مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 655

(74)
جلسة 25 من يناير سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 14 لسنة 4 القضائية

حكم - تفسيره - التفسير لا يطلب إلا بالنسبة للقضاء الوارد في المنطوق أو في الأسباب المرتبطة به ارتباطاً مكوناً لجزء منه أو مكملاً له، وذلك عند الغموض الذي يقتضي استجلاء - عدم مجاوزة حدود التفسير إلى التعديل - مثال.
إن المشرع أجاز في المادة 366 من قانون المرافعات المدنية والتجارية للخصوم أن يطلبوا إلى المحكمة التي أصدرت الحكم تفسير ما وقع في منطوقه من غموض أو إبهام، وذلك بطلب يقدم بالأوضاع المعتادة لرفع الدعاوى، ونص في المادة 367 من القانون المشار إليه على أن الحكم الصادر بالتفسير يعتبر من كل الوجوه متمماً للحكم الذي يفسره؛ أي ليس حكماً مستقلاً. ومفاد هذا أن طلب تفسير الحكم لا يكون إلا بالنسبة إلى قضائه الوارد في منطوقه، وهو الذي يحوز حجية الشيء المقضى به أو قوته دون أسبابه إلا ما كان من هذه الأسباب مرتبطاً بالمنطوق ارتباطاً جوهرياً ومكوناً لجزء منه مكمل له، كما لا يكون إلا حيث يقع في هذا المنطوق غموض أو إبهام يقتضي الإيضاح والتفسير لاستجلاء قصد المحكمة فيما غمض أو أبهم، ابتغاء الوقوف على حقيقة المراد منه، حتى يتسنى تنفيذ الحكم بما يتفق وهذا القصد. ويعتبر الحكم الصادر بالتفسير متمماً للحكم الذي يفسره من جميع الوجوه لا حكماً جديداً، وبذا يلزم أن يقف عند حد إيضاح ما أبهم بالفعل بحسب تقدير المحكمة، لا ما التبس على ذوي الشأن فهمه على الرغم من وضوحه، وذلك دون المساس بما قضى به الحكم المفسر بنقص، أو زيادة، أو تعديل، وإلا كان في ذلك إخلال بقوة الشيء المقضى به. وفي هذا النطاق، يتحدد موضوع طلب التفسير، فلا يكون له محل إذا تعلق بأسباب منفكة عن المنطوق، أو بمنطوق لا غموض فيه ولا إبهام، أو إذا استهدف تعديل ما قضى به الحكم بالزيادة أو النقص ولو كان قضاؤه خاطئاً، أو إذا رمى إلى إعادة مناقشة ما فصل فيه من الطلبات الموضوعية أياً كان وجه الفصل في هذه الطلبات. ومن ثم إذا ثبت أن الحكم المطلوب تفسيره قد انتهى إلى القضاء صراحة في منطوقه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وباستحقاق المدعي تسوية المنازعة على أساس قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من ديسمبر سنة 1954، وكان الواضح من المنطوق والأسباب أن المحكمة لم تستجب إلى طلبات المدعي الأصلية التي يعيد تكرارها تحت ستار دعوى التفسير، (وهي منحه الدرجة التاسعة براتب قدره خمسة جنيهات شهرياً من بدء تعيينه بوصفه حاصلاً على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية بالتطبيق لقواعد الإنصاف الصادرة في 30 من يناير سنة 1944). وإنما قضت باستحقاقه تسوية المنازعة على أساس قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من ديسمبر سنة 1954 وفقاً لقاعدة التصالح التي تضمنها هذا القرار والأرقام التي حددها، وذلك نظراً إلى أن الاعتماد المالي لتنفيذ قواعد الإنصاف بالنسبة إلى أمثال المدعي من حملة مؤهله لم يصدر، وما فتح إنما هو اعتماد مالي لإنصاف خدم المساجد كطائفة، لا بوصفهم حملة مؤهلات دراسية، بل بغض النظر عن هذه المؤهلات باعتبار وظائفهم ذات مرتب ثابت لا يحتاج شاغلها إلى مؤهل - إذا ثبت ما تقدم فإن دعوى التفسير التي يستهدف بها المدعي في حقيقة الأمر إعادة طرح المنازعة من جديد فيما سبق أن فصلت فيه المحكمة من الطلبات بما لا غموض ولا إبهام تكون في غير محلها، ويتعين القضاء برفضها وإلزامها بمصروفاتها.


إجراءات الطعن

في 21 من نوفمبر سنة 1957 أودع السيد/ عبد السلام أحمد قلفط سكرتيرية هذه المحكمة عريضة دعوى قيدت بجدولها تحت رقم 14 لسنة 4 القضائية، طالباً تفسير الحكم الصادر منها بجلسة أول يونيه سنة 1957 في الطعن رقم 1405 لسنة 2 القضائية المرفوع من السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة) بجلسة أول مارس سنة 1956 في الدعوى رقم 8023 لسنة 8 القضائية المقامة من وزارة الأوقاف ضد المدعي وهو حكم هذه المحكمة القاضي "بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وباستحقاق المدعي تسوية المنازعة على أساس قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من ديسمبر سنة 1954، وأمرت بجعل المصاريف مناصفة بين الطرفين" على أن يكون هذا التفسير "بتسوية حالة المدعي على أساس منحه الدرجة التاسعة براتب 5 ج من بدء تعيينه مع صرف الفروق المستحقة طبقاً للقواعد التي قررها مجلس الوزراء بخصوص خدمة المساجد مع إلزام وزارة الأوقاف بالمصروفات والأتعاب مع حفظ كافة الحقوق الأخرى". وقد أعلنت هذه الدعوى إلى وزارة الأوقاف في 25 من نوفمبر سنة 1957، ولم تعلن إلى هيئة المفوضين، وعين لنظرها أمام هذه المحكمة جلسة 14 من ديسمبر سنة 1957. وفي 23 من نوفمبر سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم مع الترخيص في تقديم مذكرات خلال أسبوعين.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي رفع إلى اللجنة القضائية لوزارات الأوقاف والشئون الاجتماعية والإرشاد القومي التظلم رقم 1492 لسنة 1 القضائية ضد وزارة الأوقاف، طالباً تسوية حالته برفع مرتبه إلى خمسة جنيهات شهرياً تطبيقاً لقواعد الإنصاف، الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944، وصرف الفروق المستحقة له من تاريخ تعيينه، وذلك بوصفه حاصلاً على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية في سنة 1931. ومعيناً خادماً لزاوية اعتباراً من 16 من يناير سنة 1941 براتب شهري قدره جنيه واحد، بلغ ثلاثة جنيهات وقت رفع التظلم. وقد ردت وزارة الأوقاف على هذا التظلم بأن المتظلم التحق بخدمتها بوظيفة خادم مسجد من 11 من يناير سنة 1941 بمرتب شهري قدره جنيه واحد. تدرج إلى أن وصل إلى ثلاثة جنيهات من 7 من فبراير سنة 1952، وأن الوظيفة التي يشغلها ذات مرتب ثابت ولا يحتاج شاغلها لأي مؤهل، كالشهادة الابتدائية التي يطلب إنصافه على أساس حصوله عليها. وبجلسة 31 من أغسطس سنة 1953 قررت اللجنة القضائية "استحقاق المتظلم للدرجة التاسعة بمرتب 5 جنيه من تاريخ دخول الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف الفروق اعتباراً من تاريخ تطبيق قواعد إنصاف سنة 1944". واستندت في ذلك إلى أنه يتعين تسوية حالته وفقاً لقواعد الإنصاف؛ لأن هذه القواعد إذ قررت لحامل الشهادة الابتدائية الحق في التعيين في الدرجة التاسعة بمرتب خمسة جنيهات شهرياًً لم تجعل ذلك رهيناً بحالة الميزانية أو بحاجة شاغل الوظيفة لمؤهل معين. وقد طعنت وزارة الأوقاف في هذا القرار أمام محكمة القضاء الإداري بالدعوى رقم 8023 لسنة 8 القضائية طالبة "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه، والقاضي بأحقية المطعون ضده في تسوية حالته تطبيقاً لقواعد الإنصاف مع صرف الفروق المستحقة وما يترتب على ذلك من آثار، وذلك كله مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وأسست طعنها على أن المدعي ليس معيناً على درجة مقررة بكادر الخدمة السائرة. وقد عقب هذا الأخير في مذكرته على طعن الوزارة بأن القضاء الإداري استقر على اعتبار خدم المساجد جميعاً خارجين عن هيئة العمال، ومثبتين على درجات الخدمة السائرة، وانتهى من ذلك إلى طلب رفض دعوى الوزارة وتأييد قرار اللجنة القضائية المطعون فيه. وبجلسة أول مارس سنة 1956 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة) "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه ورفض التظلم، وألزمت وزارة الأوقاف بالمصروفات". وأقامت قضاءها على أن القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية قد صفى جميع الأوضاع القديمة الناتجة عن قواعد الإنصاف وتسعير الشهادات التي حملت الخزانة العامة وميزانية الدولة تكاليف باهظة، تصفية نهائية بأن نسخ قرارات الإنصاف المختلفة بما فيها القواعد الصادرة بها قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944، وألغاها ضمناً فيما لم ينص على إلغائه صراحة من أحكامها، وأن القانون المشار إليه مفسراً بالقانون رقم 151 لسنة 1955 لا يسري على المدعي لكونه من المستخدمين الخارجين عن هيئة العمال؛ ومن ثم فإن المذكور لا يكون له حق في الإفادة من قواعد الإنصاف الصادرة في سنة 1944، ولا من أحكام قانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953، ويتعين رفض تظلمه. وبعريضة مودعة سكرتيرية هذه المحكمة في 26 من إبريل سنة 1956 طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم طالباً "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بتأييد قرار اللجنة القضائية فيما قضى به من تسوية حالة المطعون لصالحه طبقاً لقواعد الإنصاف، مع ما يترتب على ذلك من آثار عدا الفروق المالية فتكون من 7 من فبراير سنة 1952 مع إلزام الحكومة بالمصروفات". وقد قيد هذا الطعن بجدول هذه المحكمة تحت رقم 1405 لسنة 2 القضائية. واستند السيد رئيس هيئة المفوضين في أسبابه إلى أن القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية، قد خلا من نص خاص بإلغاء قواعد إنصاف ذوي المؤهلات الدراسية، ولذا فإن هذه القواعد تظل قائمة ونافذة ومنتجة لآثارها في مجال تطبيقها. وقد تحقق للمطعون لصالحه في ظلها مركز قانوني ذاتي، بأن يوضع في الدرجة التاسعة من تاريخ التحاقه بالخدمة براتب قدره خمسة جنيهات شهرياً وما يترتب على ذلك من آثار، ما دام حاصلاً على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية في سنة 1931 ومعيناً في 16 من يناير سنة 1941 خادم مسجد بمرتب جنيه واحد شهرياً، أي قبل صدور قواعد الإنصاف، على أن النفاذ من حيث صرف الفروق رهين بتاريخ الموافقة على الاعتماد المالي اللازم لصرف هذه الفروق، وهذا الاعتماد لم يتقرر بالنسبة لوزارة الأوقاف إلا في 7 من فبراير سنة 1952. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب، فإنه يكون قد خالف القانون، وقامت به إحدى حالات الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا. وقد أودعت وزارة الأوقاف في 11 من مارس سنة 1957 مذكرة بملاحظاتها، قالت فيها إن قواعد الإنصاف الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944 ما كان يمكن قانوناً أن يتولد أثرها حالاً ومباشرة بمجرد صدورها، وإنما بفتح الاعتماد المالي المخصص لهذا الغرض من الجهة التي تملكه. ولما كان الاعتماد المخصص لمواجهة أعباء إنصاف خدم المساجد لم يفتح إلا من 7 من فبراير سنة 1952 بالنسبة لمن كانوا معينين قبل 30 من يناير سنة 1944، ومن أول يناير سنة 1953 بالنسبة لمن عينوا بعد ذلك التاريخ، فإنه من هذين التاريخين فقط تصبح قرارات الإنصاف فيما يتعلق بهذه الطائفة جائزة وممكنة قانوناً ومنتجة لآثارها. وقد عالج قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من ديسمبر سنة 1954 المدة السابقة على تاريخ فتح الاعتمادين السابقين، فوضع قاعدة تنظيمية عامة، من مقتضاها استحقاق أفراد هذه الطائفة نصف الفروق التي كانت مقررة لهم في قواعد الإنصاف من تاريخ الإنصاف أو تاريخ التعيين حسب الأحوال، وفتح الاعتماد لمواجهة آثار هذه القاعدة. وقد قصد بالإنصاف في الحدود السابقة خدم المساجد كطائفة، وبذلك خرج المؤهل الذي يحمله شاغل الوظيفة من هذا المجال؛ ومن ثم فإن خدم المساجد بوصفهم من ذوي المؤهلات لا تنتج قواعد الإنصاف الصادرة في 30 من يناير سنة 1944 آثارها بالنسبة إليهم؛ إذ أنه لم يفتح الاعتماد المالي لصيرورتها ممكنة قانوناً. وإذ كان المطعون لصالحه من خدم المساجد فإنه لا يمكن أن يفيد من قواعد الإنصاف كصاحب مؤهل. وخلصت الوزارة من هذا إلى طلب "تأييد الحكم المطعون فيه القاضي بإلغاء قرار اللجنة القضائية، ورفض التظلم، مع تطبيق قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من ديسمبر سنة 1954 الخاص بخدم المساجد الخارجين عن الهيئة"، كما قرر الحاضر عن الوزارة أمام هيئة مفوضي الدولة في 11 من مارس سنة 1957 أن "النزاع الحالي يقوم حول استحقاق أو عدم استحقاق المطعون لصالحه تسوية حالته طبقاً لقواعد الإنصاف بوصفه من المؤهلين... وأن قواعد تسعير الشهادات لا تسري على خدمة المساجد لعدم الاعتماد المالي اللازم لتنفيذ هذه القواعد في شأن المؤهلين منهم، فكل ما له من حقوق هو ما استحدثه له قرار سنة 1954، وليس لدى الوزارة مانع من تسوية حالته على هذا الأساس، لا باعتباره من المؤهلين، بل باعتباره من خدمة المساجد". وبجلسة أول يونيه سنة 1957 أصدرت هذه المحكمة حكمها في هذا الطعن "بقبول الطعن شكلاً، وفي موضعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وباستحقاق المدعي تسوية المنازعة على أساس قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من ديسمبر سنة 1954، وأمرت بجعل المصاريف مناصفة بين الطرفين". وبعريضة مودعة سكرتيرية هذه المحكمة في 21 من نوفمبر سنة 1957 أقام المدعي دعواه الحالية التي قيدت برقم 14 لسنة 4 القضائية طالباً الحكم "بتفسير الحكم الصادر في الطعن رقم 1405 سنة 2 قضائية عليا، بتسوية حالة المدعي على أساس منحه الدرجة التاسعة براتب 5 ج من بدء تعيينه مع صرف الفروق المستحقة طبقاً للقواعد التي قررها مجلس الوزراء بخصوص خدمة المساجد، مع إلزام وزارة الأوقاف بالمصروفات والأتعاب، مع حفظ كافة الحقوق الأخرى"، مستنداً في ذلك إلى أنه وإن كان أصلاً من خدم المساجد، إلا أنه الوحيد فيهم الحاصل على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية وهي التي كان مقدراً لها في قواعد الإنصاف الدرجة التاسعة براتب قدره خمسة جنيهات شهرياً. وأنه على هذا الأساس أعلن الحكم الصادر من هذه المحكمة إلى وزارة الأوقاف، لتنفيذه على أساس وضعه في الدرجة التاسعة براتب قدره خمسة جنيهات شهرياً، مع منحه العلاوات وصرف الفروق. إلا أن الوزارة تمسكت بأن تسوى حالته بواقع ثلاثة جنيهات شهرياً بدون أية علاوة، شأنه في ذلك شأن زملائه خدمة المساجد غير الحاصلين على مؤهلات دراسية. ونظراً إلى أن حكم المحكمة الإدارية العليا سالف الذكر كان غامضاً - على حد قوله - في هذا الأمر، فإنه يطلب إلى المحكمة تفسيره استناداً إلى الماد 366 من قانون المرافعات حتى تقوم الوزارة بتنفيذه تنفيذاً صحيحاً. وقد أودع المدعي سكرتيرية المحكمة بعد ذلك مذكرة بملاحظاته قال فيها إن هذه الدعوى هي دعوى تفسير، وأنه لا يقصد من رفعها أن يطعن في حكم المحكمة الإدارية العليا المطلوب تفسيره لتمكين وزارة الأوقاف من تنفيذه على الوجه الصحيح، إذ أرادت الوزارة أن تسوي حالته على أساس راتب قدره ثلاثة جنيهات شهرياً أسوة بخدمة المساجد الآخرين غير الحاصلين على مؤهل، مع أنه حاصل على شهادة إتمام الدراسية الابتدائية، ومعين في الوزارة منذ 16 من يناير سنة 1941، أي قبل صدور قواعد إنصاف سنة 1944 التي تسري حتماً في حقه. ومن أجل هذا فإنه يطالب بتطبيق هذه القواعد على حالته، وهذا حق له أقر به حكم المحكمة الإدارية العليا؛ إذ أنشأ له مركزاً قانونياً ذاتياً لا يمكن المساس به. ومع أنه في الواقع يستحق الفروق منذ 30 من يناير سنة 1944، إلا أنه يقبل حسماً للنزاع صرف الفروق على أساس قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من ديسمبر سنة 1954 مع تسوية حالته بوضعه في الدرجة التاسعة بمرتب قدره خمسة جنيهات شهرياً منذ بدء تعيينه الحاصل قبل 9 من ديسمبر سنة 1944، لا على أساس منحه مرتباً قدره ثلاثة جنيهات في الشهر، إذ في ذلك إهدار للمركز القانوني الذي اكتسبه من قواعد الإنصاف التي سرت على جميع من كان بالخدمة قبل 9 من ديسمبر سنة 1944، والذي لا يمكن لأحد المساس به.
ومن حيث إن المشرع أجاز في المادة 366 من قانون المرافعات المدنية والتجارية للخصوم أن يطلبوا إلى المحكمة التي أصدرت الحكم تفسير ما وقع في منطوقه من غموض أو إبهام، وذلك بطلب يقدم بالأوضاع المعتادة لرفع الدعاوى، ونص في المادة 367 من القانون المشار إليه على أن الحكم الصادر بالتفسير يعتبر من كل الوجوه متمماً للحكم الذي يفسره، أي ليس حكماً مستقلاً. ومفاد هذا أن طلب تفسير الحكم لا يكون إلا بالنسبة إلى قضائه الوارد في منطوقه، وهو الذي يحوز حجية الشيء المقضى به أو قوته، دون أسبابه إلا ما كان من هذه الأسباب مرتبطاً بالمنطوق ارتباطاً جوهرياً ومكوناً لجزء منه مكمل له، كما لا يكون إلا حيث يقع في هذا المنطوق غموض أو إبهام يقتضي الإيضاح والتفسير، لاستجلاء قصد المحكمة فيما غمض أو انبهم ابتغاء الوقوف على حقيقة المراد منه، حتى يتسنى تنفيذ الحكم بما يتفق وهذا القصد. ويعتبر الحكم الصادر بالتفسير متمماً للحكم الذي يفسره من جميع الوجوه لا حكماً جديداً، وبذا يلزم أن يقف عند حد إيضاح ما أبهم بالفعل بحسب تقدير المحكمة، لا ما التبس على ذوي الشأن فهمه على الرغم من وضوحه، وذلك دون المساس بما قضى به الحكم المفسر بنقص أو زيادة أو تعديل، وإلا كان في ذلك إخلال بقوة الشيء المقضى به. وفي هذا النطاق، يتحدد موضوع طلب التفسير، فلا يكون له محل إذا تعلق بأسباب منفكة عن المنطوق، أو بمنطوق لا غموض فيه ولا إبهام، أو إذا استهدف تعديل ما قضى به الحكم بالزيادة أو النقص ولو كان قضاؤه خاطئاً، أو إذا رمى إلى إعادة مناقشة ما فصل فيه من الطلبات الموضوعية، أياً كان وجه الفصل في هذه الطلبات.
ومن حيث إن حكم هذه المحكمة المطلوب تفسيره قد أفصح بوضوح في أسبابه عن أن الاعتماد المالي لإنصاف خدم المساجد لم يفتح إلا في 7 من فبراير سنة 1952 بالنسبة لمن كانوا معينين فيها قبل 30 من يناير سنة 1944، مما يستتبع عدم إفادة المدعي من قواعد الإنصاف - التي أغفل القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية النص صراحة على إلغائها، والتي تظل قائمة ونافذة منتجة آثارها في مجال تطبيقها - إلا من هذا التاريخ إلا أنه بعد ذلك أصدر مجلس الوزراء في 8 من ديسمبر سنة 1954 قراراًً بشأن التصالح مع الخدم والمؤذنين بناء على مذكرة وزارة الأوقاف، مفاده التصالح معهم على أساس 3 جنيهات شهرياًً مع صرف إعانة غلاء لهم. وبناء على ذلك قررت وزارة الأوقاف في ميزانيتها مبلغ 250.000 ج لتنفيذ ذلك. وقد طلبت الوزارة في مذكرتها المؤرخة في 10 من مارس سنة 1957 تطبيق هذا القرار على حالته، فيتعين إلغاء الحكم والقضاء بذلك. وانتهى الحكم المطلوب تفسيره من هذا المنطق إلى القضاء صراحة في منطوقه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وباستحقاق المدعي تسوية المنازعة على أساس قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من ديسمبر سنة 1954 مع جعل المصروفات مناصفة بين الطرفين. وواضح مما تقدم أن المحكمة لم تستجب إلى طلبات المدعي الأصلية التي يعيد تكرارها اليوم تحت ستار دعوى التفسير، وهي منحه الدرجة التاسعة براتب قدره خمسة جنيهات شهرياً من بدء تعيينه بوصفه حاصلاً على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية، بالتطبيق لقواعد الإنصاف الصادرة في 30 من يناير سنة 1944 وما يترتب على ذلك من آثار وفروق على نحو ما ذهب إليه قرار اللجنة القضائية. وإنما قضت باستحقاقه تسوية المنازعة على أساس قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من ديسمبر سنة 1954 وفقاً لقاعدة التصالح التي تضمنها هذا القرار والأرقام التي حددها؛ وذلك نظراً إلى أن الاعتماد المالي لتنفيذ قواعد الإنصاف بالنسبة إلى أمثال المدعي من حملة مؤهله لم يصدر، وما فتح إنما هو اعتماد مالي لإنصاف خدم المساجد كطائفة لا بوصفهم حملة مؤهلات دراسية، بل بغض النظر عن هذه المؤهلات، باعتبار وظائفهم ذات مرتب ثابت لا يحتاج شاغلها إلى مؤهل ما. وقد قدر المبلغ الذي أدرج لمواجهة ذلك في ميزانية وزارة الأوقاف على هذا الأساس، ومن أجل هذا قضى الحكم باستحقاق المدعي تسوية المنازعة على أساس قرار مجلس الوزراء آنف الذكر، الذي نص على التصالح مع خدم المساجد والمؤذنين على أساس ثلاثة جنيهات شهرياً مع صرف إعانة غلاء لهم، وأقر ما ذهبت إليه الوزارة في مذكرتها المؤرخة في 10 من مارس سنة 1957. التي وافقت فيها على تطبيق قرار مجلس الوزراء المشار إليه على حالة المدعي، والتي جاء بها أن الإنصاف إنما قصد به خدم المساجد كطائفة بحيث يخرج المؤهل الذي يحمله شاغل الوظيفة من هذا المجال، ولا تنتج قواعد الإنصاف آثارها بالنسبة إلى خدم المساجد بوصفهم من ذوي المؤهلات، لعدم فتح الاعتماد المالي اللازم لصيرورتها ممكنة قانوناً؛ ومن ثم فلا يفيد المدعي كخادم مسجد من تلك القواعد بوصفه صاحب مؤهل. وقد أكد الحكم عدم استجابته إلى طلبات المدعي كاملة بالنص في منطوقه على جعل المصروفات مناصفة بين الطرفين.
ومن حيث إنه لما تقدم تكون دعوى التفسير، التي يستهدف بها المدعي في حقيقة الأمر إعادة طرح المنازعة من جديد فيما سبق أن فصلت فيه المحكمة من الطلبات بما لا غموض فيه ولا إبهام، في غير محلها، ويتعين القضاء برفضها، وإلزامه بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.