مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 529

(62)
جلسة 11 من يناير سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 250 لسنة 3 القضائية

( أ ) حكم - حجيته - منازعة في أجر - الحكم الصادر فيها له حجية نسبية.
(ب) قرار إداري - سحبه - إجراء تسوية للموظف بالمخالفة للقانون - حق الإدارة في الرجوع عنها دون تقيد بميعاد - الموظف لا يستمد حقه من هذه التسوية، بل من القانون مباشرة إن كان له أصل حق فيه.
1 - إن المنازعة في الأجر هي منازعة يكون الحكم الصادر من القضاء الإداري في خصوصها ذا حجية نسبية مقصورة على أطرافه.
2 - متى ثبت أن التسوية التي أجرتها الإدارة قد تمت بالمخالفة للقانون، فإنها لا تتمتع بالحصانة، ويحق لها الرجوع فيها دون التقيد بمواعيد السحب في القرارات الإدارية الباطلة؛ لأن من سويت حالته لا يستمد حقه من تلك التسوية، وإنما يستمده مباشرة من القانون إن كان له أصل حق بموجبه.


إجراءات الطعن

في 18 من فبراير سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 250 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية للبلدية بجلسة 24 من ديسمبر سنة 1956 في الدعوى رقم 168 لسنة 3 القضائية (محاكم) المقامة من السيد أحمد إسماعيل غنيم ضد مجلس بلدي بور سعيد، والقاضي "( أ ) برفض الدفع بعدم اختصاص المحاكم بنظر الدعوى وباختصاصها بنظرها (ب) بقبول الدفع بعدم قبول الدعوى بالنسبة لوزير الشئون البلدية والقروية بصفته لرفعها على غير ذي صفة (ج) بأحقية المدعي في الفروق المالية المستحقة له عن أيام العمل الفعلية التي اشتغلها في المدة من أول أكتوبر سنة 1950 إلى 30 من إبريل سنة 1954 والثابتة بكشوف صرف المرتبات (استمارة 64 ع ح) على أساس أجره الذي استحقه طبقاً لكادر العمال مع إلزام مجلس بلدي بور سعيد المصروفات ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى، وإلزام رافعها المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الشئون البلدية والقروية ومجلس بلدي بور سعيد في 12 من مارس سنة 1957 وإلى المطعون عليه في 14 من مارس سنة 1957 وعين لنظره جلسة 23 من نوفمبر سنة 1957 وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته، وفي 30 من سبتمبر سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة وفيها، سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه قدم للمحكمة الإدارية لوزارة الشئون البلدية والقروية طلباً في 12 من مارس سنة 1955 بإعفائه من الرسوم القضائية وبعد قبوله في 18 من أكتوبر سنة 1955 أقام دعواه على كل من وزارة الشئون البلدية والقروية ومجلس بلدي بور سعيد أمام المحكمة الإدارية المشار إليها بصحيفة أودعها سكرتيرتها في 29 من يناير سنة 1956 وطلب فيها الحكم على المدعى عليهما بصفتهما متضامنين "بأحقيته في أجره عن أيام عمله الفعلية بدون تحديد حد أعلى لتلك الأيام ابتداءً من أول أكتوبر سنة 1950 وبالتالي أحقيته في صرف الفروق المالية المستحقة له عن المدة من اليوم الأول لشهر أكتوبر سنة 1950 حتى 30 من إبريل سنة 1954 مع إلزام المدعى عليهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقال بياناً لدعواه إنه التحق ببلدية بور سعيد وظل في عمله حتى تقدم زملاء له من عمال بلدية بور سعيد بالتظلم رقم 1932 لسنة 1953، إلى اللجنة القضائية لوزارة الشئون البلدية والقروية، فقضت في 8 من أغسطس سنة 1953 بتسوية حالة المتظلمين المذكورين طبقاً لأحكام كادر العمال اعتباراً من اليوم الأول لشهر أكتوبر سنة 1950، تاريخ العمل بالقانون رقم 148 لسنة 1950، بشأن مجلس بلدي بور سعيد الذي أعطى بلدية بور سعيد دستوراً مماثلاً لكل من بلديتي القاهرة والإسكندرية وذلك بشرط أن يكون العمال من المتظلمين قد وردت حرفهم بكشوف حرف "ب" الملحقة بالكادر المذكور، وأوضح في صحيفة الدعوى أن المجلس البلدي المذكور قام بتسوية حالته طبقاً لما قضى به قرار اللجنة القضائية سالف الذكر عن المدة من أول أكتوبر سنة 1950، إلى 30 من إبريل سنة 1954، إلا أنه عند حساب الأجر اعتبر أن أيام العمل هي 25 يوماً فقط، ولم يصرف له أجراً عن بقية الأيام التي اشتغل فيها فعلاً مع أنه خلال المدة من أول أكتوبر سنة 1950، حتى 30 من إبريل سنة 1954، كان يعمل في أيام الشهر جميعاً، وأن ذلك ثابت من كشوف صرف الأجور والسراكى المودعة مجلس بلدي بور سعيد. واستند إلى كتب المالية وديوان الموظفين في شأن أجور العمال وهي تنص صراحة على أن القاعدة في حساب الأجر هي اعتبار أيام العمل الفعلية التي يشتغل فيها العامل وأن مجلس بلدي بور سعيد عاد فأخذ بهذه القاعدة اعتباراً من اليوم الأول لشهر مايو سنة 1954، وأصبح المدعي يتقاضى أجره منذ ذلك التاريخ على أساس عدد أيام عمله الفعلية ابتداءً من التاريخ المذكور وهو أول مايو سنة 1954، وانتهى إلى التصميم على طلباته من حيث طلب الأجر عن المدة من أول أكتوبر سنة 1950 إلى 30 من إبريل سنة 1954، على أساس الاعتبار بعدد أيام العمل الفعلية بدون تحديد حد أعلى لتلك الأيام؛ لأن أحكام كادر العمال لا تمنع من ذلك. وقد ردت المصلحة بدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بمقولة إن القانون المطبق في هذه الدعوى هو قانون العمل الفردي رقم 317 لسنة 1952، كما دفعت بعدم قبول الدعوى بالنسبة لوزير الشئون البلدية والقروية بصفته على أساس استقلال شخصية مجلس بلدي بور سعيد، وباعتبار أن وزير الشئون البلدية لا يمثل قانوناً المجلس المذكور أمام المحاكم، وأخيراً دفعت بسقوط الحق بالنسبة إلى موضوع المطالبة تأسيساً على ما نصت عليه الفقرة الأولى (ب) من المادة 378 من القانون المدني من أن حقوق العمال والخدم والأجراء من أجور يومية وغير يومية ومن ثمن ما قاموا به من توريدات تتقادم لسنة واحدة، وأنه قد مضى أكثر من عام على الحقوق التي يطالب بها المدعي. وفي الموضوع أوضحت المصلحة أن الدعوى مجردة عن الدليل وأن المدعي لم يفلح في إثباتها كما تقضي بذلك قواعد الإثبات، وقد أورد مدير بلدية بور سعيد بصورة خاصة في مذكرته المؤرخة 13 من يونيه سنة 1957، والمودعة بالملف فيما يتعلق بالموضوع "أن عمال البلدية لم يكونوا يشتغلون خلال أيام الجمع في الفترة السابقة لأول مايو سنة 1954"؛ "لأن تشغيل المدعي وزملائه أيام الجمع إنما كان تنفيذاً للقرار الصادر من مجلس الوزراء في 28 من إبريل سنة 1954 بتشغيل العمال وخاصة عمال المرافق العامة في أيام الجمع تيسيراً لهذه الطبقة الكادحة لزيادة دخلها، فإقرار المدعي باشتغاله أيام الجمع من أول مايو سنة 1954 هو إقرار من جانبه بوجهة نظر المجلس وهو أن عمال البلدية لم يكونوا يشتغلون خلال أيام الجمع في الفترة السابقة لأول مايو سنة 1954" ثم استطرد قائلاً "لقد كنا نرجو أن نقدم للمحكمة الموقرة ما يؤيد أن المدعي لم يشتغل أيام الجمع في الفترة من أول أكتوبر سنة 1950 إلى 30 من إبريل سنة 1954 من مستندات، وخصوصاً تلك التي استند إليها المدعي نفسه وهي السراكى، إلا أن المجلس يأسف لعدم إمكان ذلك، فاللائحة المالية للميزانية والحسابات تنص في المادة 62 منها على أن تحفظ السراكى بالمصلحة لمدة سنة ثم تستغنى عنها، والسراكى الخاصة بالمدة من أول أكتوبر سنة 1950 إلى 30 من إبريل سنة 1954 قد استغنى عنها". وبجلسة 24 من ديسمبر سنة 1956 حكمت المحكمة "أولاً - برفض الدفع بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها بنظرها، وثانياً - بقبول الدفع بعدم قبول الدعوى بالنسبة لوزير الشئون البلدية والقروية بصفته لرفعها على غير ذي صفة، وثالثاً - بأحقية المدعي في الفروق المالية المستحقة له عن أيام العمل الفعلية التي اشتغلها في المدة من أول أكتوبر سنة 1950 إلى 30 من إبريل سنة 1954 والثابتة بكشوف صرف المرتبات (استمارة 64 ع ح) على أساس أجره الذي استحقه طبقاً لكادر العمال مع إلزام مجلس بلدي بور سعيد المصروفات ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة" وأسست قضاءها في الموضوع على أن "المدعي قد أسس دعواه على القرار الصادر من اللجنة القضائية لوزارة الشئون البلدية والقروية بتاريخ 8 من أغسطس سنة 1953 في التظلم رقم 1932 سنة 1953 والتظلمات المضمومة إليه، والذي قضى "بتسوية حالة المتظلمين طبقاً لأحكام كادر العمال اعتباراً من تاريخ العمل بالقانون رقم 148 لسنة 1950 بشرط أن يكون العمال منهم قد وردت حرفهم بكشوف حرف (ب) الملحقة بالكادر المذكور ولهم مثيل من عمال اليومية بمجلس بلدي بور سعيد، وأنه ثبت للمحكمة من اطلاعها على القرار سالف الذكر أن المدعي لم يكن من بين المتظلمين الذين شملهم القرار؛ ومن ثم فإن استناده إليه باعتباره طرفاً فيه على غير أساس" واستطردت المحكمة إلى أن "كادر عمال اليومية.. إنما قصد منه أن يطبق على عمال الحكومة المركزية وفروعها - ولا جدال في أن المجالس البلدية هيئات إدارية ذات شخصية عامة منفصلة عن الحكومة، والاستقلال في الشخصية يقتضي عدم سريان الأحكام الخاصة بموظفي الحكومة وعمالها على عمال هذه الأشخاص المعنوية إلا إذا نص على ذلك صراحة، وليس في هذا القانون ما يحتم سريان المرتبات والأجور التي تقررها الحكومة لموظفيها وعمالها على موظفي وعمال المجالس البلدية والقروية؛ إذ أن الشارع قد جعل الأساس في ذلك حرية المجالس في الأخذ بتلك الأجور والمرتبات حسبما تراه مناسباً لظروفها وطاقتها المالية.. وقالت إنه رغماً عن أن قرار اللجنة القضائية الصادر في 8 من أغسطس سنة 1953 مقصور الأثر على أولئك الذين كانوا متظلمين والمدعي ليس منهم، إلا أن المجلس البلدي طبق أحكام كادر العمال فعلاً على المدعي أسوة بأولئك المتظلمين، فسوى حالته على هدي هذا القرار كما هو واضح من الكشف الخاص بتسوية حالته المودع ملف خدمته، فقد تمت التسوية على أساس حساب الأجر الجديد (بعد تطبيق قواعد الكادر عليه) مضروباً فيما يوازي خمسة وعشرين يوماً، مع أن التسوية في الأصل كانت تتم على أساس الأجر القديم قبل تطبيق أحكام كادر العمال مضروباً في المدة التي اشتغلها فعلاً (30 أو 31 يوماً). وقام المجلس بعد ذلك بصرف الفرق، وقد استنتج الحكم من ذلك أن المجلس البلدي بعد تقدير إمكانياته ساوى بين المدعي وبين أولئك المتظلمين الذين صدر لصالحهم قرار اللجنة القضائية من حيث تطبيق كادر العمال عليهم، وبذلك أصبح للمدعي مركز قانوني لا يمكن المساس به، إلا أن المجلس أخطأ في حساب التسوية فقصر الأجر الجديد على خمسة وعشرين يوماً مع إقراره - من واقع كشف التسوية المشار إليه - بأن المدعي اشتغل فعلاً طيلة أيام الشهر وهذا في ذاته إجراء تحكمي لا سند له من القانون؛ لأن كادر العمال لم ينص في أي حكم من أحكامه على أن التسويات التي تجرى بمقتضاه تكون بحد أعلى لا يزيد على الخمسة والعشرين يوماً"، واستدل الحكم المطعون فيه بأن كشوف صرف أجور العمال عن بعض الشهور الداخلة في نطاق المدة موضوع النزاع (المدة من سبتمبر سنة 1950، إلى يونيه سنة 1951) السابقة على صدور قرار اللجنة القضائية المشار إليه في 8 من أغسطس سنة 1953، تثبت أن العمال جميعاً والمدعي أحدهم قد اشتغلوا فعلاً أيام الشهر كاملة (30 أو 31 يوماً) وأن الأجور صرفت عن تلك الأيام فقد طبق عليهم كادر العمال من حيث صرف الأجور عن جميع أيام العمل.
ومن حيث إن مبنى الطعن يتحصل في أن المدعي بوصفه من عمال مجلس بلدي بور سعيد لم يكن يسري عليه في الأصل كادر العمال الذي يقتصر تطبيقه على عمال الحكومة، غير أنه صار لصدور القانون رقم 148 لسنة 1950 بشأن مجلس بلدي بورسعيد ممن يجوز لهم الانتفاع بأحكامه؛ لأن القانون المذكور قد نص على سريان جميع القوانين واللوائح الخاصة بموظفي الحكومة ومستخدميها على موظفي المجلس. غير أن حقه في ذلك إذ نشأ بعد أول مايو سنة 1945، يكون على ما قضت به المحكمة العليا رهيناً بتوافر الشروط المقررة في القواعد الدائمة التي تضمنها الكادر لتنظيم تعيين العمال مستقبلاً، والتي يبرز في مقدمتها ضرورة وجود درجات خالية يمكن تعيين العامل عليها، الأمر الذي لم يتحقق بالنسبة لعمال مجلس بلدي بور سعيد إلا في ميزانية 1954/ 1955، فمن ثم فإنه حتى أول يوليه سنة 1954، لم يكن للمطعون عليه أصل حق في الإفادة من كادر العمال حتى يمكنه المطالبة بأية مبالغ أو فروق يستند فيها إليه، بل أن للمجلس أن يلغي تلك التسوية الخاطئة التي تمت في شأنه بالتطبيق له في أي وقت دون التقيد بمواعيد سحب القرارات الإدارية نزولاً على أحكامه، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إن مثار المنازعة هو ما إذا كانت قواعد كادر العمال تنطبق على المطعون عليه أم لا تنطبق وهل يجديه التحدي بقرار اللجنة القضائية النهائي الصادر في 8 من أغسطس سنة 1953، بتسوية حالة زملائه طبقاً لكادر العمال؟ وهل تفيده القواعد العامة المتعلقة بمجال تطبيق أحكام كادر العمال؟ وهل يحق له التمسك بالتسوية التي أجريت له إدارياً توطئة لطلب أعمال كافة قواعد كادر العمال في حقه؟
ومن حيث إنه وقد تبين من الأوراق أن المطعون عليه لم يكن من بين المتظلمين الذين شملهم قرار اللجنة القضائية الصادر في 8 من أغسطس سنة 1953، بتسوية حالاتهم طبقاً لأحكام كادر العمال من تاريخ العمل بالقانون رقم 148 لسنة 1950 بشأن مجلس بلدي بور سعيد، والذي اكتسب قوة الشيء المقضى به فلا يحق له التحدي بحجيته في حقه؛ لأن موضوعه منازعة في أجر وهي منازعة يكون الحكم في خصوصها ذا حجية نسبية مقصورة على أطرافه.
ومن حيث إن الأصل في أحكام كادر العمال أن يقتصر تطبيقها على عمال الحكومة المركزية وفروعها دون عمال المجالس البلدية والقروية ما لم يصدر تشريع خاص بسريان أحكامه عليهم وأن سريانه في مثل هذه الحالة على أولئك العمال مقيد بالقدر الذي تحتمله ميزانية هذه المجالس [(1)].
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على خطاب مندوب الإدارة العامة لشئون البلديات المحرر في مارس سنة 1955، والمودع ملف الطعن رقم 1 لسنة 1 القضائية الصادر فيه حكم هذه المحكمة في 28 من إبريل سنة 1956، أن كادر العمال لم يطبق على عمال المجالس البلدية والقروية على أثر صدوره إذ؛ أن تكاليف تنفيذه بلغت عند حصرها 181340 جنيه، وأن وزارة الصحة تقدمت إلى وزارة المالية بطلب منح المجالس السلطة التي تمكنها من تطبيق ذلك الكادر من أول مايو سنة 1945 حتى آخر إبريل سنة 1948، إلا أن وزارة المالية أجابت بأنها لا توافق على منح سلف بسبب الأعباء الجسيمة التي تثقل كاهل الخزانة العامة. واستطرد محرر الخطاب إلى القول بأنه بناءً على ذلك لن تستطيع إدارة البلديات تطبيق كادر العمال على مجالسها إلا إذا أمدتها الحكومة بإعانة مالية سنوية لتتمكن من مواجهة تكاليفه، نظراً لقصور ميزانيات المجالس البلدية عن تحمل هذه التكاليف.
ومن حيث إنه لا وجه من ناحية أخرى للتمسك بحصانة التسوية التي أجراها المجلس البلدي ببور سعيد لصالح المطعون عليه وأنفذ بموجبها بعض أحكام كادر العمال من حيث الأجر؛ لأن هذه التسوية وقد أجرتها الجهة الإدارية بالمخالفة للقانون وللقواعد العامة ظناً منها بانطباق قانون عقد العمل الفردي في خصوصية النزاع عن المدة السابقة على توافر الاعتماد المالي اللازم ميزانية هذا المجلس - هذه التسوية وقد تمت على هذا النحو وبهذه الملابسات لا تتوافر لها الحصانة لصدورها بالمخالفة لأحكام القانون على ما سلف الإيضاح؛ ومن ثم يحق للمجلس البلدي الرجوع فيها دون التقيد بمواعيد السحب في القرارات الإدارية الباطلة؛ لأن المطعون عليه لا يستمد حقه من تلك التسوية وإنما يستمده مباشرة من القانون إن كان له أصل حق بموجبه.
ومن حيث إنه إذا تبين لهذه المحكمة من واقع الأوراق أن مجلس بلدي بور سعيد لم يجر لصالح المطعون عليه إلا تسوية خاطئة في مقدار أجره بالتطبيق لقواعد كادر العمال، فضلاً عن أنه اقتصرت منها على تسوية أجره اليومي بما يتفق مع قواعد كادر العمال دون ما يطالب به من حساب الأجر الإجمالي على أساس أيام التشغيل الفعلي وهو الأمر الذي لم يتم للمطعون عليه - طبقاً لإقراره الصريح بصحيفة دعواه المؤرخة في 19 من يناير سنة 1956 - إلا اعتباراً من أول مايو سنة 1954 - إذا تبين كل ذلك لم يجز للمطعون عليه طلب تسوية أجره على أساس أيام التشغيل الفعلية بالنسبة للمدة السابقة على أول مايو سنة 1954؛ لما سبق القول من أن أحكام كادر العمال لا تسري على عمال مجلس بلدي بور سعيد بالنسبة للمدة التي يطالب المطعون عليه بالإفادة منها في خلالها؛ لأن الانتفاع بهذه الأحكام بالنسبة إلى عمال هذا المجلس رهين بالإمكان المالي الذي تتسع له ميزانية المجلس المذكور، وهي لم تتسع لتطبيق هذه الأحكام في حق عمال المجلس البلدي في الفترة التي يطالب المطعون عليه بسريانه عليه خلالها على ما جاء بخطاب مندوب الإدارة العامة لشئون البلديات المحرر في مارس سنة 1955 والسالف ذكره.
ومن حيث إنه متى كان من الثابت أن المبالغ اللازمة للتنفيذ لم تكن مدرجة في ميزانية مجلس بلدي بور سعيد، ومتى تبين أن التسوية الإدارية المقصورة على الأجر لا تكتسب أية حصانة تخول للمطعون عليه التمسك بها فإنه لا يكون له طبقاً للأصول المشار إليها آنفاً من سبيل لإلزام مجلس بلدي بور سعيد بالمحاسبة على أساس أيام العمل الفعلية، استناداً إلى أحكام كادر العمال. وإذ قضى الحكم المطعون فيه بغير ذلك، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله، ويتعين من ثم إلغاؤه ورفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.


[(1)] راجع السنة الأولى من هذه المجموعة بند 86 صفحة 727.