم أضحى اختصاصها غير مستمد من القانون رقم 117 لسنة 1958 أو القانون رقم 19 لسنة 1959 المشار إليهما الأمر الذي يترتب عليه اعتبار الأحكام الواردة في هذين القانونين المتعارضة مع أحكام قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 في شأن اختصاص المحاكم التأديبية منسوخة بصدور هذا القانون الأخير اللاحق عليهما، وأن القانون رقم 47 لسنة 1972 حول المحاكم التأديبية الاختصاص الشامل دون غيرها في النظر دعاوى التأديب، وأن ما تتذرع به الهيئة العامة لبناء السد العالي من أن اختصاص المحاكم التأديبية لا يشمل العاملين الذين تنظم شئون توظفهم قوانين خاصة، فإن المقصود به أولئك الذين لا يخضعون أصلاً لقوانين العاملين المدنين بالدولة أو القطاع العام وإنما تنظم شئون توظفهم قوانين خاصة بهم كأعضاء هيئة التدريس بالجامعات ورجال الشرطة، وأن مسائل تأديبهم والتحقيق معهم منصوص عليها في صلب القانون ذاته وليس في لوائح أو قرارات وزارية وهي أمور تختلف عما عليه الحال في الهيئة العامة لبناء السد العالي، ومن ثم تكون المحكمة التأديبية هي صاحبة الاختصاص في تأديب العاملين بالهيئة المذكورة وعن موضوع الدعوى فقد خلصت المحكمة إلى أن المستفاد من أوراق الدعوى هو ثبوت المخالفة الأولى والثالثة في حق المتهم الأول وثبوت التهمة التي نسبت إلى المتهمين الثاني والثالث.
ومن حيث إن مبنى الطعن يقوم أساساً على مخالفة الحكم المطعون فيه وللواقع والقانون ذلك أن العاملين بالهيئة العامة لبناء السد العالي ليسوا مستثنين من الخضوع للقواعد الخاصة بتأديب العاملين بالحكومة إعمالاً للرخصة الواردة في المادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1959 وإنما أنشأ لهم المشرع بمقتضى القانون رقم 156 لسنة 1962 المشار إليه نظاماً تأديبياً خاصاً بهؤلاء العاملين على غرار ما قام به بالنسبة لطوائف أخرى مثل رجال الشرطة، وذلك لحكمة خاصة نابعة من الأوضاع الخاصة بمرفق السد العالي اقتضت تحلل العاملين به من الخضوع لنظم التأديب المعمول بها في الحكومة ومن ثم تفويض مجلس الإدارة في وضع قواعد خاصة بتأديب هؤلاء العاملين وتنظيم سائر شئونهم الوظيفية دون التقيد بالقواعد المعمول بها في الحكومة والهيئات والمؤسسات العامة، وتنفيذاً لهذا التفويض أصدر مجلس إدارة الهيئة القواعد الخاصة بتأديب هؤلاء العاملين بمقتضى القرار رقم 32 لسنة 1964 الذي حل محله القرار رقم 10 لسنة 1968 والذي جعل الاختصاص بمحاكمة العاملين بها من شاغلي الدرجة الثالثة فما دونها لمجلس تأديب العاملين بالهيئة وأن الطاعنين عند إقامة الدعوى كانوا ممن يشغلون الدرجة الثالثة فيكون الاختصاص بتأديبهم منعقداً لمجلس التأديب بالهيئة. وفيما يتعلق بالموضوع أبدى الطاعنون أن ما نسب إليهم من اتهام لا يقوم على أساس من الواقع والقانون.
ومن حيث إن القانون رقم 156 لسنة 1962 في شأن بعض الأحكام الخاصة بالهيئة العامة لبناء السد العالي قد خول - بمقتضى المادة الثانية منه - مجلس إدارة الهيئة وضع اللوائح الخاصة بالموظفين والعمال التي تنظم قواعد تعيينهم وترقياتهم ونقلهم وتحديد مرتباتهم وأجورهم ومكافآتهم وتأديبهم وسائر شئونهم الاجتماعية والإدارية وذلك دون التقيد بالقوانين واللوائح المعمول بها في الحكومة والمؤسسات العامة والهيئات العامة وأن تعتمد هذه اللوائح من وزير السد العالي، وقضت المادة الثالثة بأن يلغى كل نص يتعارض وأحكام هذا القانون.
ومن حيث إنه قد صدر - نفاذاً لهذا القانون - القرار رقم 10 لسنة 1968 من وزير الكهرباء والسد العالي بإصدار لائحة التحقيق والتأديب والجزاءات للعاملين بالهيئة العامة لبناء السد العالي وقد نصت المادة 14 منه على أن "تتولى المحكمة التأديبية المختصة محاكمة العاملين من الدرجة الثانية فما فوقها أما العاملون من الدرجة الثالثة فما دونها فتكون محاكمتهم أمام مجلس تأديب يشكل بقرار من رئيس مجلس إدارة الهيئة من اثنين من كبار العاملين بالهيئة لا تقل درجتهما عن الثانية وأحد أعضاء الإدارة القانونية ويرأس المجلس أعلى الأعضاء درجة ثم أقدمهم ثم أكبرهم سناً حسب الأحوال، وأوردت المواد التالية بعض الأحكام المتعلقة بحدود اختصاص مجلس التأديب وإجراءات إقامة الدعوى التأديبية ومباشرتها أمامه وشروط صحة انعقاد المجلس وقراراته، وقضت المادة 19 بأن قرارات المجلس تكون نافذة ويجوز التظلم منها إلى رئيس مجلس الإدارة خلال ستين يوماً من تاريخ العلم بالقرار ويكون له تخفيف العقوبة دون تشديدها.
ومن حيث إنه يبين مما سلف حرص المشرع على أن يخص العاملين في الهيئة العامة لبناء السد العالي - تقديراً للاعتبارات التي أحاطت تنفيذ المشروع - بتنظيم خاص لحياتهم الوظيفية ومن بينها كيفية تأديبهم والجهات التي ناط بها توقيع الجزاءات التأديبية، وصاغ في هذا الخصوص طريق التأديب على وضع فرق فيه بين العاملين من الدرجة الثانية فما فوقها فجعل الاختصاص في تأديبهم منوطاً بالمحكمة التأديبية المختصة وأما من هم في الدرجة الثالثة فما دونها فقد عهد إلى مجلس تأديب يشكل بقرار من رئيس مجلس إدارة الهيئة على الوجه الذي سلف. وبهذه المثابة فإن هذا النظام من التأديب وقد صدر بناء على قانون خاص بالهيئة العامة لبناء السد العالي ويبقى قائماً نافذ المفعول حتى بعد صدور القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة الذي جعل الولاية في تأديب العاملين المدنيين بالجهاز الإداري للدولة للمحاكم التأديبية، ذلك أن الأصل المقرر هو أن القانون العام لا يلغي القانون الخاص وإذ لم يشر القانون رقم 47 لسنة 72 المشار إليه إلى إلغاء صريح لنظم التأديب المقررة بقوانين خاصة فإنها تبقى سارية نافذة حتى بعد العمل بهذا القانون. ومن ثم فإن ولاية تأديب العاملين من الدرجة الثالثة فما دونها بهيئة بناء السد العالي - شأن الطاعنين - تكون قد نيطت قانوناً بمجلس التأديب المشكل على الوجه سالف البيان، وإذا كانت قرارات هذا المجلس لا تعد بمثابة الأحكام التي تصدرها المحاكم التأديبية بحسبان أن قراراته ليست نهائية وإنما يجوز التظلم منها للسلطة الرئاسية ممثلة في رئيس مجلس الإدارة الذي يملك سلطة التعقيب عليها على الوجه الذي فصلته المادة 19 من القرار الوزاري رقم 10 لسنة 1968 آنف الذكر، فإن مجلس التأديب يبقى خطوة من خطوات تأديب هذه الطائفة من العاملين وهي خطوة شكلية ضمن حلقة متصلة تتعلق بالأسلوب الإجرائي المرسوم لتأديبهم لا ينبغي الحيد عنها أو إغفالها، ويبقى على ذلك الاختصاص في تأديب العاملين بهيئة بناء السد العالي من الدرجة الثالثة فما دونها منوطاً بمجلس التأديب المشار إليه في المادة 14 من القرار الوزاري المذكور ولا ينعقد الاختصاص في شأنهم للمحكمة التأديبية ابتداء، ذلك لأن اختصاصها بنظر الطعن في القرار الإداري النهائي الذي قد ينتهي إليه مجلس التأديب وجهة التظلم والتعقيب الإدارية، ليس من شأنه أن يجعل لها الاختصاص المبتدأ في نظر تأديبهم وإنما هو من شأن مجلس التأديب الذي يمثل الخطوة الأولى أساساً ضمن سلسلة إجراءات تأديب هؤلاء العاملين.
ومن حيث إنه متى استبان ما سلف فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى ابتداء بتأديب عاملين بالهيئة العامة لبناء السد العالي من الدرجة الثالثة فما دونها يكون قد خالف صحيح حكم القانون ويتعين الحكم بإلغائه.
ومن حيث إن ما تقضي به المادة 110 من قانون المرافعات المدنية والتجارية من وجوب إحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة عند الحكم بعدم الاختصاص فإنه لما كان حكم هذا النص لا يسري إلا بين المحاكم القضائية، وكان مجلس تأديب العاملين بالهيئة العامة لبناء السد العالي ليس بمحكمة على ما سلف بيانه فإنه لا يكون ثمة مجال لإعمال حكم هذا النص في الحالة الماثلة.
ومن حيث إنه لما كان ما تقدم فقد تعين الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه والجهة الإدارية وشأنها في أمر تأديب الطاعنين باعتبار أن أمر تأديبهم ابتداء منوط بها دون المحكمة التأديبية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص الجهة الإدارية بأمر تأديب الطاعنين.