مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 568

(65)
جلسة 18 من يناير سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1479 لسنة 2 القضائية

حكم - حجيته - الحكم الصادر بتسوية حالة موظف - حجيته نسبية لا تتعدى الخصوم فيه إلى غيرهم.
إن قرار اللجنة القضائية النهائي في شأن طلب تسوية حالة سواء في منطوقه أو في أسبابه المرتبطة به التي حمل عليها ليست له إلا حجية نسبية لا تتعدى الأخصام فيه إلى غيرهم، فلا يجوز لمن لم يكن مختصماً فيه أو متدخلاً في الدعوى أن يتمسك بهذه الحجية على الإدارة في نزاع آخر ولو مرتبطاً بالمنازعة الأولى، التي لا يكتسب قرار اللجنة القضائية فيها قوة الأمر المقضي إلا بالنسبة لمن كان خصماً فيه؛ وعلة هذا الأصل أن القواعد المتعلقة بقوة الشيء المحكوم به هي من القواعد الضيقة التفسير التي ينبغي الاحتراس من توسيع مدى شمولها، دفعاً للأضرار التي تترتب على هذا التوسيع، وإذن فكلما اختل أي شرط من شروط تلك القاعدة - كالسبب أو المحل أو الأخصام - بأن اختلف أيها في الدعوى الثانية، عما كان عليه في الدعوى الأولى وجب التقرير بأن لا قوة للحكم الأول. ولا مساغ للاحتجاج بما تناوله منطوقه، أو الأسباب المرتبطة به في الدعوى الثانية؛ إذ القرار النهائي الأول، كما لا يحتج به على الكافة لا ينفع الكافة كذلك، اعتباراً بأن الحجية المطلقة لا تسلم في مضمار القانون الإداري، إلا لأحكام الإلغاء وحدها طبقاً لما ورد في المادة 17 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة. ومن ثم إذا ثبت أن القواعد التنظيمية توجب لإمكان انتفاع المدعي بكادر العمال أن يكون له مثيل من عمال اليومية، وأصرت الجهة الإدارية على عدم وجود هذا المثيل، فليس له أن يتمسك بالحجية المستمدة من حكم صدر لزميل له قضي بتطبيق كادر العمال عليه.


إجراءات الطعن

في 17 من مايو سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1479 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) بجلسة 21 من مارس سنة 1956 في الدعوى رقم 170 لسنة 8 القضائية المقامة من وزارة التربية والتعليم ضد السيد/ علي محمد المصري، والقاضي: "برفض الطعن وتأييد قرار اللجنة القضائية المطعون فيه وألزمت الحكومة بالمصروفات"، وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "قبول الطعن شكلاًً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وقرار اللجنة القضائية، ورفض التظلم وإلزام المتظلم المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة التربية والتعليم في 10 من يوليه سنة 1956، وإلى المطعون ضده في 12 من يوليه سنة 1956، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 15 من إبريل سنة 1957. وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة ما بملاحظاته، وفي 27 من سبتمبر سنة 1957، أودع المطعون ضده مذكرة بملاحظاته صمم فيها على ما سبق أن أبداه من دفاع، وفي 31 من مارس سنة 1957، أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة وفيها أجل نظر الطعن إلى جلسة 24 من يونيه سنة 1957 ثم إلى جلسة 7 من ديسمبر سنة 1957، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
من حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يبين من أوراق الطعن، في أن المطعون عليه قدم إلى اللجنة القضائية لوزارة المعارف العمومية التظلم رقم 1793 لسنة 1 القضائية، قال فيه إنه عين على كادر الصناع الفنيين بالدرجة الثانية، بعد تأدية الامتحان، في وظيفة بحار بمدرسة الصناعات البحرية بالسويس بمرتب شهري قدره خمسة جنيهات، وأنه حرم من تطبيق أحكام كادر العمال عليه لعدم وجود مثيل له من عمال اليومية في ذات المصلحة، وأنه اهتدى أخيراً إلى كتاب موجه من وزارة المالية إلى وزارة المواصلات في 18 من أغسطس سنة 1948، بالتجاوز عن الشرط المذكور، فقدم طلباً كي يطبق هذا الكتاب في حقه، كما كتب للمالية في هذا الشأن. ولكن لم يتم شيء مما طلبه، واستمر على وضعه، بينما يوجد مرؤوسون له من عمال الجيش البريطاني سابقاً يتقاضون أجراً يومياً قدره 240 م ويطبق في حقهم كادر العمال، ثم استشهد بقرار أصدره مجلس الوزراء في 26 من إبريل سنة 1950، بتطبيق كادر العمال على السعاة المقيدين على الدرجات الثانية والثالثة والرابعة بمصلحة الدمغة والموازين، بصفة استثنائية نظراً لما يقومون به من أعمال فنية، وقد أحيلت صورة التظلم إلى الوزارة فلم ترد عليه حتى صدر في 6 من يوليه سنة 1953 قرار اللجنة القضائية "باستحقاق المتظلم لتطبيق كادر العمال عليه مع ما يترتب على ذلك من آثار" استناداً إلى أن للمطعون عليه زميلاً في وظيفة بحار بالمدرسة ذاتها، الأمر الذي ترتب عليه وجود مثيل له من عمال اليومية بنفس المصلحة، وعلى ذلك ينطبق عليه كادر العمال. وقد طعنت الحكومة في هذا القرار أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة في 13 من أكتوبر سنة 1953، طالبة الحكم بإلغاء قرار اللجنة القضائية سالف الذكر، مؤسسة طعنها على أن "قواعد كادر العمال تنص على أنه: لا يجوز معاملة الموظفين والمستخدمين الفنيين بكادر العمال إلا إذا كان لهم مثيل من عمال اليومية بنفس المصلحة، ولما كان المتظلم معيناً في وظيفة خارج الهيئة، وليس باليومية، فلا يجوز تطبيق قواعد الكادر على حالته إلا إذا كان له مثيل بمدرسته يعمل باليومية، ولما كان لا يوجد بمدرسته زميل يعمل باليومية، فلا يجوز تطبيق كادر العمال على حالته، أما ما جاء بقرار اللجنة من أن له زميلاً يعمل بالمدرسة باليومية، فذلك قول لا سند له من الواقع والحقيقة أن الزميل المشار إليه هو إبراهيم إبراهيم شلبي وهو معين في الدرجة الثالثة صناع؛ ومن ثم فقد افتقد الشرط الواجب توافره لتطبيق كادر العمال على المتظلم، ويكون قرار اللجنة القضائية مخالفاً للقانون". وبجلسة 21 من مارس سنة 1956 قضت المحكمة "برفض الطعن، وتأييد قرار اللجنة القضائية المطعون فيه، وألزمت الحكومة بالمصروفات"، وأقامت قضاءها على أن مفوض الدولة قد أورد في تقريره أن الثابت من الأوراق المقدمة من المطعون عليه، أن من يدعى إبراهيم إبراهيم شلبي - وكان مستخدماً خارج الهيئة في وظيفة بحار بمدرسة الصناعات البحرية ببور توفيق التي يعمل بها المطعون عليه - قد حصل على قرار من اللجنة القضائية المختصة بتطبيق كادر العمال على حالته، وأصبح هذا القرار نهائياً على ما هو ثابت من الشهادة الرسمية المقدمة بالملف المتضمنة عدم رفع طعن في القرار المذكور في الميعاد القانوني، وأنه لو صح ما يقوله المطعون عليه من أن القرار نفذ بعد صيرورته نهائياً في حق المحكوم له إبراهيم إبراهيم شلبي، لأصبح هذا مثيلاً للمطعون عليه في نفس المصلحة التي يعمل بها، وأنه مع التسليم بوجوب توافر شرط المثيل يكون قرار اللجنة القضائية إذ قضى بتطبيق كادر العمال على حالة المطعون عليه استناداً إلى وجود مثيل له بالمصلحة - يكون هذا القرار قد صدر صحيحاً، كما أقامت قضاءها على ذات الأسباب التي بني عليها قرار اللجنة القضائية المطعون فيه، وانتهت من ذلك إلى الحكم برفض الطعن، وتأييد القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن السيد رئيس هيئة المفوضين قد طعن في هذا الحكم الأخير ناعياً عليه أنه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه، واستند في ذلك إلى الأسباب التي أوردها في عريضة طعنه، وحاصلها أنه "لا دليل على أن للمتظلم مثيلاً من عمال اليومية في نفس المصلحة، أما إبراهيم إبراهيم شلبي فليس من عمال اليومية، ولئن كان قد استصدر قراراً من اللجنة القضائية بتطبيق كادر العمال عليه إلا أن أثر القرار المذكور مقصور عليه وحده، ولا يصح أن يمتد إلى غيره" وأن "المحكمة الإدارية العليا قضت بجلسة 12 من نوفمبر سنة 1955 في الطعن رقم 290 لسنة 1 القضائية، بأن وزارة المالية قد خولت سلطة القيام على حسن تطبيق كادر العمال، وضبط قواعده وتنسيقها بحسب مقتضيات المصلحة العامة وحالة العمل، ولهذه السلطة شرطت في كتابها الدوري المؤرخ 16 من أكتوبر سنة 1945، لإمكان انتفاع المستخدمين، والموظفين الفنيين الذين هم على درجات من كادر العمال، أن يكون لهم مثيل من عمال اليومية في نفس المصلحة، أما إذا لم يكن لهم مثيل فيها فلا ينتفعون منه، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه وقع مخالفاً للقانون متعيناً الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا".
ومن حيث إنه قد بان لهذه المحكمة من الاطلاع على الأوراق أن المطعون عليه عين في 4 من نوفمبر سنة 1930 بحاراً بمدرسة الصناعات البحرية بالسويس في الدرجة الثانية (4.5 - 5.5) صناع، بمرتب شهري قدره 5 جنيهات، ثم نال علاوة فعلية قدرها 250 م في أول مايو سنة 1936 بلغ بها مرتبه الشهري 250 م و5 ج، وعلاوة دورية أخرى في أول مايو سنة 1941، فبلغ مرتبه الشهري 450 م و5 ج، ثم نال مرتب صناعة قدره 200 م في أول مايو سنة 1949، حتى بلغ مرتبه 850 م و5 ج شهرياً، وأنه في 27 من يناير سنة 1949 طلب هو وزميل له يدعى إبراهيم إبراهيم شلبي تطبيق قواعد كادر العمال عليهما عن طريق مدرسة الصناعات البحرية بالسويس، فردت مراقبة المستخدمين بالوزارة في 27 من فبراير سنة 1949، "بأنه عملاً بكتاب وزارة المالية الدوري رقم ف 234 - 9/ 53 الصادر في 16 من أكتوبر سنة 1945، لا يجوز معاملة المذكورين بأحكام كادر العمال؛ لأنه ليس لهما مثيل من عمال اليومية بنفس المصلحة". وكان قد أجاب مدير مستخدمي وزارة المعارف في 3 من ديسمبر سنة 1946، عن طلب مماثل قدمه المذكوران بمثل هذا الجواب أيضاً، كما تبين لهذه المحكمة من الصورة التي أودعها المطعون عليه حافظة مستنداته، أن اللجنة القضائية لوزارة المعارف أصدرت في 29 من يونيه سنة 1953، قراراً "باستحقاق السيد/ إبراهيم إبراهيم شلبي لتطبيق كادر العمال عليه استناداً إلى ما ورد في أسباب القرار من "أن المتظلم له زميل بحار بنفس المدرسة ولم يطبق عليه كادر العمال، الأمر الذي ترتب عليه أن اشتراط وجود مثيل له بنفس المصلحة قد توفر في هذه الحالة". ويتضح كذلك من الشهادة الرسمية الصادرة في 26 من يناير سنة 1954، من السيد سكرتير عام مجلس الدولة أنه لم يرفع طعن في قرار اللجنة المذكور من وزارة المعارف في الميعاد القانوني، وبان كذلك من محضر جلسة 10 من يونيه سنة 1957، برياسة السيد مفوض المحكمة الإدارية العليا، أن محامي المطعون ضده قال "إن له مثيلاً هو إبراهيم إبراهيم شلبي البحار باليومية، فرد عليه مندوب الوزارة بأن المطعون ضده لم يكن له مثيل في الوزارة عند تطبيق كادر العمال، ولما عرض المفوض الصلح على الطرفين "طلب الحاضر عن المطعون ضده مهلة أخرى كي يبحث عن المثيل في المصلحة".
ومن حيث إن مثار المنازعة هو ما إذا كان المطعون عليه يحق له الإفادة من أحكام كادر العمال عملاً بالكتاب الدوري رقم ف 234 - 9/ 53 الصادر من وزارة المالية في 16 من أكتوبر سنة 1945، اعتماداً على حجية قرار اللجنة القضائية النهائي بتطبيق كادر العمال على زميله إبراهيم إبراهيم شلبي، أم لا يحق له ذلك استناداً إلى هذا القرار.
ومن حيث إن قرار مجلس الوزراء الصادر في 23 من نوفمبر سنة 1944 بكادر العمال تحت (ثامناً) قواعد عامة، نص على "أ" تحدد كل وزارة أو مصلحة عدد كل فئة من فئات الصناع في كل قسم حسب ما تقتضيه حالة العمل، وبعد الانتهاء من تسوية حالة العمال الموجودين الآن في الخدمة يجب أن يكون متوسط فئات أجورهم مضروباً في عدد الوظائف لا يجاوز الاعتماد المقرر. (ب) المستخدمون (الصناع) الذين يشغلون وظائف خارج الهيئة والموظفون الفنيون المؤقتون (سواء كانوا على وظيفة دائمة، أو على وظيفة مؤقتة) ممن يشغلون وظائف مماثلة لوظائف العمال الذين تنطبق عليهم القواعد المبينة في البند (أولاً)، هؤلاء تسوى حالتهم على أساس ما يناله زملاؤهم أرباب اليومية الذين يتعادلون معهم في الوظائف، ويجوز لإجراء هذه التسوية مجاوزة نهاية الدرجة بشرط ألا تزيد ماهية المستخدم بحال ما عن نهاية مربوط الدرجة المحددة لنظيره من عمال اليومية بكادرهم.. (ج) لا يجوز الاستثناء من جميع القواعد المتقدمة إلا بموافقة وزارة المالية.
ومن حيث إنه يظهر من ذلك أن تحديد فئات الصناع أو العمال الذين يفيدون من أحكام هذا الكادر في كل قسم منوط بمقتضيات حالة العمل، وأنه يجوز، إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك، الاستثناء من جميع القواعد المتقدمة، وأن وزارة المالية هي المرجع في هذا الشأن جميعه.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن وزارة المالية قد خولت بذلك سلطة القيام على حسن تطبيق هذا الكادر، وضبط قواعده وتنسيقها بحسب مقتضيات المصلحة العامة وحالة العمل، واستناداً إلى هذه السلطة؛ التي لم تتعد حدودها شرطت في كتابها الدوري المؤرخ 16 من أكتوبر سنة 1945، لإمكان انتفاع المستخدمين والموظفين الفنيين الذين هم على درجات من كادر العمال، أن يكون لهم مثيل من عمال اليومية في نفس المصلحة، أما إذا لم يكن لهم مثيل فلا ينتفعون منه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون؛ إذ اعتد بقرار اللجنة القضائية النهائي فيما قضى به من استحقاق إبراهيم إبراهيم شلبي لتطبيق كادر العمال عليه؛ لأن ما أثبته هذا القرار الصادر في طلب تسوية - سواء من منطوقه أو في الأسباب المرتبطة به - هو حجة نسبية بين أطراف الخصومة وحدهم، فلا يملك التحدي به من لم يكن خصماً في الدعوى كالمطعون عليه؛ ومن ثم فلا يحق له مطلقاً أن يحتج على جهة الإدارة بأن إبراهيم إبراهيم شلبي هو من المطبق عليهم قواعد كادر العمال، كما لا يملك التمسك بسبب من الأسباب التي انبنى عليها منطوق القرار المذكور - هذا أو ذاك لا يملكه المطعون عليه؛ لأن قرار اللجنة القضائية النهائي سواء في منطوقه أو في أسبابه المرتبطة به التي حمل عليها ليست له إلا حجية نسبية لا تتعدى الأخصام فيه إلى غيرهم، فلا يجوز لمن لم يكن مختصماً فيه، أو متدخلاً في الدعوى أن يتمسك بهذه الحجية على الإدارة في نزاع آخر، ولو مرتبطاً بالمنازعة الأولى، التي لا يكتسب قرار اللجنة القضائية فيها قوة الأمر المقضي، إلا بالنسبة لمن كان خصماً فيه. وعلة هذا الأصل أن القواعد المتعلقة بقوة الشيء المحكوم به، هي من القواعد الضيقة التفسير التي ينبغي الاحتراس من توسيع مدى شمولها، دفعاً للأضرار التي تترتب على هذا التوسيع، وإذن فكلما اختل أي شرط من شروط تلك القاعدة، كالسبب أو المحل أو الأخصام بأن اختلف أيها في الدعوى الثانية عما كان عليه في الدعوى الأولى، وجب التقرير بأن لا قوة للحكم الأول، ولا مساغ للاحتجاج بما تناوله منطوقه أو الأسباب المرتبطة به في الدعوى الثانية؛ إذ القرار النهائي الأول، كما لا يحتج به على الكافة، لا ينفع الكافة كذلك، اعتباراً بأن الحجية المطلقة لا تسلم - في مضمار القانون الإداري - إلا لأحكام الإلغاء وحدها طبقاً لما ورد في المادة 17 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة.
ومن حيث إنه يترتب على ما سلف بيانه، أن المطعون عليه - وهو من المستخدمين الصناع المعينين على درجة خارج الهيئة - لم يقم أي دليل على وجود مثيل له في حرفته من عمال اليومية في ذات المصلحة التي يعمل بها؛ لأن الجهة الإدارية - سواء في طعنها أو في منحى دفاعها - تصر على إنكار وجود هذا المثيل على النحو السابق، بل لقد تبين من الأوراق أن المطعون ذهب إلى حد طلب التأجيل من مفوض الدولة، عند عرض الصلح عليه في جلسة 10 من يونيه سنة 1957 للبحث عن هذا المثيل، بعد أن تبين أن لن يجديه الاحتجاج بقرار اللجنة القضائية نفعاً؛ ومن ثم فلا يحق له الإفادة من أحكام كادر العمال، وتكون دعواه - والحال هذه - على غير أساس مكين من القانون، ويكون ما ذهب إليه كل من قرار اللجنة والحكم المطعون فيه، من أحقيته في الإفادة من قواعد كادر عمال اليومية قد جانب الصواب، ويتعين لذلك القضاء بإلغائهما وبرفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.