مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1980 إلى آخر فبراير سنة 1981) - صـ 409

(57)
جلسة 25 من يناير سنة 1981

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد ثابت عويضة نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عزيز بشاي سيدهم وحسن عبد الوهاب عبد الرازق ويحيى عبد الفتاح سليم البشرى ومحمد محمود الدكروري - المستشارين.

الطعن رقم 359 لسنة 24 القضائية

ما يخرج عن اختصاص القضاء الإداري - المنازعات الإدارية المتعلقة بضباط القوات المسلحة - دعوى - اختصاص نظرها - إحالة.
القانون رقم 71 لسنة 1975 إنشاء قضاء عسكرياً يختص بالمنازعات الإدارية بضباط القوات المسلحة ومنها دعاوى التسوية وكافة المنازعات الخاصة بهم سواء كانت طعناً في قرارات إدارية أو استحقاقاً مما يعتبر تنفيذاً لما أمرت به القوانين أو اللوائح - وجوب الحكم بعدم الاختصاص مع إحالة الدعوى إلى اللجان القضائية الخاصة بضباط القوات المسلحة والمشكلة وفقاً لأحكام القانون رقم 96 لسنة 1971 معدلاً بالقانون رقم 71 لسنة 1975 - اقتصار الحكم على الحكم بعدم الاختصاص دون إحالة الدعوى وفقاً للمادة 110 من قانون المرافعات - بطلان الحكم في هذه الحالة.


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق 21 من إبريل سنة 1978 أودع رئيس هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد برقم 359 لسنة 24 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 6 من مارس سنة 1978 في الدعوى رقم 393 لسنة 28 القضائية المرفوعة من السيد/ يحيى زكريا إسلام، والذي قضى "بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر الدعوى وأعفت المدعي من المصاريف" وطلب الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات، والحكم باختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في موضوع الدعوى وإحالة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في موضوعها.
وأعلن الطعن وعرض على دائرة فحص الطعون فنظرته وبجلسة 23 من يونيه سنة 1980 قررت إحالة الطعن إلى هذه المحكمة التي حددت لإصدار الحكم فيه جلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع هذه المنازعة تخلص - حسبما يبين من أوراق الطعن ومستنداته - في أنه بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 26 من فبراير سنة 1974 أقام السيد/ يحيى زكريا إسلام ضد وزير الحربية الدعوى رقم 393 لسنة 28 القضائية. طالباً الحكم بأحقية المدعي لرتبة اللواء وكافة ما يترتب على ذلك من مكافأة معاش وأقدمية، مع إلزام المدعى عليه بالمصروفات وقال المدعي شارحاً لدعواه إنه يعمل منذ سبتمبر 1945 بخدمة القوات المسلحة، ورقي إلى رتبة عميد في 2 من أكتوبر سنة 1967 وبتاريخ أول يوليه سنة 1968 أحالته القيادة العامة للقوات المسلحة إلى المعاش بلا سبب مخالفة بذلك نصوص القانون رقم 232 لسنة 1959 وفي 2 من يوليه سنة 1968 استدعي للخدمة ثم أحيل إلى المعاش في أول يناير سنة 1974 بلا سبب، ولما كانت وزارة الحربية عاملته من تخرجه في سبتمبر سنة 1945 حتى أول يوليه سنة 1968 بصفته ضابط عامل بالقوات المسلحة له حق في الترقية والمعاش وحساب مدة الخدمة وضمائم الحرب، وعاملته منذ استدعائه في 2 من يوليه سنة 1968 حتى إحالته إلى المعاش من جديد في أول يناير سنة 1974 كضابط مستدعى وليس كضابط عامل - لا تضاف مدة الاستدعاء إلى مدة خدمته ولا تحسب في الأقدمية للترقي أسوة بزملائه الذين رقوا إلى رتبة اللواء، واستبعدت من المعاش، ولم تصرف له مكافأة عنها، في الوقت الذي لم يفصل بين إحالته إلى المعاش وبين استدعائه فاصل زمني ومن ثم تصبح مدة خدمته متصلة اتصالاً واقعياً وقانونياً ولذلك أقام الدعوى بالطلبات السالف بيانها. وردت الجهة الإدارية على الدعوى بما محصله أن المدعي أحيل إلى التقاعد بالقرار الجمهوري رقم 973 لسنة 1968 - اعتباراً من أول يوليه سنة 1968 بناء على حكم الفقرة الأخيرة من المادة 138 من القانون رقم 232 لسنة 1959 وسوى معاشه وفقاً للمادة 27 من القانون رقم 116 لسنة 1964 واستدعي للخدمة من 20 من يوليه سنة 1968 إلى 12 من ديسمبر سنة 1973 وفقاً للمادة 13 من القانون رقم 232 لسنة 1959 وعومل مالياً طبقاً للمادة 117 من هذا القانون، ومدة الاستدعاء لا تدخل ضمن مدد الخدمة المحسوبة في المعاش لأنها ليست من التي أجاز القانون رقم 116 لسنة 1964 حسابها في المعاش.
ودفع الحاضر عن الجهة الإدارية بعدم اختصاص مجلس الدولة ولائياً بنظر الدعوى لكون دعوى المدعي منازعة في القرار الصادر بإحالته إلى المعاش ومن ثم تتدرج ضمن المنازعات الإدارية التي تشملها نصوص القوانين أرقام 174 لسنة 1957 و232 لسنة 1959 و96 لسنة 1971 وينحسر عن نظرها مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري لاختصاص لجان ضباط القوات المسلحة بها. وعقب المدعي على رد الجهة الإدارية بمذكرة ذهب فيها إلى أن لجان الضباط لجان خاصة بالضباط العاملين ولا شأن لها بالضباط المحالين إلى المعاش وبالتالي لا تنطبق عليهم أحكام القانون رقم 174 لسنة 1957 الذي ألغي بصدور القانون رقم 96 لسنة 1971 في شأن الطعن في قرارات لجان الضباط بالقوات المسلحة، كما أن الدعوى الراهنة لا تنطوي على طعن في قرار صادر من لجان الضباط حتى يقال بأن لا ولاية للقضاء الإداري بالفصل في الدعوى وانتهى المدعي إلى طلب الحكم برفض الدفع بعدم الاختصاص والحكم باختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى، والحكم بتسوية معاشه باعتبار مدة خدمته متصلة منذ تخرجه حتى إحالته إلى المعاش عام 1974 وصرف كافة الفروق مع ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة الإدارية المدعى عليها المصروفات والأتعاب. وبجلسة 6 من مارس سنة 1978 حكمت المحكمة "بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر الدعوى وأعفت المدعي من المصاريف" وأسست المحكمة قضاءها على أن الدعوى وإن كانت لا تنطوي على طعن بالإلغاء على قرار بعينه صادر من لجنة ضباط القوات المسلحة إلا أنها تندرج في عموم المنازعات الإدارية بحسبانها منازعة في معاش ولأن المعاش محل المنازعة ترتب للمدعي عن مدة خدمته العسكرية التي أمضاها في سلك الضباط، وجوهر نزاعه يدور حول حساب مدة استدعائه عقب إحالته إلى التقاعد في أول يوليه سنة 1968 مدة خدمة تقاعدية تدخل في تقدير المعاش المستحق له، وهي لذلك منازعة إدارية تتعلق بأحد ضباط القوات المسلحة وبوصفها كذلك تخرج من ولاية محاكم مجلس الدولة نزولاً على أحكام القانون رقم 71 لسنة 1975 بتنظيم وتحديد اختصاصات اللجان القضائية لضباط القوات المسلحة الذي قضى في مادته الثالثة بأن تختص اللجان القضائية لضباط القوات المسلحة دون غيرها بالفصل في المنازعات الإدارية المتعلقة بضباط القوات المسلحة عدا العقوبات الانضباطية وما تختص بنظره لجنة ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية وفقاً لأحكام القانون رقم 96 لسنة 1971 في شأن الطعن في قرارات لجان ضباط القوات المسلحة. ومن ثم يكون صحيحاً الدفع بعدم اختصاص هذه المحكمة ولائياً بنظر الدعوى، حقيقاً بالقبول. كذلك قالت المحكمة إنه وإن كانت المادة 110 من قانون المرافعات توجب على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية أن تأمر بإحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة، إلا أن ذلك رهن بثبوت اختصاص إحدى المحاكم الأخرى بنظر الدعوى، فإذا كانت الجهة المنوط بها الفصل في النزاع تندرج ضمن إحدى جهات القضاء فلا يكون ثم محل للأمر بالإحالة. هذا ولما كانت الدعوى أقيمت في تاريخ سابق على تاريخ العمل بالقانون رقم 71 لسنة 1975 وقت أن كان الاختصاص ما زال معقوداً لمحاكم مجلس الدولة وكأثر لنفاذ هذا القانون أصبح ممتنعاً على هذه المحكمة الاستمرار في نظر الدعوى الأمر الذي يسوغ إعفاء المدعي من مصاريفها، ولا بغير من ذلك أن القانون رقم 96 لسنة 1971 كان قد سلب الاختصاص من محاكم مجلس الدولة وأسنده إلى لجان أوكل إلى رئيس الجمهورية أمر تنظيمها وتحديد اختصاصها ما دام الثابت أنه حتى تاريخ العمل بالقانون رقم 71 لسنة 1975 لم يكن قد صدر القرار المذكور ومن ثم يظل الحكم المعدل للاختصاص موقوف النفاذ.
ومن حيث إن الطعن يقوم أساساً على أن اختصاص مجلس الدولة بالفصل في المنازعات الإدارية مستمد من الدستور مباشرة ومن ثم لا يجوز أن يتناوله القانون، بل إن ذلك هو ما استهدفه الدستور من صريح النص بدلالة صياغته القاطعة، وبالتالي إذا ما عرض الأمر على مجلس الدولة كان عليه أن يتمسك باختصاصه المستمد من القاعدة القانونية الأعلى ويغلبها إعمالاً بقاعدة تدرج القواعد المشرعة التي هي أساس المشروعية وسيادة القانون. فضلاً أنه حتى مع افتراض إعمال أحكام القانون رقم 71 لسنة 1975 فإنه يتعين أن يقتصر ذلك على مجال الضباط العاملين، إعمالاً للعلة من إصدار القانون وتغليباً للحكمة منه ومن جهة أخرى فإن التكييف القانوني السليم للجان المنصوص عليها في القانون رقم 71 لسنة 1975 هو اعتبارها لجان إدارية ذات اختصاص قضائي وليست جهات قضائية وهو ما سلم به الحكم بحق ورتب عليه عدم الإحالة إليها. وانتهى الطاعن إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات، والحكم باختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في موضوع الدعوى، وإحالة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في موضوعها.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى واستقر على أن الشارع خص قضاء مستقلاً قائماً بذاته لنظر المنازعات المتعلقة بضباط القوات المسلحة، ويعتبر هذا القضاء جهة قضائية تقوم بجانب جهة القضاء الإداري بمجلس الدولة، وذلك نزولاً على أحكام الدستور الذي ينص في المادة 183 منه على أن ينظم القانون القضاء العسكري ويبين اختصاصاته في حدود المبادئ الواردة في هذا الدستور، وإعمالاً لحكم هذه المادة صدر القانون رقم 71 لسنة 1975 وبموجبه أقام قضاء إداري عسكري يندرج في القضاء العسكري ويختص بالمنازعات الإدارية بضباط القوات المسلحة ومنها دعاوى التسوية وكافة المنازعات الخاصة بهم سواء كانت طعناً في قرارات إدارية أم استحقاقاً مما يعتبر تنفيذاً لما أمرت به القوانين واللوائح. وإذا خرجت المنازعة المطروحة من اختصاص القضاء الإداري بمجلس الدولة فإنها تدخل في اختصاص القضاء الإداري العسكري وفقاً للقانونين رقمي 96 لسنة 71 و71 لسنة 1975 مما يتعين معه إحالة الطعن إلى اللجنة القضائية المختصة وفقاً للقانونين المشار إليهما وذلك عملاً بحكم المادة 110 من قانون المرافعات.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه وإن كان قد ذهب إلى هذا النظر عندما قضى بعدم الاختصاص ولائياً إلا أنه قد فاته إحالة الدعوى إلى اللجنة القضائية المختصة على ما أسلفنا بيانه، فيكون واجب التعديل على النحو الوارد في منطوق هذا الحكم.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بتعديل الحكم المطعون فيه بإلغائه فيما تضمنه من إغفال النص على إحالة الدعوى إلى اللجنة المختصة بمنازعات ضباط القوات المسلحة.