مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 336

(43)
جلسة 14 من ديسمبر سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1701 لسنة 2 القضائية

( أ ) إجراءات - ثبوت أن طلب المساعدة القضائية مقدم في ظل أحكام القانون رقم 9 لسنة 1949 الذي لم يكن يعرف الإجراء الخاص بالتظلم الوجوبي - استحداث هذا الإجراء في القانون رقم 165 لسنة 1955 - الإجراءات التي نظمها القانون الأول هي التي تحكم طلب المدعي.
(ب) قرار إداري - إعلانه - ثبوت أن القرار لم ينشر بالنشرة المصلحية وإنما أرسل فقط إلى أقسام المصلحة - عدم كفاية هذا الإجراء لتوافر العلم اليقيني بالقرار.
1 - متى ثبت أن المدعي قدم طلب إعفائه من رسوم الدعوى إلى لجنة المساعدة القضائية في ظل نفاذ أحكام القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة، وقبل صدور القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة الذي عمل به في 29 من مارس سنة 1955، فإن الإجراءات التي نظمها القانون الأول، دون الثاني، هي التي تحكم طلب المدعي وقت تقديمه. ولما كان القانون رقم 9 لسنة 1949 لا يتطلب لقبول الدعوى سبق التظلم من القرار الإداري المطعون فيه إلى الجهة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئات الرئيسية وانتظار المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم، على نحو ما قضت به الفقرة الثانية من المادة 12 من القانون رقم 165 لسنة 1955، فإن طلب المعافاة المشار إليه، وقد قدم بالفعل قبل نفاذ هذا القانون الأخير، يحدث أثره صحيحاً بغير حاجة إلى تظلم إداري سابق، ويمتد هذا الأثر إلى حين صدور قرار لجنة المساعدة القضائية فيه، دون أن يلحقه الحكم الذي استحدثه القانون المذكور بالنسبة إلى طلبات الإلغاء التي حددها والتي تقدم في ظله من عدم قبولها قبل التظلم منها إدارياً على النحو الذي نص عليه؛ وذلك باعتبار أن طلب المساعدة القضائية في ظل القانون رقم 9 لسنة 1949 هو بمثابة تظلم إداري وقتذاك.
2 - متى ثبت أن القرار المطعون فيه الصادر في 4/ 7/ 1950 لم ينشر بالنشرة المصلحية، ولكنه أعلن بإرساله للأقسام، فإن هذا لا يعني إعلانه للكافة أو للمدعي شخصياً أو يقوم مقام هذا الإعلان، ولا يقطع في علم الأخير بكافة محتوياته وعناصره علماً يقينياً شاملاً نافياً للجهالة.


إجراءات الطعن

في 28 من يوليه سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1701 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات ومصلحة السكك الحديدية بجلسة 11 من يونيه سنة 1956 في الدعوى رقم 459 لسنة 2 القضائية المقامة من منير عبده إبراهيم ضد مصلحة السكك الحديدية، القاضي "بعدم قبولها الدعوى، وألزمت المدعي المصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإعادة القضية إلى المحكمة الإدارية للفصل فيها مجدداً". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة المواصلات في 15 من أغسطس سنة 1956، وإلى المطعون لصالحه في 22 منه، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 22 من يونيه سنة 1957. وقد أودعت مصلحة السكك الحديدية مذكرة صممت فيها على رفض الدعوى؛ تأسيساً على المبدأ الذي سبق أن قضت به المحكمة الإدارية العليا بجلسة 9 من فبراير سنة 1957 في الطعن رقم 978 لسنة 2 القضائية. ولم يقدم المطعون لصالحه مذكرة بملاحظاته في الميعاد القانوني. وفي 5 من يونيه سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة التي عينت لنظر الطعن، وفيها وفي جلسة 9 من نوفمبر سنة 1957 التي أجل إليها نظر الطعن لضم المفردات وتقديم مذكرات سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة. وقد قدم المطعون لصالحه مذكرة بملاحظاته انتهى فيها إلى طلب الحكم "بإلغاء القرار المطعون فيه، وتعديل تاريخ أقدميته في الدرجة السابعة المخصصة لوظيفة تذكرجي ثانية إلى 30 من إبريل سنة 1950 بدلاً من 27 من أغسطس سنة 1952، مع صرف الفروق المالية، وما يترتب على ذلك من آثار". وقد قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
( أ ) عن قبول الدعوى:
من حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي، وهو موظف بمصلحة السكك الحديدية وحاصل على شهادة إتمام الدراسة الثانوية (القسم العام)، طبقت في حقه قواعد الإنصاف فاعتبر في الدرجة الثامنة الشخصية من 16 من يونيه سنة 1941. وفي 4 من يوليه سنة 1950 أصدرت الإدارة العامة القرار رقم 347 بترقية اثني عشر موظفاً بالمصلحة إلى الدرجة السابعة اعتباراً من 30 من إبريل سنة 1950 دونه. وفي 5 من مارس سنة 1955 تقدم إلى لجنة المساعدة القضائية بمحكمة القضاء الإداري بطلب إعفائه من رسوم الدعوى التي يزمع إقامتها لإلغاء هذا القرار وما ترتب عليه من آثار. وفي 12 من إبريل سنة 1955 أحيل هذا الطلب إلى المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات ومصلحة السكك الحديدية طبقاً لأحكام القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، وقيد برقم 6256 لسنة 2 القضائية. وبجلسة 19 من يوليه سنة 1955 صدر قرار اللجنة بقبول الطلب. وبناءً على ذلك أقام المدعي رقم 459 لسنة 2 القضائية أمام المحكمة المذكورة بعريضة أودعها سكرتيريتها في 29 من أغسطس سنة 1955، طلب فيها تسوية حالته في الدرجة السابعة التي حصل عليها في 27 من أغسطس سنة 1952، وذلك بإرجاع أقدميته في هذه الدرجة إلى 30 من إبريل سنة 1950 تاريخ صدور القرار رقم 347، مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق. وقد دفعت المصلحة الدعوى بعدم قبولها شكلاً لرفعها بعد الميعاد القانوني؛ إذ أنها تنطوي في حقيقتها على طلب إلغاء القرار رقم 347 الصادر في 4 من يوليه سنة 1950، وفي الموضوع برفضها. وقدم السيد مفوض الدولة للمحكمة تقريراً بالرأي القانوني انتهى فيه إلى التوصية "بالحكم بعدم قبول الدعوى شكلاً لعدم سبق التظلم إلى الجهات الإدارية من القرار المطعون فيه على مقتضى المادة 12 من القانون رقم 165 لسنة 1955، مع إلزام المدعي بالمصروفات". وقد عقب المدعي على هذا التقرير بمذكرة طلب فيها رفض الدفع بعدم قبول الدعوى لأنه لم يعلم بالقرار المطعون فيه علماً يقينياً قبل رفع الدعوى بما يجاوز ميعاد الطعن بالإلغاء، ولأن طلب المساعدة القضائية هو ضرب من التظلم قاطع لميعاد سقوط الدعوى، وقد تقدم به في تاريخ سابق على صدور القانون رقم 165 لسنة 1955؛ وبذلك لا يلحقه أثر هذا القانون. وبجلسة 11 من يونيه سنة 1956 قضت المحكمة "بعدم قبولها الدعوى، وألزمت المدعي المصروفات". وأقامت قضاءها على أن علم المدعي علماً يقينياً بصدور القرار المطعون فيه بطلب إلغائه فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة السابعة تم على الأقل في تاريخ تقديمه طلب المعافاة من الرسوم القضائية في 5 من مارس سنة 1955؛ ومن ثم كان يتعين عليه إقامة هذه الدعوى خلال أجل غايته 5 من مايو سنة 1955. أما طلب المعافاة أو القرار الصادر فيه فلا أثر لهما في قطع مدة سقوط دعوى الإلغاء. ولما كانت الدعوى الحالية لم ترفع إلا بإيداع صحيفتها سكرتيرية المحكمة في 29 من أغسطس سنة 1955، فإنها تكون قد رفعت بعد الميعاد القانوني، ويتعين الحكم بعدم قبولها دون حاجة إلى التعرض لبحث مدى قبولها في ظل القانون رقم 165 لسنة 1955؛ لعدم سبق التظلم من القرار المطعون فيه إلى الجهات الإدارية. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 28 من يوليه سنة 1956، طلب فيها "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإعادة القضية إلى المحكمة الإدارية للفصل فيها مجدداً". واستند في أسباب طعنه إلى أن المحكمة لم تعتد بطلب المعافاة كإجراء قاطع لميعاد رفع الدعوى نتيجة تطبيق النصوص المدنية على المنازعة المطروحة عليها، مع أنه ليس ثمة ما يوجب تطبيق هذه النصوص حتماً على المنازعة الإدارية، سواء أكان مرد ذلك إلى النص أم إلى اختلاف طبيعة هذه المنازعة عن المنازعة الخاصة التي وضع القانون الخاص في الأصل ليحكمها. وقد سكتت النصوص الإدارية عن بيان أثر طلب المعافاة على المواعيد المقررة بها؛ لذلك كان لا مندوحة للقضاء الإداري بحكم طبيعة وظيفته من استكمال تلك النصوص بما يحقق الغرض الذي استهدفه المشرع من تقرير هذه الوسيلة كشرط يقوم مقام الرسوم في رفع الدعوى، فارتسم له - مكملاً بالقضاء الصادر في شأنه - كيانه كقاعدة قضائية من قواعد القانون الإداري تقوم جنباً إلى جنب مع القواعد التشريعية في مجالات روابط القانون العام. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون، متعيناً الطعن فيه.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأنه بقطع النظر عما نصت عليه المادة 383 من القانون المدني وعما عليه الرأي الغالب في مجال القانون الخاص من أن الطلب الذي يقدم إلى لجنة المساعدة القضائية للإعفاء من رسوم الدعوى ولتعيين محام لا يرقى إلى مرتبة الإجراء القاطع للتقادم، فإن روابط القانون العام تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص. وقد وضعت قواعد القانون المدني لتحكم روابط القانون الخاص، فلا تطبق وجوباً على روابط القانون العام إلا إذا وجد نص يقضي بذلك، فإن لم يوجد فلا يلتزم القضاء الإداري بتطبيق القواعد المدنية حتماً وكما هي. وقد انتهت مقتضيات النظام الإداري بهذا القضاء إلى تقرير أنه يقوم مقام المطالبة القضائية في قطع التقادم الطلب أو التظلم الذي يوجهه الموظف إلى السلطة المختصة متمسكاً فيه بحقه طالباً أداءه. وليس من شك في أن هذا يصدق من باب أولى على طلب المساعدة القضائية للدعوى التي يزمع صاحب الشأن رفعها على الإدارة؛ إذ هو أبلغ في معنى الاستمساك بالحق والمطالبة بأدائه، وأمعن في طلب الانتصاف من مجرد الطلب أو التظلم الذي يقدمه الموظف إلى الجهة الإدارية، بل هو يجمع بين طبيعة التظلم الإداري وبين طبيعة التظلم القضائي، فلا أقل - والحالة هذه - من أن يترتب عليه ذات الأثر المترتب على مجرد الطلب أو التظلم الإداري من حيث قطع التقادم أو قطع ميعاد رفع دعوى الإلغاء. ويظل هذا الأثر قائماً لحين صدور القرار في طلب المساعدة القضائية سواء بالقبول أو الرفض؛ إذ أن نظر الطلب قد يستغرق زمناً يطول أو يقصر فينقطع التقادم أو يقف سريان الميعاد، طالما كان الأمر بيد الجهة القضائية المختصة بنظره، حتى إذا ما صدر القرار وجب رفع الدعوى خلال الميعاد القانوني محسوباً من تاريخ صدوره، فإن كانت دعوى إلغاء تعين أن يتم رفعها خلال الستين يوماً التالية.
ومن حيث إنه لما كان المدعي قد قدم طلب إعفائه من رسوم الدعوى الحالية إلى لجنة المساعدة القضائية في 5 من مارس سنة 1955، أي في ظل نفاذ أحكام القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة وقبل صدور القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة الذي عمل به في 29 من مارس سنة 1955، فإن الإجراءات التي نظمها القانون الأول، دون الثاني، هي التي تحكم طلب المدعي وقت تقديمه. ولما كان القانون رقم 9 لسنة 1949 لا يتطلب لقبول الدعوى سبق التظلم من القرار الإداري المطعون فيه إلى الجهة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئات الرئيسية وانتظار المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم، على نحو ما قضت به الفقرة الثانية من المادة 12 من القانون رقم 165 لسنة 1955، فإن طلب المعافاة المشار إليه، وقد قدم بالفعل قبل نفاذ هذا القانون الأخير، يحدث أثره صحيحاً بغير حاجة إلى تظلم إداري سابق، ويمتد هذا الأثر إلى حين صدور قرار لجنة المساعدة القضائية فيه، دون أن يلحقه الحكم الذي استحدثه القانون المذكور بالنسبة إلى طلبات الإلغاء التي حددها والتي تقدم في ظله من عدم قبولها قبل التظلم منها إدارياً على النحو الذي نص عليه، وذلك باعتبار أن طلب المساعدة القضائية في ظل القانون رقم 9 لسنة 1949 هو بمثابة تظلم إداري وقتذاك.
ومن حيث إنه ولئن كان القرار المطعون فيه يرجع تاريخ صدوره إلى 4 من يوليه سنة 1950، في حين أن طلب المساعدة القضائية لم يقدم من المدعي إلا في 5 من مارس سنة 1955، إلا أنه لا دليل في الأوراق على صحة ما تذهب إليه مصلحة السكك الحديدية من علم المذكور به بنشره على جميع الأقسام المختصة وقت صدوره؛ إذ الثابت من كتاب مفتش عام الحركة والبضائع إلى السيد مفوض الدولة لشئون السكك الحديدية المؤرخ 26 من يناير سنة 1956، والمودع بملف خدمة المدعي تحت رقم 307، أن القرار المطعون فيه لم ينشر بالنشرة المصلحية، إلا أنه أعلن بإرساله للأقسام. ولما كان هذا لا يعني إعلانه للكافة أو للمدعي شخصياً أو يقوم مقام هذا الإعلان ولا يقطع في علم الأخير بكافة محتوياته وعناصره علماً يقينياً شاملاً نافياً للجهالة، فلا وجه - والحالة هذه - للاحتجاج بانقضاء ميعاد الطعن بالإلغاء في القرار المشار إليه في تاريخ سابق على تقديم طلب المساعدة القضائية في 5 من مارس سنة 1955.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي قدم طلب المساعدة القضائية في 5 من مارس سنة 1955، وأن قرار لجنة المساعدة القضائية صدر في 19 من يوليه سنة 1955 بقبول هذا الطلب، وأنه أقام الدعوى رقم 459 لسنة 2 القضائية أمام المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات ومصلحة السكك الحديدية بناءً على هذا القرار بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 29 من أغسطس سنة 1955، أي خلال الستين يوماً؛ ومن ثم فإن دعواه تكون مقبولة شكلاً لرفعها في الميعاد القانوني المقرر، ويكون الحكم المطعون فيه - إذ قضى بعدم قبولها لرفعها بعد الميعاد - قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين القضاء بإلغائه.
(ب) عن الموضوع [(1)]:

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبقبول الدعوى، وبرفضها موضوعاً، وألزمت المدعي بالمصروفات.


[(1)] موضوع هذه القضية ينطوي على مبادئ مماثلة لتلك المقررة في القضية رقم 978 لسنة 2 ق، المنشورة بالسنة الثانية من هذه المجموعة، بند 53، ص 467.