مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 546

(64)
جلسة 18 من يناير سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1496 لسنة 2 القضائية

( أ ) طعن - اقتصار الطعن المرفوع أمام المحكمة العليا على شق الحكم المتعلق بموضوع المنازعة دون شقه الخاص بالدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها - للمحكمة الإدارية العليا أن تثير المنازعة في الشق الأخير أيضاً.
(ب) دفع - الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها - جواز إبدائه في أي درجة من درجات التقاضي ولو لأول مرة أمام محكمة النقض.
(ج) هيئة مفوضي الدولة - عدم اعتبارها طرفاً ذا مصلحة شخصية في المنازعة - ليس لها سلطة التصرف في الحقوق المتنازع عليها أو في مصير المنازعة، ولو حركتها أمام المحكمة الإدارية العليا، بل هذه السلطة تظل للخصوم وحدهم - مهمة الهيئة قضائية في طبيعتها وليست شخصية.
(د) هيئة مفوضي الدولة - سرد لبعض اختصاصاتها التي نص عليها القانون - الاعتبارات التي أوحت بهذه الاختصاصات هي اعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة وتستوجبها مقتضيات النظام الإداري وحسن سير المرافق العامة - استهدافها غرضين أساسيين: سرعة حسم المنازعة الإدارية حتى لا تبقى مزعزعة، واستقرار تلك الروابط نهائياً على حكم القانون بما لا يحتمل المساومات والاتفاقات الفردية التي تحتملها روابط القانون الخاص - حق الهيئة في إبداء أي دفع أو دفاع من شأنه التأثير قانوناً في نتيجة الحكم في الروابط الإدارية كالدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها ولو لم يتمسك به الخصوم - حجة ذلك.
(هـ) قوة الشيء المحكوم فيه - قيامها في المسائل المدنية على اعتبارات تتعلق بالصالح العام - اختلاف الرأي حول ما إذا كانت من المسائل المتعلقة بالنظام العام من عدمه - ورود النص صراحة في القانون المدني الجديد على أن المحكمة لا تأخذ بهذه القرينة من تلقاء نفسها - اعتبار هذه القرينة من النظام العام في المسائل الجنائية - حكمة ذلك.
(و) القانون الإداري - قواعد القانون الخاص تهدف أساساً لمعالجة مصالح فردية خاصة - الأصل أن ترتيب المراكز القانونية وتعديلها يرجع إلى مشيئة الأفراد واتفاقاتهم في مجال القانون الخاص - قواعد القانون الإداري تهدف أساساً لمعالجة مراكز تنظيمية عامة لا تعادل في المصلحة بين أطرافها - الأصل في قواعده أنها آمرة فلا يجوز الاتفاق على ما يخالفها - مبدأ المشروعية الموضوعية يقضي بأن الاتفاق التعاقدي لا يجوز أن يؤثر في المركز التنظيمي.
(ز) قوة الشيء المحكوم فيه - قيامها في الأوضاع الإدارية على حكمة ترتبط بالصالح العام - للمحكمة إعمال قرينة قوة الشيء المحكوم فيه على المناعة الإدارية ولو لم يتمسك بهذا الدفع ذوو الشأن - يستوي في ذلك أن تكون المنازعة متعلقة بإلغاء القرارات الإدارية أو متعلقة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت - المنازعات الأخيرة هي أيضاً من المنازعات التي لا محيص من إنزال أحكام القانون المنظمة لها على ما قام من نزاع في شأنها دون اعتداد باتفاق الخصوم على ما يخالفها - اعتبار المنازعات الأولى ذات حجية على الكافة دون الثانية لا أثر له في هذا المجال - دليل ذلك - الحكمة في جعل منازعات الإلغاء ذات حجية عينية.
1 - إذا كان رئيس هيئة المفوضين قد اقتصر في أسباب طعنه في الحكم المطعون فيه على الناحية المتعلقة منه بموضوع المنازعة، ولم يتعرض لشق الحكم الخاص بالدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها، إلا أن الطعن في الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا يثير المنازعة فيه برمتها، لتزنه المحكمة بميزان القانون وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه والمنصوص عليها في المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، فتلغيه ثم تنزل حكم القانون في المنازعة، أم أنه لم تقم به أية حالة من تلك الأحوال وكان صائباً في قضائه، فتبقي عليه وترفض الطعن.
2 - إن الدفع بسبق الفصل هو دفع موضوعي يهدف إلى عدم جواز نظر الدعوى الجديدة، ولا يسقط بعدم إبدائه في ترتيب معين قبل غيره من الدفوع الشكلية أو غير الشكلية، ولا بعدم إبدائه في صحيفة المعارضة أو الاستئناف، بل يجوز إبداؤه في أي حال كانت عليها الدعوى، وفي أي درجة من درجات التقاضي وأمام محكمة النقض سواء دفع بهذا الدفع أو لم يدفع.
3 - إن هيئة المفوضين ليست طرفاً ذا مصلحة شخصية في المنازعة فهي لا تملك بهذه الصفة التصرف في الحقوق المتنازع عليها أو في مصير المنازعة ولو حركتها أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن في الحكم الصادر فيها من محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية، بل تظل المنازعة معتبرة مستمرة قائمة بين أطرافها، ويظل التصرف في الحقوق المتنازع عليها وفي مصير المنازعة (بترك الخصومة في الطعن مثلاً) من شأن الخصوم وحدهم، وتفصل المحكمة في ذلك طبقاً للقانون، وهذا باعتبار أن مهمة الهيئة قضائية في طبيعتها وليست شخصية.
4 - إن القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة قد خول هيئة مفوضي الدولة في مباشرة المهمة المنوطة بها اختصاصاً واسعاً لتحضير الدعاوى وتهيئتها للمرافعة واستظهار جوانبها كافة من الناحية الواقعية والقانونية، برأي مسبب تتمثل فيه الحيدة لصالح القانون وحده، وخولها من الوسائل ما يمكنها من القيام بهذه المهمة كحق الاتصال بالجهات الحكومية رأساً، والأمر باستدعاء ذوي الشأن لسؤالهم عن الوقائع التي ترى لزوم أخذ أقوالهم عنها، والأمر بإجراء تحقيق الوقائع التي ترى لزوم تحقيقها، وبدخول شخص ثالث في الدعوى، وبتكليف ذوي الشأن تقديم مذكرات أو مستندات تكميلية في الأجل الذي تحدده، والحكم بغرامة على من يتكرر منه طلب التأجيل لسبب واحد، كل ذلك لاعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة، تستوجبها مقتضيات النظام الإداري وحسن سير المرافق العامة، وتستهدف غرضين أساسيين: أولهما السرعة في حسم المنازعات الإدارية حتى لا تبقى الروابط الإدارية (وهي من روابط القانون العام) مزعزعة أمداً طويلاً، وثانيهما استقرار تلك الروابط استقراراً نهائياً على حكم القانون الذي يجب أن يكون وحده هو المرد في تلك الروابط، والذي يجب أن تسير الإدارة على سننه وهديه في علاقاتها مع الناس جميعاً، بما لا يحتمل المساومات والاتفاقات الفردية، كما هو الشأن في روابط القانون الخاص. ومن أجل ذلك خول القانون الهيئة حق اقتراح إنهاء المنازعات الإدارية على أساس المبادئ التي ثبت عليها قضاء المحكمة الإدارية العليا خلال أجل تحدده، فإن تمت التسوية استبعدت القضية من الجدول لانتهاء النزاع، وإن لم تتم جاز للمحكمة عند الفصل في الدعوى أن تحكم على المعترض على التسوية بغرامة لا تجاوز ألفي قرش يجوز منحها للطرف الآخر، كما خول رئيس الهيئة وحده - مع أن الهيئة ليست طرفاً ذا مصلحة شخصية في الدعوى - حق الطعن أمام المحكمة العليا لصالح القانون وحده، إن كان لذلك وجه، في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية، ومن أجل ما تقدم كله كان للهيئة أن تبدي من تلقاء نفسها أي دفع أو دفاع من شأنه أن يؤثر قانوناً في نتيجة الحكم في الروابط الإدارية، ومن ذلك الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها بحكم حاز قوة الشيء المقضى به، ولو لم يتمسك به الخصوم، وآية ذلك أن القانون إذ جعل للهيئة وحدها حق الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في أحكام محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية، وجعل من أسباب هذا الطعن أن يكون الحكم قد صدر خلافاً لحكم سابق حاز قوة الشيء المحكوم به، سواء دفع بهذا الدفع أم لم يدفع، قد أكد مدى مهمة الهيئة على الوجه السالف إيضاحه، وأن من حقها إبداء أي دفع أو دفاع له أثره في إنزال حكم القانون على المنازعة الإدارية ولو لم يبده ذوو الشأن، وبوجه خاص في أمر يخل باستقرار الأوضاع الإدارية؛ إذ ليس من شك في أن العود إلى المنازعة بعد سبق الفصل فيها ينطوي على زعزعة للمراكز القانونية التي انحسمت بأحكام نهائية، الأمر الذي يتعارض مع المصلحة العامة التي تقتضي استقرار تلك الأوضاع.
5 - إن كانت أوجه الرأي في المسائل المدنية مع إجماعها على أن قوة الشيء المحكوم فيه قد قامت على اعتبارات تتعلق بالصالح العام (بمراعاة أن السماح للخصوم بإثارة النزاع من جديد بعد صدور حكم فيه مضيعة لوقت القضاء وهيبته، ومجلبة لتناقض أحكامه، وتعريض لمصالح الناس للعبث ما بقيت معلقة بمشيئة الخصوم كلما حلا لهم تجديد النزاع وإطالة أمده)، إلا أنها تفرقت فيما إذا كانت تعتبر من المسائل المتعلقة بالنظام العام، فذهب رأي إلى اعتبارها كذلك (ورتب عليه أنه لا يجوز التنازل عن الدفع لسبق الفصل، وأنه يجوز التمسك به في أية حال كانت عليها الدعوى أمام محكمة الدرجة الأولى أو أمام محكمة الدرجة الثانية أو لأول مرة أمام محكمة النقض، وأنه يجوز للمحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها، وأنه لا يجوز إثبات ما يخالف حجية الشيء المحكوم فيه ولو من طريق الاستجواب أو اليمين) وذهب رأي آخر إلى العكس (ورتب عليه أنه يجوز التنازل عنه صراحة أو ضمناً، ولا يجوز للمحكمة أن تأخذ به من تلقاء نفسها، كما لا يجوز للخصوم التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض، وإن كان يجوز التمسك به أمام محكمة الدرجة الثانية باعتباره دفعاً موضوعياً)، ولكنه يعتبر حجية الشيء المحكوم فيه نهائياً من النظام العام فيما يتعلق بعدم جواز إثبات ما يخالفها من طريق الاستجواب أو اليمين. وقد انتهى القانون المدني الجديد إلى الأخذ بهذا الرأي؛ إذ نص في الفقرة الثانية من المادة 405 على أنه لا يجوز للمحكمة أن تأخذ بهذه القرينة من تلقاء نفسها. وإذا كانت أوجه الرأي في هذا الشأن قد تفرقت في المسائل المدنية، إلا أن الإجماع منعقد على أن قوة الشيء المحكوم فيه جنائياً تعتبر من النظام العام، فلا يجوز النزول عنها ويتعين على المحكمة مراعاتها من تلقاء نفسها؛ لأن ذلك من مجالات القانون العام التي تمس مصلحة المجتمع والتي لا يجوز أن تكون محلاً للمساومة بين الأفراد.
6 - إن قواعد القانون الخاص تهدف أساساً إلى معالجة مصالح فردية خاصة على أساس التعادل بين أطرافها؛ ولذا كان لمشيئتهم واتفاقاتهم أثرها الحاسم في ترتيب المراكز القانونية وتعديلها، وكانت قواعد القانون الخاص - إلا ما يتعلق منها بالنظام العام - غير آمرة يجوز الاتفاق على ما يخالفها، على حين أن قواعد القانون الإداري تهدف أساساً إلى معالجة مراكز تنظيمية عامة لا تعادل في المصلحة بين أطرافها؛ إذ المصلحة العامة فيها لا تتوازى مع المصلحة الفردية الخاصة، بل يجب أن تعلو عليها؛ ومن ثم تميز القانون الإداري بأن قواعده أساساً قواعد آمرة، وأن للإدارة في سبيل تنفيذها سلطات استثنائية تستلزمها وظيفتها في إدارة المرافق العامة وضمان سيرها بانتظام واطراد، وأنه متى كان تنظيم القانون للروابط الإدارية ينظر فيه إلى المصلحة العامة فلا يجوز الاتفاق على ما يتعارض مع تلك المصلحة، وأن إنشاء المراكز التنظيمية العامة أو تعديلها أو إلغائها يجب أن يتم على سنن القانون ووفقاً لأحكامه، وأنه ليس لاتفاق الطرفين إن كان مخالفاً للقانون أثر في هذا الشأن، وإلا لتعارض ذلك مع مبدأ المشروعية الموضوعية الذي يقضي بأن الاتفاق التعاقدي لا يجوز أن يؤثر في المركز التنظيمي.
7 - إن المركز القانوني التنظيمي متى انحسم النزاع في شأنه بحكم حاز قوة الشيء المحكوم فيه فقد استقر به الوضع الإداري نهائياً، فالعود لإثارة النزاع فيه بدعوى جديدة هي زعزعة لهذا الوضع الذي استقر، وهو ما لا يتفق ومقتضيات النظام الإداري، ولذلك كان استقرار الأوضاع الإدارية وعدم زعزعتها بعد حسمها بأحكام نهائية حازت قوة الشيء المقضى به بمثابة القاعدة التنظيمية العامة الأساسية التي يجب النزول عليها للحكمة التي قامت عليها، وهي حكمة ترتبط بالصالح العام؛ وآية ذلك أن القانون خول هيئة المفوضين - مع أنها ليست طرفاً ذا مصلحة شخصية في المنازعة - حق الطعن في الأحكام إن خالفت قوة الشيء المحكوم به، سواء دفع من الخصوم بهذا الدفع أو لم يدفع، وما ذلك إلا لأن زعزعة المراكز القانونية التي انحسمت بأحكام نهائية تخل في نظر القانون بتلك القاعدة التنظيمية العامة الأساسية التي يجب إنزالها على المنازعة الإدارية، حتى ولو لم يتمسك بهذا الدفع ذوو الشأن، وبصرف النظر عن اتفاقهم صراحة أو ضمناً على ما يخالفها؛ ومن ثم فللمحكمة أن تنزل هذه القاعدة الأساسية في نظر القانون على المنازعة من تلقاء نفسها أياً كان موضوعها، وسواء أكانت طعناً بإلغاء القرار الإداري أم غير ذلك، ما دام هذا الموضوع معتبراً من المراكز التنظيمية المرد فيها إلى أحكام القانون وحده ولا يملك الطرفان الاتفاق على ما يخالف هذه الأحكام. ولا محل للتفرقة في ذلك بين المنازعات الخاصة بإلغاء القرارات الإدارية وبين غيرها من المنازعات المتعلقة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت؛ لأن هذه أيضاً من المراكز القانونية التنظيمية التي لا محيص من إنزال أحكام القانون المنظمة لها على ما قام من نزاع في شأنها، ولا عبرة باتفاق ذوي الشأن على ما يخالفها، ولا يغير من ذلك أن الأحكام الصادرة بالإلغاء ذات حجية عينية تسري قبل الكافة بينما هي في المنازعات الأخرى ذات حجية مقصورة على أطرافها؛ لأن المرد في ذلك ليس إلى خصائص تتميز بها في منازعات الصنف الأول طبيعة الروابط القانونية فيها من ناحية درجة الاتصال بالمصلحة العامة عن طبيعة الروابط القانونية في منازعات الصنف الثاني، بل طبيعة الروابط فيها جميعاً واحدة من هذه الناحية، وإنما المرد في ذلك إلى أن مقتضى إلغاء القرار الإداري هو اعتباره معدوماً قانوناً وكأن لم يكن، فيسري هذا الأثر بحكم اللزوم وطبائع الأشياء على الكافة، ولكل ذي شأن ولو لم يكن من أطراف المنازعة أن يتمسك به؛ وآية ذلك أن الأحكام الصادرة من القضاء الإداري في مثل هذه المنازعات بالرفض ليست لها حجية عينية على الكافة.


إجراءات الطعن

في 22 من مايو سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1496 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الرابعة أ) "دائرة أولى" بجلسة 26 من مارس سنة 1956 في الدعوى رقم 6984 لسنة 8 القضائية المقامة من وزارة المواصلات ومصلحة السكك الحديدية ضد السيد/ عبد الحميد عبد العال، القاضي "برفض الدفع بعدم جواز نظر التظلم، وفي الموضوع برفض الدعوى، وألزمت الحكومة المصروفات". وطلب رئيس هيئة مفوضي الدولة - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه وقرار اللجنة القضائية بالتظلم رقم 1110 لسنة 2 القضائية والقضاء باستحقاق المتظلم لأجر يومي عند تعيينه في وظيفة من الدرجة الرابعة خارج الهيئة مضروباً في 25 يوماً ولو تجاوز بذلك نهاية مربوط الدرجة الرابعة سايره اعتباراً من 27 من أغسطس سنة 1950، على ألا تصرف إليه الفروق المترتبة على ذلك إلا من هذا التاريخ، وإلزام الوزارة المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة المواصلات في 12 من يوليه سنة 1956، وإلى المطعون عليه في 16 من يوليه سنة 1956، وعين لنظره جلسة 4 من يونيه سنة 1957. وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته. وفي 21 من مايو سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة، وفيها أجل نظر الطعن إلى جلسة 7 من ديسمبر سنة 1957، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليه عبد الحميد عبد العال قدم تظلماً إلى اللجنة القضائية لوزارة المواصلات قيد بجدولها تحت رقم 1110 لسنة 2 القضائية، قال فيه إنه عين في 20 من إبريل سنة 1930 في وظيفة عسكري دريسة بمصلحة السكك الحديدية بأجر يومي قدره 78 مليماً، ثم تدرج أجره إلى أن بلغ مائة مليم يومياً في أول أغسطس سنة 1943، وأنه سويت حالته في أول مايو سنة 1945 بالتطبيق لكادر العمال فمنح أجراً يومياً قدره 195 م. وفي 3 من يناير سنة 1946 نقل من اليومية إلى الماهية لوظيفة ساع بالدرجة الرابعة (24/ 36) بمرتب قدره 36 ج سنوياً، وأنه منح نهاية مربوط الدرجة الرابعة المذكورة، نظراً لأن القواعد المالية كانت تقضي بأن المستخدمين الذين طبق عليهم كادر العمال ثم نقلوا إلى سلك الماهية بعد أول مايو سنة 1945 لا يجوز أن تزيد ماهياتهم على نهاية مربوط الدرجات التي نقلوا إليها، وأن المصلحة لا يجوز لها خفض راتبه إلا عند اتخاذ إجراءات تأديبية ضده، وهذا ما لم يتحقق. وطالب إما بإعادته إلى سلك اليومية وإما بعدم خفض راتبه. وفي ختام ظلامته طلب تسوية حالته أسوة بزميل له يدعى أحمد محمد عطا الله صدر لصالحه حكم من مجلس الدولة أرفق صورته بتظلمه. وقد تمسكت المصلحة في كتابها المؤرخ 14 من فبراير سنة 1954 بردها على التظلم بأن المتظلم سبق أن قدم تظلماً أمام اللجنة قيد برقم 388 لسنة 1 ق قضي فيه بعدم الاختصاص، ثم قدم تظلماً آخر قيد برقم 2229 لسنة 1 ق قضي فيه بالرفض، وأنهما عن ذات موضوع التظلم الحالي مما يمنع من نظره ثم ردت الحكومة على موضوع التظلم بأن كتاب وزارة المالية الدوري رقم م 88 - 31/ 17 م 2 الصادر في 2 من فبراير سنة 1947 ينص على أن عمال اليومية المنتفعين بكادر العمال يمنحون - عند نقلهم للماهية - ماهيات تعادل أجورهم، بشرط ألا تزيد على نهاية مربوط الدرجات المنقولين إليها، وعلى ذلك فقد منح المدعي وأمثاله ماهية قدرها ثلاثة جنيهات شهرياً (نهاية مربوط الدرجة الرابعة التي نقل إليها). وقد تظلم المدعي وأمثاله من وضعهم الشاذ، فحررت المصلحة لمراقبة الحسابات بغية النظر في إعادتهم إلى اليومية؛ إذ أن نقلهم إلى سلك اليومية كان في تواريخ سابقة على كتاب وزارة المالية سالف الذكر، ولو علمت المصلحة بادئ الرأي أن نقلهم للماهية سوف يقف حائلاً دون انتفاعهم بأجورهم المعدلة لما أجرت هذا النقل الذي أضر بهم، حيث كان المراد به إيثارهم وتفضيلهم على زملائهم لأقدميتهم في الخدمة ولإلمامهم بالقراءة والكتابة. وقد عرض الأمر على وزارة المالية فوافقت في 4 من ديسمبر سنة 1947 على إعادتهم إلى اليومية على أن يعرض الأمر على مجلس إدارة المصلحة، وظل الموضوع بالإدارة العامة للمصلحة إلى أن أعادت عرضه مرة أخرى على ديوان الموظفين طالبة موافقته على هذا الإجراء. وقد رد ديوان الموظفين بكتابه المؤرخ 27 من إبريل سنة 1953 بأنه (لا يسعه الموافقة على إجابة هذا الطلب حيث إن هؤلاء العمال كانوا باليومية حتى سويت حالتهم بالنقل إلى وظائف في سنة 1974.. وقد مضت على هذه التسوية فترة لا تقل عن خمس سنوات). وبجلسة 9 من فبراير سنة 1954 قررت اللجنة القضائية معاملة المتظلم طبقاً لأحكام كادر العمال من تاريخ نقله إلى الماهية الشهرية وما يترتب على ذلك من آثار، واستندت في قرارها إلى أن المتظلم قد استمد الحق في هذه التسوية من قاعدة قانونية حواها كادر العمال، فلا تملك المصلحة بعد أن اكتسب حقاً استمده مباشرة من القواعد المشار إليها وأصبح أجره 195 م يومياً أن تجري خصماً في راتبه عند نقله من سلك اليومية إلى سلك الدرجات إلا بعد اتخاذ إجراءات تأديبية أو تنفيذاً لنص في القانون. وقد طعنت المحكمة في هذا القرار أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعت سكرتيرية هذه المحكمة في 29 من إبريل سنة 1954 طالبة الحكم بإلغاء قرار اللجنة القضائية سالف الذكر، ومؤسسة طعنها على أن كتاب المالية الدوري رقم م 88 - 31/ 17/ م 2 الصادر في 2 من فبراير سنة 1947 يقضي بأن عمال اليومية المنتفعين بكادر العمال يمنحون عند نقلهم للماهية ماهيات تعادل أجورهم، بشرط ألا تزيد على نهاية مربوط الدرجة المنقولين إليها، وقد سويت حالة المدعي على هذا الأساس عند النقل إلى الوظائف ذات الماهية الشهرية، وقد مضى على هذه التسوية أكثر من خمس سنوات.
ومن حيث إن مفوض الدولة أمام محكمة القضاء الإداري دفع في تقريره المؤرخ 13 من ديسمبر سنة 1955 بأن قرار اللجنة المطعون فيه قد صدر على خلاف القرارين السابقين الصادرين من اللجنة في التظلمين المشار إليهما، وهما عن نفس الموضوع ولذات السبب وبين الخصوم أنفسهم، وهما قراران حائزان لقوة الشيء المقضى به، وقد استدل على صحة دفعه بأمرين: (الأول) أن المطعون عليه كان قد رفع إلى اللجنة القضائية لجميع الوزارات والمصالح بالإسكندرية تظلماً برقم 388 لسنة 1 القضائية طلب فيه إعادته إلى سلك اليومية ومنحه الأجرة التي كان يصل راتبه إليها فيما لو لم ينقل من اليومية إلى سلك الشهرية، وأن اللجنة قررت في 3 من مايو سنة 1953، عدم اختصاصها بنظر التظلم، وأنه إذ أعاد الكرة بعد ذلك فتقدم إلى اللجنة القضائية ذاتها بالتظلم رقم 2229 لسنة 1 القضائية طالباً تحويله إلى اليومية كي يتساوى بزملائه، أصدرت اللجنة المذكورة قراراً آخر في 29 من أكتوبر سنة 1953، برفض التظلم. (والثاني) أنه ينبغي اعتبار هذين القرارين من القرارات أو الأحكام النهائية التي لا يسوغ إثارة المنازعات في شأنها إلا من طريق الطعن فيها في الميعاد المبين في المادة 12 من قانون مجلس الدولة طبقاً للمادة التاسعة من المرسوم بقانون رقم 160 لسنة 1952، وهو ما لم يتحقق بالنسبة إلى القرارين المذكورين؛ ومن ثم يكون قرار اللجنة القضائية المطعون فيه الصادر في 9 من فبراير سنة 1954، في التظلم رقم 1110 لسنة 1 القضائية عن ذات الطلبات التي كانت موضوعاً للقرارين المشار إليهما، يكون هذا القرار إذ قضى للمطعون عليه بمعاملته طبقاً لأحكام كادر العمال من تاريخ نقله إلى الماهية الشهرية وما يترتب على ذلك من آثار قد أهدر قوة الشيء المقضى به، وقد قضت المحكمة في 29 من مارس سنة 1956، برفض الدفع بعدم جواز نظر التظلم، وفي الموضوع برفض الدعوى، وألزمت الحكومة بالمصروفات.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه وإن انتهى إلى أن موضوع التظلم رقم 1110 لسنة 1 القضائية مثار الدعوى الحالية، مغاير لموضوع التظلمين رقمي 388 لسنة 1 القضائية و2229 لسنة 1 القضائية اللذين صدر فيهما قرارا اللجنة القضائية لجميع الوزارات والمصالح بالإسكندرية في 3 من مايو، 29 من أكتوبر سنة 1953، إلا أنه قد ورد في أسبابه في خصوص رفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى ما يلي: "ومن حيث إنه وإن كانت المصلحة قد تمسكت في ردها على اللجنة القضائية في التظلم موضوع الدعوى بحجية الشيء المقضي وذلك بكتابها رقم 58/ 4/ 171 المؤرخ 14 من فبراير سنة 1954، الذي أشارت فيه إلى التظلمين السابقين لتقديمهما من المدعى عليه إلى اللجنة، وذكرت أن المدعى عليه يعاود الكرة في موضوع واحد أصدرت اللجنة قرارها فيه، وأنه لا يجوز له تكرار التظلم في موضوع واحد، ولكنها لم تستمر على تمسكها بهذا الدفع في هذه الدعوى، فلم ترد إليه أي إشارة في صحيفة الدعوى، ولم تقدم أي مذكرة لاحقة تتمسك فيها بهذا الدفع... ومن حيث إن هذا الدفع على الأقل بالنسبة للمنازعات المتعلقة بالمرتبات وما شاكلها، والتي لا تعتبر الأحكام الصادرة فيها حجة على الكافة ليس من النظام العام، ويجوز لأصحاب الشأن التنازل عنه، وليس للمفوض أن يؤسس عليه رأيه إذا لم يتمسك به أحد طرفي الخصومة، فالمفوض في القضاء المحايد ليس له أن يتقدم بدفع ليس من النظام العام ما لم يتمسك به أحد الطرفين، ومن حيث إنه يفرض أن التمسك بهذا الدفع أمام اللجنة القضائية يمتد إلى الطعن في القرار الصادر منها، ولم يتمسك به صاحبه في صحيفة طعنه أو أثناء نظر الدعوى، سواء في الجلسة أو في مذكرة يقدمها، فإنه يشترط لصحة الدفع توافر شروط ثلاثة: وحدة الخصوم والموضوع والسبب... ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على قراري اللجنة السابقين، والذي قضت في أحدهما بعدم الاختصاص وفي الآخر بالرفض، أن موضوع التظلم الذي عرضه المتظلم (المدعى عليه) على اللجنة كان طلب إعادته من سلك الوظائف الشهرية إلى سلك اليومية، في حين أن طلباته في التظلم موضوع الدعوى الحالية تتعلق بمقدار ما يستحق من راتب بعد نقله من سلك اليومية إلى سلك الشهرية، وعدم جواز خفضه نتيجة لهذا النقل؛ وهو موضوع يختلف عن الموضوع الذي كان محل نظر في القرارين السابقين، إذ كان تظلمه فيهما ينصب على طلب إعادته إلى سلك اليومية، وهو طلب يخرج عن ولاية القضاء الإداري واللجان القضائية، التي لا تملك أن تحل نفسها محل جهة الإدارة في إصدار القرارات. ومن حيث إنه بناءً على ما تقدم يكون الدفع بعدم جواز نظر التظلم لسابقة الفصل فيه قد فقد أحد عناصره الثلاثة، وهو اتحاد الموضوع، فضلاً عن عدم تمسك الوزارة به في الطعن ويتعين رفض الدفع". وأقامت قضاءها فيما يتعلق بالموضوع "على أن قضاء هذه المحكمة (محكمة القضاء الإداري) قد استقر على عدم جواز تخفيض ماهية العمال الذين انطبقت عليهم أحكام كادر العمال الصادر في أول مايو سنة 1945، والذين ينقلون من سلك عمال اليومية إلى سلك الدرجات خارج الهيئة في تاريخ لاحق لنفاذ هذا الكادر، وثبوت حقهم في تسوية حالاتهم طبقاً لأحكامه؛ وذلك تأسيساً على أنه وإن كان من حق جهة الإدارة أن تنقل موظفيها من سلك إلى سلك وفقاً لمقتضيات المصلحة بلا تعقيب عليها من هذه المحكمة، ما دام أن قرارها في هذا الشأن قد خلا من سوء استعمال السلطة، إلا أنه لا يجوز لها الإنقاص من الراتب أو الأجر الذي يستحقه في تاريخ سابق على نقله. ومن حيث إن قرار اللجنة المطعون فيه إذ يقوم على هذا المبدأ فيكون صحيحاً مطابقاً للقانون، ويتعين الحكم برفض الطعن".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن نقل المطعون عليه من اليومية إلى وظيفة بالماهية خارج الهيئة هو تعيين له في وظيفة معينة في كادر آخر غير الكادر الذي كان يعامل به، وهذا التعيين تنظمه القوانين واللوائح، ومنها وحدها يستمد حقه في الأجر القانوني. ويبين من الاطلاع على كادر سنة 1939 الذي تم نقل المطعون عليه في ظله، أنه ورد به تحت عنوان (الخدمة الخارجون عن هيئة العمال) القاعدة الآتية: "1 - ..... 2 - لا يجوز التعيين في وظائف الخدمة الخارجين عن هيئة العمال الصناع في أكبر من الدرجة الأولى (5/ 6) جنيهات. أما الخدمة غير الصناع فيكون تعيينهم في أقل درجة من درجات الوظائف المطلوب تعيينهم فيها بحيث لا تكون أكبر من الدرجة الأولى 3 - يمنع المرشحون للخدمة في وظائف الخارجين عن الهيئة بداية الدرجات التي يعينون فيها" وقد حدد الجدول الموافق للكادر راتب الدرجة الرابعة غير الصناع (التي عين عليها المطعون عليه) 24 - 36 جنيهاً بعلاوة 400 م و2 ج كل سنتين. واستناداً إلى هذه القاعدة ما كان ينبغي للمصلحة أن تمنح المطعون عليه آخر مربوط الدرجة الرابعة، وهي في هذا قد خالفت القانون. وفي 27 من أغسطس سنة 1950 أصدر مجلس الوزراء قراراً يقضي بأن عمال اليومية الحاصلين على مؤهلات دراسية وغير الحاصلين على مؤهلات عندما يوضعون على الدرجات تحدد مرتباتهم على أساس الأجر اليومي مضروباً في 25 يوماً وبناءً على هذا القرار يستحق المطعون عليه الأجر اليومي مضروباً في 25 يوماً اعتباراً من 27 من أغسطس سنة 1950 تاريخ نفاذ قرار مجلس الوزراء سالف الذكر، مع صرف الفروق المالية إليه من هذا التاريخ، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتفسيره.
( أ ) عن الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها:
من حيث إنه ولئن كان رئيس هيئة المفوضين قد اقتصر في أسباب طعنه في الحكم المطعون فيه على الناحية المتعلقة منه بموضوع المنازعة ولم يتعرض لشق الحكم الخاص بالدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها، إلا أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الطعن في الحكم يثير المنازعة فيه برمتها؛ لتزنه المحكمة بميزان القانون وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه والمنصوص عليها في المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة فتلغيه ثم تنزل حكم القانون في المنازعة، أم أنه لم تقم به أية حالة من تلك الأحوال وكان صائباً في قضائه، فتبقي عليه وترفض الطعن؛ ذلك أن الطعن قد قام على حكمة تشريعية تتعلق بالمصلحة العامة كشفت عنها المذكرة الإيضاحية للقانون المشار إليه، باعتبار أن رأي هيئة المفوضين تتمثل فيه الحيدة لصالح القانون وحده الذي يجب أن تكون كلمته هي العليا، فإن لهذه الهيئة أن تتقدم بطلبات أو أسباب جديدة غير تلك التي أبدتها في عريضة الطعن؛ ما دامت ترى في ذلك وجه المصلحة العامة بإنزال حكم القانون على الوجه الصحيح في المنازعة الإدارية، كما أن للمحكمة العليا أن تنزل حكم القانون على هذا الوجه غير مقيدة بطلبات الهيئة أو الأسباب التي تبديها، وإنما المرد في ذلك هو إلى مبدأ المشروعية نزولاً على سيادة القانون في روابط هي من روابط القانون العام تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص، وعلى هذا الأساس يتعين استظهار الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها، سواء من حيث سلامة النتيجة التي انتهى إليها أو الأسباب القانونية التي أقام عليها هذه النتيجة؛ وذلك وضعاً للأمور في نصابها القانوني الصحيح.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه فيما انتهى إليه من رفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها بحكم حاز قوة الشيء المحكوم فيه على أسباب ثلاثة: 1 - أن المصلحة وإن كانت قد تمسكت أمام اللجنة القضائية بهذا الدفع إلا أنها لم تبد تمسكاً به أمام محكمة القضاء الإداري، لا في صحيفة الاستئناف ولا خلال نظره. 2 - أن هذا الدفع على الأقل بالنسبة للمنازعات المتعلقة بالرواتب وما شاكلها التي لا تعتبر الأحكام الصادرة فيها حجة على الكافة، ليس من النظام العام، فليس لهيئة مفوضي الدولة أن تبديه من تلقاء نفسها. 3 - اختلاف الموضوع في هذه الدعوى عنه في الدعويين السابقتين.
ومن حيث إنه ولئن كان الحكم المطعون فيه قد جاء سليماً في النتيجة التي انتهى إليها من رفض هذا الدفع للسبب الأخير وحده، وهو اختلاف الموضوع في هذه الدعوى عنه في الدعويين السابقتين، إذ كان المدعي قد طلب فيهما إعادته إلى سلك اليومية وتسوية حالته على أساس هذه الإعادة، بينما هو يطلب في الدعوى الحالية عدم خفض مرتبه لا على أساس إعادته إلى سلك اليومية، بل باعتبار أنه باقٍ في سلك المشاهرة - لئن كان الحكم قد استقام في نتيجته على هذا السبب وحده، إلا أن المحكمة ترى وضعاً للأمور في نصابها الصحيح أن تستظهر بميزان القانون ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه في سائر أسبابه من آراء قانونية.
ومن حيث إنه يجب التنبيه بادئ بدء إلى أن الدفع بسبق الفصل - هو دفع موضوعي يهدف إلى عدم جواز نظر الدعوى الجديدة، ولا يسقط بعدم إبدائه في ترتيب معين قبل غيره من الدفوع الشكلية أو غير الشكلية، ولا بعدم إبدائه في صحيفة المعارضة أو الاستئناف (م 133 مرافعات)، بل يجوز إبداؤه في أي حال كانت عليها الدعوى، وفي أي درجة من درجات التقاضي، وأمام محكمة النقض، سواء دفع بهذا الدفع أو لم يدفع (م 426 مرافعات).
ومن حيث إنه ولئن كانت هيئة المفوضين ليست طرفاً ذا مصلحة شخصية في المنازعة بحيث تملك بهذه الصفة التصرف في الحقوق المتنازع عليها أو في مصير المنازعة، ولو حركتها أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن في الحكم الصادر فيها من محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية، بل تظل المنازعة معتبرة مستمرة قائمة بين أطرافها، ويظل التصرف في الحقوق المتنازع عليها وفي مصير المنازعة (بترك الخصومة في الطعن مثلاً) من شأن الخصوم وحدهم، وتفصل المحكمة في ذلك طبقاً للقانون، وهذا باعتبار أن مهمة الهيئة قضائية في طبيعتها وليست شخصية، إلا أن القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة قد خول للهيئة في مباشرة هذه المهمة اختصاصاً واسعاً لتحضير الدعاوى وتهيئتها للمرافعة واستظهار جوانبها كافة من الناحية الواقعية والقانونية، برأي مسبب تتمثل فيه الحيدة لصالح القانون وحده، وخولها من الوسائل ما يمكنها من القيام بهذه المهمة كحق الاتصال بالجهات الحكومية رأساً، والأمر باستدعاء ذوي الشأن لسؤالهم عن الوقائع التي ترى لزوم أخذ أقوالهم عنها، والأمر بإجراء تحقيق الوقائع التي ترى لزوم تحقيقها، وبدخول شخص ثالث في الدعوى، وبتكليف ذوي الشأن تقديم مذكرات أو مستندات تكميلية في الأجل الذي تحدده، والحكم بغرامة على من يتكرر منه طلب التأجيل لسبب واحد، كل ذلك لاعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة، تستوجبها مقتضيات النظام الإداري وحسن سير المرافق العامة، وتستهدف غرضين أساسيين أولهما السرعة في حسم المنازعات الإدارية حتى لا تبقى الروابط الإدارية، وهي من روابط القانون العام، مزعزعة أمداً طويلاً، وثانيهما استقرار تلك الروابط استقراراً نهائياً على حكم القانون الذي يجب أن يكون وحده هو المرد في تلك الروابط. والذي يجب أن تسير الإدارة على سننه وهديه في علاقاتها مع الناس جميعاً، بما لا يحتمل المساومات والاتفاقات الفردية كما هو الشأن في روابط القانون الخاص؛ ومن أجل ذلك خول القانون الهيئة حق اقتراح إنهاء المنازعات الإدارية على أساس المبادئ التي ثبت عليها قضاء المحكمة الإدارية العليا خلال أجل تحدده، فإن تمت التسوية استبعدت القضية من الجدول لانتهاء النزاع، وإن لم تتم جاز للمحكمة عند الفصل في الدعوى أن تحكم على المعترض على التسوية بغرامة لا تجاوز ألفي قرش يجوز منحها للطرف الآخر، كما خول رئيس الهيئة وحده - مع أن الهيئة ليست طرفاً ذا مصلحة شخصية في الدعوى كما سلف القول - حق الطعن أمام المحكمة العليا لصالح القانون وحده، إن كان لذلك وجه، في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية، ومن أجل ما تقدم كله كان للهيئة أن تبدي من تلقاء نفسها أي دفع أو دفاع من شأنه أن يؤثر قانوناً في نتيجة الحكم في الروابط الإدارية، ومن ذلك الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها بحكم حاز قوة الشيء المقضى به، ولو لم يتمسك به الخصوم؛ وآية ذلك أن القانون إذ جعل للهيئة وحدها حق الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في أحكام محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية وجعل من أسباب هذا الطعن أن يكون الحكم قد صدر خلافاً لحكم سابق حاز قوة الشيء المحكوم به، سواء دفع بهذا الدفع أم لم يدفع، قد أكد مدى مهمة الهيئة على الوجه السالف إيضاحه، وأن من حقها إبداء أي دفع أو دفاع له أثره في إنزال حكم القانون على المنازعة الإدارية ولو لم يبده ذوو الشأن، وبوجه خاص في أمر يخل باستقرار الأوضاع الإدارية؛ إذ ليس من شك في أن العود إلى النازعة بعد سبق الفصل فيها ينطوي على زعزعة للمراكز القانونية التي انحسمت بأحكام نهائية، الأمر الذي يتعارض مع المصلحة العامة التي تقتضي استقرار تلك الأوضاع.
ومن حيث إنه ولئن كانت أوجه الرأي في المسائل المدنية مع إجماعها على أن قوة الشيء المحكوم فيه قد قامت على اعتبارات تتعلق بالصالح العام (بمراعاة أن السماح للخصوم بإثارة النزاع من جديد بعد صدور حكم فيه مضيعة لوقت القضاء وهيبته. ومجلبة لتناقض أحكامه، وتعريض لمصالح الناس للعبث ما بقيت معلقة بمشيئة الخصوم كلما حلا لهم تجديد النزاع وإطالة أمده) إلا أنها تفرقت فيما إذا كانت تعتبر من المسائل المتعلقة بالنظام العام أم لا، فذهب رأي إلى اعتبارها كذلك (ورتب عليه أنه لا يجوز التنازل عن الدفع لسبق الفصل وأنه يجوز التمسك به في أية حال كانت عليها الدعوى، أمام محكمة الدرجة الأولى أو أمام محكمة الدرجة الثانية أو لأول مرة أمام محكمة النقض، وأنه يجوز للمحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها، وأنه لا يجوز إثبات ما يخالف حجية الشيء المحكوم فيه ولو من طريق الاستجواب أو اليمين) وذهب رأي آخر إلى العكس (ورتب عليه أنه يجوز التنازل عنه صراحة أو ضمناً ولا يجوز للمحكمة أن تأخذ به من تلقاء نفسها، كما لا يجوز للخصوم التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض، وإن كان يجوز التمسك به أمام محكمة الدرجة الثانية باعتباره دفعاً موضوعياً) ولكنه يعتبر حجية الشيء المحكوم فيه نهائياً من النظام العام فيما يتعلق بعدم جواز إثبات ما يخالفها من طريق الاستجواب أو اليمين. وقد انتهى القانون المدني الجديد إلى الأخذ بهذا الرأي؛ إذ نص في الفقرة الثانية من المادة 405 على أنه لا يجوز للمحكمة أن تأخذ بهذه القرينة من تلقاء نفسها، وإن كان أول مشروع تمهيدي للقانون المذكور كان قد نص على اعتبارها من النظام العام، وظهر صدى ذلك في المذكرة التمهيدية للمشروع، ثم جاءت المادة 426 من قانون المرافعات المدنية والتجارية ونصت على أن للخصوم أن يطعنوا أمام محكمة النقض في أي حكم انتهائي، أياً كانت المحكمة التي أصدرته، فصل في نزاع خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الشيء المحكوم به، سواء دفع بهذا الدفع أم لم يدفع. ومن هنا لم يسع الفقيه المصري الذي أسهم بأكبر نصيب في وضع القانون المدني الجديد إلا التصريح في مؤلفه الأخير بأن التسليم بأن حجية الأمر المقضي قرينة لا يجوز نقضها، لا بالإقرار ولا باليمين لا يجعل القوة بأن هذه القرينة ليست من النظام العام مستقيماً من الناحية الفقهية، فالقرائن التي لا يجوز نقضها لا بالإقرار ولا باليمين، لا بد أن تكون من النظام العام؛ ومن ثم اضطربت وتضاربت الآراء في تعليل هذا التعارض (الوسيط، الجزء الثاني، ص 642، في الهامش) - لئن تفرق الرأي في هذا الشأن في المسائل المدنية، إلا أن الإجماع منعقد على أن قوة الشيء المحكوم فيه جنائياً تعتبر من النظام العام، فلا يجوز النزول عنها ويتعين على المحكمة مراعاتها من تلقاء نفسها؛ لأن ذلك من مجالات القانون العام التي تمس مصلحة المجتمع والتي لا يجوز أن تكون محلاً للمساومة بين الأفراد.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأنه لما كانت روابط القانون الخاص تختلف في طبيعتها عن روابط القانون العام، وكانت قواعد القانون المدني قد وضعت لتحكم روابط القانون الخاص، فإنها لا تطبق وجوباً على روابط القانون العام إلا إذا وجد نص خاص يقضي بذلك، فإن لم يوجد فإن القضاء الإداري لا يلتزم بتطبيق القواعد المدنية حتماً وكما هي، وإنما تكون له حريته واستقلاله في ابتداع الحلول المناسبة التي تتسق ومقتضيات النظام الإداري، وهي من مجالات القانون العام، فله أن يطبق من القواعد المدنية ما يتلاءم معها، وله أن يطرحها إن كانت غير ملائمة وله أن يطورها بما يحقق هذا التلاؤم.
ومن حيث إن قواعد القانون الخاص تهدف أساساً إلى معالجة مصالح فردية خاصة على أساس التعادل بين أطرافها، ولذا كان لمشيئتهم واتفاقاتهم أثرها الحاسم في ترتيب المراكز القانونية وتعديلها، وكانت قواعد القانون الخاص - إلا ما يتعلق منها بالنظام العام - غير آمرة يجوز الاتفاق على ما يخالفها، على حين أن قواعد القانون الإداري تهدف أساساً إلى معالجة مراكز تنظيمية عامة لا تعادل في المصلحة بين أطرافها؛ إذ المصلحة العامة فيها لا تتوازى مع المصلحة الفردية الخاصة، بل يجب أن تعلو عليها؛ ومن ثم تميز القانون الإداري بأن قواعده أساساً قواعد آمرة، وأن للإدارة في سبيل تنفيذها سلطات استثنائية تستلزمها وظيفتها في إدارة المرافق العامة وضمان سيرها بانتظام واطراد، وأنه متى كان تنظيم القانون للروابط الإدارية ينظر فيه إلى المصلحة العامة فلا يجوز الاتفاق على ما يتعارض مع تلك المصلحة، وأن إنشاء المراكز التنظيمية العامة أو تعديلها أو إلغائها يجب أن يتم على سنن القانون ووفقاً لأحكامه، وأنه ليس لاتفاق الطرفين إن كان مخالفاً للقانون أثر في هذا الشأن، وإلا لتعارض ذلك مع مبدأ المشروعية الموضوعية الذي يقضي بأن الاتفاق التعاقدي لا يجوز أن يؤثر في المركز التنظيمي.
ومن حيث إن المركز القانوني التنظيمي، متى انحسم النزاع في شأنه بحكم حاز قوة الشيء المحكوم فيه فقد استقر به الوضع الإداري نهائياً، فالعود لإثارة النزاع فيه بدعوى جديدة، هو زعزعة لهذا الوضع الذي استقر وهو ما لا يتفق ومقتضيات النظام الإداري، ولذلك كان استقرار الأوضاع الإدارية وعدم زعزعتها بعد حسمها بأحكام نهائية حازت قوة الشيء المقضى به بمثابة القاعدة التنظيمية العامة الأساسية التي يجب النزول عليها للحكمة التي قامت عليها وهي حكمة ترتبط بالصالح العام. وآية ذلك أن القانون خول هيئة المفوضين - مع أنها ليست طرفاً ذا مصلحة شخصية في المنازعة - حق الطعن في الأحكام إن خالفت قوة الشيء المحكوم به، سواء دفع من الخصوم بهذا الدفع أو لم يدفع؛ وما ذلك إلا لأن زعزعة المراكز القانونية التي انحسمت بأحكام نهائية تخل في نظر القانون بتلك القاعدة التنظيمية العامة الأساسية التي يجب إنزالها على المنازعة الإدارية، حتى ولو لم يتمسك بهذا الدفع ذوو الشأن، وبصرف النظر عن اتفاقهم صراحة أو ضمناً على ما يخالفها؛ ومن ثم فللمحكمة أن تنزل هذه القاعدة الأساسية في نظر القانون على المنازعة من تلقاء نفسها، أياً كان موضوعها وسواء أكانت طعناً بإلغاء قرار إداري أم غير ذلك. ما دام هذا الموضوع معتبراً من المراكز التنظيمية المرد فيها إلى أحكام القانون وحده، ولا يملك الطرفان الاتفاق على ما يخالف هذه الأحكام. ومن هنا يبين وجه الخطأ فيما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من التفرقة بين المنازعات الخاصة بإلغاء القرارات الإدارية وبين غيرها من المنازعات المتعلقة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت؛ لأن هذه أيضاً من المراكز القانونية التنظيمية التي لا محيص من إنزال أحكام القانون المنظمة لها على ما قام من نزاع في شأنها، ولا عبرة باتفاق ذوي الشأن على ما يخالفها، ولا يغير من ذلك أن الأحكام الصادرة بالإلغاء ذات حجية عينية تسري قبل الكافة، بينما هي في المنازعات الأخرى ذات حجية مقصورة على أطرافها؛ لأن المرد في ذلك ليس إلى خصائص تتميز بها في منازعات الصنف الأول طبيعة الروابط القانونية فيها من ناحية درجة الاتصال بالمصلحة العامة عن طبيعة الروابط القانونية في منازعات الصنف الثاني، بل طبيعة الروابط فيها جميعاً واحدة من هذه الناحية، وإنما المرد في ذلك إلى أن مقتضى إلغاء القرار الإداري هو اعتباره معدوماً قانوناً وكأن لم يكن، فيسري هذا الأثر بحكم اللزوم وطبائع الأشياء على الكافة، ولكل ذي شأن - ولو لم يكن من أطراف المنازعة - أن يتمسك به. وآية ذلك أن الأحكام الصادرة من القضاء الإداري في مثل هذه المنازعات بالرفض ليست لها حجية عينية على الكافة.
(ب) عن الموضوع:
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ملف خدمة المطعون عليه أنه عين في 26 من سبتمبر سنة 1933 عسكري دريسة بمصلحة السكك الحديدية، وفي 16 من أكتوبر سنة 1935، نقل إلى وظيفة عسكري ترولي بصفة دائمة بأجر يومي قدره 55 م، ثم منح العلاوات الدورية حتى بلغ أجره اليومي في أول مايو سنة 1943 مائة مليم. وقد سويت حالته بالتطبيق لكادر العمال فمنح أجراً يومياً قدره 170 م من أول مايو سنة 1944 بعد خصم 12%، وفي 3 من يناير سنة 1946 نقل ساعياً بالدرجة الرابعة (24/ 36 ج) بماهية قدرها 36 ج سنوياً. وفي 10 من مارس سنة 1947، تظلم المطعون عليه من منحه راتباً قدره 3 ج شهرياً، والتمس منحه الأجر اليومي الذي يستحقه طبقاً لكادر العمال، ثم أعاد الشكوى إلى تفتيش عام هندسة السكة والأشغال في إبريل سنة 1950، ضمن فريق من السعاة والفراشين الذين نقلوا للماهية من اليومية متظلماً من وضعه، وقد والى المطعون عليه التشكي طالباً إعادته إلى اليومية ومنحه الأجر اليومي الذي يستحقه، إلى أن تقدم أخيراً بتظلماته الثلاثة إلى اللجنة القضائية لجميع الوزارات والمصالح بالإسكندرية في غضون سنتي 1953، 1954، على ما سلف البيان.
ومن حيث إنه في 23 من يونيه سنة 1951، تقدمت وزارة المالية إلى مجلس الوزراء بمذكرة رقم 1/ 516 متنوعة، بشأن الاعتراضات التي صادفت الوزارات والمصالح عند تطبيق كشوف حرف ب وأل 12%، تضمنت رأي وزارة المالية فيما عرض عليها من حالات، ومن بين ما سئلت عنه وزارة المالية ما ورد بالبند 6 فقرة (هـ) وهو "هناك عمال طبق عليهم كادر العمال وهم الآن على درجات خارج الهيئة أو على درجات في الكادر العام، فهل يمنحون أجراً 300 م بالكامل إذا توافر شرط المنح لهم؟ وهل يكون المنح في حدود كادر العمال أم في حدود درجاتهم الحالية؟" وقد رأت وزارة المالية أن يمنح هؤلاء العمال الأجر في حدود درجات كادر العمال التي سويت عليها حالاتهم، وقد وافق مجلس الوزراء على ما ورد بالمذكرة في 24 من يونيه سنة 1951، واستناداً إلى موافقة مجلس الوزراء سالفة الذكر، أصدرت وزارة المالية الكتاب الدوري رقم ف 234 - 9/ 53 ببيان المسائل التي عرضت عليها وقرار مجلس الوزراء في شأنها، ومن بينها حالة العمال الذين طبقت عليهم أحكام كادر العمال وهم على درجات خارج الهيئة السالف ذكرها. وفي 30 من مارس سنة 1952 أصدرت وزارة المالية الكتاب الدوري رقم ف 234 - 1/ 214 جزء ثانٍ بشأن كيفية تحديد المرتب عند النقل من اليومية إلى الدرجات، وقد جرى نصه كالآتي: "قرر مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 27 من أغسطس سنة 1950، المبدأ الآتي: عمال اليومية - الحاصلون على مؤهلات دراسية والغير حاصلين على مؤهلات - عندما يوضعون على الدرجات طبقاً للقواعد والأحكام المقررة تحدد مرتباتهم على أساس الأجر اليومي مضروباً في 25 يوماً، وترى وزارة المالية اتباع هذا المبدأ أيضاً عند النقل من اليومية إلى الدرجات الخارجة عن هيئة".
ومن حيث إن ما قرره مجلس الوزراء بجلستيه المنعقدتين في 27 من أغسطس سنة 1950 و24 من يونيه سنة 1951، على ما سبق إيضاحه، لا يعدو أن يكون تطبيقاً سليماً للمبادئ القانونية التي تقضي بعدم المساس بالمراكز القانونية الذاتية التي تحققت لصالح الموظف في ظل نظام معين إلا بنص خاص في القانون.
ومن حيث إن المطعون عليه قد اكتسب في ظل قواعد كادر العمال مركزاً قانونياً ذاتياً؛ إذ سويت حالته بالتطبيق لأحكام ذلك الكادر، ومنح أجراً يومياً قدره 170 م اعتباراً من أول مايو سنة 1944؛ ومن ثم فلا يجوز المساس بحقه في هذا الأجر بنقله من سلك اليومية إلى سلك الماهية.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن مقتضيات النظام الإداري تدعو إلى اعتبار الطلب أو التظلم الذي يوجهه الموظف إلى السلطة الرياسية المختصة متمسكاً فيه بحقه وطالباً أداءه يقوم مقام المطالبة القضائية في قطع التقادم.
ومن حيث إنه قد بان من الاطلاع على ملف خدمة المطعون عليه أنه لم ينفك - منذ أن نقل إلى وظيفة ساع وخفض راتبه - عن التظلم من وضعه الجديد طالباً إعادة أجره إلى ما كان عليه وقت أن كان باليومية في وظيفة عسكري (ترولي) على ما سبق تفصيله؛ ومن ثم فإنه يستحق الفروق المالية بين أجره اليومي - السابق على نقله إلى وظيفة ساع في 3 من يناير سنة 1946 - مضروباً في 25 يوماً، وبين الراتب الذي منحه بعد نقله إلى الوظيفة السالفة، وقدره ثلاثة جنيهات شهرياً.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الطعن قد قام على غير أساس سليم من القانون حقيقاً بالرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً.