مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 325

(41)
جلسة 14 من ديسمبر سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1698 لسنة 2 القضائية

ميعاد الستين يوماً - أثر رفع الدعوى أمام محكمة غير مختصة أو تقديم طلب المساعدة القضائية في قطع هذا الميعاد - مثال.
متى ثبت أن القرار الإداري المطعون فيه أبلغ إلى المدعي في 18 من سبتمبر سنة 1954، فأقام في 12 من أكتوبر سنة 1954 دعواه الأولى التي قضى فيها بعدم الاختصاص في 29 من يناير سنة 1955، وفي 16 من فبراير سنة 1955 تقدم إلى لجنة المساعدة القضائية بطلب إعفائه من رسوم الدعوى التي يرغب في رفعها بطلب إلغاء القرار المشار إليه، فقررت اللجنة بجلسة 19 من يوليه سنة 1955 رفض هذا الطلب؛ وبناءً على ذلك أقام دعواه الحالية بإيداع صحيفتها سكرتيرية المحكمة في 6 من سبتمبر سنة 1955، أي خلال الستين يوماً من تاريخ صدور قرار اللجنة بعد سبق رفع دعواه الأولى وتقديم طلب المساعدة القضائية في الميعاد القانوني - متى ثبت ذلك، فإن دعواه تكون مقبولة.


إجراءات الطعن

في 28 من يوليه سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1698 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات ومصلحة السكك الحديدية بجلسة 28 من مايو سنة 1956 في الدعوى رقم 472 لسنة 2 القضائية المقامة من شفيق إبراهيم ضد مصلحة التلغرافات والتليفونات، القاضي "بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد، وألزمت المدعي بالمصاريف". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون، وإعادة القضية إلى المحكمة الإدارية للفصل فيها مجدداً". وقد أعلن هذا الطعن إلى مصلحة التلغرافات والتليفونات في 14 من نوفمبر سنة 1956، وإلى المطعون لصالحه في 17 منه. وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 22 من يونيه سنة 1957. وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته. وفي 5 من يونيه سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة التي عينت لنظر الطعن، وفيها وفي جلسة 9 من نوفمبر سنة 1957 التي أجل إليها نظر الطعن لضم المفردات وتقديم مذكرات ومستندات سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
( أ ) عن قبول الدعوى:
من حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي كان يشغل وظيفة مساعد مهندس في الدرجة السادسة الشخصية بمصلحة التليفونات، وفي 18 من سبتمبر سنة 1954 أبلغته المصلحة بأن مدة خدمته تنتهي ببلوغه سن الستين في 25 من يناير سنة 1955، فرفع الدعوى رقم 16 لسنة 2 القضائية أمام المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات ومصلحة السكك الحديدية بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 12 من أكتوبر سنة 1954، طالباً الحكم بأحقيته في البقاء في الخدمة حتى سن الخامسة والستين بالتطبيق لأحكام قانون المعاشات الصادر في سنة 1909، وما يترتب على ذلك من آثار. وبجلسة 29 من يناير سنة 1955 قضت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى؛ لتضمن طلبه طعناً بإلغاء القرار الصادر من المصلحة بإنهاء خدمته، وهو ما يخرج عن اختصاصها بحكم القانون رقم 147 لسنة 1954. فتقدم في 16 من فبراير سنة 1955 إلى لجنة المساعدة القضائية بمحكمة القضاء الإداري بطلب لإعفائه من رسوم دعوى إلغاء قرار فصله قيد برقم 396 لسنة 9 القضائية (معافاة)، وقد أحيل هذا الطلب إلى المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات ومصلحة السكك الحديدية طبقاً للقانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة؛ حيث قيد برقم 6281 لسنة 2 القضائية (معافاة). وبجلسة 19 من يوليه سنة 1955 تقرر رفض هذا الطلب. وعلى إثر ذلك أقام الدعوى رقم 472 لسنة 2 القضائية أمام المحكمة الإدارية المذكورة بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 6 من سبتمبر سنة 1955 طالباً "الحكم بإلغاء قرار 18 من سبتمبر سنة 1954 الصادر بفصله اعتباراً من تاريخ بلوغه السن القانونية في 25 من يناير سنة 1955، وما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وبجلسة 28 من مايو سنة 1956 قضت المحكمة "بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد، وألزمت المدعي بالمصاريف". وأقامت قضاءها على أن المدعي أقام دعواه بطلب إلغاء القرار المطعون فيه بمجرد علمه به، ولكن المحكمة قضت في 29 من يناير سنة 1955 بعدم اختصاصها بنظر الدعوى. ولما كان هذا الإجراء قد قطع ميعاد رفع دعوى الإلغاء حتى هذا التاريخ فإنه يبدأ منه ميعاد طعن جديد للمدعي مقداره ستون يوماً، وقد انتهى هذا الميعاد في 29 من مارس سنة 1955؛ ومن ثم فإن الدعوى تكون قد رفعت بعد فوات الميعاد القانوني، ولا عبرة بطلب المساعدة القضائية الذي تقدم به المدعي؛ إذ ليس من أثر هذا الطلب وقف أو قطع ميعاد سقوط دعوى الإلغاء في ظل القانون رقم 165 لسنة 1955، ويتعين القضاء بعدم قبول الدعوى شكلاً لهذا السبب، ولو لم تدفع الحكومة بذلك؛ لتعلق هذا الدفع بالنظام العام. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 28 من يوليه سنة 1956 طلب فيها "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإعادة القضية إلى المحكمة الإدارية للفصل فيها مجدداً". واستند في أسباب طعنه إلى أن المحكمة لم تعتد بطلب المعافاة كإجراء قاطع لميعاد رفع الدعوى نتيجة لتطبيق النصوص المدنية على المنازعة المطروحة عليها، مع أنه ليس ثمة ما يوجب تطبيق هذه النصوص حتماً على المنازعة الإدارية التي تختلف في طبيعتها عن المنازعة الخاصة التي وضع القانون الخاص في الأصل ليحكمها. ولما كانت النصوص الإدارية قد سكتت عن بيان أثر طلب المعافاة على المواعيد المقررة بها، فلا مندوحة للقضاء الإداري بحكم طبيعة وظيفته من استكمال تلك النصوص بما يحقق الغرض الذي استهدفه المشرع من تقرير هذه الوسيلة كشرط يقوم مقام الرسوم في رفع الدعوى. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، ويتعين الطعن فيه.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأنه بغض النظر عما نصت عليه المادة 383 من القانون المدني وعما عليه الرأي الغالب في مجال القانون الخاص من أن الطلب الذي يقدم إلى لجنة المساعدة القضائية للإعفاء من رسوم الدعوى ولتعيين محام لا يرقى إلى مرتبة الإجراء القاطع للتقادم، فإن روابط القانون العام تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص. وقد وضعت قواعد القانون المدني لتحكم روابط القانون الخاص؛ ولذا فإنها لا تطبق وجوباً على روابط القانون العام إلا إذا وجد نص يقضي بذلك، فإن لم يوجد فلا يلتزم القضاء الإداري بتطبيق القواعد المدنية حتماً وكما هي. وقد مالت مقتضيات النظام الإداري بهذا القضاء إلى تقرير أنه يقوم مقام المطالبة القضائية في قطع التقادم الطلب أو التظلم الذي يوجهه الموظف إلى السلطة المختصة متمسكاً فيه بحقه مطالباً باقتضائه. وليس من شك في أن هذا يصدق من باب أولى على طلب المساعدة القضائية للدعوى التي يزمع صاحب الشأن رفعها على الإدارة؛ إذ هو أقوى في معنى الاستمساك بالحق والمطالبة بأدائه وأمعن في طلب الانتصاف من مجرد الطلب أو التظلم الذي يقدمه الموظف إلى الجهة الإدارية، بل هو يجمع بين طبيعة التظلم الإداري وبين طبيعة التظلم القضائي، فلا أقل - والحالة هذه - من أن يترتب عليه ذات الأثر المترتب على مجرد الطلب أو التظلم الإداري من حيث قطع التقادم أو قطع ميعاد رفع دعوى الإلغاء. ويظل هذا الأثر قائماً لحين صدور القرار في طلب المساعدة القضائية، سواء بالقبول أو بالرفض؛ إذ أن نظر الطلب قد يستغرق زمناً يطول أو يقصر فينقطع التقادم أو يقف سريان الميعاد، طالما كان الأمر بيد الجهة القضائية المختصة بنظره. ولكن إذا ما صدر القرار وجب إقامة الدعوى خلال الميعاد القانوني محسوباً من تاريخ صدوره فإن كانت دعوى إلغاء تعين أن يكون خلال الستين يوماً التالية.
ومن حيث إنه يتضح من الأوراق أن القرار المطعون فيه أبلغ إلى المدعي في 18 من سبتمبر سنة 1954، فأقام في 12 من أكتوبر سنة 1954 دعواه الأولى التي قضي فيها بعدم الاختصاص في 29 من يناير سنة 1955، وفي 16 من فبراير سنة 1955 تقدم إلى لجنة المساعدة القضائية بطلب إعفائه من رسوم الدعوى التي يرغب في رفعها بطلب إلغاء القرار المشار إليه، وقد تمت هذه الإجراءات جميعها صحيحة منتجة لآثارها في ظل سريان أحكام القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة التي ما كانت تتطلب لقبول الدعوى تظلماً إدارياً سابقاً. وقبل العمل بأحكام القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، فقررت اللجنة بجلسة 19 من يوليه سنة 1955 رفض هذا الطلب؛ وبناءً على ذلك أقام دعواه الحالية بإيداع صحيفتها سكرتيرية المحكمة في 6 من سبتمبر سنة 1955، أي خلال الستين يوماً من تاريخ صدور قرار اللجنة بعد سبق رفع دعواه الأولى وتقديم طلب المساعدة القضائية في الميعاد القانوني؛ ومن ثم فإن دعواه تكون مقبولة، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم قبولها شكلاً لرفعها بعد الميعاد قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين القضاء بإلغائه.
(ب) عن الموضوع [(1)]:

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وبقبول الدعوى، ورفضها موضوعاً، وألزمت المدعي بمصروفاتها.


[(1)] موضوع هذه القضية يتضمن مبادئ مماثلة لتلك المقررة بالسنة الأولى من هذه المجموعة، ببندي 39 و65، ص 325 و526.