مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1980 إلى آخر فبراير سنة 1981) - صـ 379

(53)
جلسة 24 من يناير سنة 1981

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد نور الدين العقاد وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة نبيل أحمد سعيد ومحمد فؤاد شعراوي وعبد المعطي زيتون وفاروق عبد الرحيم غنيم - المستشارين.

الطعن رقم 444 لسنة 25 القضائية

دعوى - طلب الإلغاء - طلب وقف التنفيذ - هيئة مفوضي الدولة - إجراءات - حالات لزوم تحضير الدعوى قبل الفصل فيها - تحضير الدعوى - حكم في الدعوى.
الدعوى الإدارية لا يسوغ الحكم فيها إلا بعد أن تقوم هيئة مفوضي الدولة بتحضيرها وتهيئتها للمرافعة وتقديم تقرير بالرأي القانوني مسبباً فيها - الإخلال بهذا الإجراء الجوهري يترتب عليه بطلان الحكم الذي يصدر في الدعوى - لا سبيل إلى الخلط بين الحكم الصادر في دعوى الإلغاء والذي لا غنى فيه عن وجوب تحضيرها وتهيئتها للمرافعة وتقديم تقرير فيها من قبل هيئة مفوضي الدولة وبين الأمر الصادر من المحكمة بوقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه أو رفض هذا الطلب - الحكم الصادر بوقف التنفيذ القرار أو رفض طلب وقف التنفيذ مؤقت بطبيعته يغدو غير ذي موضوع بصدور الحكم في الدعوى الأصلية - إجراءات تحضير الدعوى من قبل هيئة مفوضي الدولة والمنصوص عليها قانوناً لا تنصرف إلى طلب وقف التنفيذ الذي يلازمها - إطراد صحيح لأحكام محكمة القضاء الإداري في الفصل في طلب وقف التنفيذ دون استلزام إجراءات التحضير من قبل هيئة مفوضي الدولة.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 31 من مارس سنة 1979 أودع الأستاذ إبراهيم عانوس المحامي نيابة عن الأستاذ لبيب معوض المحامي بصفته وكيلاً عن السيد...... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 444 لسنة 25 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 30 من يناير 1979 والدعوى رقم 1971 لسنة 32 القضائية المقامة من الطاعن ضد:
1 - وزير الاقتصاد والتعاون الخارجي.
2 - النائب العام والذي قضى بعدم قبول الدعوى وإلزام المدعي المصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الحكم شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار وزير الاقتصاد فيما تضمنه من مصادرة المضبوطات ملك الطالب في القضية رقم 15 لسنة 1978 (11مسلسل) جنح مالية، وفي الموضوع بإلغاء القرار واعتباره كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار، وفي جميع الأحوال بإلزام جهة الإدارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة بحكم مشمول بالنفاذ المعجل. وأعلن تقرير الطعن إلى الجهة الإدارية في 18 من إبريل سنة 1979.
وعقبت هيئة مفوضي الدولة على الطعن بتقرير بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه أصلياً بإلغاء الحكم المطعون فيه وإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري فيها مجدداً بعد أن تقوم هيئة مفوضي الدولة بتحضير الدعوى وتهيئتها وتقديم تقرير بالرأي القانوني مسبباً مع إبقاء الفصل في المصروفات، واحتياطياً برفض الطعن وإلزام الطاعن مصروفاته.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 29 من سبتمبر سنة 1980، وبجلسة 3 من نوفمبر سنة 1980 تقرر إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا التي عين لنظره أمامها جلسة 6 من ديسمبر سنة 1980 وفيها تقرر إصدار الحكم بجلسة اليوم. وقد صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة على ما بين من الأوراق تحصل في أنه بعريضة مودعة قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 8 من أغسطس سنة 1978 أمام السيد...... الدعوى رقم 1971 لسنة 32 القضائية ضد:
1 - وزير الاقتصاد والتعاون الاقتصادي.
2 - النائب العام طالباً الحكم:
أولاً: بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار وزارة الاقتصاد فيما تضمنه من مصادرة المضبوطات ملك الطالب في القضية رقم 15 لسنة 1978 (11مسلسل) جنح مالية.
ثانياً: وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار واعتباره كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وذهب المدعي شرحاً لدعواه إلى أنه اتهم في القضية رقم 15 لسنة 1978 بالقيام بعملية من عمليات النقد الأجنبي والتعامل في أوراق النقد الأجنبي الموضحة في محضر ضبط الواقعة على خلاف الشروط والأوضاع المقررة قانوناً وعن غير طريق المصارف المرخص لها، وقد سحبت وزارة الاقتصاد الطلب المقدم منها لسلطة الاتهام لتحريك الدعوى الجنائية ضده بناء على مقتضى المادة 10 من قانون العقوبات، بيد أن المصادرة الإدارية التي أعقبت هذا السحب والتي وقعت في ظل الدستور سنة 1971 تنحدر إلى مرتبة العدم وتتضمن اعتداء على حرمة المال وحصانته الدستورية ضد المصادرة. وأضاف المدعي طلباً احتياطياً بوقف الدعوى تمهيداً لرفع الدعوى بعدم دستورية المادة 14 من القانون رقم 97 لسنة 1976 بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبي.
ورداً على الدعوى أبدت الجهة الإدارية أن المدعي ضبط بتاريخ 6 من يناير سنة 1978 عند خروجه من البلاد ومعه مبالغ من النقد المصري والأجنبي مخالفاً بذلك أحكام المادتين الأولى والتاسعة من القانون رقم 97 لسنة 1976 المشار إليه والمادتين 43 و44 من لائحته التنفيذية وقد قبل التصالح مع الوزارة في مقابل مصادرة الأموال المضبوطة وعدم تحريك الدعوى العمومية تطبيقاً لأحكام المادة 14 من هذا القانون، وبناء على ذلك صدر قرار مدير عام النقد 113 بتاريخ 9 من مارس سنة 1978 بعدم طلب رفع الدعوى العمومية وقبول التصالح مقابل مصادرة النقد المصري والأجنبي المضبوط. ودفعت الجهة الإدارية أصلياً بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد واستمسكت احتياطياً برفضها بشقيها العاجل والموضوعي.
ومن حيث إن محكمة القضاء الإداري قضت بجلسة 30 من يناير سنة 1979 بعدم قبول الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات، وأقامت قضاءها على ما استظهرته من عيون الأوراق من أن القرار المطعون فيه صدر في 9 من مارس سنة 1978 حال أن المدعي لم يقم دعواه إلا في 8 من أغسطس سنة 1978 وأنه كان على علم بالقرار الطعين منذ صدوره بل ولم يصدر هذا القرار إلا بناء على طلبه، وأن الدفع بعدم دستورية المادة 14 من القانون رقم 97 لسنة 1976 حرى بالالتفات عنه إذ سبق للمحكمة العليا في طلب التفسير رقم 10 لسنة 8 القضائية أن انتهت إلى أنه يتعين - حال صدور قرار بالتصالح في الدعوى الجنائية عن الجرائم التي ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون - مصادرة المبالغ والأشياء موضوع الجريمة، كما قضت في الدعوى رقم 3 لسنة 8 القضائية دستورية بعدم دستورية نص المادة التاسعة من القانون رقم 80 لسنة 1947 فيما تضمنته من إجازة المصادرة الإدارية وذلك ما لم تكن هذه المصادرة تمت بالاتفاق بين الجهة الإدارية والمخالف مقابل تنازل الجهة الإدارية عن الدعوى على النحو الذي أجازه المشرع عند إصداره القانون رقم 97 لسنة 1976 بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبي.
ومن حيث إن الطعن الماثل قوامه أن الحكم الطعين خالف صحيح حكم القانون وأخطأ تطبيقه وتأويله فيما انتهى إليه من عدم جدية الدفع بعدم دستورية المادة 14 من القانون رقم 97 لسنة 1976 بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبي، ذلك أن التفسير التشريعي الصادر من المحكمة العليا لا يعلو على التشريع ذاته أو يضفي عليه من الدستور ما يفتقده أصلاً، كما وأن الحكم الصادر من المحكمة العليا في الدعوى رقم 3 لسنة 8 القضائية إنما ينصب على مدى دستورية المادة التاسعة من القانون رقم 80 لسنة 1947 دون المادة 14 من القانون رقم 97 لسنة 1976 والتي لم يصدر الحكم بشأنها أصلاً. ومقتضى ذلك أن القرار الطعين صدر مخالفاً للمادة 36 من الدستور منطوياً فيما أنزله من عقوبة المصادرة على غصب للسلطة وعدوان مادي ينحدر به إلى مرتبة العدم فلا تلحقه حصانة ولا ينحسر عيبه بفوات ميعاد.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة تعتبر أمينة على المنازعة الإدارية وعاملاً أساسياً في تحضيرها وتهيئتها للمرافعة وفي إبداء الرأي القانوني المحايد فيها إذ ناط قانون مجلس الدولة - الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 - بالهيئة تحضر الدعوى وتهيئتها للمرافعة على أن يودع المفوض فيها تقريراً يحدد وقائع الدعوى والمسائل التي يثيرها النزاع ويبدي رأيه مسبباً، ويتفرع عن ذلك أن الدعوى الإدارية لا يسوغ الحكم فيها إلا بعد أن تقوم هيئة مفوضي الدولة بتحضيرها وتهيئتها للمرافعة وتقديم تقرير بالرأي القانوني مسبباً فيها، ومن ثم فإن الإخلال بهذا الإجراء الجوهري، على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة يترتب عليه بطلان الحكم الذي يصدر في الدعوى.
ومن حيث إنه لا سبيل إلى الخلط بين الحكم الصادر في دعوى الإلغاء والذي لا غنى فيه عن وجوب تحضيرها وتهيئتها للمرافعة وتقديم تقرير فيها من قبل هيئة مفوضي الدولة، وبين الأمر الصادر من المحكمة بوقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه أو رفض هذا الطلب، وذلك أن الحكم الصادر بوقف تنفيذ القرار أو رفض طلب وقف التنفيذ مؤقت بطبيعته يغدو غير ذي موضوع بصدور الحكم في الدعوى الأصلية، وأن إجراءات تحضير الدعوى من قبل هيئة مفوضي الدولة والمنصوص عليها قانوناً إنما تنصرف إلى تحضير تلك الدعوى لا إلى طلب وقف التنفيذ الذي قد يلازمها، والذي لا يتمحض أبداً دعوى مستقلة منفصلة قائمة بذاتها، وفي استلزام تلك الإجراءات بالنسبة إلى هذا الطلب وإرجاء الفصل فيه إلى أن يكتمل تحضير الدعوى إضرار بطبيعته وتفويت لغاياته وموجبه وإهدار لظروف الاستعجال وهي قوامه ومبرره - وقد كان الأصل على ما يبين من استقراء أحكام المادتين 9 من القانون رقم 112 لسنة 1946 بإنشاء مجلس الدولة و10 من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة، إسناد اختصاص الفصل في هذا الطلب إلى رئيس مجلس الدولة وحده إذ وسد له الأمر موقف تنفيذ القرار الطعين إذ رأى أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها، إدراكاً لطابع الاستعجال الذي يلازمه ووجوب النأي به عن التقيد بالإجراءات المتبعة في نظر الدعاوى. ولئن كان القانون رقم 6 لسنة 1952 ومن بعده القوانين المتعاقبة الصادرة في شأن مجلس الدولة قد عهدت بهذا الاختصاص إلى المحكمة ذاتها عوضاً عن استئثار رئيس المجلس وحده به قدراً لأهمية القرار الإداري وخطورة الأمر بوقف تنفيذه، إلا أن هذا التعديل ليس من شأنه ضياع الغايات المتوخاة أصلاً من هذا الطلب وإهدار ظروف الاستعجال وهي طابعه ولازمه وإخضاعه لعين الإجراءات المتبعة في نظر الدعاوى ومن بينها إجراءات التحضير من قبل هيئة مفوضي الدولة على ما انتظمتها القوانين اللاحقة الصادرة في شأن تنظيم مجلس الدولة، ومن ثم فقد أطرد صحيح قضاء محكمة القضاء الإداري في هذا الشأن على الفصل في طلب وقف التنفيذ دون استلزام إجراءات التحضير من قبل هيئة مفوضي الدولة إدراكاً لطبيعة هذا الطلب وصحيح النظر في شأنه، بيد أن هذا الأمر لا ينبغي أن يتعدى إلى الفصل في دعوى الإلغاء ذاتها بالتجاوز عن تحضيرها من قبل هيئة المفوضين وإلا انطوى هذا الفصل على إهدار لكل الإجراءات المنصوص عليها قانوناً في شأن تحضير الدعوى من قبل الهيئة، وهي إجراءات جوهرية لا غنى عن أن تصادفها الدعوى الأصلية قبل الفصل فيها وإلا وقع هذا الحكم الصادر في هذا الشأن مشوباً بالبطلان.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الحكم الطعين صدر في الدعوى الأصلية قبل أن تقوم هيئة مفوضي الدولة بتهيئتها للمرافعة وتقريرها فيها ومن ثم شابه بطلان جوهري على وجه يقتضي القضاء بإلغائه إعادة الدعوى للفصل فيها مجدداً دائرة أخرى من دوائر محكمة القضاء الإداري بعد أن تقدم هيئة مفوضي الدولة تقريرها فيها مع إلزام الجهة الإدارية مصروفات الطعن.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.