مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1980 إلى آخر فبراير سنة 1981) - صـ 551

(75)
جلسة 15 من فبراير سنة 1981

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد ثابت عويضه نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة حسن عبد الوهاب عبد الرازق ويحيى عبد الفتاح سليم البشرى وعبد الفتاح محمد إبراهيم صقر ومحمد محمود الدكروري - المستشارين.

الطعن رقم 869 لسنة 23 القضائية

قرار إداري - طعن بالإلغاء - دعوى - انتهاء الخصومة - حكم - قوة الأمر المقضي.
صدور قرار من الجهة الإدارية بتسوية حالة أحد العاملين - قرار بسحب هذه التسوية - الطعن على هذا القرار فيما تضمنه من سحب قرار التسوية - قيام الجهة الإدارية بإلغاء القرار الساحب بعد إقامة الدعوى - قضاء المحكمة باعتبار الخصومة منتهية في الدعوى بعد أن ثبت لها أن ما أجرته الجهة الإدارية من سحب قرارها المطعون فيه وأن هذا السحب تم بعد إقامة الدعوى بحيث يقتضي إلزامها بمصروفاتها - اعتبار هذا الحكم قطعي في موضوع الدعوى يجوز بعد صدوره نهائياً على قوة الأمر المقضي - صدور قرار من الجهة الإدارية لاحقاً على هذا الحكم متضمناً المساس بالقرار الذي صارت المنازعة فيه محسومة بمقتضى الحكم - اعتبار القرار معدوماً لمساسه بحكم حائز لقوة الأمر المقضي - أساس ذلك - تطبيق.


إجراءات الطعن.

بتاريخ 13 من أغسطس سنة 1977 أودعت إدارة قضايا الحكومة بصفتها نائبة عن وزير التجارة بصفته، قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 869 لسنة 23 ق، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 20 من يونيه سنة 1977 في الدعوى رقم 438 لسنة 29 ق المرفوعة من السيد/ محمود إبراهيم سيد أحمد فودة ضد وزير التجارة بصفته والذي قضى بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الوزاري رقم 2021 لسنة 1971 فيما تضمنه من إلغاء القرار رقم 588 لسنة 1970 بإرجاع أقدمية المدعي في الدرجة السادسة إلى 29/ 9/ 1963 وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليها بالمصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب التي استند إليها في تقرير طعنه الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه حتى يفصل في موضوع الدعوى مع إلزام المطعون ضده بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة وفي الموضوع الحكم بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وقد أعلن الطعن إلى المطعون ضده وعقبت هيئة مفوضي الدولة على الطعن بتقرير بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه عدم قبول طلب وقف التنفيذ وفي الموضوع بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وتأييد الحكم المطعون فيه مع إلزام الطاعن المصروفات عن درجتي التقاضي.
وقد تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 14 من إبريل سنة 1980 وبجلسة 12/ 5/ 1980 حكمت المحكمة برفض طلب الطاعنة وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وألزمتها مصروفات هذا الطلب وقررت إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا حيث عين لنظرها أمامها جلسة 23 من نوفمبر سنة 1980 وفيها استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على النحو المبين بمحضرها، وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر النزاع تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أن السيد/ محمود إبراهيم سيد أحمد فودة أقام الدعوى رقم 438 لسنة 29 ق أمام محكمة القضاء الإداري طالباً الحكم بإلغاء القرار رقم 2021 لسنة 1971 الذي قضى بإلغاء القرارات الوزارية المتضمنة إرجاع أقدمية السكرتاريين التجاريين الثوالث وهو من بينهم في الدرجة السادسة الفنية العالية إلى 29/ 9/ 1963، 30/ 11/ 1963 واعتباره كأن لم يكن مع إلزام المدعى عليه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وقال شرحاً لدعواه إنه بتاريخ 15/ 7/ 1963 ضمت له مدة خدمة سابقة أرجعت أقدميته بموجبها في الدرجة السابعة إلى 23/ 12/ 1959 ثم رقي إلى الدرجة السادسة في 5/ 6/ 1965، وصدر القرار الوزاري رقم 5 لسنة 1969 بإرجاع أقدميته في الدرجة السادسة إلى تاريخ صدور القرار الوزاري رقم 807 لسنة 1963 في 29/ 9/ 1963 الذي لم يكن قد اشتمله بمقولة إنه كان يمضي فترة الاختبار على الرغم من قضائه هذه الفترة في وظيفته السابقة بالحكومة فتظلم بعض زملائه إلى مفوض الدولة بالوزارة الذي انتهى إلى إلغاء القرار رقم 5 لسنة 1969 المشار إليه استناداً إلى أن القرار رقم 807 لسنة 1963 قد تحصن بعدم الطعن عليه، وقامت الجهة الإدارية تنفيذاً لهذا الرأي بإصدار قرارها رقم 1044 لسنة 1969 بإلغاء القرار رقم 5 لسنة 1969 فيما تضمنه من إرجاع أقدميته في الدرجة السادسة الفنية العالية إلى 29/ 9/ 1963 بدلاً من 5/ 6/ 1965 مع ما يترتب على ذلك من آثار واستطرد المدعي إلى القول بأنه تظلم من هذا القرار إلى مفوض الدولة ثم أقام الدعوى رقم 534 لسنة 24 ق أمام محكمة القضاء الإداري طعناً في القرار المشار إليه، وأثناء سير الدعوى صدر القرار رقم 588 لسنة 1970 بإلغاء القرار رقم 1044 لسنة 1969 فيما تقضي به من إلغاء القرار رقم 5 لسنة 1969 واعتبار القرار الأخير قائماً ومنتجاً لكافة آثاره الأمر الذي ترتب عليه أن قضت المحكمة بجلستها المنعقدة في 19/ 10/ 1970 باعتبار الخصومة منتهية وألزمت الجهة الإدارية مصروفاتها ولم يطعن على هذا الحكم فصار نهائياً وقام المدعي بإعلانه إلى الجهة الإدارية في 3/ 5/ 1971 غير أنها عادت وأصدرت القرار رقم 2021 لسنة 1971 في 13/ 10/ 1971 بإلغاء القرارات الوزارية المتضمنة إرجاع أقدميته وبعض زملائه في الدرجة السادسة إلى 29/ 9/ 1962 ومنها القرار الوزاري رقم 588 لسنة 1970 الخاص بإرجاع أقدميته في الدرجة السادسة إلى التاريخ المشار إليه الأمر الذي يهدر حجية الشيء المقضي.
وبجلسة 21/ 5/ 1973 قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية لوزارة الاقتصاد التي قضت في 15/ 6/ 1974 بعدم اختصاصها وإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري حيث قيدت تحت رقم 438 لسنة 29 ق.
وبجلسة 20/ 6/ 1977 حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الوزاري رقم 2021 لسنة 1971 فيما تضمنه من إلغاء القرار رقم 588 لسنة 1970 بإرجاع أقدمية المدعي في الدرجة السادسة إلى 29/ 9/ 1963 مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليها بالمصروفات. وأقامت قضاءها على أساس أن القرار الوزاري رقم 588 لسنة 1970 الذي قضى بإرجاع أقدمية المدعي في الدرجة السادسة إلى 29/ 9/ 1963 هو قرار إداري صادر بناء على سلطة جهة الإدارة التقديرية وليس ثمة دليل من الأوراق على سحبه أو الطعن عليه بالإلغاء في المواعيد المقررة لذلك ومن ثم فإنه يصبح حصيناً من السحب أو الإلغاء، والمحكمة تلتفت عما أثارته الحكومة من أن القرار المذكور قد جاء منعدماً لما فيه من مساس بالقرار رقم 807 لسنة 1963 بترقية بعض زملاء المدعي في وقت أصبح فيه هذا القرار حصيناً من السحب أو الإلغاء ذلك أن القرار رقم 588 لسنة 1970 لم يتعرض أو يشير إلى القرار رقم 807 لسنة 1963 وإذ جاء القرار رقم 2021 لسنة 1971 المطعون عليه وصدر في 13/ 10/ 1971 وقضى بسحب القرار رقم 588 لسنة 1970 أي بعد مضي أكثر من سبعة عشر شهراً من صدور القرار الأخير وفي وقت كان ذلك القرار حصيناً من السحب فإن القرار المطعون عليه يكون قد صدر مخالفاً للقانون.
ومن حيث إن الطعن يقوم على ما ورد في تقرير الطعن وحاصله أن القرار رقم 588 لسنة 1970 ليس قراراً إدارياً بل هو قرار تسوية لحالة المطعون ضده فهو تنفيذ لتصور قام لدى جهة الإدارة بأحقية المطعون ضده بتسوية حالته بضم مدة خدمته السابقة في حين تبين لها أن هذه التسوية غير سليمة وقامت بسحبها وبحق الرجوع فيها دون التقيد بمواعيد السحب.
ومن حيث إنه يخلص من ذلك كله أن المدعي سبق أن أقام أمام محكمة القضاء الإداري الدعوى رقم 534 لسنة 24 ق طعناً في القرار رقم 1044 لسنة 1969 بإلغاء القرار رقم 5 لسنة 1969 فيما تضمنه من إرجاع أقدميته في الدرجة السادسة الفنية العالية إلى 29/ 9/ 1963 بدلاً من 5/ 6/ 1965 مع ما يترتب على ذلك من آثار، وأثناء نظر الطعن صدر القرار رقم 588 لسنة 1970 بإلغاء القرار رقم 1044 لسنة 1969 فيما قضى به من إلغاء القرار رقم 5 لسنة 1969 واعتبار هذا القرار الأخير قائماً ومنتجاً لكافة أثاره، الأمر الذي ترتب عليه أن قضت المحكمة في الخصومة باعتبارها منتهية وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات بوصفها خاسرة الدعوى. ولم تطعن الجهة الإدارية في هذا الحكم.
ومن حيث إن الأحكام التي تصدر بالتصديق على اتفاقات الخصوم نوعان، نوع تقتصر المحكمة فيه على إثبات الاتفاق الذي تم بين الخصمين فهنا لا تفصل المحكمة في خصومة وإنما تثبت اتفاقاً يحوز الصفة الرسمية ويكتسب القوة التنفيذية ونوع تستند فيه المحكمة إلى هذا الاتفاق للفصل في الخصومة المطروحة أمامها فتفحص اتفاق الخصمين وتصدر حكمها مستندة إليه فهنا يحوز هذا الاتفاق حجية الأمر المقضي فإذا فاتت مواعيد الطعن على هذا الحكم اكتسب قوة الأمر المقضي وهذا ما تم بالنسبة للحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 534 لسنة 24 ق حين قضت المحكمة بانتهاء الخصومة حيث ثبت لها ما أجرته الجهة الإدارية من سحب قرارها المطعون فيه، وإن هذا السحب تم بعد إقامة الدعوى بحيث يقتضي إلزامها بمصروفاتها، فهو حكم قطعي في موضوع الدعوى حاز بعد صيرورته نهائياً على قوة الأمر المقضي.
ومن حيث إنه تبعاً لذلك لم يكن للجهة الإدارية أن تتعرض للقرار الوزاري رقم 588 لسنة 1970 بالنسبة للمدعي بعد أن قضى نهائياً باعتباره قائماً ومنتجاً لآثاره. ولو سمح بذلك لما أمكن أن تقف المنازعة عند حد، فيصبح لكل من الخصمين أن يجدد النزاع مرة بعد أخرى هذا يحصل على حكم لمصلحته ثم يعيد خصمه طرح النزاع، وقد يحصل على حكم لمصلحته ثم يعود الخصم الأول إلى تجديد النزاع فيحصل على حكم ثالث وهكذا فتتأبد الخصومات والمنازعات وليس هذا من مصلحة الناس في شيء ودرءاً لكل ذلك فإن الحكم متى فصل في خصومة كان لا بد من الوقوف عنده، والنزول على ما احتواه لوضع حد لتجدد الخصومات والمنازعات.
ومن حيث إنه ومتى ثبت ذلك فإن القرار رقم 2021 لسنة 1971 وقد تضمن المساس بالقرار رقم 588 لسنة 1970 الذي صارت المنازعة فيه محسومة بمقتضى الحكم رقم 534 لسنة 24 ق يكون وقد صدر معدوماً لمساسه بحكم حائز لقوة الأمر المقضي.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى نتيجة صحيحة فيكون وقد صدر مطابقاً وحكم القانون وبالتالي يكون الطعن في غير محله حقيقاً بالرفض مع إلزام الطاعنة بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية مصروفات الطعن.