مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1980 إلى آخر فبراير سنة 1981) - صـ 452

(63)
جلسة 31 من يناير سنة 1981

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد صلاح الدين السعيد نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد محمد عبد المجيد ونصحي بولس فارس وعادل عبد العزيز بسيوني وجبريل محمد جبريل زيادة - المستشارين.

الطعن رقم 530/ 566 لسنة 22 القضائية

قرار إداري - تظلم وجوبي - دعوى - ميعاد رفعها.
تقرير المشرع التظلم الوجوبي قبل رفع دعوى الإلغاء وبيان إجراءاته وأثره مستهدفاً تحقيق أغراض معينة تتمثل في إنهاء المنازعات بالطريق الإداري وتيسير سبل استئداء صاحب الشأن لحقه وتخفيف العبء على القضاء - التعجيل بإقامة الدعوى بعد أن نشط صاحب الشأن إلى سلوك سبيل التظلم الإداري خلال الميعاد المقرر قانوناً وانقضاء المواعيد المحددة للبت في هذا التظلم دون استجابة له قبل الفصل في الدعوى يترتب على ذلك أن تنسحب الدعوى لا إلى القرار المطعون فيه فحسب بل وإلى القرار الصادر برفض التظلم الصريح أو الحكمي أيضاً ويمتنع من ثم مسوغ الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل التظلم من القرار المطعون فيه - أساس ذلك - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 12 من يونيه سنة 1976 أودعت هيئة مفوضي الدولة - قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا - تقرير طعن قيد بجدول المحكمة تحت رقم 530 لسنة 22 القضائية عن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة الجزاءات) بجلسة 29 من إبريل سنة 1976 في الدعوى رقم 2525 لسنة 26 القضائية المقامة من السيد/ ...... ضد البنك المركزي المصري والقاضي بإلغاء قرار محافظ البنك المركزي رقم 156 لسنة 1972 فيما تضمنه من إنهاء خدمة المدعي وإلزام الجهة الإدارية المصروفات. وطلبت الطاعنة - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم قبول الدعوى وإلزام المدعي المصروفات.
وفي يوم الثلاثاء الموافق 22 من يونيه سنة 1976 أودع الأستاذ فتحي زكريا المحامي بصفته نائباً عن البنك المركزي المصري - قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا - تقرير طعن قيد بجدول المحكمة تحت رقم 566 لسنة 22 القضائية عن ذات الحكم المشار إليه - وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده المصاريف وأتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وبعد أن أعلن تقرير الطعن لذوي الشأن على النحو المبين بالأوراق عقبت مفوضي الدولة عليه بتقرير مسبب بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم قبول الدعوى.
وقد عين لنظر الطعن رقم 566 لسنة 22 القضائية أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 6 من سبتمبر سنة 1976 وبجلسة 21 من مارس سنة 1977 قررت الدائرة ضم هذا الطعن إلى الطعن رقم 530 لسنة 22 القضائية وتأجيل نظرهما لجلسة 18 من إبريل سنة 1977 وبجلسة 26 من نوفمبر سنة 1980 إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الرابعة) وحددت لنظره أمامها جلسة 27 من ديسمبر سنة 1980. وبعد أن سمعت المحكمة في هذه الجلسة ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 24 من مايو سنة 1972 أقام السيد/ ........ الدعوى رقم 2525 لسنة 26 القضائية ضد البنك المركزي المصري وذلك بإيداع عريضتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري طالباً الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر بإنهاء خدمته مع ما يترتب على ذلك من آثار وبإلزام المدعى عليه المصروفات.
وقال شرحاً لدعواه إن البنك وافق على قيامه بالإجازة السنوية وعلى إجازة بدون مرتب لمدة ثلاثة أشهر للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإبرام عقد عمل تهميداً للتصريح له بالإعارة. وبناء على ذلك حصل من البنك على إخطار رسمي مؤرخ في 18 من سبتمبر سنة 1969 يفيد هذه الموافقة وكذلك شهادة رسمية مؤرخة في 5 من أغسطس سنة 1970 تتضمن البيانات الخاصة به لتقديمها إلى أحد البنوك الأمريكية وإخطارين لمصلحة الهجرة والجوازات والجنسية مؤرخين في 16 من نوفمبر سنة 1969، 11 من يوليه سنة 1970 في شأن سفره لإبرام عقد عمل. وبتاريخ 28 من سبتمبر سنة 1970 سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وحصل على عمل بمدينة نيويورك لدى بنك "ايرفنج" اعتباراً من 28 من أكتوبر سنة 1970. وبناء على ذلك طلب من جهة عمله الموافقة على إعارته لمدة أربع سنوات على نحو ما جرى عليه العمل وأرفق بطلبه كشفاً بأول مرتب أسبوعي تقاضاه من البنك المذكور. وقد طلبت منه جهة العمل بالكتاب المؤرخ في 29 من ديسمبر سنة 1970 موافاتها بما يثبت التحاقه بالعمل لدى هذا البنك بصفة دائمة وذلك لاتخاذ الإجراءات للموافقة على طلب إعارته. وبتاريخ 12 من يناير سنة 1971 أرسل الطالب شهادة صادرة من البنك تفيد التحاقه به بصفة محاسب بمرتب أسبوعي قدره 150 دولاراً وأنه تقرر اعتباره ضمن الموظفين الدائمين بالبنك. كما أرسل لجهة عمله طلباً بتاريخ 14 من سبتمبر سنة 1971 لمنحه إجازة دراسية على حسابه لالتحاقه بقسم الدراسات العليا بجامعة جونسن للحصول على الماجستير في المحاسبة العامة. إلا أنه ورد إليه كتاب مؤرخ في 25 من إبريل سنة 1972 من البنك المركزي المصري يفيده بأنه قد صدر قرار محافظ البنك رقم 156 لسنة 1972 بتاريخ 23 من إبريل سنة 1972 بإنهاء خدمته اعتباراً من 15 من فبراير سنة 1972. وينعى المدعي على هذا القرار بالبطلان إذ أنه قد حصل على موافقة بالسفر للعمل تمهيداً لإعارته وقد تكبد في سبيل ذلك مصاريف باهظة كما أن تطبيق الكتاب الدوري رقم 7 لسنة 1970 على حالته بأثر رجعي يتنافى مع أبسط قواعد العدالة ويكون رفض البنك لإعارته استناداً إلى هذا الكتاب لا سند له من القانون. كما أن البنك قد تعسف معه برفض منحه إجازة دراسية بدون مرتب.
وقد ورد البنك المركزي المصري على الدعوى بمذكرة أودعها ملف الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري تمسك فيها بالرأي الذي انتهى إليه السيد/ مفوض الدولة أمام المحكمة المذكورة بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها قبل التظلم من القرار المطعون فيه، أما بالنسبة للموضوع فإن مذكرة البنك قد أبانت أن المدعي طلب بتاريخ 16 من أكتوبر سنة 1969 منحه إجازة بدون مرتب لمدة ثلاثة أشهر للسفر إلى الولايات المتحدة للتعاقد مع بنك "ولز" وتمت الموافقة على هذا الطلب وأخطرت إدارة الهجرة والجوازات والجنسية بذلك. وبتاريخ 27 من يوليه سنة 1970 تقدم المدعي بطلب آخر لمنحه إجازة للسفر إلى كل من اليونان وإيطاليا وفرنسا للزيارة مع صرف النظر عن سفره للولايات المتحدة الأمريكية وقد وافق البنك على ذلك وأعطاه شهادة لتقديمها إلى مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية. وبعد سفره وصل للبنك كتاب منه مؤرخ في 28 من فبراير سنة 1971 يفيد التحاقه بشركة "ايرفنج" بنيويورك ويطلب الموافقة على إعارته لتلك الشركة ولم يوافق البنك لأن سفره كان للزيارة لبلدان ليس من بينهما الولايات المتحدة الأمريكية كما أن التعليمات المعمول بها تنفيذاً للكتاب الدوري رقم 7 لسنة 1970 بتاريخ 15 من ديسمبر سنة 1970 تقضي بعرض العقود التي تبرم بين العاملين والجهات الأجنبية على جهات عملهم الأصلية والحصول منها على قرار بالإعارة قبل السفر للخارج ولا يجدي المدعي في ذلك أن البنك سبق أن وافق على سفره سنة 1969 إذ أنه صرف النظر عن ذلك بطلبه المؤرخ في 27 من يوليه سنة 1970 مما تعتبر معه الموافقة كأن لم تكن، لذلك أرسل إليه البنك كتاباً مؤرخاً في 3 من فبراير سنة 1971 يطلب منه العودة لاستلام العمل وقد تقدمت زوجته بشكوى عرضت على السيد وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية فقرر عدم الموافقة على إعارته. إلا أن المدعي أرسل للبنك شهادة مرضية مؤرخة في 20 من مارس سنة 1971 لمنحه إجازة مرضية وبعرضها على طبيب البنك رأى أن مرضه لا يمنعه من الحضور إلى القاهرة ومباشرة العلاج بها فطلب منه البنك العودة لاستلام العمل إلا أنه تقدم بطلب آخر مؤرخ في 14 من سبتمبر سنة 1971 يفيد التحاقه بإحدى الجامعات للدراسة ويطلب منحه إجازة دراسية، ولم تتم الموافقة على هذا الطلب حيث إن الأمر يستلزم موافقة اللجنة التنفيذية للبعثات. وطلب منه البنك مراراً العودة لاستلام العمل إلا أنه لم يعد. ولذلك صدر القرار بإنهاء خدمته تطبيقاً لحكم المادة 64/ 7 من القانون رقم 61 لسنة 1971 وذلك لانقطاعه عن العمل لأسباب واهية. وانتهى البنك إلى طلب الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى شكلاً لعدم التظلم من القرار المطعون فيه قبل رفعها واحتياطياً برفض الدعوى.
وبجلسة 29 من إبريل سنة 1976 حكمت المحكمة بإلغاء قرار محافظ البنك المركزي رقم 156 لسنة 1972 القاضي بإنهاء خدمة المدعي وإلزام الجهة الإدارية المصروفات. وأقامت - قضاءها - على أن البنك وافق على سفر المدعي إلى الولايات المتحدة لإبرام عقد عمل وطالبه بموافاة البنك بعقد العمل للنظر في أمر إعارته مما يعتبر معه وعداً منه بإعارته إلى الجهة التي يتمكن من التعاقد على العمل معها وبذلك فإن انقطاعه عن العمل بسبب حصوله على العمل الذي سافر من أجله لا يمكن أن يعد بدون سبب مشروع ولا يحاج بالتعليمات الصادرة بالكتاب الدوري رقم 7 لسنة 1971 إذ أنه على فرض وجودها وإلزامها فإنها لا تطبق على حالة المدعي الذي سافر بالفعل قبل صدورها. وانتهت المحكمة إلى أن انقطاع المدعي عن العمل كان لسبب مشروع ويكون القرار المطعون عليه قد صدر بناء على سبب غير صحيح الأمر الذي يجعله جديراً بالإلغاء.
ومن حيث إن الطعن رقم 530 لسنة 21 القضائية قد انصب على إغفال الحكم المطعون فيه التصدي لشكل الدعوى سواء في أسبابه أو منطوقه رغم أن السيد مفوض الدولة أمام المحكمة المذكورة قد ارتأى في تقريره الحكم أصلياً بعدم قبول التظلم شكلاً لعدم التظلم من القرار المطعون فيه قبل رفعها كما أوجب ذلك قانون مجلس الدولة وبذلك يكون الحكم قد انطوى على قصور مخل يبطله حتى ولو كانت النتيجة التي تضمنها قضاؤه سليمة في ذاتها.
ومن حيث إن الطعن رقم 566 لسنة 22 القضائية يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله وذلك للأسباب الآتية:
أولاً: بالنسبة لقبول الدعوى فإن المدعي لم يتقدم بتظلم من القرار المطعون فيه قبل رفع الدعوى وقد أشار إلى ذلك السيد مفوض الدولة في تقريره وانتهى - لهذا السبب - إلى طلب الحكم بعدم قبول الدعوى شكلاً كما أن البنك ضمن مذكرة دفاعه هذا الدفع ومع ذلك التفتت عنه المحكمة ولم تشر إليه من قريب أو بعيد مما يجعل حكمها معيباً لمخالفته حكم المادة 12 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة التي تقضي بعدم قبول طلبات إلغاء القرارات الإدارية قبل التظلم منها إلى الجهة الإدارية المختصة وانتظار المواعيد المقررة للبت في التظلم.
ثانياً: بالنسبة لموضوع الدعوى فإن المحكمة لم ترد على ما تضمنته مذكرة دفاع البنك ولم تشر إلى وقائع المنازعة من واقع ملف خدمة المدعي المودع بالدعوى وأخذت بدفاع ووجهة نظر المدعي رغم ما تضمنته مذكرة البنك وملف الخدمة من وقائع تخالفها وتهدرها. واستطرد تقرير الطعن في استعراض الوقائع ووجهة نظر البنك بما لا يخرج عما جاء في مذكرة دفاعه في الدعوى والتي سبق سردها وانتهى البنك إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً في الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى.
ومن حيث إنه عن قبول الدعوى شكلاً بالنسبة لوجوب التظلم من القرار المطعون فيه قبل رفعها فإن نظام التظلم الوجوبي الذي استحدث لأول مرة بموجب القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة وسايرته في ذلك القوانين المتعاقبة ومنها القانون رقم 55 لسنة 1959 الذي أقيمت الدعوى الراهنة في ظل العمل بأحكامه - يقضي هذا النظام بأن تقبل الطلبات المقدمة رأساً بإلغاء القرارات الإدارية التي حددها قبل التظلم منها إلى الجهة الإدارية التي أصدرتها أو الهيئات الرئاسية وانتظار المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم وأسند لرئيس الجمهورية بقرار منه بيان إجراءات التظلم وطريقة الفصل فيه. وقد وردت في المذكرة الإيضاحية المرافقة للقانون رقم 165 لسنة 1955 المشار إليه - فيما يختص بالتظلم الوجوبي - الحكمة التشريعية التي قام عليها هذا النظام فنوهت "بأن الغرض من ذلك هو تقليل الوارد من القضايا بقدر المستطاع وتحقيق العدالة الإدارية بطريق أيسر على الناس وإنهاء تلك المنازعات في مراحلها الأولى إن رأت الإدارة أن المتظلم على حق في تظلمه، فإن رفضته أو لم تبت فيه خلال الميعاد المقرر فله أن يلجأ إلى طريق التقاضي". وقد حددت المادة 22 من القانون رقم 55 لسنة 1959 المشار إليه ميعاد رفع الدعوى بطلب إلغاء القرار الإداري بستين يوماً من تاريخ نشر القرار أو العلم به وبينت أثر التظلم في قطع هذا الميعاد وحق الجهة الإدارية في البت في هذا التظلم خلال ستين يوماً من تاريخ تقديمه بحيث إذا انقضت هذه المدة دون أن تجيب عليه كان ذلك منها بمثابة قرار حكمي برفض التظلم يحق معه للمتظلم أن يلجأ للقضاء خلال الستين يوماً التالية لانقضاء الستين يوماً المذكورة. ومفاد ما تقدم ومؤداه أن المشرع - بتقرير التظلم الوجوبي قبل رفع دعوى الإلغاء وبيان إجراءاته وأثره - قد استهدف تحقيق أغراض معينة تتمثل في إنهاء المنازعات بالطريق الإداري وتيسير سبل استئداء صاحب الشأن لحقه وتخفيف العبء على القضاء. وهو في سبيل تحقيق هذا الغرض أوجب على صاحب الشأن استنفاد طريق التظلم إلى الجهة الإدارية التي أصدرت القرار قبل اللجوء إلى طريق التقاضي وفي ذات الوقت أفسح المجال أمام هذه الجهة لإعادة البحث والنظر في قرارها فحدد لها موعداً للبت في التظلم بحيث تملك أن تستجيب لطلب صاحب الشأن فتسحب قرارها أو تلغيه أو تعدله إذا تبين لها عدم مشروعيته وبذلك تتحقق الحكمة من تقرير التظلم الوجوبي، أو أن تصر على عدم الإجابة وترفض التظلم صراحة أو ضمناً فلا يكون أمام صاحب الشأن من مناص إلا اللجوء إلى طريق التقاضي لانتفاء الحكمة المشار إليها. وبالبناء على ما تقدم فإنه لا ينبغي تأويل النصوص تأويلاً حرفياً يخرجها عن الغرض من وضعها، فإذا استبان أن صاحب الشأن قد التزم طريق التظلم الذي أوجبه القانون واتبع في شأنه الإجراءات والمواعيد المقررة قانوناً ومع ذلك تمسكت الجهة الإدارية بقرارها فإنه لا معنى للتمسك بحرفية النص الذي يقضي بوجوب التظلم قبل رفع الدعوى كشرط لقبولها إذ أن هذا الشرط ليس مقصوداً لذاته كإجراء شكلي استلزمه القانون لتحقيق مصلحة مفترضة وإنما وضع هذا الشرط لتحقيق أغراض معينة بينتها المذكرة الإيضاحية وأوحت بها النصوص. فإذا تعجل صاحب الشأن وأقام دعواه بعد صدور القرار ثم تظلم منه إلى الجهة الإدارية المختصة خلال الميعاد المقرر قانوناً، وأتيح بذلك لهذه الجهة فرصة بحث هذا التظلم وإصدار قرارها في شأنه بالاستجابة إليه أو برفضه صراحة خلال الميعاد المعين لذلك قانوناً، فإن جهة الإدارة إذا ما انتهت إلى رفض التظلم خلال الميعاد القانوني أو تقاعست عن البت فيه خلال هذا الميعاد مما يعتبر رفضاً حكمياً له وكان ذلك كله قد تم قبل الفصل في الدعوى، فإن التظلم بهذه المثابة يكون قد تحققت به الغاية التي تغياها المشرع وبالتالي تنسحب الدعوى لا إلى الطعن في القرار المطعون فيه فحسب بل وإلى القرار الصادر برفض التظلم الصريح أو الحكمي أيضاً، ويمتنع من ثم مسوغ الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل التظلم من القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن القرار المطعون فيه قد صدر بتاريخ 23 من إبريل سنة 1972 وأقام المطعون ضده الدعوى محل الطعن بإيداع عريضتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 24 من مايو سنة 1972 بطلب إلغاء هذا القرار ثم تقدم بتظلمه منه إلى محافظ البنك المركزي بتاريخ 11 من يونيه سنة 1972 أي خلال ستين يوماً من تاريخ صدور القرار، وقيد تحت رقم 332 ش بمكتب المحافظ، وقد بحثت إدارة القضايا والائتمان بالبنك هذا التظلم وارتأت أن المطعون ضده لم يوضح أن انقطاعه عن العمل كان بعذر قهري لذلك فإنه لا يجوز إلغاء القرار إلا إذا رأت إدارة البنك خلاف ذلك وأضافت أنه أقام دعوى أمام مجلس الدولة بطلب الحكم بإلغاء هذا القرار، وأعادت التظلم وعريضة الدعوى إلى الإدارة العامة لشئون الأفراد بالبنك لإبداء ملاحظاتها. وقد خلت الأوراق من ثمة ما يفيد أن البنك قد استجاب لطلب المطعون ضده أو أنه كان في سبيله إلى ذلك ومن ثم فإن المطعون ضده وقد تقدم بالتظلم خلال الميعاد المقرر قانوناً وكان المجال متاحاً للجهة الإدارية لبحثه وانقضى الميعاد المقرر للبت فيه أثناء سير الدعوى، فإنه لا تثريب عليه أن تعجل بإقامة دعواه ما دام أنه قد نشط إلى سلوك سبيل التظلم الإداري خلال الميعاد المقرر قانوناً وانقضت المواعيد المحددة للبت في هذا التظلم دون استجابة له قبل الفصل في الدعوى على التفصيل السابق وبالتالي يصبح الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل التظلم إدارياً من القرار المطعون فيه منهار الأساس ولا سند له من قانون مما يتعين معه رفضه والتصدي لموضوع الدعوى.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المطعون ضده تقدم بطلب مؤرخ في 16 من أكتوبر سنة 1969 للبنك لمنحه إجازة بدون مرتب لمدة ثلاثة أشهر للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية للتعاقد مع بنك "ولز فارجو" وأرفق بطلبه صورة من كتاب هذا البنك إليه بعدم وجود مانع من التعاقد معه بعد إجراء مقابلة شخصية، وبتاريخ 11 من نوفمبر سنة 1969 وافقت الجهات المختصة بالبنك على هذا الطلب وأعطته إخطارات للجهات المعنية إلا أنه لم يسافر وتقدم بطلب آخر مؤرخ في 27 من يوليه سنة 1970 لمنحه إجازة بدون مرتب لمدة شهر - بالإضافة إلى إجازته السنوية للسفر إلى كل من اليونان وإيطاليا وفرنسا للزيارة لأنه صرف النظر حالياً عن السفر للولايات المتحدة الأمريكية. وتمت الموافقة على هذا الطلب ومنح الإخطارات المطلوبة مع الإشارة فيها إلى إلغاء الإخطارات السابقة. وقد سافر بتاريخ 17 من أكتوبر سنة 1970 ثم ورد للبنك بتاريخ 12 من سبتمبر سنة 1970 كتاب منه يفيد أنه التحق بالعمل لدى بنك "ايرفنج" بنيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية ويلتمس منحه إجازة بدون مرتب لمدة أربع سنوات أو إعارته للبنك المذكور. وقد طلبت منه إدارة شئون التوظيف بالبنك بكتابها المؤرخ في 3 من يناير سنة 1971 موافاتها بعقد عمل رسمي حتى يمكن النظر في أمر إعارته فأجابها بالمطلوب، وأعادت الإدارة المذكورة بحث الأمر في ضوء الكتاب الدوري رقم 7 لسنة 1970 الصادر من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة بتاريخ 15 من ديسمبر سنة 1970 بشأن تنظيم إجراءات إعارة العاملين بناء على العقود الشخصية المبرمة بينهم والجهات الأجنبية والذي يقضي بضرورة عرض هذه العقود على جهات العمل والحصول منها على قرار بالإعارة بناء على هذه العقود قبل السفر أو مزاولة العمل بالخارج. وانتهى رأي الجهات المختصة بالبنك إلى رفض إعارة المطعون ضده وطلبت منه بالكتاب رقم 1948 المؤرخ 4 من فبراير سنة 1971 العودة لاستلام عمله وإلا اضطرت إلى اتخاذ إجراءات إنهاء خدمته للغياب دون إذن أو عذر مقبول، فرد عليها بأن لديه التزامات واعتبارات يتعذر معها العودة وإلا أصيب بأضرار مادية وأدبية وطلب إعادة النظر في أمر إعارته ولم يوافق البنك فتقدم بشهادة طبية وأعقبها بأخرى وطلب منحه إجازة مرضية، وقد رأى طبيب البنك أن المرض الذي يشكو منه لا يمنعه من العودة بأية وسيلة والعلاج بالقاهرة، وقد أخطر المطعون ضده بذالك وطلب منه العودة مع إنذاره بإنهاء خدمته. فتقدم بطلب آخر لمنحه إجازة دراسية لمدة سنتين لالتحاقه بإحدى الجامعات الأمريكية للحصول على الماجستير خاصة وأن استمراره في العمل بالخارج يمكنه من مواجهة مصروفات الدارسة والعلاج، فرفض البنك هذا الطلب لمخالفته لأحكام قانون البعثات وطلب منه بالكتاب رقم 20057 المؤرخ في 29 من نوفمبر سنة 1971 العودة خلال شهر وإنذاره بإنهاء خدمته في حالة عدم عودته لانقطاعه عن العمل دون إذن أو عذر مقبول. ولما لم يستجب إلى هذا الطلب صدر قرار محافظ البنك رقم 156 لسنة 1972 بتاريخ 23 من إبريل سنة 1972 بإنهاء خدمته اعتباراً من 15 من فبراير سنة 1972 وذلك إعمالاً لأحكام القانون رقم 61 لسنة 1971 بإصدار نظام العاملين بالقطاع العام.
ومن حيث إن نظام العاملين بالقطاع العام المشار إليه ينص في المادة 64 على أن تنتهي خدمة العامل بأحد الأسباب الآتية:
1..... 7 - الانقطاع عن العمل دون سبب مشروع أكثر من.... عشرة أيام متصلة على أن يسبق انتهاء الخدمة بسبب ذلك إنذار كتابي يوجه للعامل بعد غيابه خمسة أيام.. ما لم يقدم العامل ما يثبت أن انقطاعه كان بعذري قهري...... " ومقتضى هذا النص أنه إذا استبان لجهة الإدارة وضوح نية العامل في هجر وظيفته مما ينم عن رغبته في الاستقالة وذلك من تصرفاته ومن الظروف والملابسات المحيطة بانقطاعه عن العمل وتهاتر الأعذار المقدمة منه تبريراً لهذا الانقطاع فإنه لا جرم إن هي أعملت في شأنه حكم المادة المذكورة واعتبرت خدمته منتهية وذلك تحقيقاً للمصلحة العامة وما تطلبه من ضرورة حسن سير العمل في المرافق العامة بانتظام واضطراد.
ومن حيث إن البنك كان قد وافق على منح المطعون ضده - بناء على طلبه - إجازة بدون مرتب لمدة شهر بالإضافة إلى إجازته السنوية بغرض السفر إلى اليونان وإيطاليا وفرنسا للزيارة. وقد غادر البلاد فعلاً لهذا الغرض - إلا أنه لم يعد إلى عمله بعد انتهاء هذه الإجازة وتبين أنه سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتعاقد مع إحدى الجهات الأجنبية للعمل بها مخالفاً بذلك الموافقة الصريحة التي حصل عليها للسفر إلى الخارج وطالت مدة انقطاعه عن العمل بما يجاوز السنة تقدم خلالها بأعذار عديدة في سبيل تبرير هذا الانقطاع ولم يقبل البنك أياً منها وطالبه مراراً بالعودة للعمل مع إنذاره بإنهاء خدمته للانقطاع عن العمل ورغم ذلك ظل المطعون ضده منقطعاً ومصراً على موقفه ومن ثم فإنه قد توافرت في شأنه شروط تطبيق حكم المادة 64 سالفة الذكر، إذ يبين من العرض السابق للوقائع أن الأعذار التي أبداها لا ترقى إلى مرتبة الأعذار القهرية التي استلزمها المشرع لتبرير الانقطاع عن العمل ولا تخرج عن كونها أعذار واهية اصطنعها بيده وكانت لإرادته دخل فيها ولا ترجع إلى أسباب خارجة عنه ولم يكن للبنك ثمة دور فيها فقد سلك المطعون ضده سلوكاً معيباً بسفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتعاقده على العمل فيها دون علم أو موافقة البنك - كما أنه ليس صحيحاً ما يذهب إليه من أنه كان يتعين على البنك أن يتخذ إجراءات إعارته بعد أن أخطره بتعاقده، إذ أنه من المبادئ المستقرة أن إعارة العامل من الأمور التي تترخص جهة الإدارة في الموافقة عليها أو رفضها بما لها من سلطة تقديرية، بل إن البنك التزم في رفض إعارته - التعليمات التي تضمنها الكتاب الدوري المشار إليه الذي يوجب عرض العقود الشخصية على الجهة الإدارية والحصول على موافقتها على الإعارة قبل السفر أو مزاولة العمل في الخارج، وهو الأمر الذي لم يتبعه المطعون ضده فقد تعاقد واستلم العمل في الخارج قبل الحصول على قرار بالموافقة على إعارته. ولا غناء في القول إن البنك قد وافق على سفره للبحث عن العمل أو أنه طلب منه ما يفيد تعاقده إذ الثابت أن المطعون ضده قد تنازل عن سفره للولايات المتحدة الأمريكية للبحث عن العمل وكان سفره - وقت صدور هذه التعليمات - لزيارة بلدان أخرى وليس للبحث عن عمل بها وبالتالي يكون تعاقده ومزاولته العمل بالخارج قد تم بالمخالفة لأحكام القانون. أما ما يدعيه من مرض فإنه لم يكن من شأنه أن يمنعه من العودة لعمله كما ذهبت إلى ذلك الجهات الطبية المختصة ولا حجة كذلك في التحاقه بإحدى الجامعات الأجنبية لتبرير انقطاعه عن العمل فهو الذي أقدم على ذلك بإرادته فلا يعد عذراً لانقطاعه. فحاصل ما تقدم أن نية المطعون ضده قد انصرفت منذ سفره على وضع البنك أمام الأمر الواقع للحصول على قرار بإعارته أو على الأقل بالتحايل على تأجيل إنهاء خدمته متذرعاً في ذلك بأسباب لم تكن هي في حقيقتها سبب الانقطاع عن العمل وإنما السبب في ذلك هو تعاقده ومزاولته العمل في الخارج دون ثمة موافقة من جهة عمله وإصراره على التمسك بهذا العمل متوسلاً في ذلك بأساليب ملتوية مكشوفة إن دلت على شيء فإنما تدل على عزوفه عن العمل ورغبته في هجر وظيفته. وترتيباً على ما تقدم فإن القرار المطعون فيه وقد قضى بإنهاء خدمة المطعون ضده لانقطاعه عن العمل بعد انتهاء إجازته المرخص له بها - يكون قد قام على سبب صحيح متفقاً وأحكام القانون ولا وجه للنعي عليه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه وقد أخذ بغير هذا النظر يكون قد جانب الصواب وغير قائم على سند صحيح من الواقع أو القانون مما يتعين معه القضاء بإلغائه ورفض الدعوى مع إلزام المدعي المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وفي موضوعهما بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي المصروفات.