مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 330

(42)
جلسة 14 من ديسمبر سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1699 لسنة 2 القضائية

ميعاد الستين يوماً - تحديد بدايته في الحالات التي يقدم فيها تظلم إلى الجهة الإدارية قبل رفع دعوى الإلغاء - عند تكرر التظلمات تكون العبرة في هذا الصدد بأول تظلم مقدم في ميعاده.
في الحالات التي يستوجب القانون تقديم التظلم قبل رفع دعوى الإلغاء بالتطبيق للمادتين 12 و19 من القانون رقم 165 لسنة 1955 يتعين على رافع الدعوى أن ينتظر المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم، وهي ستون يوماً، فلا يرفع دعواه قبل مضيها، وأن يرفعها بعد ذلك في ميعاد الستين يوماً التالية لانقضاء الستين يوماً المذكورة، التي يعتبر انقضاؤها دون إجابة السلطات المختصة بمثابة قرار حكمي بالرفض يجرى سريان الميعاد منه، فإذا كانت تلك السلطات قد أجابت قبل ذلك بقرار صريح بالرفض وجب حساب الميعاد من تاريخ إعلان هذا القرار؛ لأن هذا الإعلان يجري سريان الميعاد قانوناً، فيجُبّ بحكم اللزوم القرار الحكمي اللاحق بالرفض وما كان يترتب عليه من سريان الميعاد، أما إذا كان القرار الحكمي بالرفض قد تحقق بفوات الستين يوماً المحددة لفحص التظلم، فإن ميعاد رفع الدعوى بالإلغاء يجرى من هذا التاريخ، حتى ولو أعلن المتظلم بعد ذلك بقرار صريح بالرفض، ما دام ميعاد رفع الدعوى قد سبق جريانه بأمر تحقق من قبل هو القرار الحكمي بالرفض. هذا وإذا كرر المتظلم تظلماته فالعبرة في حساب المواعيد على مقتضى ما تقدم هي بأول تظلم يقدم في ميعاده دون اعتداد بما يعقبه من تظلمات مكررة لاحقة. فإذا ثبت أن المدعي تقدم بتظلمه لجهة الإدارة في 3 من إبريل سنة 1955، فقد كان يتعين عليه أن يحافظ على الميعاد برفع دعواه خلال ستين يوماً محسوبة من 2 من يونيه سنة 1955، وهو تاريخ فوات الستين يوماً المقررة للإدارة للبت في تظلمه، أي برفعها في أجل غايته أول أغسطس سنة 1955، وما دام أنه لم يتقدم بطلب إعفائه من الرسوم إلى لجنة المساعدة القضائية إلا في 14 من سبتمبر سنة 1955، أي بعد فوات هذا الميعاد، ولم يرفع دعواه إلا بعد ذلك في 20 من نوفمبر سنة 1955، فإنها تكون غير مقبولة شكلاً لرفعها بعد الميعاد القانوني.


إجراءات الطعن

في 28 من يوليه سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1699 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات ومصلحة السكك الحديدية بجلسة 11 من يونيه سنة 1956 في الدعوى رقم 96 لسنة 3 القضائية المقامة من زاهر إسرائيل ضد مصلحة السكك الحديدية، القاضي "بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد، وألزمت المدعي المصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإعادة القضية إلى المحكمة الإدارية للفصل فيها مجدداً" وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة المواصلات في 15 من أغسطس سنة 1956، وإلى المطعون لصالحه في 21 منه، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 22 من يونيه سنة 1957، وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته، وفي 5 يونيه سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة التي عينت لنظر الطعن، وفيها وفي جلسة 9 من نوفمبر سنة 1957 التي أجل إليها نظر الطعن لضم المفردات وتقديم مستندات ومذكرات سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
عن عدم قبول الدعوى:
من حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي كان يعمل في يوم 28 من سبتمبر سنة 1954 بالقطار رقم 90 في المنطقة من أسيوط إلى الأقصر بوظيفة كمساري، وأنه نسب إليه قيام شبهة قوية ضده في الاستيلاء على مبلغ ثلاثين مليماً من إحدى الراكبات، فصدر القرار رقم 1897 في 31 من مارس سنة 1955 من رئيس قسم حركة قبلي بمعاقبته بخصم خمسة أيام من راتبه. وقد تظلم من هذا القرار في 3 من إبريل سنة 1955، ثم شفع تظلمه بإنذار على يد محضر وجهه إلى رئيس أقسام حركة أسيوط، فأصدر مفتش عام الحركة والبضائع قراره رقم 8356 في 24 من يوليه سنة 1955 بالعقوبة ذاتها رافضاً تعديل الجزاء. وفي 14 من سبتمبر سنة 1955 تقدم المدعي إلى لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة الإدارية لوزارة المواصلات ومصلحة السكك الحديدية بطلب المعافاة رقم 6539 لسنة 2 القضائية ملتمساً إعفاءه من رسوم الدعوى التي يرغب في رفعها ضد مصلحة السكك الحديدية بطلب إلغاء قرار الجزاء الصادر ضده. وبجلسة 18 من أكتوبر سنة 1955 أصدرت اللجنة قرارها بقبول طلبه. وبناءً على هذا القرار أقام الدعوى رقم 96 لسنة 3 القضائية ضد وزارة المواصلات أمام المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات ومصلحة السكك الحديدية بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 20 من نوفمبر سنة 1955 طلب فيها "الحكم بإلغاء قرار الجزاء رقم 1897 في 31 من مارس سنة 1955 المعدل بالقرار رقم 8356 في 10 من أغسطس سنة 1955، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الحكومة بالمصروفات". وبجلسة 11 من يونيه سنة 1956 قضت المحكمة "بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد، وألزمت المدعي المصروفات". وأقامت قضاءها على أن المدعي علم بالقرار المطعون فيه علماً يقينياً في أول سبتمبر سنة 1955 عند صرف مرتبه؛ إذ تقرر خصم قيمة الجزاء من مرتب شهر أغسطس سنة 1955، وعلى أسوأ الفروض فقد علم به قبل أن يتقدم بطلب المعافاة في 14 من سبتمبر سنة 1955، في حين أنه لم يرفع هذه الدعوى إلا في 20 من نوفمبر سنة 1955، أي بعد الميعاد القانوني وهو ستون يوماً من تاريخ العلم اليقيني. ولما كان طلب المساعدة القضائية لم يعد، بعد صدور القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، من الإجراءات القاطعة لميعاد رفع دعوى الإلغاء، فإن الدعوى تكون غير مقبولة شكلاً لرفعها بعد الميعاد القانوني، ولو لم يدفع أحد بذلك؛ لتعلق الأمر بمسألة من النظام العام. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 28 من يوليه سنة 1956 طلب فيها "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإعادة القضية إلى المحكمة الإدارية للفصل فيها مجدداً". واستند في أسباب طعنه إلى أن المحكمة لم تعتد بطلب المعافاة كإجراء قاطع لميعاد رفع الدعوى نتيجة لتطبيق النصوص المدنية على المنازعة المطروحة عليها، مع أنه ليس ثمة ما يوجب تطبيق هذه النصوص حتماً على المنازعة الإدارية التي تختلف في طبيعتها عن المنازعة الخاصة التي يحكمها القانون الخاص. ولما كانت النصوص الإدارية قد سكتت عن بيان أثر طلب المساعدة القضائية على المواعيد المقررة بها فلا مندوحة للقضاء الإداري بحكم طبيعة وظيفته من استكمال تلك النصوص بما يحقق الغرض الذي استهدفه الشارع من تقرير هذه الوسيلة كشرط يقوم مقام أداء الرسوم في رفع الدعوى. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، ويتعين الطعن فيه.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن القرار المطعون فيه رقم 1897 الصادر من رئيس أقسام حركة وبضائع قبلي بأسيوط في 31 من مارس سنة 1955، والمعتمد من مفتش عام الحركة والبضائع في 2 من إبريل سنة 1955، قضى بمجازاة المدعي بخصم خمسة أيام من راتبه لما نهض ضده من شبهات قوية في الاستيلاء على مبلغ ثلاثين مليماً من إحدى راكبات الدرجة الثالثة بالقطار رقم 90 بين محطتي الباسينية ودشنا في يوم 28 من سبتمبر سنة 1954، وهو قيمة باقي ورقة من فئة الخمسين مليماً أعطتاها له بصفته كمساري القطار ليأخذ منها ثمن تذكرة سفرها، فلم يثبت الباقي لها من هذه الورقة على جميع صور قسيمة المخالفات التي سلمها أصلها على الرغم من تدوينه الباقي على هذا الأصل مغفلاً توضيح الباقي على سائر الصور، ولم يورد هذا المبلغ بخزانة المصلحة إلا بعد سؤاله من مفتش حركة الأقصر بالنيابة وضابط قضائي سوهاج. ولما كان القرار المشار إليه قد صدر في تاريخ لاحق لنفاذ القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، الذي عمل به من 29 من مارس سنة 1955، فإن الطعن في هذا القرار يخضع في إجراءاته ومواعيده لما نص عليه القانون المذكور من أحكام بأثره الحال.
ومن حيث إن القانون رقم 165 لسنة 1955 آنف الذكر قد استحدث في المادة 12 منه حكماً جديداً إذ أوجب - في الفقرة الثانية من هذه المادة لقبول الطلبات المقدمة بإلغاء القرارات الإدارية المنصوص عليها في البندين "ثالثاً" و"رابعاً" عدا ما كان منها صادراً من مجالس تأديبية والبند "خامساً" من المادة 8 - سبق التظلم منها إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئات الرئيسية وانتظار المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم. كما ضبط في المادة 19 منه المواعيد التي حددها في هذه الحالة؛ إذ نص على أن "ميعاد رفع الدعوى إلى المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يوماً من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه في الجريدة الرسمية أو في النشرات التي تصدرها المصالح أو إعلان صاحب الشأن به. وينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئات الرئيسية. ويجب أن يبت في التظلم قبل مضي ستين يوماً من تاريخ تقديمه، وإذا صدر القرار بالرفض وجب أن يكون مسبباً. ويعتبر فوات ستين يوماً على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه السلطات المختصة بمثابة رفضه، ويكون ميعاد رفع الدعوى بالطعن في القرار الخاص بالتظلم ستين يوماً من تاريخ انقضاء الستين يوماً المذكورة".
ومن حيث إن قرار الجزاء المطعون فيه بطلب إلغائه هو قرار صادر من سلطة تأديبية مما نص عليه في البند "رابعاً" من المادة 8 من القانون رقم 165 لسنة 1955، ولما كان هذا القرار ليس صادراً من مجلس تأديبي فإنه يخضع للحكم الوارد في الفقرة الثانية من المادة 12 من القانون المذكور من حيث توقف قبول طلب إلغائه على سبق التظلم منه إدارياً. والثابت أن المدعي تظلم من هذا القرار بعريضة تلقتها الإدارة في 3 من إبريل سنة 1955، أي في الميعاد القانوني، ووجهها إلى الهيئة الإدارية التي أصدرته ممثلة في رئيس أقسام حركة قبلي بأسيوط طالباً إعادة التحقيق وفحص الموضوع ورفع الجزاء، وقد كان يتعين عليه - على مقتضى حكم المادتين 12 و19 من القانون المشار إليه بعد أن قدم تظلمه - أن ينتظر المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم، وهي ستون يوماً؛ فلا يرفع دعواه قبل مضيها، وأن يرفعها بعد ذلك في ميعاد الستين يوماً التالية لانقضاء الستين يوماً المذكورة، التي يعتبر انقضاؤها دون إجابة السلطات المختصة بمثابة قرار حكمي بالرفض يجرى سريان الميعاد منه، فإذا كانت تلك السلطات قد أجابت قبل ذلك بقرار صريح بالرفض وجب حساب الميعاد من تاريخ إعلان هذا القرار؛ لأن هذا الإعلان يجرى سريان الميعاد قانوناً، فيجبّ بحكم اللزوم القرار الحكمي اللاحق بالرفض وما كان يترتب عليه من سريان الميعاد. أما إذا كان القرار الحكمي بالرفض قد تحقق بفوات الستين يوماً المحددة لفحص التظلم، فإن ميعاد رفع الدعوى بالإلغاء يجرى من هذا التاريخ، حتى ولو أعلن المتظلم بعد ذلك بقرار صريح بالرفض، ما دام ميعاد رفع الدعوى قد سبق جريانه بأمر تحقق من قبل هو القرار الحكمي بالرفض. هذا وإذا كرر المتظلم تظلماته فالعبرة في حساب المواعيد - على مقتضى ما تقدم - هي بأول تظلم مقدم في ميعاده، دون اعتداد بما يعقبه من تظلمات مكررة لاحقة؛ ومن ثم فقد كان يتعين على المدعي أن يحافظ على الميعاد برفع دعواه خلال ستين يوماً محسوبة من 2 من يونيه سنة 1955، وهو تاريخ فوات الستين يوماً المقررة للإدارة للبت في تظلمه المقدم في 3 من إبريل سنة 1955، أي يرفعها في أجل غايته أول أغسطس سنة 1955، ولكنه لم يتقدم بطلب إعفائه من رسوم دعواه الحالية إلى لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة الإدارية لوزارة المواصلات ومصلحة السكك الحديدية إلا في 14 من سبتمبر سنة 1955، أي بعد فوات هذا الميعاد، ولم يرفع دعواه إلا بعد ذلك في 20 من نوفمبر سنة 1955؛ ولذلك فإنها تكون غير مقبولة شكلاً لرفعها بعد الميعاد القانوني.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه، إذ قضى بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد وبإلزام المدعي بالمصروفات، قد أصاب الحق في النتيجة التي انتهى إليها، ويكون طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في غير محله، متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.