مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 627

(71)
جلسة 18 من يناير سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف المستشارين.

القضية رقم 956 لسنة 3 القضائية

ماهية - معاش - قرارات مجلس الوزراء التي تنص على أنه لا يجوز أن يقل ما يصرف من ماهية أو أجر أو معاش مع إعانة غلاء المعيشة إلى موظف أو مستخدم أو صاحب معاش عن جملة ما يتقاضاه من يقل عنه ماهية أو أجراً أو معاشاً - إلغاء هذه القرارات بأثر رجعي - سريان هذا الإلغاء على الطعون المنظورة أياً كان مثار النزاع فيها، وسواء تعلق بالشكل أو الموضوع.
صدرت بعض قرارات من مجلس الوزراء مقررة أنه لا يجوز أن تقل جملة ما يصرف من ماهية أو أجر أو معاش مع إعانة غلاء المعيشة إلى موظف أو مستخدم أو صاحب معاش عن جملة ما يتقاضاه منها من يقل عن ماهية أو أجراً أو معاشاً. ثم صدر بعد ذلك القانون رقم 19 لسنة 1955 فألغي بنص صريح وبأثر رجعي تلك القرارات من وقت صدورها في الخصوص الذي عينه وما ترتب عليها من حقوق كانت لذوي الشأن بمقتضاها، فتعتبر هذه الحقوق وكأنها لم تكن. واستثنى الشارع من ذلك الحقوق التي تقررت بموجب أحكام من محكمة القضاء الإداري أو قرارات نهائية من اللجان القضائية أو أحكام نهائية من المحاكم الإدارية التي حلت محلها، للحكمة التي أفصح عنها في المذكرة الإيضاحية، وهي التوقي من أن يلغي نص تشريعي حكماً قضائياً. ولكن الشارع من ناحية أخرى نص في الوقت ذاته على أن يسري الحكم الذي استحدثه بأثر رجعي على الدعاوى المنظورة وقت نفاذ ذلك القانون. ثم أصدر القانون رقم 173 لسنة 1955 معتبراً تلك الدعاوى منتهية بقوة القانون وأن ترد الرسوم المحصلة عليها، كل ذلك بغير حاجة إلى إصدار حكم فيها باعتبار الخصومة منتهية. ويبين من ذلك أن المقصود بالأحكام التي لا يمسها الأثر الرجعي هو تلك التي ما كانت وقت نفاذ القانون الأول محل طعن منظور بشأنه دعوى، أما إذا كان ثمة طعن قائماً بشأنها فيسري عليها الحكم المستحدث ذو الأثر الرجعي، باعتبار الطعن فيها دعوى منظورة أياً كان مثار النزاع فيها، وسواء تعلق بالشكل والدفوع أو بالموضوع، ولا مندوحة من اعتبارها منتهية بقوة القانون دون فصل فيها، سواء في شكلها أو في دفوعها أو في موضوعها.


إجراءات الطعن

في 24 من أغسطس سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الرابعة "ب") بجلسة 24 من يونيه سنة 1957 في الدعوى رقم 765 لسنة 2 القضائية المرفوعة من وزارة المالية ضد السيد/ أنور محمود بدوي، والقاضي "باعتبار الدعوى منتهية بقوة القانون وبرد الرسوم المحصلة" وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم جواز الاستئناف، مع إلزام الحكومة المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى الحكومة في 5 من نوفمبر سنة 1957، وإلى المطعون لصالحه في 10 من أكتوبر سنة 1957، وعين لنظر الطعن جلسة 7 من ديسمبر سنة 1957، وقد سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يستفاد من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون لصالحه كان قد أقام الدعوى رقم 1127 لسنة 2 ق أمام المحكمة الإدارية لوزارات المالية والتجارة والزراعة والتموين. قال فيها إن جملة ما كان يحصل عليه من ماهية وإعانة غلاء معيشة حتى أول مارس سنة 1950، يقل عما كان يحصل عليه من يقل عنه ماهية من نفس طائفته، وأن في ذلك مخالفة لأحكام الفقرة الثالثة من كتاب المالية الدوري رقم ف 234 - 13/ 27 المؤرخ 14 من ديسمبر سنة 1943 التي تقضي بأنه لا يجوز أن تقل جملة ما يصرف للموظف أو العامل أو المستخدم من ماهية أو أجر أو معاش مع إعانة غلاء المعيشة عن جملة ما يتقاضاه من يقل عنه ماهية من نفس طائفته؛ ولذلك فهو يطالب بتقرير استحقاقه في أن تسوى إعانة غلاء المعيشة الخاصة به وفقاً لأحكام الفقرة الثالثة من كتاب المالية سالف الذكر وصرف الفروق المستحقة له على هذا الأساس. وفي 27 من نوفمبر سنة 1954 حكمت المحكمة "باستحقاق المدعي لأن تسوى إعانة غلاء المعيشة الخاصة به بالتطبيق لأحكام الفقرة الثالثة من كتاب المالية الدوري رقم ف 234 - 13/ 27 المؤرخ 14 من ديسمبر سنة 1943، بحيث لا يقل ما يحصل عليه من ماهية وإعانة غلاء معيشة عما يتقاضاه من يقل عنه ماهية من نفس طائفته، وما يترتب على ذلك من فروق". وقد أسست المحكمة حكمها على نقطتين: أولاهما أنه لا تعارض بين أحكام الفقرة الثالثة من كتاب المالية الدوري سالف الذكر - والتي يستند إليها المدعي في المطالبة بتكملة إعانة الغلاء الخاصة به - وبين ما جاء بالبند الرابع من كتاب المالية الدوري المؤرخ 6 من ديسمبر سنة 1944 والذي يقضي بتخفيض إعانة غلاء المعيشة بالنسبة لمن نالوا زيادة في ماهياتهم نتيجة لتحسين حالتهم أو رفع مستوى كادرهم، على أساس أن يحذف منها ما يترتب على هذا التحسين أو الرفع. وقال الحكم شرحاً لذلك إن نص الفقرة الثالثة من كتاب المالية الدوري المؤرخ 14 من ديسمبر سنة 1943 قد تضمنت حكماً عاماً يسري على جميع طوائف موظفي الدولة، وهو ألا يقل جملة ما يتقاضاه الموظف من مرتب وإعانة غلاء عما يتقاضاه من يقل عنه ماهية من نفس طائفته، ومقتضى هذا الإطلاق أن يسري على جميع موظفي الدولة سواء كانوا من المنصفين أو غير المنصفين، أما البند الرابع من كتاب المالية الدوري المؤرخ 6 من ديسمبر سنة 1944 فهو خاص بكيفية حساب إعانة الغلاء الخاصة بالمنصفين دون غيرهم، وأنه يبين من ذلك أن لكل من النصين نطاق سريانه. أما بالنسبة للنقطة الثانية وهي معرفة ما إذا كانت أحكام الفقرة الثامنة من كتاب المالية الدوري المؤرخ 14 من ديسمبر سنة 1943 قد ظلت سارية حتى أول مارس سنة 1950 تاريخ منح إعانة الغلاء على أساس الماهيات الفعلية، فقد جاء بالحكم المذكور أنه يبين من مراجعة الكتب الدورية التي صدرت تنفيذاً لقرارات مجلس الوزراء بشأن إعانة غلاء المعيشة أن القاعدة العامة التي تضمنتها الفقرة الثالثة من الكتاب الدوري المؤرخ 14 من ديسمبر سنة 1943 قد تردد ذكرها في جميع الكتب الدورية التي صدرت من هذا التاريخ حتى قرر مجلس الوزراء في 29 من نوفمبر سنة 1952 إلغاءها، وانتهى الحكم إلى أنه يخلص من ذلك كله أنه يحق للمدعي تكملة إعانة غلاء المعيشة الخاصة به عن المدة من تاريخ رفع ماهيته بالإنصاف حتى تاريخ منحه إعانة غلاء العيشة على أساس مرتبه الفعلي في مارس سنة 1950. وقد استأنفت الحكومة هذا الحكم استناداً إلى القانون رقم 19 لسنة 1955 الصادر في 13 من يناير سنة 1955، وتنص المادة الأولى منه على ما يأتي: "مع عدم الإخلال بالأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة والقرارات النهائية الصادرة من اللجان القضائية والأحكام النهائية الصادرة من المحاكم الإدارية تعتبر ملغاة من وقت صدورها قرارات مجلس الوزراء المشار إليها فيما يتعلق بالحكم الذي يقضي بأنه لا يجوز أن يقل جملة ما يصرف من ماهية أو أجر أو معاش مع إعانة غلاء المعيشة إلى موظف أو مستخدم أو عامل أو صاحب معاش عن جملة ما يتقاضاه منها من يقل عنه ماهية أو أجراً أو معاشاً"، ما نصت المادة الثانية من القانون المذكور على أن "تسري أحكام هذا القانون على الدعاوى المنظورة أمام المحكمة الإدارية ومحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة". وقد دفع المستأنف ضده بعدم جواز الاستئناف لقلة النصاب. وقالت المحكمة عن هذا الدفع إن المنازعة الإدارية تقوم بين الإدارة وموظفيها بشأن استحقاق المراكز القانونية التي تنشأ عن القانون مباشرة، وتختلف عن المنازعات المدنية التي يحكمها القانون الخاص، وأنه يترتب على الحكم في منازعات التسوية آثار متعددة في مجموعة الروابط القانونية التي تنظمها علاقة الموظف بالحكومة، بحيث لا يمكن تقدير قيمة الدعوى بما يطالب به المدعي من فروق مالية تترتب على استحقاقه للمركز القانوني؛ إذ أن قيمتها لا تقتصر على مجرد هذا الرقم الحسابي بل تتعدى ذلك إلى مجموعة الآثار القانونية، بحيث لا يمكن تقدير هذه الآثار وبالتالي تقدير قيمة الدعوى؛ ومن ثم يكون الحكم قابلاً للاستئناف أياً كانت القيمة المالية الظاهرة للدعوى. ثم تطرق الحكم إلى الموضوع فحكم "باعتبار الدعوى منتهية بقوة القانون، وبرد الرسوم المحصلة" وبني ذلك على أن القانون رقم 19 لسنة 1955 قد ألغى قرارات مجلس الوزراء السابق الإشارة إليها من وقت صدورها، ثم تلاه القانون رقم 173 لسنة 1955 باعتبار الخصومة منتهية بالنسبة للقضايا التي تتعلق بهذا الشأن، ونص على رد الرسوم المحصلة على هذه الدعاوى.
وقد طعن رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم طالباً "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم جواز الاستئناف، مع إلزام الحكومة المصروفات"؛ وبني الطعن على أنه لا خلاف من الناحية المجردة على المبدأ الذي ساقه الحكم المطعون فيه وانتهى به إلى القول بجواز الاستئناف، وإنما ينصب الخلاف على تطبيق هذا المبدأ على هذه الدعوى بذاتها؛ هو ليس بالجامع المانع في دعاوى التسوية على إطلاقها. والثابت أن المدعي أقام دعواه أمام المحكمة الإدارية المختصة وطلب فيها الحكم باستحقاقه فروق إعانة غلاء المعيشة التي يستحقها عن المدة من 31 من يناير سنة 1944 حتى 28 من فبراير سنة 1950 بالتطبيق لأحكام الفقرة الثالثة من كتاب المالية الدوري رقم ف/ 234/ 13/ 27 الصادر في 14 من ديسمبر سنة 1943، وهي التي كانت تقضي بألا يقل ما يصرف لموظف من راتب وإعانة غلاء عن جملة ما يتقاضاه من يقل عنه راتباً من طائفته، ومجموع هذه الفروق دون النصاب النهائي للمحكمة، والثابت أيضاً أن إعانة الغلاء ثبتت بعد فبراير سنة 1950، وأنه إذا كان ذلك وكانت فروق إعانة غلاء المعيشة مختلفة عن العلاوات الدورية التي تندمج في الراتب وتصبح جزءاً منه وتؤثر في المزايا التي تتقرر للموظف تبعاً لراتبه فإن الدعوى تكون واضحة المعالم ظاهرة الحدود، بحيث لا يمكن القول أنها غير مقدرة القيمة، وأنه لذلك يكون الطعن في الحكم بالاستئناف غير جائز ويكون حكم المحكمة الإدارية نهائياً لا يمسه القانون رقم 19 لسنة 1955 الذي ألغى قرار مجلس الوزراء سالف الذكر، كما لا يمسه القانون رقم 173 لسنة 1955 باعتبار الخصومة منتهية بالنسبة للقضايا التي تتعلق بهذا الشأن، ورد الرسوم المحصلة على هذه الدعاوى.
ومن حيث إن النقطة القانونية مثار النزاع هي ما إذا كان يتعين اعتبار الدعوى منتهية بقوة القانون وترد الرسوم المحصلة عنها، وذلك بالتطبيق للقانون رقم 19 لسنة 1955 مكملاً بالقانون رقم 173 لسنة 1955، أياً كانت قيمتها حتى ولو دخلت هذه القيمة في النصاب الانتهائي الذي كانت تحكم فيه وقتذاك المحاكم الإدارية التي حلت محل اللجان القضائية ما دام الطعن في الحكم ما زال منظوراً عند نفاذ القانونين، أم أن دخول قيمة الدعوى في هذا النصاب الانتهائي يحصن القرار أو الحكم الصادر فيها وفقاً للفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون الأول لنهائية النصاب ولو كان الطعن بشأنه ما زال قائماً؟
ومن حيث إن الفصل في ذلك هو بتحديد مقصود الشارع بالأحكام أو القرارات التي أراد تحصينها من الأثر الرجعي للقانونين المشار إليهما على هدى سائر نصوصهما وفي ضوء مذكرتيهما الإيضاحيتين.
ومن حيث إنه يبين من مراجعة نصوص القانون رقم 19 لسنة 1955 المنشور في 13 من يناير سنة 1955 أنه ولئن كان قد نص في مادته الأولى على أنه "مع عدم الإخلال بالأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة والقرارات النهائية من اللجان القضائية والأحكام النهائية الصادرة من المحاكم الإدارية تعتبر ملغاة من وقت صدورها قرارات مجلس الوزراء المشار إليها فيما يتعلق بالحكم الذي يقضي بأنه لا يجوز أن تقل جملة ما يصرف من ماهية أو أجر أو معاش مع إعانة غلاء المعيشة إلى موظف أو مستخدم أو صاحب معاش عن جملة ما يتقاضاه منهما من يقل عنه ماهية أو أجراً أو معاشاً"، إلا أن المادة الثانية من هذا القانون نصت على أنه "تسري أحكام هذا القانون على الدعاوى المنظورة أمام المحكمة الإدارية ومحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة"، وجاء في مذكرته الإيضاحية "ولما كان في تطبيق هذه القواعد على جميع طوائف الموظفين والمستخدمين والعمال ما يحمل ميزانية الدولة أعباءً باهظة قد تؤدي إلى تأخير تنفيذ المشروعات الإنتاجية التي تعبئ الدولة جهودها لإنجازها في أقرب وقت مستطاع للارتفاع بمستوى الدخل القومي وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومن ناحية أخرى فإن هذا الوضع إنما نشأ من النهج الذي اتبع في الماضي، والذي كان يتسم بطابع إصدار القرار دون تكلف عناء تدبير المال اللازم لما تتمخض عنه من تكاليف، وأن المصلحة العامة لتقضي بإيقاف هذا الحال، لا سيما وأن أحداً لن يضار بذلك، فلن تمس الإعانة التي يتقاضاها الموظفون الآن، وإنما المقصود ألا تتحمل الدولة في الوقت الحاضر صرف فروق عن الماضي تجمعت بسبب قرارات كانت معطلة فعلاً. لذلك رؤي علاجاً لهذه الحال إصدار تشريع بإلغاء قرارات مجلس الوزراء من وقت صدورها فيما نصت عليه من قاعدة تكملة إعانة الغلاء، وهذا مع عدم الإخلال بالأحكام القضائية توقياً من أن يلغي نص تشريعي حكماً قضائياً". ثم صدر القانون رقم 173 لسنة 1955 المنشور في 26 من مارس سنة 1955، ونص في مادته الأولى على أن "تعتبر منتهية بقوة القانون الدعاوى المشار إليها في المادة الثانية من القانون رقم 19 لسنة 1955 بإلغاء قرارات مجلس الوزراء الصادرة بإعانة غلاء المعيشة"، ونص في مادته الثانية على أن "ترد الرسوم المحصلة على الدعاوى المشار إليها في المادة السابقة". وجاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون بعد الإشارة إلى المادة الثانية من القانون رقم 19 لسنة 1955 ما يلي "وقضت المادة الثانية بسريان هذا الحكم على الدعاوى المنظورة أمام المحاكم الإدارية ومحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، ويقتضي ذلك أن تصدر المحكمة حكمها باعتبار الخصومة منتهية، ولما كان من المصلحة العامة إعفاء القضاة من إصدار هذه الأحكام فقد رؤي نظراً لكثرة تلك القضايا أن يكون الأثر المترتب على القانون رقم 19 لسنة 1955 بالنسبة لهذه الدعاوى واقعاً بقوة القانون دون حاجة إلى إصدار حكم بذلك".
ومن حيث إنه يظهر مما تقدم أن الشارع ألغى بنص صريح وبأثر رجعي قرارات مجلس الوزراء المشار إليها من وقت صدورها في الخصوص الذي عينه وما ترتب عليها من حقوق كانت نشأت لذوي الشأن بمقتضاها، فتعتبر هذه الحقوق وكأنها لم تكن، واستثنى الشارع من ذلك الحقوق التي تقررت بموجب أحكام من محكمة القضاء الإداري أو قرارات نهائية من اللجان القضائية أو أحكام نهائية من المحاكم الإدارية التي حلت محلها، للحكمة التي أفصح عنها في المذكرة الإيضاحية وهي التوقي من أن يلغي نص تشريعي حكماً قضائياً. ولكن الشارع من ناحية أخرى نص في الوقت ذاته على أن يسري الحكم الذي استحدثه بأثر رجعي على الدعاوى المنظورة وقت نفاذ القانون رقم 19 لسنة 1955، ثم أصدر القانون رقم 173 لسنة 1955 معتبراً تلك الدعاوى منتهية بقوة القانون وأن ترد الرسوم المحصلة عليها، كل ذلك بغير حاجة إلى إصدار حكم فيها باعتبار الخصومة منتهية. ويبين من ذلك أن المقصود بالأحكام التي لا يمسها الأثر الرجعي هو تلك التي ما كانت وقت نفاذ القانون الأول محل طعن منظور بشأنه دعوى، أما إذا كان ثمة طعن قائماً بشأنها فيسري عليها الحكم المستحدث ذو الأثر الرجعي باعتبار الطعن فيها دعوى منظورة أياً كان مثار النزاع فيها، وسواء تعلق بالشكل والدفوع أو بالموضوع، ولا مندوحة من اعتبارها منتهية بقوة القانون دون فصل فيها، سواء في شكلها أو في دفوعها أو في موضوعها، يقطع في ذلك أن تقرير اعتبار الدعوى منتهية بقوة القانون قد يكون بأمر من رئيس المحكمة وبغير حكم طبقاً للقانون رقم 173 لسنة 1955؛ ومن ثم يكون الطعن على غير أساس سليم من القانون، ويكون الحكم المطعون فيه سليماً في النتيجة التي انتهى إليها من اعتبار الخصومة منتهية بقوة القانون ورد الرسوم المحصلة، بقطع النظر عن تعرضه في الأسباب للبحث في جواز أو عدم جواز الاستئناف؛ إذ لم يكن مناص من النزول على حكم القانون من اعتبار الخصومة منتهية بقوته بغير فصل في الدعوى، سواء في شكلها أو في دفوعها أو موضوعها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.