مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 635

(72)
جلسة 25 من يناير سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1723 لسنة 2 القضائية

( أ ) قرار تأديبي - سببه - إخلال الموظف بواجبات وظيفته إيجاباً أو سلباً أو إتيانه عملاً محرماً.
(ب) قرار تأديبي - ثبوت ارتكاب الموظف لذنب إداري - حرية الإدارة في تقدير الخطورة الناجمة عن ذلك وما يناسبها من جزاء في حدود النصاب القانوني - اقتناع الإدارة أو تقديرها في هذا الصدد لا يخضع لرقابة القضاء الإداري.
(ج) قرار تأديبي - عدم وقوع أي إخلال من الموظف - للمحكمة تقدير ذلك في حدود رقابتها القانونية - لا محل للجزاء لانعدام ركن السبب.
(د) موظف - صدور أمر من رئيسه بتكليفه بعمل معين - وجوب أداء العمل بعناية ولو لم يكن مختصاً بما كلف به - تهاونه في أداء ذلك العمل - مجازاته.
(هـ) جزاء تأديبي - شيوع التهمة يعتبر سبباً للبراءة من العقوبة الجنائية ولكنه لا ينهض على الدوام مانعاً من المؤاخذة التأديبية.
(و) جزاء تأديبي - الجرائم الموجبة للعقوبة الجنائية محددة حصراً ونوعاً - الأفعال المكونة للجريمة التأديبية ليست كذلك.
(ز) قرار تأديبي - ثبوت أن الذنب الإداري الذي ارتكبه الموظف كاف لحمل القرار على سبب صحيح - صحة القرار بقطع النظر عن الوصف القانوني الذي أورده للواقعة التي استند إليها.
(ح) جزاء تأديبي - كاتب محكمة - تبعيته وقت صدور القرار التأديبي لمحكمة غير التي كان يتبعها وقت ارتكاب الفعل المكون للمخالفة التأديبية - اختصاص رئيس المحكمة التي كان يتبعها وقت ارتكاب الفعل بتوقيع الجزاء.
1 - إن سبب القرار التأديبي بوجه عام هو إخلال الموظف بواجبات وظيفته إيجاباً أو سلباً أو إتيانه عملاً من الأعمال المحرمة عليه، فكل موظف يخالف الواجبات التي تنص عليها القوانين أو اللوائح أو القواعد التنظيمية العامة أو أوامر الرؤساء الصادرة في حدود القانون، أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته، أو يقصر في تأديتها بما تتطلبه من حيطة ودقة وأمانة، أو يخل بالثقة المشروعة في هذه الوظيفة، إنما يرتكب ذنباً إدارياً يسوغ تأديبه، وهذا الذنب هو سبب القرار التأديبي، فتتجه إرادة الإدارة إلى توقيع جزاء عليه بحسب الشكل والأوضاع المرسومة قانوناً، وفي حدود النصاب المقرر.
2 - متى انتهت الإدارة - بحسب فهمها الصحيح للعناصر التي استخلصت منها قيام الموظف بارتكاب ذنب إداري - إلى تكوين اقتناعها بأن مسلك الموظف كان معيباً، أو أن الفعل الذي أتاه أو التقصير الذي وقع منه كان غير سليم أو مخالفاً لما يقضي القانون أو الواجب باتباعه في هذا الشأن، كانت لها حرية تقدير الخطورة الناجمة عن ذلك وتقدير ما يناسبها من جزاء تأديبي في حدود النصاب القانوني، دون أن يخضع اقتناعها أو تقديرها في ذلك لرقابة القضاء الإداري.
3 - إذا انعدم المأخذ على السلوك الإداري للموظف، ولم يقع منه أي إخلال بواجبات وظيفته أو خروج على مقتضياتها - وللمحكمة تقدير ذلك في حدود رقابتها القانونية - فلا يكون ثمة ذنب إداري، وبالتالي لا محل لجزاء تأديبي؛ لفقدان القرار في هذه الحالة لركن من أركانه وهو ركن السبب.
4 - إن إطاعة التكليف الصادر من الرئيس للمرؤوس تفرض على من وجه إليه - ولو لم يكن مختصاً بما كلف - قدراً من الحيطة التي تمليها عناية الرجل الحريص، فإذا ثبت أن كاتب أول المحكمة قد كلف كاتب الجلسة بالاشتراك مع كاتب التحصيل في عملية عد نقود واردة للمحكمة لدى تسليمها إلى القائم بعملية الصر إثباتاً لمقدارها فإن كل تهاون في هذا الإجراء يعد تفريطاً في العناية المتطلبة في أعمال الوظيفة موجباً للمساءلة.
5 - إذا كان شيوع التهمة سبباً للبراءة من العقوبة الجنائية، فإن ذلك لا ينهض على الدوام مانعاً من المؤاخذة الإدارية التأديبية، ولا سيما متى أمكن إسناد فعل إيجابي أو سلبي محدد إلى الموظف يعد مساهمة منه في وقوع المخالفة الإدارية التي سوغت ارتكاب الواقعة الجنائية المجهول فاعلها.
6 - إذا كانت الجرائم الموجبة للعقوبة الجنائية محددة في قانون العقوبات والقوانين الأخرى حصراً ونوعاً. فإن الأفعال المكونة للذنب الإداري والجريمة التأديبية ليست كذلك؛ إذ مردها إلى الإخلال بواجبات الوظيفة أو الخروج على مقتضياتها بوجه عام.
7 - إذا كان تكليف الكاتب الأول للمدعي بالمعاونة في عملية عد النقود الواردة للمحكمة ينفي عنه ما أخذه القرار المطعون فيه على هذا الأخير من تدخله فيما لا يتصل بعمله بسبب، فإن ما هو قائم في حق المذكور من تهاون في أداء العمل الذي كلف به يكفي لحمل القرار على سبب صحيح هو ركنه المبرر للإبقاء عليه، بقطع النظر عن الوصف القانوني الذي أورده للواقعة التي استند إليها.
8 - إن رئيس المحكمة الابتدائية التي وقع في دائرتها الفعل المكون للمخالفة التأديبية يملك أن يوقع الجزاء على الكاتب المنسوب إليه الإهمال إذا ثبت أنه يعمل بإحدى جزئياتها وقت وقوع هذه المخالفة، وإن أصبح عند المجازاة تابعاً لمحكمة أخرى نقل إليها بعد ذلك.


إجراءات الطعن

في 5 من أغسطس سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1723 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لشئون القصر ورياسة مجلس الوزراء ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بجلسة 10 من يونيه سنة 1956 في الدعوى رقم 530 لسنة 3 القضائية المقامة من: مصطفى أحمد درويش ضد وزارة العدل، القاضي "بعدم قبول الدعوى، وألزمت المدعي المصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والحكم بقبول الدعوى شكلاً لرفعها في الميعاد، مع إعادتها إلى المحكمة الإدارية للفصل في موضوعها". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة العدل في 30 من سبتمبر سنة 1956، وإلى المطعون لصالحه في 3 من أكتوبر سنة 1956، وقد أودع هذا الأخير سكرتيرية المحكمة في 18 من أكتوبر سنة 1956 مذكرة بملاحظاته، انتهى فيها إلى "طلب إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم قبول الدعوى وبقبولها، مع إعادتها للمحكمة الإدارية لوزارة العدل للفصل في الموضوع". ولم تقدم وزارة العدل مذكرة ما بملاحظاتها في الميعاد القانوني. وبعد انقضاء هذا الميعاد عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 14 من ديسمبر سنة 1957، وفي 26 من أكتوبر سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم، مع الترخيص في تقديم مذكرات خلال أسبوعين.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
( أ ) عن قبول الدعوى:
من حيث إنه يبين من أوراق الطعن أنه في 27 من مارس سنة 1954 صدر قرار رئيس محكمة بني سويف الابتدائية بمجازاة المدعي - الذي كان كاتباً بمحكمة الواسطى الجزئية ونقل كاتباً بمحكمة القاهرة الابتدائية - بخصم ثلاثة أيام من راتبه عن شهر إبريل سنة 1954؛ لما نسب إليه من تدخله فيما لا يتصل بعمله باشتراكه في عملية الصر المرسل من محكمة الواسطى الجزئية إلى مديرية بني سويف الذي فقد منه مبلغ ثلاثين جنيهاً مصرياً في 3 من يونيه سنة 1953. وقد وقع المدعي على هذا القرار في 31 من مارس سنة 1954 بما يفيد علمه به. وفي 20 من إبريل سنة 1954 تقدم إلى لجنة المساعدة القضائية بمحكمة القضاء الإداري بطلب الإعفاء رقم 956 لسنة 8 القضائية لإعفائه من رسوم الدعوى التي يريد إقامتها بطلب إلغاء هذا الجزاء. وبجلسة 17 من مارس سنة 1955 أصدرت اللجنة قرارها بقبول الطلب، وبناء على هذا القرار أقام الدعوى رقم 530 لسنة 3 القضائية ضد السيد رئيس محكمة بني سويف الابتدائية ووزارة العدل أمام المحكمة الإدارية لوزارة العدل بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 13 من إبريل سنة 1955، طالباً الحكم بإلغاء قرار الجزاء المشار إليه مع ما ترتب عليه من آثار. وبجلسة 10 من يونيه سنة 1956 قضت المحكمة المذكورة "بعدم قبول الدعوى، وألزمت المدعي المصروفات". وأقامت قضاءها على أن المدعي وقع بما يفيد علمه بصدور القرار المطعون فيه في 31 من مارس سنة 1954، ولما كان لم يقم دعواه بطلب إلغاء هذا القرار إلا في 13 من إبريل سنة 1955، فإن هذه الدعوى تكون غير مقبولة لرفعها بعد الميعاد القانوني وهو ستون يوماً من تاريخ علمه بالقرار المطعون فيه، ولا يقطع هذا الميعاد طلب الإعفاء من الرسوم المقدم إلى لجنة المساعدة القضائية، ولا القرار الصادر فيه بقبوله. كما أن المدعي لم يتقدم إلى الجهة الإدارية بأي تظلم يمكن أن يقطع جريان الميعاد المشار إليه. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 5 من أغسطس سنة 1956 طلب فيها "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم بقبول الدعوى شكلاً لرفعها في الميعاد، مع إعادتها إلى المحكمة الإدارية للفصل في موضوعها"؛ واستند في أسباب طعنه إلى أن المدعي لجأ إلى لجنة المساعدة القضائية قبل انقضاء ستين يوماً من علمه بالقرار المطعون فيه، ولما صدر قرار اللجنة بقبول طلبه أقام دعوى الإلغاء خلال ستين يوماً من تاريخ صدور هذا القرار. وأن المحكمة رأت عدم الاعتداد بطلب الإعفاء من الرسوم القضائية كإجراء قاطع لميعاد رفع دعوى الإلغاء، وبذلك أخضعت المنازعة المطروحة عليها لتطبيقات القضاء المدني في نطاق القانون الخاص، ملتزمة ما لا يلزم حتماً في خصوص المنازعة الإدارية، وهي التي تختلف عن المنازعة الخاصة في ماهيتها وفي المجال القانوني الذي تحكمها قواعده، فإذا انتفى قيام النص الذي يقتضي الرجوع إلى قواعد القانون الخاص في هذا الصدد، وكانت النصوص الإدارية قد سكتت عن بيان أثر الطلب المقدم إلى لجنة المساعدة القضائية في ميعاد دعوى الإلغاء، فإن القضاء الإداري قد استقر على أن الطلب المقدم إلى لجنة المساعدة القضائية يأخذ مأخذ التظلم في قطع ميعاد الطعن. ولما كان الحكم المطعون فيه قد جرى على خلاف ذلك، فإنه يكون قد شابه عيب يقتضي الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا، وقد انضم المطعون لصالحه في مذكرته المودعة في 18 من أكتوبر سنة 1956 إلى هذا الطعن.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأنه بقطع النظر عما نصت عليه المادة 383 من القانون المدني، وعما عليه الرأي الغالب في مجال القانون الخاص من أن الطلب الذي يقدم إلى لجنة المساعدة القضائية للإعفاء من رسوم الدعوى ولتعيين محام لا يرقى إلى مرتبة الإجراء القاطع للتقادم، فإن روابط القانون العام تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص وقد وضعت قواعد القانون المدني لتحكم روابط القانون الخاص؛ ولذا فإنها لا تطبق وجوباً على روابط القانون العام إلا إذا وجد نص يقضي بذلك، فإن لم يوجد فلا يلتزم القضاء الإداري بتطبيق القواعد المدنية حتماً وكما هي. وقد مالت مقتضيات النظام الإداري بهذا القضاء إلى تقرير أنه يقوم مقام المطالبة القضائية في قطع التقادم الطلب أو التظلم الذي يوجهه الموظف إلى السلطة المختصة متمسكاً فيه بحقه مطالباً باقتضائه. وليس من شك في أن هذا يصدق من باب أولى على طلب المساعدة القضائية للدعوى التي يزمع صاحب الشأن رفعها على الإدارة؛ إذ هو أقوى في معنى الاستمساك بالحق والمطالبة بأدائه، وأمعن في طلب الانتصاف من مجرد الطلب أو التظلم الذي يقدمه الموظف إلى الجهة الإدارية. بل هو يجمع بين طبيعة التظلم الإداري وطبيعة التظلم القضائي، فلا أقل - والحالة هذه - من أن يترتب عليه ذات الأثر المترتب على مجرد الطلب أو التظلم الإداري من حيث قطع التقادم أو قطع ميعاد رفع دعوى الإلغاء. ويظل هذا الأثر قائماً لحين صدور القرار في طلب المساعدة القضائية، سواء بالقبول أو بالرفض؛ إذ أن نظر الطلب قد يستغرق زمناً يطول أو يقصر، فينقطع التقادم أو يقف سريان الميعاد طالما كان الأمر بيد الجهة القضائية المختصة بنظره. ولكن إذا ما صدر القرار وجب رفع الدعوى خلال الميعاد القانوني محسوباً من تاريخ صدوره، فإن كانت دعوى إلغاء تعين أن يكون خلال الستين يوماً التالية.
ومن حيث إن المادة 12 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة استحدثت قاعدة تقضي بعدم قبول الطلبات المقدمة رأساً بإلغاء القرارات الإدارية التي عينتها وذلك قبل التظلم منها إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئات الرئيسية وانتظار المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم الذي تبين إجراءاته وطريقة الفصل فيه بقرار من مجلس الوزراء، وقد صدر هذا القرار في 6 من إبريل سنة 1955. فعدم قبول الدعوى بإلغاء هذه القرارات يترتب، والحالة هذه، على عدم اتخاذ إجراء معين قبل رفعها أمام القضاء الإداري، فيسري على كل دعوى ترفع بعد 29 من مارس سنة 1955، تاريخ العمل بالقانون رقم 165 لسنة 1955 آنف الذكر، ولو كانت الدعوى بطلب إلغاء قرار صدر قبل ذلك، ما دام لم يتظلم صاحب الشأن منه إلى الجهة الإدارية التي أصدرته أو إلى الجهة الرئيسية ولم ينتظر فوات المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم، ولكن بمراعاة أن الإجراء الذي يكون قد تم صحيحاً في ظل القانون السابق رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة، ويعتبر طبقاً له منتجاً لأثر التظلم الإداري يظل منتجاً لأثره في هذا الخصوص في ظل القانون الجديد، وذلك بالتطبيق للمادة الثانية من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
ومن حيث إنه ولئن كان قرار الجزاء المطعون فيه قد صدر في 27 من مارس سنة 1954، وأبلغ إلى المدعي في 31 منه، وكانت الدعوى بطلب إلغاء هذا القرار لم ترفع إلا في 13 من إبريل سنة 1955، إلا أنه قد سبقها إجراءً تم صحيحاً منتجاً لأثر التظلم الإداري في ظل قانون مجلس الدولة السابق رقم 9 لسنة 1949؛ إذ أن المدعي تقدم بطلبه إلى لجنة المساعدة القضائية في 20 من إبريل سنة 1954، أي في الميعاد القانوني من تاريخ إعلانه بالقرار، وقد صدر قرار اللجنة بقبول طلبه في 17 من مارس سنة 1955، فأقام دعواه خلال الستين يوماً التالية لصدور هذا القرار؛ ومن ثم فإنها تكون مقبولة شكلاً لرفعها في الميعاد القانوني، ويكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين القضاء بإلغائه وبقبول الدعوى.
(ب) عن الموضوع:
من حيث إن الدعوى صالحة للفصل في موضوعها.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 530 لسنة 3 القضائية ضد كل من السيد رئيس محكمة بني سويف ووزارة العدل أمام المحكمة الإدارية لشئون القصر ورياسة مجلس الوزراء ووزارات الداخلية والخارجية والعدل، بناء على قرار لجنة المساعدة القضائية الصادر بجلسة 17 من مارس سنة 1955 في طلب الإعفاء رقم 956 لسنة 8 القضائية بقبول طلبه، وذلك بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 13 من إبريل سنة 1955 طلب فيها "الحكم بإلغاء قرار محكمة بني سويف الابتدائية الوطنية الصادر في 27 من مارس سنة 1954 فيما يتعلق بمجازاة الطالب بخصم ثلاثة أيام من راتبه الشهري من شهر إبريل سنة 1954، وإلغاء كل ما ترتب على ذلك من آثار، مع إلزام الحكومة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وحفظ كافة حقوق الطالب الأخرى بسائر أنواعها". وقال بياناً لدعواه في صحيفة افتتاحها وفي مذكرته إنه في 3 من يونيه سنة 1953 فقد مبلغ 30 جنيهاً مصرياً من الصر المرسل من محكمة الواسطى الجزئية إلى مديرية بني سويف، وقد أجرت النيابة العامة تحقيقاً في هذا الموضوع قيد برقم 1077 شكوى إداري الواسطى سنة 1954، وذكرت في هذا التحقيق أن المسئول الوحيد عن فقد المبلغ سالف الذكر هو السيد/ زارع عبد الوهاب إبراهيم كاتب الحسابات بمحكمة الواسطى الجزئية. وفي 27 من مارس سنة 1954 أصدر السيد/ رئيس محكمة بني سويف الابتدائية بصفته أمر جزاء ضد المدعي وقع عليه بالعلم في 31 من مارس سنة 1954 بمجازاته بخصم ثلاثة أيام من راتبه عن شهر إبريل سنة 1954 على ألا يؤثر ذلك في علاواته وترقياته مستقبلاً؛ وأسس هذا الجزاء على أن المدعي عندما كان يعمل بمحكمة الواسطى تسلم مبلغ الصر من الكاتب الأول في يوم 3 من يونيه سنة 1953 للقيام بعملية الصر بالاشتراك مع كاتب الحسابات؛ وبذلك يكون قد تدخل فيما لا يمت لعمله بسبب، وأنه أجاب هو ومن سئل معه من الموظفين بما لا يخليه من المسئولية، مع أنه يتضح من الرجوع إلى أوراق التحقيق أنه لم يتدخل فيما لا يتصل بعمله بسبب، ولم يدل بإجابة لا تعفيه من كل مسئولية. أما نسبة التدخل في غير عمله إليه فغير صحيحة؛ لأنه قرر في كافة مراحل التحقيق أنه لم يتسلم المبلغ المراد إرساله إلى المديرية من الكاتب الأول، وبالتالي لم يقم هو بدوره بتسليمه إلى كاتب التحصيل ولم يشاركه في إجراءات عملية الصر؛ ومن ثم فلا صلة له مطلقاً بهذا الموضوع في جملته وتفصيله، وكل ما هنالك أنه ورد في التحقيق على لسان الكاتب الأول أن هذا الأخير سلم المدعي المبلغ لتسليمه لكاتب التحصيل، وقد ثبت بالدليل القاطع عدم مطابقة هذه الرواية للواقع؛ ذلك أن الكاتب الأول أشهد على صحتها شاهداً واحداً هو فراش المحكمة وهو مرؤوسه الذي يدين له بالطاعة، ومع ذلك فقد كذبه فيها. وقد كان لهذا أثره الطبعي في تقدير وكيل النيابة فأبرزه في مذكرته التي أدان بها كاتب التحصيل وطلب فيها قيد الواقعة جناية اختلاس ضده بالمادة 112 عقوبات، وأكدت ذلك مذكرة رئيس النيابة المؤرخة 14 من ديسمبر سنة 1953، بل إن كاتب التحصيل قد أقر شخصياً بقيامه بكافة العمليات التي تتصل بتصدير هذا المبلغ، ومع ذلك فقد انتهت مذكرة رئيس النيابة بقيد الأوراق بدفتر الشكاوى وحفظها إدارياً لاعتبارات خاصة تتصل بحسن النية والوفاء بالمبلغ الفاقد، ولم تغفل الإشارة إلى هذه الوقائع وإلى أن المسئولية تنحصر في كاتب التحصيل وحده الذي قام بكافة إجراءات رصد المبلغ في أكثر من موضع مع تفصيل مفرداته دون أن تثير أي شك حول مسلك المدعي، وذلك على الرغم من إقحام الكاتب الأول له في الموضوع بسبب المشادة التي قامت بينهما في صبيحة يوم الحادث، وهي المشادة التي تدحض مزاعم الكاتب الأول وتفسر ما انطوت عليه نفسه من رغبة في الكيد للمدعي. وأما ما ذهب إليه القرار الصادر بالجزاء المطعون فيه من أن ما أجاب به المدعي لا يخليه من المسئولية فإنما ينصرف إلى الكاتب الأول وكاتب التحصيل، حيث اعتذر أولهما بكثرة مشاغله وبوجود طائفة من الجمهور أثناء عملية تصدير المبلغ لتبرير عدم قيامه بواجبه المنوط به بصفة شخصية، وهو الواجب الذي لا يسوغ أن ينيب عنه غيره في النهوض به، الأمر الذي لا ينفي عنه كل مسئولية، وأقر الثاني بكافة الوقائع التي تحصر المسئولية فيه وحده. أما المدعي فلم يرد في إجابته ما يصح أن يكون موضع مؤاخذة على الإطلاق، وهو الذي كان بعيداً كل البعد عن كافة العمليات التي تتصل بتصدير المبلغ، وكان طبعياً أن لا يشركه الكاتب الأول في مثل هذه العملية بعد المشادة التي جرت بينهما في صبيحة ذلك اليوم؛ ومن ثم فإن قرار الجزاء يكون في شقه الخاص بالمدعي غير مستند إلى أساس من الثابت بالأوراق، هذا فضلاً عن أنه لم يبرأ من تناقض ظاهر؛ إذ نقل عن مذكرتي النيابة العامة أن كاتب التحصيل هو وحده المسئول عن فقد المبلغ، ومع ذلك لم يخرج المدعي من نطاق هذه المسئولية التي حصرها في غيره. وقد ردت محكمة بني سويف الابتدائية على هذه الدعوى بمذكرة محررة في 7 من مايو سنة 1955 قالت فيها إنه نسب إلى المدعي أنه منذ كان كاتباً بمحكمة الواسطى الجزئية تدخل فيما لا يتصل بعمله بسبب؛ إذ تسلم من الكاتب الأول مبلغ الصر في يوم 3 من يونيه سنة 1953 للقيام بعملية الصر بالاشتراك مع كاتب الحسابات المختص بهذا العمل، والذي قام بإجراءات عملية الصر من تحرير استمارة وحافظة والتوقيع بخاتم كاتب أول المحكمة على المظروف والحافظة، ثم تبين فقد مبلغ ثلاثين جنيهاً من المبلغ الذي يحويه الصر، وقامت النيابة العامة بالتحقيق وقيدت الأوراق برقم 1077 سنة 1954 إداري الواسطى، ثم رأت حفظ الأوراق اكتفاءً بالجزاء الإداري، ونظراً إلى تدخل المدعي فيما لا يتصل بعمله إذ كان يعمل كاتباً للجلسة بمحكمة الواسطى، فقد جوزي بخصم ثلاثة أيام من راتبه عن شهر إبريل سنة 1954، على ألا يؤثر ذلك في علاوته وترقيته المستقبلة.
ومن حيث إن القرار التأديبي شأنه شأن أي قرار إداري آخر يجب أن يقوم على سبب يسوغ تدخل الإدارة لإحداث أثر قانوني في حق الموظف، هو توقيع الجزاء عليه للغاية التي استهدفها القانون، وهي الحرص على حسن سير العمل، ولا يكون ثمة سبب للقرار إلا إذا قامت حالة واقعية أو قانونية تسوغ هذا التدخل. وللقضاء الإداري في حدود رقابته القانونية أن يراقب صحة قيام هذه الوقائع وصحة تكييفها القانوني، دون أن يحل نفسه محل السلطة التأديبية المختصة فيما هو متروك لتقديرها وفهمها ووزنها، فيستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما يقوم لدى السلطات التأديبية المختصة من دلائل وبيانات وقرائن أحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعية أو القانونية التي تكون ركن السبب، بل إن هذه السلطات حرة في تقدير تلك الدلائل والبيانات وقرائن الأحوال تأخذها دليلاً إذا اقتنعت بها، وتطرحها إذا تطرق الشك إلى وجدانها، وإنما الرقابة التي للقضاء الإداري في ذلك تجد حدها الطبعي - كرقابة قانونية - في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار التأديبي في هذا الخصوص مستفادة من أصول موجودة بالفعل أو أثبتتها السلطات المذكورة وليس لها وجود، وما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانونياً. فإذا كانت منتزعة من غير أصول موجودة، أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها، أو كان تكييف الوقائع على فرض وجودها مادياً لا يرتب النتيجة التي يتطلبها القانون، كان القرار فاقداً لركن من أركانه، وهو ركن السبب، ووقع مخالفاً للقانون متعين الإلغاء. أما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً، فقد قام القرار على سببه وكان مطابقاً للقانون.
ومن حيث إن سبب القرار التأديبي - بوجه عام - هو إخلال الموظف بواجبات وظيفته إيجاباً أو سلباً أو إتيانه عملاً من الأعمال المحرمة عليه، فكل موظف يخالف الواجبات التي تنص عليها القوانين أو اللوائح أو القواعد التنظيمية العامة أو أوامر الرؤساء الصادرة في حدود القانون أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته، أو يقصر في تأديتها بما تتطلبه من حيطة ودقة وأمانة، أو يخل بالثقة المشروعة في هذه الوظيفة، إنما يرتكب ذنباً إدارياً يسوغ تأديبه، وهذا الذنب هو سبب القرار التأديبي، فتتجه إرادة الإدارة إلى توقيع جزاء عليه بحسب الشكل والأوضاع المرسومة قانوناً وفي حدود النصاب المقرر. ومتى انتهت الإدارة - بحسب فهمها الصحيح للعناصر التي استخلصت منها قيام هذا الذنب - إلى تكوين اقتناعها بأن مسلك الموظف كان معيباً، أو أن الفعل الذي أتاه أو التقصير الذي وقع منه كان غير سليم أو مخالفاً لما يقضي القانون أو الواجب باتباعه في هذا الشأن، كانت لها حرية تقدير الخطورة الناجمة عن ذلك، وتقدير ما يناسبها من جزاء تأديبي في حدود النصاب القانوني، دون أن يخضع اقتناعها أو تقديرها في ذلك لرقابة القضاء الإداري. أما إذا انعدم المأخذ على السلوك الإداري للموظف ولم يقع منه أي إخلال بواجبات وظيفته أو خروج على مقتضياتها - وللمحكمة تقدير ذلك في حدود رقابتها القانونية - فلا يكون ثمة ذنب إداري وبالتالي محل لجزاء تأديبي، لفقدان القرار في هذه الحالة لركن من أركانه وهو ركن السبب.
ومن حيث إن الوقائع التي بني عليها القرار التأديبي المطعون فيه في هذه الدعوى تتحصل في أنه في 4 من يونيه سنة 1953، وصل إلى خزانة مديرية بني سويف مظروف صادر من كاتب أول محكمة الواسطى، مدون عليه أن بداخله مبلغ 218 ج في حين أنه بفضه بوساطة اللجنة المختصة تبين أن به نقصاً مقداره ثلاثون جنيهاً. وبفحص المظروف ووزنه وجدت أختامه سليمة ووزنه مطابقاً للوزن المكتوب عليه. وقد قام مدير بني سويف بالإبراق إلى وكيل نيابة الواسطى محملاً كاتب أول محكمة الواسطى مسئولية فقد هذا المبلغ. وبسؤال توفيق مصطفى مشرف كاتب أول المحكمة قرر في التحقيق أمام النيابة أنه عهد في يوم 3 من يونيه سنة 1953 إلى مصطفى أحمد درويش (المدعي) كاتب الجلسة بالمحكمة بتصدير مبلغ 218 جنيهاً إلى خزانة مديرية بني سويف، وأنه عد له هذا المبلغ وسلمه إياه مبيناً له مفرداته وذلك أمام فراش المحكمة جمال الدين جمعة الذي كان حاضراً وقتذاك، وكلفه القيام بعملية صره بالاشتراك مع زارع عبد الوهاب إبراهيم كاتب التحصيل بالمحكمة؛ نظراً إلى انشغاله ببعض أعمال أخرى وازدحام الجمهور بمكتبه. وبسؤال مصطفى أحمد درويش نفى أن كاتب أول المحكمة عهد إليه بإرسال المبلغ المذكور إلى المديرية وأنكر تسلمه منه أو اشتراكه في عملية الصر، وأيده في ذلك جمال الدين جمعة عبده فراش المحكمة؛ إذ قرر عدم مشاهدته كاتب أول المحكمة يسلم نقوداً إلى المذكور، وعدم سماعه تكليفه إياه مباشرة عملية تصدير نقود إلى المديرية، وعدم رؤيته هذا الأخير يسلم نقوداًً إلى كاتب التحصيل زارع عبد الوهاب. وبسؤال زارع عبد الوهاب قرر أنه كان موجوداً بمكتب كاتب أول المحكمة عندما كان يقوم مصطفى أحمد درويش أمامه بعدّ المبلغ وقدره 218 جنيهاً، ثم انصرف هو إلى مكتبه حيث حضر إليه هذا الأخير وسلمه المبلغ لإجراء عملية تصديره وأفهمه مقداره، فأخذه منه ووضعه في المظروف من غير أن يعدّه اعتماداً على عد زميله له، ثم قام بتحرير الاستمارة الخاصة به، وتولى عملية الصر والبصم على الحافظة بخاتم كاتب أول المحكمة الذي كان في حيازته وقتئذ ووقع بإمضائه أمام خانة العلامات، ثم سلم المظروف إلى فراش المحكمة لتوصيله إلى مكتب البريد. وبعد ذلك علم من كاتب أول المحكمة بفقد ثلاثين جنيهاً من هذا المبلغ، وقد رفض سداد المبلغ الفاقد في بادئ الأمر، ثم قام بتوريده أثناء تحقيق النيابة مع الاحتفاظ بحقه في استرداده إذا ما ثبتت براءته، ولم يستطع تعليل سبب فقده. وقد أعدت النيابة العامة مذكرة أولى بقيد الواقعة جناية اختلاس بالمادة 112 عقوبات ضد المذكور، فلما قام بسداد المبلغ أعدت مذكرة ثانية انتهت فيها إلى أنه هو المسئول وحده عن فقد هذا المبلغ بسبب تقصيره في القيام بعدّه، إلا أنه لما كانت وقائع الدعوى تنفي سوء قصده، وكان قد قام بالسداد مدللاً بذلك على حرصه على أداء واجبه، فقد رأت قيد الأوراق بدفتر الشكاوى تحت رقم 1077 الواسطى سنة 1954 ضد توفيق مصطفى شرف كاتب أول محكمة الواسطى وآخرين، وقررت حفظها إدارياً في 11 من مارس سنة 1954. وكان السيد المحامي العام قد وافق بكتابه المؤرخ 20 من فبراير سنة 1954 على هذا الحفظ، على أن ترسل الأوراق بعد ذلك إلى الجهة المختصة التابع لها الكاتب الأول توفيق مصطفى مشرف والكاتبان مصطفى أحمد درويش وزارع عبد الوهاب للنظر فيما وقع منهم من إهمال نتج عنه فقد مبلغ الثلاثين جنيهاً. وبعرض الأمر على السيد رئيس محكمة بني سويف الابتدائية أصدر في 27 من مارس سنة 1954 أمر بالاستناد إلى المادة 87 من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949، بمجازاة كل من هؤلاء الثلاثة بخصم ثلاثة أيام من راتبه عن شهر إبريل سنة 1954، على ألا يؤثر ذلك على علاواتهم وترقياتهم المقبلة. وذلك على أساس أن الأول أهمل في القيام بنفسه بعمل الصر كما تقضي بذلك التعليمات، وأن الثاني (وهو المدعي) تسلم مبلغ الصر من الكاتب الأول في يوم 3 من يونيه سنة 1953، للقيام بعملية الصر مع زارع عبد الوهاب إبراهيم كاتب الحسابات، وبذلك يكون قد تدخل فيما لا يتصل بعمله بسبب، وأن الثالث تسلم من الثاني مبلغ الصر عدّاً، ثم قام بإجراءات عملية الصر ولم يستطع أن يعلل فقد مبلغ الثلاثين جنيهاً، ثم سدد هذا المبلغ الناقص للمديرية مع تمسكه برده إليه متى ظهرت براءته، وقد ذكرت النيابة في التحقيقات أنه هو وحده المسئول عن فقد المبلغ سالف الذكر، وأن ما أجاب به كل من هؤلاء الموظفين في التحقيق لا يخليه من المسئولية.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن ثمة مبلغاً من النقود مقداره ثلاثون جنيهاً فقد من المبلغ المرسل من محكمة الواسطى الجزئية إلى خزانة مديرية بني سويف في يوم 3 من يونيه سنة 1953 والبالغ قدره أصلاً 218 جنيهاً، وأن فقد هذا المبلغ تم أثناء تداوله في الفترة بين إخراجه من خزانة المحكمة وإجراء عملية الصر لا قبل ذلك ولا بعده؛ إذ وجدت أختام المظروف سليمة ووزنه مطابقاً لما هو مدون عليه، وأن الأيدي التي اشتركت في تداوله خلال تلك الفترة هي يد كاتب أول المحكمة وكاتب التحصيل بإقرار كل منهما على نفسه، ويد المدعي كاتب الجلسة بشهادة هذين عليه دون مصلحة لهما في إقحامه زوراً، وإن أنكر ذلك على وجه من الإصرار ينبئ عن لهفته على التسلب من المسئولية. وإذا كان فراش المحكمة قد ظاهره بنفي مشاهدته واقعة تسليم المبلغ إليه من كاتب أول المحكمة، إلا أنه أيد رؤيته إياه في ذلك اليوم جالساً مع هذا الأخير في مكتبه. ومتى صح أن اشتراك المدعي كان بتكليف من كاتب أول المحكمة الذي يعمل تحت رقابته وفقاً للمادة 76 من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949، وإن وقع ذلك من جانب الكاتب الأول على خلاف ما تقضي به التعليمات، فإن إطاعة هذا التكليف تفرض على من وجه إليه - ولو لم يكن مختصاً بما كلّف - قدراً من الحيطة التي تمليها عناية الرجل الحريص في مثل هذه المسائل المالية بوجه خاص، وهي عدّ النقود لدى تسليمها إلى القائم بعملية الصر إثباتاً لمقدارها وإبراء للذمة. وكل تهاون في هذا الإجراء يعد تفريطاً في العناية المتطلبة في أعمال الوظيفة موجباً للمساءلة. وإذا كان شيوع التهمة سبباً للبراءة من العقوبة الجنائية، فإن ذلك لا ينهض على الدوام مانعاً من المؤاخذة الإدارية التأديبية، ولا سيما متى أمكن إسناد فعل إيجابي أو سلبي محدد إلى الموظف يعد مساهمة منه في وقوع المخالفة الإدارية التي سوغت ارتكاب الواقعة الجنائية المجهول فاعلها. وإذا كانت الجرائم الموجبة للعقوبة الجنائية محددة في قانون العقوبات والقوانين الأخرى حصراً ونوعاً، فإن الأفعال المكونة للذنب الإداري والجريمة التأديبية ليست كذلك؛ إذ مردها إلى الإخلال بواجبات الوظيفة أو الخروج على مقتضياتها بوجه عام على نحو ما سبق تفصيله، أو إتيان ما من شأنه التقليل من الثقة اللازم توافرها في الأعمال القضائية، أو التقليل من اعتبار الطبقة التي ينتمي إليها موظف المحكمة سواء كان ذلك داخل دور القضاء أو خارجها، كما نصت على ذلك المادة 77 من قانون نظام القضاء. وقد أسند قرار الجزاء المطعون فيه إلى كل من كاتب أول المحكمة والمدعي كاتب الحسابات مأخذاً مستقلاً على حدة مختلفاً عن الآخر، وإثبات الخطأ في جانب أحدهم ابتداء من الكاتب الأول لا يمحو الخطأ الواقع بالفعل من الثاني أو الثالث ولا يرفع عن أي منهما وزر إهماله، وإذا كان تكليف الكاتب الأول للمدعي بالمعاونة في عملية الصر أمراً ينفي ما أخذه القرار المطعون فيه على هذا الأخير من تدخله فيما لا يتصل بعمله بسبب، فإن ما هو قائم في حق المذكور من تهاون يكفي لحمل القرار على سبب صحيح، هو ركنه المبرر للإبقاء عليه بقطع النظر عن الوصف القانوني الذي أورده للواقعة التي استند إليها. ولما كان القرار المشار إليه قد صدر من رئيس مختص، طبقاً لنص المادة 78 من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949 والمادة 86 مكرراً من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة الذي أحالت إلى أحكامه المادة 49 من قانون نظام القضاء، وهو رئيس المحكمة الابتدائية التي وقع في دائرتها الفعل المكون للمخالفة التأديبية والتي كان المدعي يعمل بإحدى جزئياتها وقت وقوع هذه المخالفة، وإن أصبح عند المجازاة تابعاً لمحكمة أخرى نقل إليها بعد ذلك، وكان ثمة سبب له أصل ثابت بالأوراق يبرر صدور القرار المطعون فيه، فإن الدعوى بطلب إلغاء هذا القرار تكون غير مرتكزة على أساس سليم من القانون حقيقة بالرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبقبول الدعوى. وبرفضها موضوعاً، وألزمت المدعي بالمصروفات.