مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 480

(56)
جلسة 11 من يناير سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1256 لسنة 2 القضائية

قواعد الإنصاف - عدم انطباقها على من منح قبل صدورها الدرجة التي قدرت فيها لمؤهله، أو جاوزها.
يبين من استقراء قواعد الإنصاف أنها إنما كانت تهدف إلى معالجة حالة طائفة من الموظفين المؤهلين الموجودين في الخدمة وقت صدورها، وهم الذين كانت تقل درجاتهم أو مرتباتهم عن الدرجات والمرتبات التي قدرت لمؤهلاتهم بمقتضى تلك القواعد؛ وهي بهذه المثابة لا تطبق في حق من سبق أن نال حظاً من الإنصاف قبل صدورها؛ بأن منح الدرجة التي قدرت لمؤهله، ثم جاوزها إلى ما يعلوها من درجات.


إجراءات الطعن

في 12 من إبريل سنة 1956 أودع رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الرابعة) بجلسة 13 من فبراير سنة 1956 في الدعوى رقم 3787 لسنة 8 قضائية المرفوعة من عباس فاضل ضد مصلحة السكة الحديد ووزارة المواصلات، القاضي "بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه، وتسوية حالة المدعي بالتطبيق لأحكام القانون رقم 371 لسنة 1953، وإلزام الحكومة بالمصروفات". وطلب رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة الطعن - الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بتأييد حكم محكمة القضاء الإداري فيما قضى به من إلغاء قرار اللجنة القضائية، وتسوية حالة المدعي بالتطبيق لأحكام القانون رقم 371 لسنة 1953، والقضاء كذلك بأحقية المطعون لصالحه في الإفادة من قواعد الإنصاف الصادرة في 30 من يناير سنة 1944، مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية، وإلزام الحكومة بالمصروفات. وقد أعلن الطعن للحكومة في 7 من يوليه سنة 1956، وللمدعي في 9 من يوليه سنة 1956، وعين لنظره جلسة 23 من نوفمبر سنة 1957، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي قدم في 8 من يوليه سنة 1953 تظلماً إلى اللجنة القضائية لمصلحة السكة الحديد قيد برقم 5832 لسنة 1 قضائية ذكر فيه أنه حصل على دبلوم الفنون والصنائع سنة 1918، والتحق بخدمة المصلحة في فبراير سنة 1919 بوظيفة فني بقلم التنوير حتى آخر سنة 1921، ثم نقل لوظيفة مساعد كمساري في فبراير سنة 1922، وطلب تطبيق قواعد الإنصاف عليه. وردت المصلحة على التظلم بأن المدعي حاصل على دبلوم المدارس الصناعية سنة 1918، والتحق بخدمة المصلحة بوظيفة سمكري باليومية في 19 من يناير 1919، ثم نقل لوظيفة مساعد كسماري باليومية سنة 1922، ثم نقل للماهية بالدرجة الخصوصية 42/ 54 خارج الهيئة اعتباراً من أول إبريل سنة 1923، ورقي إلى الدرجة الثامنة من أول يناير سنة 1927، ثم منح الدرجة السابعة (منسي) من أول يوليه سنة 1943، والدرجة السادسة من 23 من إبريل سنة 1951. ولم تطبق عليه قواعد الإنصاف لأنه وقت صدورها كان يشغل الدرجة السابعة (منسي) بصفة شخصية. وبجلسة 11 من أكتوبر سنة 1953 قررت اللجنة "رفض التظلم، مع إلزام المتظلم بالمصروفات". واستندت اللجنة في قرارها إلى أن "الدبلوم الحاصل عليه المتظلم ما هو إلا شهادة من ورش مصر الصناعية تفيد مواظبته على الدراسة بها"، وأنه "يبين من الاطلاع على الجداول المرافقة لقرارات مجلس الوزراء الصادرة في يوليه وديسمبر سنة 1951 وكذا القانون رقم 371 لسنة 1953 أنه لم تحدد قيمة مالية للشهادة الحاصل عليها المتظلم مما يجعل تظلمه على غير أساس سليم من القانون". وبصحيفة أودعت سكرتارية محكمة القضاء الإداري في 7 من فبراير سنة 1954 طعن المدعي في قرار اللجنة القضائية سالف الذكر، وأسس طعنه على أن المصلحة تجاهلت قيمة الشهادة الحاصل عليها المدعي ووصفتها بأنها شهادة من مدارس مصر الصناعية تفيد مواظبة المدعي على الدراسة بها، مع أنه ورد بالبيانات التي ردت بها على التظلم أن المدعي حاصل على دبلوم المدارس الصناعية سنة 1918، وأن هذا المؤهل قدر له في الإنصاف الدرجة الثامنة بمرتب 7.5 ج وفي قانون المعادلات الدرجة السابعة بمرتب 9 ج، وأن المصلحة تقرر أنها لم تطبق عليه الإنصاف بدعوى أنه كان في الدرجة السابعة منسي، ولكن فاتها أن حالة المدعي لم تسو من حيث المرتب على سبعة جنيهات ونصف من بدء التعيين الأمر الذي كان يحسن من مرتبه ولو أنه كان في الدرجة السابعة. وبجلسة 13 من فبراير سنة 1956 حكمت المحكمة "بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه، وتسوية حالة المدعي بالتطبيق لأحكام القانون رقم 371 لسنة 1953، وألزمت الحكومة بالمصروفات". وأقامت اللجنة قضاءها على أن "المدعي حاصل على شهادة المدارس الصناعية من الدرجة الأولى من ورشة مصر الصناعية، وأن هذه الشهادة قدرت في قرارات مجلس الوزراء الصادرة في أول يوليه و2 و9 من ديسمبر سنة 1951 كما وردت في الجدول المرافق للقانون رقم 371 لسنة 1953، وقدر لحاملها راتباً قدره تسعة جنيهات في الدرجة السابعة، وقد قامت المصلحة - بالرغم من صدور قرار اللجنة القضائية برفض التظلم - بتسوية حالة المدعي طبقاً لأحكام هذا القانون، واعتبرته في الدرجة السابعة براتب قدره تسعة جنيهات من تاريخ التحاقه بالخدمة؛ ومن ثم يكون قرار اللجنة المطعون فيه مخالفاً للقانون ويتعين إلغاؤه"، ثم أضاف الحكم أن "المدعي يطلب تطبيق قواعد المنسيين وقدامى الموظفين على حالته، وهي ما كانت تتضمنه طلباته التي رفضتها اللجنة القضائية"، وأن "قواعد المنسيين الصادر بها قرار مجلس الوزراء في سنة 1943 والقانون رقم 329 لسنة 1952 قد ألغيت ضمناً بالقانون رقم 94 لسنة 1953، ولم ينشأ حق المدعي في إرجاع أقدميته إلى تاريخ سابق إلا بعد صدور القانون رقم 371 لسنة 1953 وانتهاء العمل بالقواعد سالفة الذكر بعد إلغاء قرار مجلس الوزراء الصادر في سنة 1943 الذي يستند إليه المدعي، وقد رقي إلى الدرجة السادسة قبل صدور القانون رقم 94 لسنة 1953".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه لا مطعن على ما انتهى إليه الحكم من تسوية حالة المدعي بالتطبيق لأحكام القانون رقم 371 لسنة 1953، وإنما ينصب الطعن على إغفال الحكم أحقية المدعي في الإفادة من قواعد الإنصاف؛ ذلك أن قرارات مجلس الوزراء التي أغفل القانون رقم 371 لسنة 1953 النص على إلغائها - وفي مقدمتها قرار 30 من يناير سنة 1944 بإصدار قواعد الإنصاف - هي قرارات تنظيمية عامة تتضمن مزايا مالية وأدبية للموظفين، وقد تحققت لهم في ظلها مراكز قانونية ذاتية، فلا يمكن إهدارها بأثر رجعي من وقت صدور القرارات التنظيمية العامة التي تحققت في ظلها تلك المراكز إلا بنص خاص في قانون يقرر ذلك. ولما كان القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية قد خلا من مثل هذا النص الخاص على إلغاء تلك القرارات، فإنها تظل قائمة نافذة منتجة آثارها في مجال تطبيقها، وإذ أغفل الحكم المطعون فيه هذا المبدأ فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه يبين من ملف خدمة المدعي أنه حصل على دبلوم المدارس الصناعية سنة 1918، والتحق بخدمة مصلحة السكة الحديد باليومية في 19 من يناير سنة 1919، ثم رقي للدرجة الثامنة من أول يناير سنة 1928، وللدرجة السابعة منسياً اعتباراً من أول يوليه سنة 1943 ثم للدرجة السادسة من 23 من إبريل سنة 1951.
ومن حيث إنه في 30 من يناير سنة 1944 عرض على مجلس الوزراء المذكرة المقدمة من اللجنة المالية في شأن إنصاف الموظفين، وقد أصدر المجلس القرار التالي: "اطلع مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 30 من يناير سنة 1944 على هذه المذكرة ووافق على المبادئ الواردة فيها بالقيود الآتية وبخاصة تقدير معادلات الشهادات العالية والثانوية والكفاءة والابتدائية التي ترك تقديرها لقرار يصدر فيما بعد".
المبادئ العامة:
(1) حاملوا الدرجات الجامعية وما يعادلها من الشهادات العالية الموجودون الآن في الخدمة في أقل من الدرجة السادسة يمنحون هذه الدرجة فوراً ويسوى ماضي خدمتهم على هذا الأساس بافتراض أنهم عينوا ابتداءً بماهية 12 جنيهاً. (2) ........ (3) حاملو شهادة الدراسة الثانوية (القسم الثاني) وما يعادلها الموجودون الآن في الخدمة في أقل من الدرجة الثامنة يمنحون هذه الدرجة فوراً ويسوى ماضي خدمتهم على هذا الأساس بافتراض أنهم عينوا ابتداءً بماهية 500 م و7 ج.. وتنفيذاً للقرار المذكور وقرارات الإنصاف الأخرى التالية له الصادرة في 12 و29 من أغسطس سنة 1944 أصدرت وزارة المالية في 6 من سبتمبر سنة 1944 الكتاب الدوري رقم ف 234 - 1/ 302 وألحقت به كشوف بالشهادات المعادلة للدبلومات الجامعية ولشهادة الدراسة الثانوية بقسميها الأول والثاني وللشهادة الابتدائية، ويبين من الكشف رقم 2 أن شهادة المدارس الصناعية الحاصل عليها المدعي تعتبر معادلة لشهادة الدراسة الثانوية وقدر لها 7.5 ج في الدرجة الثامنة.
ومن حيث إنه يبين من استقراء قواعد الإنصاف أنها إنما كانت تهدف إلى معالجة حالة طائفة من الموظفين المؤهلين الموجودين في الخدمة وقت صدورها، وهم الذين كانت تقل درجاتهم أو مرتباتهم عن الدرجات والمرتبات التي قدرت لمؤهلاتهم بمقتضى تلك القواعد، وهي بهذه المثابة لا تطبق في حق من سبق أن نال حظاً من الإنصاف قبل صدورها، بأن منح الدرجة التي قدرت لمؤهله، ثم جاوزها إلى ما يعلوها من درجات كما هي الحال في شأن المدعي - الذي حصل على الدرجة الثامنة التي قدرت لمؤهله سنة 1928 ثم الدرجة السابعة في أول يوليه سنة 1943 - ذلك أن المدعي وأمثاله قد خرجوا فعلاً من مجال تطبيق تلك القواعد قبل صدورها فلا وجه لإعمال أثرها في شأنهم وهي لم تشرع لهم.
ومن حيث إنه في 22 من يوليه سنة 1953 صدر القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية. وقد تضمن رفعاً في تقدير مؤهل المدعي من حيث الدرجة والمرتب، حيث قدر لمؤهله الدرجة السابعة بمرتب تسعة جنيهات شهرياً من بدء تعيينه؛ ومن ثم فمن حقه الإفادة منه من التاريخ المعين لذلك في القانون ما دام قد استوفى الشروط التي نص عليها فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار ومن بينها الإفادة من المادة 40 مكررة من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة في خصوص قدامى الموظفين إذا توافرت فيه الشروط المنصوص عليها في هذه المادة على مقتضى التسوية التي تتم في حقه بالتطبيق لأحكام قانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953 المشار إليه.
ومن حيث إنه لذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه بتسوية حالة المدعي بالتطبيق لأحكام القانون رقم 371 لسنة 1953، ويكون الطعن - والحالة هذه - قد قام على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وباستحقاق المدعي بتسوية حالته بالتطبيق لأحكام القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية، وما يترتب على ذلك من آثار على الوجه المبين بأسباب هذا الحكم، وألزمت الحكومة بالمصروفات.