مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 589

(68)
جلسة 18 من يناير سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1746 لسنة 2 القضائية

موظف - نقله من السلك الإداري إلى السلك الكتابي في ظل أحكام المرسوم بقانون رقم 42 لسنة 1953 بغير اتباع الإجراءات التأديبية - صحته قانوناً إذا خلا من إساءة استعمال السلطة.
لا حجة في القول بأن نقل الموظف من السلك الإداري إلى السلك الكتابي في ظل أحكام المرسوم بقانون رقم 42 لسنة 1953، بغير اتباع الإجراءات التأديبية يعتبر مخالفاً للقانون؛ لانطوائه على عقوبة تأديبية مقنعة دون اتباع إجراءاتها التي نص عليها القانون؛ ذلك لأن هذا النقل إنما يتم بناءً على الرخصة التشريعية التي أجازته لجهة الإدارة استثناء من أحكام المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951، بشأن نظام موظفي الدولة، والتي خرجت على أحكام هذا القانون من حيث عدم استلزام ارتكاب ذنب تأديبي لنقل الموظف من السلك الأعلى إلى السلك الأدنى من جهة، ومن حيث عدم تطلب اتباع الإجراءات التأديبية المقررة في القانون المذكور لإمكان تنزيل الموظف من جهة أخرى؛ وذلك ابتغاء سرعة تحقيق الأغراض التي استهدفها المشرع من تقرير هذه الرخصة بشغل الوظائف الحكومية الكثيرة الشاغرة وقتذاك، بالنقل أو الترقية دون إبطاء ودون التقيد ببعض أحكام قانون نظام موظفي الدولة؛ حتى لا تتعطل الأداة الحكومية أو تقصر في رعاية المرافق العامة، كما جاء بالمذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون آنف الذكر، وما دام لم يقم دليل من الأوراق على إساءة استعمال السلطة، فإن استعمال الإدارة للرخصة المخولة لها بالقانون في الحدود المرسومة لذلك، يكون عملاً مشروعاً لا مطعن عليه.


إجراءات الطعن

في 11 من أغسطس سنة 1956، أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1746 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) بجلسة 13 من يونيه سنة 1956، في الدعوى رقم 3354 لسنة 8 القضائية المقامة من: وزارة المالية (مصلحة الجمارك المصرية) ضد سامي منسي زخاري فرج، "القاضي برفض الطعن وتأييد قرار اللجنة القضائية المطعون فيه وإلزام الحكومة المصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين، للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه، "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء قرار اللجنة القضائية ورفض التظلم، وإلزام المتظلم المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة المالية في 26 من أغسطس سنة 1956، وإلى المطعون عليه في 2 من سبتمبر سنة 1956، وقد انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته. وبعد ذلك عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 7 من ديسمبر سنة 1957. وفي 20 من أكتوبر سنة 1957، أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم، مع الترخيص في تقديم مذكرات خلال أسبوعين.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه تقدم إلى اللجنة القضائية لوزارة المالية والاقتصاد بالتظلم رقم 3347 لسنة 1 القضائية ضد مصلحة الجمارك وزارة المالية بعريضة أودعها سكرتيرية اللجنة في 17 من يونيه سنة 1953، ذكر فيها أنه حصل على ليسانس الحقوق من الجامعة المصرية في سنة 1933، وعين بمصلحة الجمارك المصرية في سنة 1936، وظل يتقلب في مختلف وظائفها حتى حصل على الدرجة الخامسة. وقد أسندت إليه إبان مدة خدمته وظائف إدارية جوهرية؛ إذ عين مأموراً لجمرك السلوم في سنة 1949، ثم مفتشاً لإنتاج الوجه القبلي، ثم مفتشاً بإنتاج القاهرة، ثم مأموراً لجمرك السويس في سنة 1951، وكان عمله محل ثناء في أكثر من مناسبة، وكفايته موضع تقدير من رؤسائه، وتقاريره السنوية في السنوات الأخيرة بدرجة جيد. وفي 25 من مايو سنة 1953 فوجئ بإعلانه بقرار صادر من مدير المصلحة بنقله من وظيفة مأمور الداخلة في الكادر الإداري إلى وظيفة رئيس قلم المانفستو بجمرك المحمودية التي هي من وظائف الكادر الكتابي. وقد استندت المصلحة في هذا النقل إلى القانون رقم 42 لسنة 1953. الذي أجاز نقل الموظفين من الوظائف الإدارية إلى الوظائف الكتابية، مع أنه واضح من هذا القانون ومن مذكرته الإيضاحية أنه إنما قصد به مراعاة صالح العمل بقصر هذا النقل على الموظفين غير الصالحين، بيد أن المصلحة لم تتوخ بنقله الغرض الذي تغياه القانون، بل انحرفت به؛ إذ أنه يقوم بعمله في وظيفته الإدارية بكفاية وأمانة؛ ومن ثم فإن نقله إلى الكادر الكتابي مع ثبوت صلاحيته لوظيفته المدرجة في الكادر الإداري ينطوي على إساءة استعمال السلطة وعلى مخالفة القانون في الوقت ذاته. هذا فضلاً عن عدم مراعاة الإجراءات والمواعيد المقررة قانوناً في إصدار هذا القرار؛ ولذلك فإنه يطلب إلغاء القرار سالف الذكر فيما تضمنه من نقله من وظيفة في الكادر الإداري إلى وظيفة في الكادر الكتابي. وقد ردت المصلحة على هذا التظلم بأن المتظلم التحق بخدمتها في وظيفة كاتب مؤقت من الدرجة الثامنة بعقد لمدة سنة قابلة للتجديد وبماهية قدرها 500 م و8 ج في الشهر اعتباراً من 24 من نوفمبر سنة 1936، وكان حاصلاً على الليسانس في القوانين في سنة 1933، ثم رقي بعد ذلك إلى الدرجة السابعة بماهية قدرها 500 م و10 ج في الشهر من 30 من نوفمبر سنة 1942، وتطبيقاً لقواعد الإنصاف الصادرة في 30 من يناير سنة 1944 اعتبر في الدرجة السادسة بصفة شخصية، وبماهية قدرها 12 جنيهاً في الشهر من 24 من نوفمبر سنة 1936، وتدرجت ماهيته تبعاً لذلك مع عدم صرف الفرق عن هذه التسوية إلا من 30 من يناير سنة 1944، ورقي إلى الدرجة الخامسة اعتباراً من 24 من يوليه سنة 1948، وقد وقعت عليه أثناء مدة خدمته بالمصلحة الجزاءات الآتية: (1) إنذار في 9 من سبتمبر سنة 1937 لتكرار تأخره عن الحضور صباحاً في الميعاد القانوني خلال شهر أغسطس سنة 1937. (2) إنذار في 19 من يوليه سنة 1938 لتسببه في تأخير شهادة إجراءات صادر مما تسبب عنه تعطيل تصدير مشمولها واستحقاق عوائد أرضية عليها، (3) إنذار في 17 من أكتوبر سنة 1939 لتركه مركز عمله وتكرار تغيبه عنه رغم تحذير رئيسه له، (4) إنذار في 22/ 9/ 1943 لإهماله في الرد على إحدى المكاتبات، (5) خصم يوم من راتبه في 11 من يناير سنة 1944 لسوء تصرفه في عمله، (6) إنذار في 3 من فبراير سنة 1944 لعدم مراعاته التعليمات والأوامر المصلحية واستهتاره بالأعمال، (7) توبيخ في 7 من نوفمبر سنة 1950 لمسئوليته في تسلم سجائر من مأمور جمرك السلوم السابق الذي حل مكانه بدون تحرير محضر بإثبات حالتها بعد فحصها ومعاينتها، والترخيص له في مغادرة عمله قبل تسلم الأعمال منه، وذلك منذ كان مأموراً هناك، وقد سبق للجنة فصل بعض موظفي مصلحة الجمارك من الخدمة بغير الطريق التأديبي أن أوصت بفصله، وكان ترتيبه الرابع بين الأسماء التي عرضت على مجلس الوزراء، بيد أن المجلس لم يوافق بقراره الصادر في 27 من نوفمبر سنة 1952 على فصله من الخدمة. وقد كان المذكور يشغل وظيفة مأمور في الكادر الإداري من 5 من مايو سنة 1951، وبمقتضى القانون رقم 42 لسنة 1953 الذي خول المصالح إجراء تنقلات من الكادر الإداري إلى الكادر الكتابي وبالعكس لغاية آخر شهر إبريل سنة 1953، وافقت لجنة شئون موظفي المصلحة على نقله ضمن حركة تنقلات إلى وظيفة رئيس قلم المانيفستو بجمرك المحمودية في الكادر الكتابي بعين درجته، وصدر قرار وزير المالية والاقتصاد في 29 من إبريل سنة 1953 بالموافقة على ذلك. وبجلسة 13 من أكتوبر سنة 1953 قررت اللجنة القضائية "إلغاء القرار الصادر بنقل المتظلم من الكادر الإداري إلى الكادر الكتابي". واستندت في ذلك إلى أن المذكرة الإيضاحية للقانونين رقمي 42، 132 لسنة 1953، اللذين استعملت مصلحة الجمارك الرخصة المخولة لها بمقتضاهما في نقل المتظلم من الكادر الإداري إلى الكادر الكتابي، قد حددت الأغراض التي دعت إلى استصدارهما وهي: أولاً - شغل الوظائف التي شغرت بالتطهير حتى لا تتعطل الأداة الحكومية أو تقصر في رعاية المصلحة العامة. وثانياً - أن يكون نقل الموظف من الكادر الفني أو الإداري إلى الكادر الكتابي استجابة إلى ما أوصت به بعض لجان فصل الموظفين، من وجوب نقل الموظفين من وظائف فنية عالية أو إدارية إلى وظائف كتابية مراعاة لصالح العمل. ولما كان هذان القانونان قد جاءا استثناءً من القواعد العامة، فإنه يتعين تفسيرهما في أضيق الحدود. ويبين من وقائع التظلم أن المتظلم لم ينقل إلى وظيفة كتابية شغرت بالتطهير، كما أن لجنة فصل الموظفين لم توص بنقله إلى الكادر الكتابي، ولا عبرة بكونها سبق أن أوصت بفصله؛ إذ أن مجلس الوزراء لم يوافق على هذا الفصل؛ ومن ثم فإن قرار نقل المتظلم من الكادر الإداري إلى الكادر الكتابي لا يمكن أن يستند إلى القانون رقم 42 لسنة 1953، ويكون مصدره قد أساء استعمال سلطته؛ إذ توخى في إصداره غرضاً غير الغرض الذي قصد القانون تحقيقه، وكان من الواجب على السلطة الإدارية أن تتخذ الإجراءات التأديبية المرسومة في القانون في حق المتظلم لإمكان نقله إلى الكادر الكتابي إن كان لذلك وجه، ما دام القانون رقم 42 لسنة 1953 لا ينطبق على حالته. وقد طعنت وزارة المالية والاقتصاد في قرار اللجنة القضائية هذا أمام محكمة القضاء الإداري بالدعوى رقم 3354 لسنة 8 القضائية بعريضة أودعتها سكرتيرية المحكمة في 27 من يناير سنة 1954، طلبت فيها الحكم بإلغاء القرار المشار إليه مع إلزام المطعون عليه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، واستندت في ذلك إلى أنه لما صدر القانونان رقما 42، 132 لسنة 1953، الخاص بإجازة نقل الموظفين من الكادر الإداري إلى الكادر الكتابي وبالعكس، استعرضت لجنة شئون الموظفين حالة المدعي ورأت نقله من وظيفة مأمور في الكادر الإداري إلى وظيفة رئيس قلم المانيفستو في الكادر الكتابي، وذلك لما لمسته - بعد الرجوع إلى ملف خدمته - من عدم استعداده للوظيفة الأولى، وعدم إنتاجه فيها، وكثرة المخالفات التي ارتكبها والتي تشهد بإهماله وسوء تصرفه واستهتاره بالمصلحة العامة، مما دعى إلى توقيع عدة جزاءات عليه. وقد أودعت الوزارة أوراق التطهير الخاصة به، والتي حاصلها أن مراقبة الإنتاج سبق أن طلبت في سنتي 1941، 1946 نقله منها؛ لقلة إنتاجه وتراخيه في العمل وتكرار أخطائه، وأنه وقعت عليه عدة جزاءات بسبب إهماله في العمل، وأن اللجنة التحضيرية تعلم عنه أنه ضعيف في عمله وأنه غير منتج، ومستهتر في المحافظة على كرامة الوظيفة ومشكوك في نزاهته، وغير شريف، وأن لجنة فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي انتهت من هذا إلى التوصية بفصله من الخدمة بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952، وذلك بقرارها الصادر في 14 من نوفمبر سنة 1952. ولو أن مجلس الوزراء لم يوافق بجلسته المنعقدة في 27 من نوفمبر سنة 1952 على هذا الفصل. وبجلسة 13 من يونيه سنة 1956، قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) "برفض الطعن، وتأييد قرار اللجنة القضائية المطعون فيه، وألزمت الحكومة بالمصروفات". وأقامت قضاءها على ذات الأسباب التي بني عليها قرار اللجنة القضائية المطعون فيه، والتي أخذت بها المحكمة، وأضافت إليها أنه ثابت من التقريرين المقدم أولهما من مدير ووكيل الجمرك إلى لجنة فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي، والمودع ثانيهما بملف خدمة المدعي، أن المذكور منتج ونزيه وشريف ومعاملته للجمهور ولرؤسائه حسنة؛ ومن ثم فلم يكن هناك ما يستدعي نقله من وظيفته الإدارية إلى وظيفة كتابية. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 11 من أغسطس سنة 1956، طلب فيها "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء قرار اللجنة القضائية، ورفض التظلم، وإلزام المتظلم بالمصروفات". واستند في أسباب طعنه إلى ما سبق أن قضت به هذه المحكمة من أن المشرع قد خول الإدارة بمقتضى المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 42 لسنة 1953، رخصة وقتية في النقل من وظيفة فنية عالية إلى إدارية، أو من إدارية إلى فنية متوسطة أو كتابية، وأن هذه الرخصة جاءت مطلقة من أي قيد، سواء من حيث طبيعة الوظيفة التي يتم النقل إليها، أو من حيث سبب خلوها، فيما عدا القيد الزمني الذي أورده لاستعمال هذه الرخصة، والشرط النوعي الذي استلزم به أن تكون كلتا الوظيفتين المنقول منها والمنقول إليها من درجة واحدة، وأنه إذا كانت المذكرة الإيضاحية لهذا المرسوم بقانون قد تضمنت تنويهاً بمعظم الحالات، فليس مقتضى ذلك حصر مجال تطبيق النقل فيها، بل مجرد بيان لحكم الغالب من الحالات، ولما كان الثابت أن قرار النقل المطعون فيه قد صدر بالتطبيق للمرسوم بقانون رقم 42 لسنة 1953 في فترة سريان أحكامه، وكان من بواعث إصدار هذا القرار ما وقع على المتظلم من جزاءات تدل على عدم إنتاجه وإهماله وسوء تصرفه واستهتاره، فإن القرار المذكور يكون قد صدر مطابقاً لنص القانون وروحه، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد وقع مخالفاً للقانون متعيناً الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا. وقد أودع المطعون عليه سكرتيرية هذه المحكمة مذكرة بملاحظاته مؤرخة 16 من ديسمبر سنة 1957، أوضح فيها أن المشرع لم يهدف بإصداره القانون رقم 42 لسنة 1953 إلى أن يجعل منه أداة لتوقيع عقاب أو أن يخول جهة الإدارة سلطة تأديبية غير تلك التي خولتها إياها قوانين التطهير، وأن نقله من الكادر العالي إلى الكادر الكتابي كان تنزيلاً له بتوقيع عقوبة مقنعة عليه؛ إذ أن الوظيفة الكتابية التي نقل إليها لم تشغر بخروج شاغلها بسبب التطهير. وإذا كانت لجنة التطهير قد أوصت بفصله، فإن مجلس الوزراء قد رفض الموافقة على هذا الفصل لعدم صحة ما نسبته إليه اللجنة، وأصدر قراراً ببراءته دون أن يوصى بنقله إلى وظيفة أخرى أو بتخفيض درجته، أو بإحالته إلى مجلس تأديب. أما الجزاءات التي وقعت عليه والتي استندت إليها المصلحة في تبرير نقله فهي تافهة بسيطة لا تتصل بالإنتاج أو النزاهة، وقد انتهى أمرها في سنة 1944؛ ولذا لم يعرها مجلس الوزراء التفاتاً، فإذا ما جعلت منها الإدارة تكأة لتوقيع جزاء فإنها بذلك تخالف القانون، فضلاً عن أنها تمس بمركز قانوني للمدعي، وتخرج عن الهدف الذي أراده المشرع بإصداره القانون رقم 42 لسنة 1953، وتتحدى قرار مجلس الوزراء بتوقيع عقوبة لذات الأسباب، دون اتخاذ الطريق القانوني للتأديب. علماً بأن مصلحة الجمارك قد قامت بتنفيذ الحكم المطعون فيه لكونه نهائياً، فأعادت المدعي إلى الكادر الإداري حيث سمحت أقدميته فيه بترقيته إلى الدرجة الثالثة التي رقي إليها وشغلها فعلاً منذ أكثر من سنة. وخلص من هذا إلى طلب "رفض الطعن موضوعاً، وتأييد الحكم الصادر لصالحه من محكمة القضاء الإداري".
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن النقطة القانونية مثار النزاع، هي ما إذا كانت مصلحة الجمارك تملك بمقتضى المرسوم بقانون رقم 42 لسنة 1953، الصادر في 22 من يناير سنة 1953، بوضع استثناء وقتي من بعض أحكام المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951، تملك في الفترة من تاريخ العمل بهذا المرسوم بقانون إلى آخر فبراير سنة 1953، نقل الموظف من وظيفة فنية عالية أو إدارية إلى وظيفة فنية متوسطة أو كتابية من الدرجة ذاتها، تلك الفترة التي مدت بالقانون رقم 87 لسنة 1953، الصادر في 28 من فبراير سنة 1953 إلى آخر مارس سنة 1953، وبالقانون رقم 132 لسنة 1953، الصادر في 23 من مارس سنة 1953 إلى آخر إبريل سنة 1953، تملك المصلحة بموجب القوانين المشار إليها نقل المدعي بالقرار الوزاري الصادر في 29 من إبريل سنة 1953، للأسباب التي استندت إليها من وظيفة مأمور بجمرك السويس في الدرجة الخامسة بالسلك الإداري إلى وظيفة رئيس قلم المانيفستو بجمرك المحمودية من الدرجة ذاتها بالسلك الكتابي، وذلك مراعاة لصالح العمل؛ لما لمسته من عدم استعداده لوظيفته الأولى وعدم إنتاجه فيها، وكثرة مخالفاته، وبعد إذ أوصت لجنة فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي بفصله من الخدمة ورفض مجلس الوزراء بقراره الصادر في 27 من نوفمبر سنة 1952، الموافقة على هذا الفصل، أم أن هذا النقل مشروط بوجوب أن تكون قد أوصت به لجنة التطهير، وأن يتم إلى وظيفة شغرت بخروج شاغلها بسبب التطهير، وأن المصلحة انحرفت به عن الغرض الذي تغياه المشرع، واتخذت منه وسيلة لتوقيع عقوبة مقنعة على المدعي بإساءة استعمال السلطة، وذلك بتنزيله من السلك الذي تلعق به مركزه القانوني إلى سلك أدنى بغير اتباع الإجراءات التأديبية التي رسمها القانون.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت [(1)] بأنه يستخلص من استظهار نصوص المرسوم بقانون رقم 42 لسنة 1953، والقانونين رقمي 87، 132 لسنة 1953، أن المشرع خول الإدارة بمقتضى المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 42 لسنة 1953، رخصة وقتية على خلاف حكم المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951، في نقل الموظفين من سلك إلى آخر، وأن هذه الرخصة جاءت مطلقة من أي قيد، سواء من حيث طبيعة الوظيفة التي يتم النقل إليها أو من حيث سبب خلوها، فيما عدا القيد الزمني الذي أورده لاستعمال هذه الرخصة، والشرط النوعي الذي استلزم به أن تكون كلتا الوظيفتين المنقول منها، والمنقول إليها من درجة واحدة، فأجاز في المرسوم بقانون المشار إليه نقل الموظف من وظيفة فنية عالية أو إدارية إلى وظيفة فنية متوسطة أو كتابية من الدرجة ذاتها في الفترة التي بدأت من 22 من يناير سنة 1953 - والتي امتدت فيما بعد بالقانونين رقمي 87 و132 لسنة 1953 - حتى آخر إبريل سنة 1953، وعلل ذلك بصالح العمل حتى تتمكن الحكومة من شغل الوظائف والدرجات الكثيرة الشاغرة وقتذاك بالنقل أو الترقية دون إبطاء، ودون التقيد ببعض القواعد العامة المنصوص عليها في قانون نظام موظفي الدولة، التي قد تقف حائلاً دون تحقيق الأغراض المقصودة، وذلك حتى لا تتعطل الأداة الحكومية أو تقصر في رعاية المرافق العامة. وأنه إذا كانت المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم 42 لسنة 1953 قد تضمنت تنويهاً إلى أنه ترتب على تطبيق المراسيم بقوانين الخاصة بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي، أن شغرت كثير من الدرجات والوظائف الحكومية، وإلى أن بعض لجان فصل الموظفين أوصت بوجوب نقل موظفين من وظائف فنية أو إدارية إلى وظائف كتابية مراعاة لصالح العمل، ولكي يمكن تحقيق الأغراض التي دعت إلى استصدار تلك المراسيم بقوانين، فليس من مقتضى هذه الإشارة حصر مجال تطبيق النقل في الدرجات التي خلت نتيجة للتطهير أو تخلفت بسببه، دون ما عداها من الدرجات الأخرى، بل مجرد بيان لحكم الغالب من الحالات التي كانت من بين بواعث إصدار هذا التشريع، والتي لا يمكن أن تنقلب قيداً على النص المطلق الذي وضع بصفة عامة ولمدة مؤقتة استثناءً من أحكام قانون نظام موظفي الدولة، وهو القانون الذي لا يتحدد تطبيقه في مجاله بدرجات معينة، ولا يخرج الاستثناء عن طبيعة المستثنى منه. وقد أفصح المشرع في المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون المتقدم ذكره عن الحكمة العامة في إجازة نقل الموظفين بمقتضى هذا التشريع، تلك الحكمة التي تسمو عن مجرد الرغبة في شغل الوظائف الشاغرة، والتي تتمثل في تحقيق مصلحة العمل وعدم تعطيل الأداة الحكومية أو التقصير في رعاية المرافق العامة؛ بسبب خلو كثير من الدرجات والوظائف الحكومية وتحقيق الأغراض التي تتفق والأهداف التي دعت إلى استصدار المراسيم بقوانين الخاصة بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي، ولو وقف الأمر عند حد الحرص على شغل الوظائف التي شغرت نتيجة للتطهير أو بسببه فقط لأمكن ذلك من طريق الترقية إلى هذه الوظائف أو التعيين فيها وفقاً لقانون نظام موظفي الدولة، دون حاجة إلى تشريع خاص يجيز النقل من سلك إلى آخر على خلاف أحكام هذا القانون.
ومن حيث إنه غني عن البيان في ضوء ما تقدم، أن مصلحة الجمارك المصرية كانت تملك بمقتضى الرخصة المخولة لها بالمرسوم بقانون رقم 42 لسنة 1953 الحق في نقل المدعي من وظيفة مأمور بجمرك السويس في السلك الإداري إلى وظيفة رئيس قلم المانيفستو بجمرك المحمودية في السلك الكتابي، ما دام هذا النقل قد تم إلى وظيفة من الدرجة ذاتها وهي الدرجة الخامسة، وصدر به قرار وزير المالية في 29 من إبريل سنة 1953، أي خلال الفترة التي نص القانون رقم 132 لسنة 1953 على استمرار العمل فيها بأحكام المرسوم بقانون رقم 42 والقانون رقم 87 لسنة 1953، وذلك دون توقف على توصية من لجنة فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي، ودون تقيد بأن يكون نقله إلى وظيفة شغرت نتيجة للتطهير أو تخلفت بسببه، ما دامت قد راعت في ذلك صالح العمل، بعد إذ سبق للجنة فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي أن أوصت في 14 من نوفمبر سنة 1952 بفصله من الخدمة لما سجلته عليه من مآخذ، وبعد إذ لمست فيه المصلحة عدم استعداده لوظيفته الأولى وعدم إنتاجه فيها، مما له أصل ثابت حفلت به الأوراق، وإذا كان مجلس الوزراء قد رأى بقراره الصادر في 27 من نوفمبر سنة 1952 عدم الموافقة على ما أوصت به لجنة التطهير من فصل المدعي؛ لأنه لم يقتنع بعدم صلاحيته كلية للوظيفة العامة، فليس من أثر هذا امتناع نقله إعمالاً لحكم قانون لاحق أباح هذا النقل لأسباب قدرتها جهة الإدارة المختصة، والملمة بحالته ابتغاء وجه المصلحة العامة، وإن لم تكف هذه الأسباب لفصله من الخدمة.
ومن حيث إنه لا حجة في القول بأن نقل الموظف من السلك الإداري إلى السلك الكتابي، بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون رقم 42 لسنة 1953، قد وقع مخالفاً للقانون؛ لانطوائه على عقوبة تأديبية مقنعة بغير اتباع الإجراءات التأديبية التي نص عليها القانون؛ ذلك لأن هذا النقل إنما يتم بناءً على الرخصة التشريعية التي أجازته لجهة الإدارة استثناءً من أحكام المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951، بشأن نظام موظفي الدولة، والتي خرجت على أحكام هذا القانون من حيث عدم استلزام ارتكاب ذنب تأديبي لنقل الموظف من السلك الأعلى إلى السلك الأدنى من جهة، ومن حيث عدم تطلب اتباع الإجراءات التأديبية المقررة في القانون المذكور، لإمكان تنزيل الموظف من جهة أخرى، وذلك ابتغاء سرعة تحقيق الأغراض التي استهدفها المشرع من تقرير هذه الرخصة بشغل الوظائف الحكومية الكثيرة الشاغرة وقتذاك، بالنقل أو الترقية دون إبطاء ودون التقيد ببعض أحكام قانون نظام موظفي الدولة، حتى لا تتعطل الأداة الحكومية أو تقصر في رعاية المرافق العامة، كما جاء بالمذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون آنف الذكر، وما دام لم يقم دليل من الأوراق على إساءة استعمال السلطة، فإن استعمال الإدارة للرخصة المخولة لها بالقانون في الحدود المرسومة لذلك يكون عملاً مشروعاً لا مطعن عليه.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في محله، ويكون الحكم المطعون فيه الصادر من محكمة القضاء الإداري، إذ قضى برفض طعن الحكومة وتأييد قرار اللجنة القضائية القاضي بإلغاء القرار الصادر بنقل المتظلم من الكادر الإداري إلى الكادر الكتابي، قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين القضاء بإلغائه، وبرفض دعوى المدعي مع إلزامه بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.


[(1)] السنة الأولى من هذه المجموعة - بند 105 - صفحة 874.