مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 507

(59)
جلسة 11 من يناير سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1659 لسنة 2 القضائية

( أ ) اختصاص - المطالبة برد فروق مالية قبضها الموظف زيادة عن مرتبه - ثبوت أن مثار المنازعة في الدعوى هو استحقاق أو عدم استحقاق الدرجة والمرتب المقررين لمؤهل المدعى عليه طبقاً لقانون المعادلات - اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى - طلب الفروق إن استحقت أو ردها إن لم تستحق تعتبر من الآثار المترتبة على أصل الاستحقاق في الدرجة والمرتب - المادة 8/ 2 من قانون تنظيم مجلس الدولة رقم 165 لسنة 1955.
(ب) معادلات دراسية - عدم جواز استرداد الفروق المالية التي صرفت بناءً على التسوية التلقائية التي حصنها القانون رقم 78 لسنة 1956.
1 - متى كان مثار المنازعة في الدعوى هو ما إذا كان المدعى عليه يستحق الدرجة والمرتب المقررين لمثل مؤهله طبقاً لقانون المعادلات معدلاً بما تلاه من القوانين، أم أنه لا يستحقهما، فإن النزاع على هذا الوجه هو في الواقع من الأمر منازعة في صميم الدرجة والراتب اللذين يستحقهما المذكور بمقتضى قانون المعادلات وما يترتب على ذلك من آثار في استحقاقه أو عدم استحقاقه لمبالغ بسبب ذلك؛ وما طلب الفروق (إن استحقت) أو ردها (إن لم تستحق) إلا من الآثار المترتبة على أصل الاستحقاق في الدرجة والمرتب طبقاًًً للقانون، والدعوى بهذه المثابة مما يدخل في اختصاص القضاء الإداري طبقاً للفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 9 لسنة 1949 والفقرة الثانية من المادة 8 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة.
2 - لا يجوز استرداد الفروق المالية التي صرفت إلى الموظف بناءً على التسوية التلقائية النهائية التي حصنها القانون رقم 78 لسنة 1956 المعدل لقانون المعادلات الدراسية.


إجراءات الطعن

في 7 من يوليه سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيدت بجدولها تحت رقم 1659 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية بجلسة 8 من مايو سنة 1956 في الدعوى رقم 312 لسنة 3 القضائية المقامة من السيد وزير الصحة العمومية ضد نجم الدين عبد الجواد موسى، القاضي "برفض الدفع بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وباختصاصها وفي الموضوع برفض الدعوى مع إلزام رافعها المصاريف". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في طعنه "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم اختصاص القضاء الإداري، وإلزام المدعي بصفته المصروفات".
وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الصحة العمومية في 4 من أغسطس سنة 1956، وإلى النيابة العامة لعدم الاستدلال على محل إقامة المطعون عليه في 20 من أغسطس سنة 1956، وعين أخيراً لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 7 من ديسمبر سنة 1957 وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته. وفي 21 من أكتوبر سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن السيد وزير الصحة العمومية أقام الدعوى رقم 312 لسنة 3 القضائية أمام المحكمة الإدارية بالإسكندرية بصحيفة أودعها سكرتيريتها في 8 من فبراير سنة 1956، وأبان فيها أن المطعون عليه يعمل سائقاً بمصلحة الحجر الصحي وأنه التحق بوظيفته الحالية في 31 من ديسمبر سنة 1947 بأجر شهري قدره أربعة جنيهات في الدرجة الثانية صناع خارج الهيئة وأنه حصل بعد ذلك على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية في عام 1950، وأنه بعد صدور القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية سويت حالته بالتطبيق لأحكام القانون المذكور وصدر القرار الوزاري رقم 1184 في أول ديسمبر سنة 1954 برفع مرتبه إلى ستة جنيهات شهرياً. وطبقاً لأحكام القانون رقم 151 لسنة 1955 صدر القرار الوزاري رقم 1049 في 10 من يوليه سنة 1955 بإلغاء التسوية الأولى وإعادته إلى حالته الأولى خارج الهيئة بماهية قدرها 300 م و5 ج مع تحصيل ما سبق أن صرف إليه دون وجه حق وأنه بناءً على إلغاء التسوية على النحو الذي سلف يستحق على المطعون عليه مبلغ 700 مليم و10 ج، ولذلك فهو يطلب الحكم عليه بالمبلغ المشار إليه مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقدم مفوض الدولة في 12 من مارس سنة 1956 تقريره طالباً الحكم بعدم الاختصاص استناداً إلى أن مطالبة الجهات الإدارية بحقوق لها قبل الأفراد تخرج عن اختصاص القضاء الإداري عملاً بالمادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة. وفي 8 من مايو سنة 1956 أصدرت المحكمة الإدارية بالإسكندرية حكمها "برفض الدفع بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وباختصاصها، وفي الموضوع برفض الدعوى، مع إلزام رافعها المصاريف"، وأسست قضاءها على أن الدعوى وموضعها منازعة في تسوية مرتب هي من صميم اختصاص المحكمة الإدارية، أما عن الموضوع فقد صدر القانون رقم 78 لسنة 1956 بتعديل قانون المعادلات وهو يعطي للمطعون عليه الحق في التسوية التلقائية التي تمت في حقه.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الدين الذي ينشأ للحكومة في ذمة الموظف نتيجة الغلط في حساب راتبه بالتطبيق لأحكام القوانين واللوائح المحددة له، هو من الديون العادية غير المتعلقة بأداء الوظيفة مما لا يجوز استيفاؤها بطريق الحجز على الراتب؛ ومن ثم تخرج دعوى إلزام الموظف بردها، تطبيقاً للمادة 181 من القانون المدني، من اختصاص القضاء الإداري ليستقل بالفصل بها - طبقاً للنصوص المدنية التي تحكمها - القضاء العادي، دون أن يغير من ذلك أن يدفع أثناء نظرها بدفع يهدف إلى هدم أحد ركنيها باستحقاق المبالغ المطالب بها؛ إذ العبرة في تحديد الاختصاص بالطلبات المقامة بها الدعوى لا بما يثار دفعاً لها، حتى لو كان نظرها مما يمتنع على قاضي الدعوى الأصلية، فلهذه الدفوع إجراءات أخرى رسمها القانون إذا توقف الفصل في الدعوى على حلها.
ومن حيث إن مثار المنازعة الحقيقي في الدعوى، حسبما يبين من استظهارها على ما سلف إيضاحه، هو ما إذا كان المطعون عليه يستحق الدرجة والمرتب المقررين لمثل مؤهله طبقاً لقانون المعادلات معدلاً بما تلاه من القوانين، أم أنه لا يستحقها. فيذهب المطعون عليه إلى أنه يستحق المرتب والدرجة، وعلى أساس ذلك تمت التسوية التلقائية من جانب الإدارة، بينما تقول الوزارة إن التسوية كانت خاطئة بدعوى عدم انطباق قانون المعادلات على حالته.
ومن حيث إن النزاع على هذا الوجه هو في الواقع من الأمر منازعة في صميم الدرجة والراتب اللذين يستحقها المطعون عليه بمقتضى قانون المعادلات، وما يترتب على ذلك من آثار في استحقاقه أو عدم استحقاقه لمبالغ بسبب ذلك. وما طلب الفروق (إن استحقت) أو ردها (إن لم تستحق) إلا من الآثار المترتبة على أصل الاستحقاق في الدرجة والمرتب طبقاً للقانون، والدعوى بهذه المثابة مما يدخل في اختصاص القضاء الإداري طبقاً للفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 9 لسنة 1949، والفقرة الثانية من المادة 8 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة، فيكون الطعن - والحالة هذه - غير قائم على سند سليم من القانون فيما ذهب إليه من عدم اختصاص القضاء الإداري بنظر المنازعة.
ومن حيث إنه ولئن كان المطعون عليه في الدرجة الثانية صناع خارج الهيئة منذ تعيينه في 31 من ديسمبر سنة 1947، في وظيفة سائق بمصلحة الحجر الصحي التابعة لوزارة الصحة بأجر شهري قدره أربعة جنيهات، وظل كذلك بعد حصوله على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية في عام 1950، حتى أول يوليه سنة 1952، وبهذه المثابة لا يعتبر من الموظفين الذين يفيدون من أحكام القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية طبقاً للمادة الأولى منه، معدلة بالقانون رقم 151 لسنة 1955، ومفسرة بالقانون رقم 78 لسنة 1956، إلا أن المادة الثانية من القانون الأخير تنص على أنه "لا تخل أحكام المادة السابقة بالأحكام النهائية الصادرة من محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية والقرارات النهائية الصادرة من اللجان القضائية وجهات الإدارة" وجاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون في الخصوص الأخير "وغني عن البيان أنه سوف يترتب على هذا النص إعادة جميع التسويات التي تمت بقرارات إدارية تلقائية نهائية قبل صدور القانون رقم 151 لسنة 1955، ثم ألغيت تنفيذاً للقانون المذكور وبالتالي إعادة حالة أصحابها إلى ما كانت عليه قبل الإلغاء مع رد الفروق المالية التي تكون قد حصلت منهم، وبذلك تستقر الأوضاع وتمتنع الشكوى وينتهي الجدل الذي قام حول تطبيق قانون المعادلات من وقت صدوره إلى الآن". وبهذه المثابة لا يجوز المساس بالتسوية التلقائية النهائية التي كانت تمت في حق المطعون عليه بموجب القرار الوزاري رقم 1184 الصادر في أول ديسمبر سنة 1954، قبل العمل بالقانون رقم 151 لسنة 1955، وبالتالي لا يجوز استرداد الفروق التي صرفت إليه بناءً على التسوية المذكورة، بل إن القانون رقم 78 لسنة 1956 يوجب رد الفروق التي تكون قد حصلت بناءً على إلغاء مثل هذه التسويات النهائية تنفيذاً للقانون رقم 151 لسنة 1955، لو أنها ألغيت وكانت حصلت الفروق من ذوي الشأن؛ ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ رفض طلب الحكومة استرداد الفروق التي صرفت للمطعون عليه بناءً على التسوية التلقائية النهائية المشار إليها التي حصنها القانون رقم 78 لسنة 1956 قد أصاب الحق في قضائه في موضوع المنازعة، ويكون الطعن - والحال هذه - قد قام على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.