مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 439

(52)
جلسة 21 من ديسمبر سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1696 لسنة 2 القضائية

( أ ) معاشات - موظف مؤقت - شغله وظيفة دائمة - إحالته إلى المعاش في سن الستين.
(ب) موظف - العبرة في اعتباره شاغلاً وظيفة دائمة أو مؤقتة هي بالوصف الوارد عنها بالميزانية - لا عبرة بالمصرف المالي للوظيفة، ولا يكون شاغلها على درجة شخصية أو أصلية، ولا بكونه مثبتاً من عدمه.
1- إن الشارع حسم بالقانون رقم 413 لسنة 1953 وبصفة تشريعية الخلاف حول السن التي يحال فيها إلى المعاش الموظفون المؤقتون الشاغلون لوظائف دائمة، واعتبرها في الأصل سن الستين، وإن أورد حكماً وقتياً واستثنائياً - للحكمة التشريعية التي أفصحت عنها المذكرة الإيضاحية - من مقتضاه أن يبقى في خدمة الحكومة من كان من هؤلاء تزيد سنه في 19 من يوليه سنة 1953 على التاسعة والخمسين، على أن يفصلوا بعد مضي سنة من هذا التاريخ، أو عند بلوغهم سن الخامسة والستين، في أي التاريخين أقرب.
2- إن المادة 4 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة تنص على أن "الوظائف الداخلة في الهيئة إما دائمة وإما مؤقتة حسب وصفها الوارد في الميزانية". فإذا بان من ميزانية الدولة أن وظيفة المدعي واردة ضمن الوظائف الداخلة في الهيئة وموصوفة بأنها دائمة؛ فإنه بهذه المثابة يعتبر شاغلاً لوظيفة دائمة بحسب وصفها الوارد في الميزانية، ويعتبر تبعاً لذلك من الموظفين الدائمين طبقاً للمادة الأولى من القانون المذكور، وبالتالي يحال إلى المعاش في سن الستين، ولا عبرة بكون مصرف وظيفته المالي على إحدى الدرجات التاسعة المؤقتة؛ لأن المصرف المالي لا تأثير له في كيان الوظيفة وقوامها ووصفها في الميزانية، والمناط في دائمية الوظيفة التي تضفي بدورها صفة الدائمية على الموظف هو بحسب وصفها الوارد في الميزانية في سلك الدرجات الداخلة في الهيئة من الأولى إلى التاسعة، لا أن يكون الموظف مثبتاً أو غير مثبت، والوظيفة من ناحية أخرى لا تتأثر في طبيعتها بكون شاغلها حاصلاً على درجة شخصية أو أصلية.


إجراءات الطعن

في 28 من يوليه سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة تقيد بجدولها تحت رقم 1696 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية للمواصلات والسكة الحديد بجلسة 28 من مايو سنة 1956 في الدعوى رقم 413 لسنة 2 القضائية المقامة من السيد/ محمد أحمد موسى ضد مصلحة السكك الحديدية، القاضي "بإلغاء القرار المطعون فيه والصادر من السيد وزير المواصلات بانتهاء خدمة المدعي في 29 من أكتوبر سنة 1954، وإلزامه بصفته المصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى، وإلزام رافعها المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى مصلحة السكك الحديدية في 22 من أغسطس سنة 1956، وإلى المطعون عليه في 8 من سبتمبر سنة 1956، وعين لنظره جلسة 8 من يونيه سنة 1957، وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته. وفي 29 من مايو سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة، وفيها أجل نظر الطعن إلى جلسة 23 من نوفمبر سنة 1957، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة ، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه أودع سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في أول ديسمبر سنة 1954 صحيفة دعواه المقامة على وزارة المواصلات، طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من وزارة المواصلات بانتهاء خدمته في 29 من أكتوبر سنة 1954، مع حفظ الحق في التعويض. وفي 9 من يوليه سنة 1955 قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات للاختصاص طبقاً للمادة 73 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بتنظيم مجلس الدولة. وقال المدعي بياناً للدعوى إنه عين بوظيفة عداد بمصلحة السكك الحديدية سنة 1914، وظل يتدرج في وظائف الحكومة حتى بلغ درجته الحالية بمرتب قدره 500 م و13 ج في وظيفة أمين مخزن بالمصلحة المذكورة، وأنه من مواليد سنة 1895، غير أنه بتاريخ 29 من أكتوبر سنة 1954 أصدر السيد وزير المواصلات أمراً إدارياً بإنهاء خدمته منذ ذلك التاريخ؛ وأوضح أن القرار الإداري المشار إليه صدر باطلاً ومخالفاً للقانون واللوائح، وآية ذلك أن المدعي لم يكن من الموظفين الذين تجرى على رواتبهم حكم الاستقطاع للمعاش المنصوص عليه في المادة الثانية من قانون المعاشات الملكية رقم 37 لسنة 1909؛ لأنه كان من الموظفين المؤقتين الذين نصت المادة الرابعة من القانون المذكور على عدم استقطاع احتياطي المعاش من ماهياتهم؛ ولذلك لم يكن له حق في المعاش؛ ومن ثم فلا سند من القانون لمعاملته بموجب حكم المادة الرابعة عشرة من قانون المعاشات التي نصت على أنه متى بلغ الموظف أو المستخدم سن الستين وجبت إحالته إلى المعاش حتماً، ثم من أنه يجب أن يعامل طبقاً لنص المادة 14 من القانون رقم 5 لسنة 1909 الخاص بالمعاشات التي تقضي بأن "يكون رفت المستخدمين المؤقتين الخارجين عن هيئة العمال - وهم لا حق لهم في المعاش - متى بلغوا سن الخامسة والستين، ما لم يرخص لهم وزير المالية بالبقاء في الخدمة بناءً على طلبهم، ومع ذلك فلا يجوز في أي حال من الأحوال إبقاؤهم في الخدمة بعد سن السبعين...". وختم شرح دعواه بالقول بأن القرار المشار إليه الصادر من وزير المواصلات بانتهاء خدمة الطالب في 29 من أكتوبر سنة 1954 يكون مخالفاً للقانون متعيناً إلغاؤه. وقد دفعت المصلحة الدعوى بالقول بأن المدعي قد التحق بالخدمة في 24 من أكتوبر سنة 1914 في وظيفة عتال وعين بالماهية اعتباراً من أول أغسطس سنة 1920، واعتبر في الدرجة التاسعة منذ ذلك التاريخ، ثم رقي إلى الدرجة الثامنة الكتابية بصفة شخصية في أول يوليه سنة 1943، ثم رقي إلى الدرجة السابعة الكتابية بصفة شخصية صرفاً على التاسعة اعتباراً من 7 من مارس سنة 1953. وقالت إنه بناءً على كونه من مواليد تاريخ 13 من نوفمبر سنة 1894 فإنه قد بلغ سن الستين في 12 من نوفمبر سنة 1954، ولهذا فقد تم فصله من الخدمة اعتباراً من 13 من نوفمبر سنة 1954 طبقاً للقانون رقم 413 لسنة 1953، وأنه استمر بالعمل بعض الوقت حتى 24 من نوفمبر سنة 1954 كي يسلم ما بعهدته طبقاً للمادة 114 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة. وبجلسة 28 من مايو سنة 1956 حكمت المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات "بإلغاء القرار المطعون فيه والصادر من وزير المواصلات بإنهاء خدمة المدعي في 29 من أكتوبر سنة 1954، وإلزامه بصفته المصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأسست قضاءها على أن المدعي كان في الدرجة السابعة الشخصية صرفاً على الدرجة التاسعة المؤقتة كما يبين ذلك من ملف خدمته؛ وأنه منح هذه الدرجة في 7 من مارس سنة 1953 قبل إحالته إلى المعاش. وعلى أن القانون رقم 413 لسنة 1953 لا ينطبق إلا على الموظفين الشاغلين لدرجات دائمة في الميزانية، وليس من بينهم المدعي، وأن الموظف إذا كان شاغلاً لدرجة مؤقتة، كما هي الحال بالنسبة إلى المدعي، فلا ينطبق عليه حكم القانون رقم 413 لسنة 1953، بل يكون خاضعاً لحكم الفقرة الثالثة من المادة 14 من القانون رقم 5 لسنة 1909 التي تنص على ما يأتي "أما المستخدمون المؤقتون والخدمة الخارجون عن هيئة العمال فيرفتون متى بلغوا الخامسة والستين". ثم استطرد الحكم إلى أن المدعي وقد منح الدرجة السابعة الكتابية بصفة شخصية صرفاً على الدرجة التاسعة المؤقتة يتعين بقاؤه في الخدمة حتى سن الخامسة والستين إعمالاً لحكم الفقرة الثالثة من المادة 14 من القانون رقم 5 لسنة 1909 التي سبقت الإشارة إليها، وتكون المصلحة عندما ذهبت غير هذا المذهب قد خالفت القانون، ويتعين لذلك إلغاء القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن الطعن قد بني على أن المطعون عليه يشغل الدرجة السابعة، وهي من الدرجات الدائمة بالميزانية، أما قيده على الدرجة التاسعة فهو لا يعدو أن يكون تدبيراً للمصرف المالي. ولا يؤثر من الناحية القانونية في وضعه من حيث كونه من الموظفين الشاغلين لدرجة من الدرجات الدائمة في الميزانية؛ ومن ثم فإنه ممن يحالون إلى المعاش في سن الستين، وبالتالي يكون القرار الوزاري بإنهاء خدمته في هذه السن قراراً سليماً مطابقاً للقانون، ويكون الحكم المطعون إذ ذهب مذهباً مخالفاً قد خالف القانون.
ومن حيث إنه قد تبين لهذه المحكمة من واقع الأوراق أن المطعون عليه التحق بقسم المخازن بمصلحة السكك الحديدية اعتباراً من 9 من ديسمبر سنة 1915، وأنه كان قد بدأ خدمته في وظيفة عتال ظهورات من 24 من يناير سنة 1914 بمخازن عموم بولاق، ثم عين بصفة تملية من 9 من ديسمبر سنة 1915، ثم عين بالماهية الشهرية اعتباراً من أول أغسطس سنة 1920، ثم منح الدرجة الخصوصية اعتباراً من أول إبريل سنة 1924، ثم عين في الدرجة التاسعة من أول مايو سنة 1940، ورقي إلى الدرجة الثامنة الكتابية (72 - 120) بصفة شخصية باعتباره منسياً ابتداءً من أول يوليه سنة 1943، ثم منح لقب أمين مخزن من 9 من يونيه سنة 1949، ثم رقي إلى الدرجة السابعة الكتابية (140 - 204) بصفة شخصية صارفاً على الدرجة التاسعة اعتباراًً من 7 من مارس سنة 1953، واستمر بعد ذلك في الخدمة إلى أن تقرر فصله اعتباراً من 13 من نوفمبر سنة 1954 لبلوغه سن الستين. وكان يتقاضى عند الإحالة إلى المعاش مرتباً شهرياً قدره 125 م و13 ج، وهو من مواليد 13 من نوفمبر سنة 1894، وأن راتبه لم يكن يجرى عليه حكم الاستقطاع نظراً لعدم تثبيته؛ ولذلك فقد صرفت له مكافأة عن مدة خدمته بلغت 250 م و551 ج، ولم تحسب له عند تقديرها مدة قضاها في الخدمة بصفة (ظهورات) من 24 من أكتوبر سنة 1914 إلى 9 من ديسمبر سنة 1915.
ومن حيث إن مثار المنازعة تنحصر فيما إذا كان المطعون عليه يشغل وظيفة دائمة أو مؤقتة، وهل يتأثر وضعه من أن الدرجة السابعة التي رقي إليها كان مصرفها المالي على الدرجة التاسعة؟ وهل تعدل الدرجة الشخصية الدرجة الأصلية وتشاركها في حكمها؟ وهل يفيد المطعون عليه من أحكام القانون رقم 413 لسنة 1953؟ وما هي السن التي ينبغي إحالته فيها إلى المعاش في ضوء وضعه الوظيفي المبين آنفاً؟
ومن حيث إن المادة 14 من القانون رقم 5 لسنة 1909 الخاص بالمعاشات الملكية المعدلة بالقانونين رقمي 29 لسنة 1910 و14 لسنة 1913 نصت في فقرتها الأولى على أنه "متى بلغ سن الموظفين والمستخدمين الملكيين ستين سنة وجب إحالتهم إلى المعاش حتماً ما لم يصدر قرار خصوصي من مجلس النظار بإبقائهم في الخدمة لمدة معينة بناءً على طلبهم... ولا يجوز إبقاء أي موظف أو مستخدم في الخدمة بعد سن السبعين سنة"، وفي فقرتها الثالثة على أن "يرفت المستخدمون المؤقتون والخدمة الخارجون عن هيئة العمال متى بلغوا الخامسة والستين من سنهم ما لم يرخص لهم ناظر المالية بالبقاء في الخدمة لمدة معينة بناءً على طلبهم، ومع ذلك فلا يجوز في أي حال من الأحوال إبقاؤهم في الخدمة بعد سن السبعين سنة". ولما صدر المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات ردد في المادة 14 منه ما جاء بالفقرة الأولى من القانون رقم 5 لسنة 1909، ولم يردد ما جاء بالفقرة الثالثة في شأن سن انتهاء الخدمة بالنسبة إلى المستخدمين المؤقتين والخدمة الخارجين عن هيئة العمال؛ ذلك لأن القانون رقم 37 لسنة 1929 قد عالج النظام القانوني للمعاشات والمكافآت بالنسبة لمن يجرى على راتبهم حكم الاستقطاع لاحتياطي المعاش، فاقتصر في تحديد سن انتهاء الخدمة بالنسبة إلى هؤلاء ولم يتعرض لسن انتهاء الخدمة بالنسبة إلى المستخدمين المؤقتين والخدمة الخارجين عن هيئة العمال الذين أخرجهم من نطاق تطبيقه، فظل نص الفقرة الثالثة من القانون رقم 5 لسنة 1909 سارياً في حقهم، واطرد الرأي في التطبيق على ذلك. ثم صدر القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة ناصاً في المادة الأولى منه على أن يسري حكمه على الموظفين الداخلين في الهيئة سواء أكانوا مثبتين أم غير مثبتين، واعتبر موظفاً في تطبيق أحكامه كل من يعين في إحدى الوظائف الداخلة في الهيئة بمقتضى مرسوم أو أمر جمهوري أو قرار من مجلس الوزراء أو وزير أو من أية هيئة أخرى تملك سلطة التعيين قانوناً. ثم صدر المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952 الذي أنشأ صندوقاً للادخار خص به غير المثبتين من موظفي الدولة المدنيين المربوطة مرتباتهم على وظائف دائمة أو مؤقتة ضمن الباب الأول من الميزانية العامة للدولة، أو في ميزانيات الجامعات أو الأزهر والمعاهد الدينية أو غيرها من الميزانيات التي تعين بقرار من مجلس الوزراء، فثار الخلاف حول السن التي تنتهي ببلوغها خدمة الموظفين المؤقتين المعينين على وظائف دائمة في الميزانية، فأفتى قسم الرأي مجتمعاً بمجلس الدولة بجلسته المنعقدة في 25 من فبراير سنة 1953 بأن الموظفين غير المثبتين المعينين بعقود على ربط وظائف دائمة في الميزانية تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 16 من يناير سنة 1935 الخاص بوقف التثبيت لا يعتبرون من الموظفين المؤقتين في حكم الفقرة الثالثة من المادة 14 من قانون المعاشات رقم 5 لسنة 1909 ومن ثم يتقاعدون في سن الستين وفقاً لحكم المادة 14 من القانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية. وتنفيذاً لهذا الرأي أذاع ديوان الموظفين الكتاب الدوري رقم 46 لسنة 1953 في 19 من يوليه سنة 1953 على الوزارات والمصالح، ومقتضاه أن الموظفين غير المثبتين المعينين بعقود على وظائف دائمة بالميزانية يفصلون من الخدمة عند بلوغهم الستين، ومن بلغ منهم هذه السن أو يكون قد جاوزها تنتهي خدمته فوراً، فتضرر هؤلاء من إنهاء خدمتهم فوراً بغير إمهالهم الوقت الكافي لتدبير شئون معاشهم؛ ومن أجل ذلك صدر القانون رقم 413 لسنة 1953 في 11 من أغسطس سنة 1953 بحكم وقتي أو استثنائي، ناصاً في مادته الأولى على أنه "استثناءً من أحكام القانون رقم 37 لسنة 1929 والقانون رقم 210 لسنة 1951 المشار إليهما يبقى في خدمة الحكومة الموظفون المؤقتون الشاغلون لوظائف دائمة الذين تزيد سنهم في 19 من يوليه سنة 1953 على التاسعة والخمسين، على أن يفصلوا بعد مضي سنة من هذا التاريخ أو عند بلوغهم سن الخامسة والستين في أي التاريخين أقرب".
وغني عن البيان أن الشارع أكد بما لا شبهة فيه أن السن التي يحال فيها إلى المعاش الموظفون المؤقتون الشاغلون لوظائف دائمة هي في الأصل سن الستين. وقد أفصحت عن ذلك المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور وكشفت عن الحكمة التشريعية للحكم الاستثنائي والوقتي الذي جاء به القانون المذكور؛ إذ بعد أن استعرضت في مقدمتها التطور التشريعي والرأي في التطبيق على النحو المفصل آنفاً قالت "وبحث الديوان هذه الشكاوى وتبين له أن الرأي الذي انتهى إليه مجلس الدولة وإن كان قد استند على أسس قانونية صحيحة إلا أن تنفيذه بغير سابق إنذار فيه إهدار للاستقرار الذي هيأ هؤلاء الموظفون معيشتهم عليه... على أنه من ناحية أخرى فإن خروج هذا العدد من الموظفين في الوقت الحاضر سوف يترتب عليه أن تطلق يد الحكومة في تخفيض عدد الوظائف بإلغاء بعضها وهو الأمر الذي تحاول الحكومة معالجته جاهدة، وفيه فوق ذلك إفساح مجال العمل أمام فريق من المتعلمين العاطلين... وللتوفيق بين هذه المصلحة العامة ومصلحة تلك الطائفة من الموظفين تقترح وزارة المالية والاقتصاد وبعد موافقة ديوان الموظفين أن يمهل هؤلاء الموظفون سنة واحدة تبدأ من 19 من يوليه سنة 1953، تاريخ صدور كتاب ديوان الموظفين المشار إليه فيما تقدم، ويستبقون أثناءها في الخدمة كي يرتبوا وسائل معاشهم مستقبلاً، حتى لا تضطرب أمورهم بسبب هذه المفاجأة، على أن من يبلغ سن الخامسة والستين خلال هذه السنة تنتهي خدمته بطبيعة الحال بمجرد بلوغه هذه السن، ومن يكون قد ترك الخدمة على إثر نشر كتاب الديوان الدوري يعاد إليها مع صرف مرتبه عن المدة التي ترك فيها العمل وتعتبر خدمة متصلة... ولما كان بعض هؤلاء الموظفين قد جاوز سن الثانية والستين التي نصت المادة 108 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المعدلة بالقانون رقم 222 لسنة 1953 على أنها الحد الأقصى لبقاء الموظفين في الخدمة، فقد تعينت الإشارة إلى استثناء هؤلاء الموظفين من قيد السن الواردة في هذه المادة" [(1)].
ومن حيث إنه يظهر مما تقدم أن الشارع حسم بالقانون رقم 413 لسنة 1953 وبصفة تشريعية الخلاف حول السن التي يحال فيها إلى المعاش الموظفون المؤقتون الشاغلون لوظائف دائمة، واعتبرها في الأصل سن الستين، وإن أورد حكماً وقتياً واستثنائياً - للحكمة التشريعية التي أفصحت عنها المذكرة الإيضاحية - من مقتضاه أن يبقى في خدمة الحكومة من كان من هؤلاء تزيد سنه في 19 من يوليه سنة 1953 على التاسعة والخمسين، على أن يفصلوا بعد مضي سنة من هذا التاريخ، أو عند بلوغهم سن الخامسة والستين في أي التاريخين أقرب.
ومن حيث إن هذا الحكم الاستثنائي الذي تضمنه القانون رقم 413 لسنة 1953 لا يستفيد منه المطعون عليه؛ لأنه لم يكن مجاوزاً سن التاسعة والخمسين في 19 من يوليه سنة 1953؛ وبذلك لا ينتفع بالمهلة التي رخص فيها الشارع قبل الخروج من الخدمة استثناءً من قاعدة إنهاء هذه الخدمة ببلوغ سن الستين.
ومن حيث إن المادة 4 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة تنص على أن "الوظائف الداخلة في الهيئة إما دائمة وإما مؤقتة حسب وصفها الوارد في الميزانية"، وقد بان من ميزانية الدولة في سنة 1953-1954 أن وظيفة "أمين مخزن" واردة في ضمن الوظائف الداخلة في الهيئة وموصوفة بأنها دائمة؛ وبهذه المثابة يعتبر شاغلاً لوظيفة دائمة بحسب وصفها الوارد في الميزانية، ويعتبر تبعاً لذلك من الموظفين الدائمين طبقاً للمادة الأولى من القانون المذكور؛ ومن ثم فإنه تسري عليه الأحكام السابقة من حيث السن التي يحال فيها إلى المعاش، ولا عبرة بكون مصرف وظيفته المالي على إحدى الدرجات التاسعة المؤقتة؛ لأن المصرف المالي لا تأثير له في كيان الوظيفة وقوامها ووصفها في الميزانية. والمناط في دائمية الوظيفة التي تضفي بدورها صفة الدائمية على الموظف هو بحسب وصفها الوارد في الميزانية في سلك الدرجات الداخلة في الهيئة من الأولى إلى التاسعة، لا أن يكون الموظف مثبتاً أو غير مثبت. والوظيفة من ناحية أخرى لا تتأثر في طبيعتها بكون شاغلها حاصلاً على درجة شخصية أو أصلية على ما جرى به قضاء هذه المحكمة.
ومن حيث إنه إذا كان المطعون عليه من الموظفين المؤقتين الشاغلين لوظائف دائمة وبلغ سن الستين - على ما جاء بملفه - في 13 من نوفمبر سنة 1954، فما كان يجوز إبقاؤه في الخدمة بعد ذلك بأية حال وفقاً للأحكام التي سبقت الإشارة إليها، ويكون القرار الوزاري الصادر في 29 من أكتوبر سنة 1954 بفصله أو بالأحرى اعتبار خدمته منتهية من 13 من نوفمبر سنة 1954 قد جاء مطابقاً للقانون.
ومن حيث إنه من كل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه إذ ذهب غير هذا المذهب قد وقع مخالفاً للقانون، ويتعين من ثم إلغاؤه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.


[(1)] يراجع الحكم المنشور بالسنة الأولى من هذه المجموعة، بند 39، صفحة 325.