مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1980 إلى آخر فبراير سنة 1981) - صـ 473

(65)
جلسة 31 من يناير سنة 1981

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد صلاح الدين السعيد نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد محمد عبد المجيد ونصحي بولس فارس ومحمد عزيز أحمد علي وعادل عبد العزيز بسيوني - المستشارين.

الطعن رقم 641 لسنة 22 القضائية

( أ ) عاملون مدنيون بالدولة - ندب - عقوبة مقنعة - دعوى - محكمة القضاء الإداري - المحاكم التأديبية.
قرار ندب أحد العاملين - النعي عليه لانطوائه على عقوبة تأديبية مقنعة - الفصل فيما إذا كان قرار الندب المطعون فيه قد انطوى على عقوبة تأديبية مقنعة من عدمه وإن كان يمكن أن يكون سبيلاً إلى تحديد مدى اختصاص المحكمة بنظر الدعوى إلا أنه في حقيقة الأمر الفصل في موضوع الدعوى ذاته يقتضي الأخذ في تحديد هذا الاختصاص بتكييف المدعي للقرار بحيث إذا تحققت المحكمة من صحة هذا التكييف قضت في موضوع الدعوى على مقتضاه دون أن ينطوي ذلك على معنى ترك الأمر في شأن تحديد الاختصاص القضائي للمحاكم التأديبية لمحض اختيار ذوي الشأن تبعاً للتكييف الذي يسبغونه على القرار طالما أن الفصل في مدى صحة هذا التكييف يختلط بموضوع الدعوى ذاته ومرده في النهاية إلى التكييف الذي تأخذ به المحكمة في هذا الصدد - أساس ذلك - تطبيق.
(ب) قرار إداري - تظلم وجوبي - ميعاده - دعوى - دفع في الدعوى.
قرار إداري - تظلم وجوبي - تحديد ميعاد التظلم هو تاريخ وصوله إلى الجهة الإدارية وقيده في السجل المعد لذلك بها - تقديم التظلم خلال الميعاد المحدد قانوناً - إقامة الدعوى وانقضاء ميعاد البت في التظلم قبل الفصل في الدعوى - الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها قبل التظلم من القرار المطعون فيه لا يكون قائماً على سند من القانون - أساس ذلك - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 10 من يوليه سنة 1976 أودعت إدارة قضايا الحكومة، نيابة عن السيد وزير الصحة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن قيد برقم 641 لسنة 22 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة الصحة بجلسة 12 من مايو سنة 1976 في الدعوى رقم 61 لسنة 8 القضائية المقامة من السيد الدكتور....... ضد السيد وزير الصحة، والقاضي برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها، وبرفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً وبقبولها، وبإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الوزارة مبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة وطلبت إدارة قضايا الحكومة للأسباب الواردة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، والقضاء أصلياً بعدم اختصاص المحكمة التأديبية بنظر الدعوى وبإحالتها إلى المحكمة المختصة، واحتياطياً بعدم قبول الدعوى شكلاً لعدم سابقة التظلم من القرار المطعون فيه، ومن باب الاحتياط الكلي برفض الدعوى موضوعاً، مع إلزام المطعون ضده في جميع الأحوال المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده في 6 من سبتمبر سنة 1976.
وقدم السيد مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن انتهى فيه إلى طلب الحكم بقبوله شكلاً وبرفضه موضوعاً وإلزام الوزارة الطاعنة المصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 25 من يونيه سنة 1980. وبجلسة 12 من نوفمبر سنة 1980 قررت الدائرة ضم هذا الطعن إلى الطعنين رقم 583 لسنة 22 القضائية ورقم 642 لسنة 22 القضائية، وإحالة الطعون الثلاثة إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الرابعة) وحددت لنظرها أمامها جلسة 27 من ديسمبر سنة 1980، وفيها قررت المحكمة فصل الطعن رقم 641 لسنة 22 القضائية عن الطعنين المضمومين رقم 583 لسنة 22 القضائية ورقم 642 لسنة 22 القضائية. على أن ينظر الطعن الأول والطعنان المضمومان معاً للارتباط ووحدة المستندات وحجز الطعن للحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفي أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص في أن الدكتور...... أقام الدعوى رقم 61 لسنة 8 القضائية ضد السيد/ وزير الصحة بصحيفة أودعت سكرتارية المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة الصحة في 25 من إبريل سنة 1974، طلب في ختامها المحكمة بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 1 لسنة 1974 الصادر من وزير الصحة في 10 من إبريل سنة 1974 بندبه من وظيفة مدير مراقبة العلاج الحر للعمل بالإدارة العامة لشئون المناطق مع ما يترتب على ذلك من آثار. ونعي المدعي على القرار المطعون فيه أنه انطوى على تأديب مقنع لما تضمنه من ندبه إلى وظيفة غير مسماة بالإدارة العامة للمناطق للعمل تحت رئاسة الدكتور..... الذي كان في درجة مدير مساعد وهي أدنى من وظيفته، وأضاف أن القرار المذكور لم يستهدف الصالح العام وإنما أصدره وزير الصحة بإيعاز من كبار الأطباء ممن يملكون عيادات خاصة لمجرد أن المدعي قام بواجبه واقترح إصدار القوانين الكفيلة بتنظيم العلاج الحر مما يدخل في صميم اختصاصه طبقاً لأحكام القرار الوزاري رقم 226 لسنة 1968 بإصدار دليل العمل الإداري لمراقبة شئون العلاج الحر والذي ناط بالمراقبة المذكورة الاختصاص باقتراح مشروعات القوانين والقرارات الوزارية المتعلقة بقطاع العلاج الحر. وقد أصدر وزير الصحة هذا القرار متوهماً أنه (أي المدعي) خرج عن حدود اختصاصه في الوقت الذي يقوم فيه بعمله على أكمل وجه إلى حد أن وزير الصحة نفسه كان قد وجه إليه خطابات الشكر والثناء وانتهى المدعي إلى طلباته سالف البيان مقرراً على ما جاء في مذكراته أمام المحكمة أنه تظلم من القرار المطعون فيه بتاريخ 18 من إبريل سنة 1974. وعقبت وزارة الصحة على الدعوى بمذكرة دفعت فيها أصلياً بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظرها تأسيساً على أن قرارات الندب من القرارات المؤقتة بطبيعتها والتي تترخص الجهة الإدارية في إصدارها تلبية لاحتياجات الصالح العام، وأن حاجات العمل العاجلة وضرورات حسن سير المرفق اقتضت إصدار القرار المطعون فيه دون تحيز أو مساس بالمركز القانوني للمدعي من أي وجه، خاصة وأن المدعي كان قبل صدور هذا القرار يشغل الوظيفة التي انتدب منها وهي وظيفة مدير مراقبة العلاج الحر بطريق الندب أيضاً، مما لا يبدو معه ثمة وجه لتمسك المدعي بالبقاء في الوظيفة المذكورة على خلاف أحكام القانون التي تقضي بأن الندب من الملائمات المتروكة لتقدير الجهة الإدارية والتي تفرض على الموظف أن يضع نفسه تحت إمرة الإدارة وخدمتها في أي موقع ينتدب للعمل به. كما دفعت الوزارة بصفة احتياطية بعدم اختصاص المحكمة التأديبية نوعياً بنظر الدعوى وطلبت إحالتها إلى المحكمة المختصة استناداً إلى أن قرار الندب المطعون فيه لم يتضمن مجازاة المدعي بأي عقوبة من العقوبات التأديبية المنصوص عليها في القانون والتي تختص المحاكم التأديبية بالفصل في طلبات إلغائها، كما دفعت من باب الاحتياط الكلي بعدم قبول الدعوى شكلاً لعدم سابقة التظلم من القرار المطعون فيه، وقالت في ذلك أن المدعي لم يتظلم من هذا القرار قبل إقامته الدعوى في 25 من إبريل سنة 1974 وإنما تقدم بتظلمه في 11 من مايو سنة 1974 بعد أن كانت الدعوى قد أقيمت فعلاً. وبجلسة 12 من مايو 1976 قضت المحكمة التأديبية برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى استناداً إلى أن العبرة في تحديد اختصاص المحاكم التأديبية بالفصل في طلبات إلغاء القرارات الصادرة بندب العاملين هي بتكييف المدعي لهذا القرار بحيث ينعقد الاختصاص للمحكمة التأديبية متى كيف المدعي القرار على أنه انطوى على تأديب مقنع له، وتقضي المحكمة بإلغاء القرار إذا ما تحققت من صحة هذا التكييف وإلا فإنها تقضي برفض الدعوى. كما قضت المحكمة برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً لعدم سابقة التظلم من القرار المطعون فيه تأسيساً على أن الثابت من الأوراق أن المدعي تظلم من هذا القرار عن طريق محاميه بخطاب مسجل أرسل إلى السيد وزير الصحة في 18 من إبريل سنة 1974 وأن هذا التظلم قيد برقم 32/ ظ/ 1974 في 11 من مايو سنة 1974، واستخلصت المحكمة من ذلك أن التظلم المذكور يكون قد قدم فعلاً قبل إقامة الدعوى وأن يكن قد تم قيده بعد إقامتها إذ لا يسأل المدعي عن تأخير قيد التظلم طوال تلك الفترة التي تقرب من الشهر سواء كان هذا التأخير راجعاً إلى إهمال البريد أو إلى تراخي الوزارة في إجراء هذا القيد. وأضافت المحكمة قائلة إنه لما كان المقصود من انتظار المواعيد المقررة للبت في التظلم قبل إقامة الدعوى هو إفساح المجال أمام الجهة الإدارية لإعادة النظر في قرارها فإن هذه الغاية تكون قد تحققت إذا عمدت الجهة الإدارية إلى البت في التظلم قبل انقضاء فسحة الميعاد أو إذا بكر ذوو الشأن إلى مراجعة القضاء وانقضى الميعاد أثناء سير الدعوى دون أن تجيبهم الإدارة إلى طلبهم. وفيما يتعلق بموضوع الدعوى قضت المحكمة بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار، وأقامت قضاءها على أن الثابت من الاطلاع على الأوراق أن المدعي كان يقوم بعمل وظيفة مدير غرفة الطوارئ بوزارة الصحة وأنه كان موضع التقدير في هذا العمل حتى أن وزير الصحة وجه إليه الثناء مرتين الأولى في 3 من مايو سنة 1972 والثانية في 29 من يناير سنة 1973. وأنه بتاريخ 2 من مايو سنة 1973 صدر القرار رقم 175 لسنة 1973 بنقله إلى وظيفة مدير مراقبة العلاج الحر، واستمر في عمله بهذه الوظيفة إلى أن صدر القرار رقم 426 لسنة 1973 بتاريخ 2 من أكتوبر سنة 1973 بنقله مديراً لمديرية الشئون الصحية بمحافظة قنا ونقل الدكتور...... المدير المساعد العلاجي بمديرية الشئون الصحية بالقاهرة مديراً لمراقبة العلاج الحر بديوان عام الوزارة، إلا أن الوزارة عادت في 23 من أكتوبر سنة 1973 وأصدرت القرار رقم 438 لسنة 1973 بتعديل نقل المدعي بإبقائه في وظيفة مدير مراقبة العلاج الحر وتعديل نقل الدكتور..... بنقله إلى الإدارة العامة لشئون المناطق، وبتاريخ 10 من إبريل سنة 1974 صدر القرار المطعون فيه رقم 1 لسنة 1974 بندب المدعي للعمل بالإدارة العامة لشئون المناطق وندب الدكتور..... للقيام بأعمال مدير مراقبة العلاج الحر بالإضافة إلى عمله. وأضافت المحكمة قائلة أن المستفاد من أوراق الدعوى أن المدعي كان يشغل وظيفة مدير مراقبة العلاج الحر بطريق النقل إليها بموجب القرارين رقم 175 ورقم 438 لسنة 1973 سالف الإشارة إليهما عندما صدر القرار المطعون فيه بندبه للعمل بالإدارة العامة لشئون المناطق على أثر ما نشر على لسانه بجريدة الأهرام يوم 7 من مارس سنة 1974 من أن المراقبة التي يرأسها تزمع تنظيم مزاولة مهنة الطب في مصر وتحديد العلاقة بين الأطباء والمرضى في العيادات والمستشفيات الخاصة، وأن المستفاد من ظروف وملابسات الدعوى أن قرار الندب المطعون فيه صدر بسبب هذا التصريح إذ الثابت أن السيد وزير الصحة نشر بذات الجريدة تصريحاً في اليوم التالي مباشرة جاء به أن مشروع تنظيم مزاولة مهنة الطب وتحديد العلاقة بين الأطباء والجماهير قد تم تحويله إلى نقابة الأطباء باعتبارها الجهة المختصة بوضع هذه العلاقة في إطار المصلحة العامة بما يحقق حسن الاستفادة من الخدمات الطبية ويؤدي إلى التكامل في العلاقات الإنسانية بين الأطباء والمرضى، وأضاف الوزير إلى ذلك قوله إن المراقبة العامة لشئون العلاج الحر بوزارة الصحة ليست جهة الاختصاص في هذا المجال وأن ما تقرره نقابة الأطباء بكل فروعها هو الأصل في كل ما يصدر في هذا الصدد من اتجاهات ومشروعات، ومضت المحكمة قائلة إنها تستشف من ذلك أن التصريح الذي أدلى به المدعي إلى جريدة الأهرام والسالف الإشارة إليه لم يلق قبولاً لدى المسئولين بالوزارة وأن الوزارة قد عاقبته عن ذلك بإقصائه عن وظيفته بقرارها المطعون فيه، يؤكد ذلك ما ثبت من أوراق الدعوى من أن الوزارة أحالت المدعي بعد صدور قرار الندب للتحقيق معه في مخالفات نسبت إليه ارتكابها إبان عمله بمراقبة العلاج الحر وقررت مجازاته عنها بعقوبة الإنذار، ولكن مكتب التظلمات الإدارية بالوزارة أشار بعدم صحة هذا الجزاء مما دعا الوزارة إلى سحبه. وأضافت المحكمة أن الأوراق قد خلت مما يفيد أن ثمة مصلحة عامة اقتضت إصدار القرار المطعون فيه، إذ ليس فيها ما يفيد أن الإدارة العامة لشئون المناطق كانت في حاجة إلى المدعي، بل على العكس من ذلك فإن الثابت من الأوراق أن الوزارة عادت وقررت ندب المدعي في 11 من مايو سنة 1975 إلى الهيئة المصرية العامة للمستحضرات الحيوية واللقاحات لمدة ثلاثة أشهر، وأنه بعد انتهاء هذه المدة ظل المدعي تحت تصرف الوزارة حتى 8 من يناير سنة 1976 إلى أن تقرر تسليمه العمل بالإدارة العامة لشئون مديريات الصحة، الأمر الذي لا يدع مجالاً للشك في أن قرار الندب المطعون فيه كان القصد منه هو مجرد إبعاد المدعي عن وظيفته دون نظر لحاجة العمل في الجهة المنتدب إليها أو ثمة مصلحة عامة كانت تقتضي إجراء هذا الندب وآية ذلك أن قرار الندب المطعون فيه ذاته لم يسند إلى المدعي وظيفة بعينها في الإدارة العامة لشئون المناطق. وخلصت المحكمة مما تقدم إلى أن القرار المطعون فيه يكون بذلك مشوباً بالانحراف بالسلطة منطوياً على عقوبة تأديبية مقنعة على خلاف القانون جديراً بالإلغاء.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون فيما قضى به من رفض الدفع بعدم اختصاص المحاكم التأديبية بنظر الدعوى، وأن ما ذهبت إليه المحكمة من أن العبرة في تحديد اختصاص المحاكم التأديبية بنظر الدعوى بطلب إلغاء قرارات الندب هي بتكييف المدعي لهذا القرار وما إذا كان منطوياً على عقوبة تأديبية مقنعة من عدمه مذهب لا يمكن التسليم به، إذ أن مسائل الاختصاص القضائي من النظام العام التي تقررها القوانين مما لا يصح أن يترك الأمر في شأنها لما يقول به المدعي. هذا فضلاً عن أن الحكم المطعون فيه أخطأ فيما قضى به من قبول الدعوى شكلاً لأن العبرة في حساب المواعيد، على ما جرى به قضاء المحكمة الإدارية العليا، هي بتاريخ تقديم التظلم وقيده في السجل المعد لذلك وليس بتاريخ تحريره أو أي تاريخ آخر، كما أنه في حالة إرسال التظلم بطريق البريد فإن العبرة هي بتاريخ وصوله إلى الجهة الإدارية. ولما كان الثابت أن تظلم المدعي لم يقيد في سجل التظلمات إلا بتاريخ 11 من مايو سنة 1974 بينما كان المدعي قد أقام الدعوى قبل ذلك في 25 من إبريل سنة 1974 فإن الدعوى تكون قد أقيمت دون سابقة التظلم من القرار المطعون فيه مما كان يقتضي الحكم بعدم قبولها شكلاً. وكذلك أخطأ الحكم المطعون فيه فيما قضى به أخيراً في موضوع الدعوى من إلغاء قرار الندب المطعون فيه، ذلك لأن هذا القرار هو من القرارات المؤقتة بطبيعتها والتي تترخص الجهة الإدارية في إصدارها، وقد صدر القرار المذكور بعد موافقة لجنة مكونة من السادة وكلاء وزارة الصحة برئاسة السيد الوزير مما ينتفي معه مظنة الانحراف بالسلطة في إصداره أو انصراف النية إلى تأديب المدعي. وليس أدل على أن الجهة الإدارية كان رائدها حاجة العمل والصالح العام في إصدارها القرار المذكور من أن نزاهتها وعدالتها حيال المدعي أمر ثابت بإقرار المدعي نفسه بدليل أنها كانت قد وجهت إليه خطابات الشكر والثناء قبيل صدور القرار المطعون فيه بفترة وجيزة، وأنها سحبت القرارات التي أصدرتها بمجازاته بالإنذار عما نسب إليه من مخالفات إبان عمله بمراقبة العلاج الحر بمجرد أن تحققت من عدم مسئوليته عن هذه المخالفات. وليس صحيحاً ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من أن قرار الندب المشار إليه صدر بمناسبة ما أبداه المدعي من رأي في الجرائد، إذ قد خلت الأوراق مما يؤيد هذا النظر، والصحيح أن القرار المطعون فيه صدر استجابة لدواعي العمل واحتياجاته تحقيقاً للصالح العام، خصوصاً وأن هذا القرار لم يتضمن أي تنزيل للمدعي، لأن المراقبة العامة لشئون العلاج الحر التي كان يعمل بها المدعي لا تعدو أن تكون فرعاً من الإدارة العامة لشئون المناطق التي صدر القرار المطعون فيه بانتدابه للعمل بها.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أصاب الحق فيما قضى به من رفضه الدفع بعدم اختصاص المحكمة التأديبية بنظر الدعوى للأسباب التي أقام عليها قضاؤه والتي تقرها هذه المحكمة. ذلك لأن الفصل فيما إذا كان قرار الندب المطعون فيه قد انطوى على عقوبة تأديبية مقنعة من عدمه وإن كان يمكن أن تكون سبيلاً إلى تحديد مدى اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، إلا أنه في حقيقة الأمر فصل في موضوع الدعوى ذاته، الأمر الذي يقتضي الأخذ في تحديد هذا الاختصاص بتكييف المدعي للقرار بحيث إذا تحققت المحكمة من صحة هذا التكييف قضت في موضوع الدعوى على مقتضاه، دون أن ينطوي ذلك على معنى ترك الأمر في شأن تحديد الاختصاص القضائي للمحاكم التأديبية لمحض اختيار ذوي الشأن تبعاً للتكييف الذي يسبغونه على القرار، طالما أن الفصل في مدى صحة هذا التكييف يختلط بموضوع الدعوى ذاته ومرده في النهاية إلى التكييف الذي تأخذ به المحكمة في هذا الصدد.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أصاب الحق كذلك فيما قضى به من رفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها قبل التظلم من القرار المطعون فيه، ذلك لأنه لما كان المعول عليه في تحديد ميعاد التظلم هو بتاريخ وصوله إلى الجهة الإدارية وقيده في السجل المعد لذلك بها، وكان الثابت من الأوراق أن المدعي كان قبل إقامته الدعوى في 25 من إبريل سنة 1974 قد أرسل تظلمه من القرار المطعون فيه إلى السيد وزير الصحة بموجب خطاب مسجل من مكتب بريد محطة مصر في 18 من إبريل سنة 1974 فقد كان من المتعين على الجهة الإدارية وهي في مقام إثبات صحة أسانيد دفعها أن تفصح عن تاريخ ورود هذا التظلم إلى مكتب وزير الصحة ذاته، ونكولها عن ذلك حجة عليها بحسبان أنه من غير المقبول في المنطق العادي للأمور أن يتراخى وصول هذا الخطاب، المرسل من داخل مدينة القاهرة حيث يقع مكتب السيد الوزير، طوال المدة التي انقضت حتى تاريخ إقامة الدعوى. ولا غناء في الاستناد إلى تاريخ قيد هذا التظلم بسجلات إدارة الشئون القانونية والتحقيقات بالوزارة وهو 11 من مايو سنة 1974، وذلك لاستقلال كل من هذه الجهة ومكتب الوزير بسجلاته الخاصة وما يستتبع ذلك من الحاجة إلى بعض الوقت لانتقال التظلم من مكتب الوزير إلى إدارة الشئون القانونية هذه بعد فحصه وتقرير إحالته إليها. ولا معدى والأمر كذلك من رفض الدفع لقيامه على غير سند سليم من الواقع. وبالإضافة إلى هذا فإن الغاية من إيجاب التظلم من القرار المطعون فيه قبل إقامة الدعوى هي إفساح المجال أمام الجهة الإدارية لإعادة النظر في قرارها، وتتحقق هذه الغاية ولا شك إذا بكر صاحب الشأن إلى مراجعة القضاء قبل التظلم من هذا القرار أو قبل وصول هذا التظلم إلى الجهة الإدارية، ثم استدرك في الحالة الأولى بعد إقامة الدعوى وتقدم بتظلمه خلال الستين يوماً المحددة للتظلم أو ورد تظلمه في الحالة الثانية إلى الجهة الإدارية في الميعاد المذكور أثناء نظر دعواه وانقضى ميعاد البت في التظلم في الحالتين قبل الفصل في الدعوى. وفي هذه الحالة تصبح الاستجابة للدفع بعدم قبول الدعوى لعدم التظلم من القرار المطعون فيه قبل إقامة الدعوى عبثاً لا طائل منه طالما أن جهة الإدارة أصرت على موقفها ولم تستجب لتظم صاحب الشأن ورفضته صراحة أو حكماً بفوات الميعاد المحدد لذلك قانوناً كما هو الشأن في المنازعة الماثلة.
ولما كانت الجهة الإدارية تسلم بأن تظلم المدعي ورد إلى إدارة الشئون القانونية بالوزارة في 11 من مايو سنة 1974 أثناء نظر الدعوى وقبل انقضاء ميعاد التظلم فإن الدفع بهذه المثابة يكون قائماً على غير سند من القانون.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن القرار المطعون فيه صدر بتاريخ 10 من إبريل سنة 1974 بندب المدعي من وظيفة مدير مراقبة العلاج الحر للعمل بالإدارة العامة لشئون المناطق وذلك على أثر التصريح الذي نشر للمدعي بجريدة الأهرام في 7 من مارس سنة 1974 عن المشروع الذي أعدته مراقبة العلاج الحر بشأن تنظيم العلاقة بين المرضى وبين أصحاب العيادات والمستشفيات الخاصة.
وقد أصاب الحكم المطعون فيه الحق فيما انتهى إليه من أن ظروف الدعوى وملابساتها تكشف عن أن هذا التصريح الذي نشر للمدعي بجريدة الأهرام هو السبب الحقيقي لإصدار القرار المطعون فيه، وآية ذلك، على ما أشار إليه الحكم المطعون فيه، أن السيد وزير الصحة نشر في اليوم التالي مباشرة تصريحاً في ذات الجريدة أنكر فيه على مراقبة العلاج الحر اختصاصها بأمر هذا التنظيم متجاهلاً في ذلك ما تقضي به أحكام القرار الوزاري رقم 226 لسنة 1968 بإصدار دليل العمل الإداري لمراقبة شئون العلاج الحر من اختصاص هذه المراقبة باقتراح مشروعات القوانين والقرارات الوزارية المتعلقة بقطاع العلاج الحر، كما أن الجهة الإدارية قد أقرت هي نفسها في تقرير الطعن رقم 642 لسنة 22 القضائية المقدم منها عن الحكم الصادر من المحكمة التأديبية في الدعوى رقم 11 لسنة 10 القضائية والقاضي بإلزام هذه الجهة بأن تؤدي للمدعي مبلغ 200 جنيه على سبيل التعويض، أقرت الجهة الإدارية في تقرير الطعن المشار إليه بأن قرار الندب المطعون فيه قد صدر بسبب التصريح الذي نشر للمدعي في جريدة الأهرام سالف الإشارة إليه مبررة ذلك بأن المدعي قد خالف بهذا التصريح التعليمات التي تحظر على العاملين الإدلاء بأية تصريحات للصحف قبل الحصول على إذن بذلك من الجهات الرئاسية التي يتبعونها وأن الوزارة قد رأت إزاء ذلك للصالح العام إبعاد المدعي عن وظيفته بمراقبة العلاج الحر، ومفاد ذلك أن جهة الإدارة اتخذت من التصريح الذي أدلى به المدعي إلى جريدة الأهرام سبباً لقرارها الصادر بإبعاده عن عمله بمراقبة العلاج الحر ندباً إلى الإدارة العامة لشئون المناطق مما يتمحض جزاء تأديبياً "مقنعاً" صدر بالمخالفة للقانون ويستوجب الإلغاء حيث لم يشرع الندب إلا لإشباع حاجات العمل وليس كإجراء بديل للمؤاخذة التأديبية. وليس أدل على الصفة التأديبية لهذا القرار والإلحاح في التنكيل بالمدعي لهذا السبب من أن القرار المذكور لم يحدد للمدعي وظيفة معينة يقوم بأعبائها بالإدارة العامة لشئون المناطق التي تم ندبه إليها، وظل كذلك إلى أن قررت الوزارة في 10 من مايو سنة 1975 ندبه لمدة ثلاثة شهور إلى جهة أخرى هي الهيئة المصرية العامة لإنتاج المستحضرات الطبية وبعد انتهاء هذه المدة في 12 من أغسطس سنة 1975 ظل المدعي تحت تصرف الوزارة حتى 9 من يناير سنة 1976 بدون عمل محدد إلى أن تم تسليمه العمل بالإدارة العامة لشئون المديريات، وذلك على ما يبين من الكتاب رقم 76 سرى بتاريخ 8 من يناير سنة 1976 الموجه من وكيل الوزارة لشئون مديريات الصحة إلى مدير الإدارة العامة لشئون مديريات الصحة المودع حافظة مستندات المدعي.
ومن حيث إنه متى كان ما تقدم فإن القرار المطعون فيه يكون قد انطوى على تأديب مقنع للمدعي على ما قضى به الحكم المطعون فيه بحق. ولا ينال من ذلك ما ذهبت إليه الجهة الإدارية من أن هذا القرار صدر بعد موافقة لجنة مكونة من وكلاء وزارة الصحة تحت رئاسة السيد الوزير، أو ما أشارت إليه هذه الجهة من التزامها جانب العدل والنزاهة مع المدعي بدليل أنها سبق أن قدمت له الشكر وأثنت على جهوده في العمل، كما بادرت إلى سحب الجزاءات التي أوقعتها عليه بعد صدور قرار الندب المطعون فيه عندما تبين لها عدم صحة هذه الجزاءات. لا عبرة بذلك طالما أن ظروف الحال وملابساته فيما يتعلق بالقرار المطعون فيه قد كشفت عن أن نية الإدارة انصرفت في إصداره إلى تأديب المدعي تأديباً مقنعاً بسبب التصريح الذي نشر له في جريدة الأهرام على ما سلف البيان.
ومن حيث إنه متى كان ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار يكون قد أصاب الحق في هذا الشق منه دون شقه الخاص بإلزام الوزارة المدعى عليها بأتعاب المحاماة باعتبار أن الطعون التأديبية معفاة بنص القانون من الرسوم وما في حكمها من أتعاب المحاماة على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة. وبناء عليه يتعين القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلزام الوزارة الطاعنة بأتعاب المحاماة ورفض الطعن فيما عدا ذلك.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلزام الوزارة المدعى عليها بأتعاب المحاماة وبرفض الطعن فيما عدا ذلك.