مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1980 إلى آخر فبراير سنة 1981) - صـ 581

(79)
جلسة 17 من فبراير سنة 1981

برئاسة السيد الأستاذ المستشار سعد زغلول محمد أبو عوف نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد الفتاح صالح الدهري وعبد الرءوف محمد محيي الدين وعلي السيد علي السيد ومحمد أحمد البدري - المستشارين.

الطعن رقم 110 لسنة 24 القضائية

( أ ) دستور - دستورية القوانين - موانع التقاضي.
مقتضى إعمال نص المادة 68 من دستور سنة 1971 أن تعتبر النصوص المانعة من التقاضي ملغاة كأثر مباشر لنصوص الدستور - أساس ذلك: الدستور الجديد قد تضمن تنظيماً مغايراً لما تضمنته تلك النصوص - المادة 191 من الدستور ليس من مؤداها إضفاء حصانة دستورية دائمة على التشريعات السابقة على الدستور تبعدها عن تناول السلطة التشريعية بالتعديل أو الإلغاء - تطبيق [(1)].
(ب) دعوى - قبول الدعوى - موانع التقاضي.
المادة 7 من القانون رقم 54 لسنة 1966 بشأن لجان الفصل في المنازعات الزراعية - مقتضى أحكام القانون رقم 11 لسنة 1972 بإزالة موانع التقاضي أن يكون لأصحاب الشأن حق الالتجاء إلى القضاء في الميعاد وبالإجراءات التي تنص عليها القانون - المانع من التقاضي يدور وجوداً وعدماً مع وجود النص المانع وقيامه - أساس ذلك: النصوص المانعة من التقاضي ليس من شأنها إضفاء الصحة الموضوعية المطلقة على الأعمال محل الحماية وجعلها حجة فيما قررته بل هي مجرد قيود إجرائية مانعة من مباشرة الدعوى تزول بمجرد زوال المانع ليعود الحق الطبيعي في مباشرة الدعوى - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 26 من يناير سنة 1978 أودع الأستاذ توفيق سيدهم المحامي المقيد أمام المحكمة الإدارية العليا بصفته وكيلاً عن السيدة منيرة يوسف قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن قيد بجدولها تحت رقم 110 لسنة 24 ق عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بدائرة العقود، بجلستها المنعقدة في 27 من نوفمبر سنة 1977 في الدعوى 1458 لسنة 30 ق والذي قضى بعدم جواز نظر الدعوى مع إلزام المدعية بالمصروفات. وقد طلبت الطاعنة للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم بطلبات الطاعنة المبينة بعريضة الدعوى مع إلزام المطعون ضده الأول بالمصروفات.
وفي يوم الخميس الموافق 26 من يناير سنة 1978 أودعت هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب المحكمة العليا تقريراً بالطعن في حكم محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 1458 لسنة 30 ق المشار إليه قيد بجدولها تحت رقم 115 لسنة 24 ق عليا طلبت فيه للأسباب التي أوضحتها الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه وإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري لنظرها موضوعاً.
وبعد تحضير الطعنين قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها القانوني رأت فيه - للأسباب التي أوردتها - الحكم بقبول الطعنين شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم بجواز نظر الدعوى وإعادتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها وإبقاء الفصل في مصروفات الطعنين.
وبعد اتخاذ الإجراءات القانونية عرض الطعن على دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة التي قررت بجلستها المنعقدة في 19 من نوفمبر سنة 1980 إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) لنظرها بجلسة 9 من ديسمبر سنة 1980 وفيها سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن وأرجأت النطق بالحكم لجلسة 20 من يناير سنة 1981 وفي هذه الجلسة قررت المحكمة مد أجل الحكم لجلسة اليوم حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تنحصر، حسبما هو مستخلص من الأوراق أن الطاعنة (منيرة يوسف رزق تقدمت بالطلب رقم 10 لسنة 1967 أمام لجنة الفصل في المنازعات الزراعية بقويسنا ضد والدها المرحوم يوسف رزق والمستأجرين منه ومن بينهم المطعون ضده الأول محمد محمود خليل) طالبة الحكم ببطلان عقد الإيجار الصادر من والدها إلى المستأجرين استناداً إلى أن الطاعنة تملك مساحة 18 س/ 1 ف أطيان زراعية بحوض العمدة العربي شيوعاً 5 س/ 2 ط/ 3 ف ويمتلك باقي القدر شقيقتاها بهيجة ومارت يوسف رزق وكان والدها يقوم بزراعة تلك المساحة نيابة عنهم على الخدمة وقد أثبت ذلك في سجلات الجمعية بقويسنا المحيطة إلا أنه لنزاع بينه وبين الطاعنة بشأن المطالبة بالإيجار المستحق عن الفترة من 1964 حتى 1966 قام بتحرير عقد إيجار بينه وبين المطعون ضده الأول جعل تاريخه 1/ 11/ 1963 ومسجل بالجمعية التعاونية في 20/ 8/ 1966 برقم 173 - وفي 18/ 9/ 1967 قضت اللجان ببطلان عقد الإيجار المحرر بين المرحوم يوسف رزق والسيد محمد محمود خليل وعدم تسليم الأرض لمالكيها لعدم اختصاص اللجنة بهذا التسليم - وقد تقدم السيد/ محمد محمود خليل بتظلم إلى اللجنة الاستئنافية للفصل في المنازعات الزراعية بمركز قويسنا قيد برقم 91 لسنة 1967 وبجلسة 4 من نوفمبر سنة 1967 قضت بقبول التظلم شكلاً وفي الموضوع بتأييد القرار المتظلم منه بالنسبة لنصيب المتظلم ضدها الأولى وقدره 18 س/ 1 ف وإلغاء ما عدا ذلك بحسبانها قد أقامت الاعتراض بمفردها وفي 13 من نوفمبر سنة 1967 تقدم السيد/ محمد محمود خليل بطلب إلى الجمعية التعاونية الزراعية بقويسنا بطلب تحرير عقد الإيجار بينه وبين الطاعنة عن نصيبها البالغ 18 س/ 1 ف استناداً إلى أنه قد استأجر تلك المساحة من والدها المرحوم يوسف رزق وفي 9/ 4/ 1968 قررت اللجنة ألا يحرر عقد إيجار حتى يفصل في الدعاوى المدنية المقامة بينهما فتقدم بتظلم أمام اللجنة الاستئنافية قيد برقم 60 لسنة 1968 حيث وقعت الطاعنة (منيرة يوسف رزق) بعدم جواز نظر التظلم لسابقة الفصل فيه في الطلب رقم 10 لسنة 1967 واستئنافها في الطلب رقم 91 لسنة 1967 - إلا أن اللجنة الاستئنافية قضت بجلسة 2/ 6/ 1968 بقبول الطلب شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المتظلم منه وتحرير عقد إيجار بين المتظلم والمتظلم ضدها عن مساحة 18 س/ 1 ف - وقد أقامت الطاعنة إشكالاً في تنفيذ قرار اللجنة الاستئنافية أمام المحكمة المدنية بقويسنا في 5 من أغسطس 1968 برقم 660 لسنة 1968 وقد قضت المحكمة بجلسة أول يناير سنة 1968 بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً - وأقامت الطاعنة الدعوى رقم 1080 لسنة 1968 أمام محكمة قويسنا طالبة الحكم بقبول شواهد التزوير شكلاً وفي الموضوع ببطلان قرار اللجنة الاستئنافية للمنازعات الزراعية الصادر في التظلم رقم 50 لسنة 1968 وعدم الاعتداد به استناداً إلى انعدام هذا القرار لأن يحضر الجلسة مزور وأن اللجنة قد أثبتت حضور وكيل النيابة الأستاذ ديمون اسكندر في حين أنه لم يحضر ولم يوقع على المحضر - وبجلسة 26/ 11/ 1969 حكمت محكمة قويسنا الجزئية بعدم اختصاصها نوعياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة شبين الكوم الابتدائية حيث قيدت بالمحكمة الأخيرة برقم 116 لسنة 1970 كلي شبين الكوم وأمام تلك المحكمة عدلت الطاعنة طلباتها إلى طلب الحكم بإلغاء القرار الصادر من اللجنة الاستئنافية في التظلم رقم 50 لسنة 1968 باعتبار أن ذلك هو الفرض المطلوب من إثبات تزويره والتقرير ببطلان هذا القرار وانعدامه وبجلسة 25 من فبراير سنة 1973 حكمت محكمة شبين الكوم بعدم قبول الدعوى استناداً إلى أن ما تنعاه الطاعنة على القرار لا يعدو أن يكون وجهاً من وجوه البطلان ولا ينحدر به إلى درجة الانعدام فيما يمتنع معه التعويض له أو نقضه احتراماً للحجية المقررة له بحكم المادة (7) من القانون رقم 54 لسنة 1966 - فقامت الطاعنة (منيرة يوسف رزق) باستئناف هذا الحكم أمام محكمة استئناف طنطا مأمورية شبين الكوم وبجلسة 11 من نوفمبر سنة 1973 قضت محكمة الاستئناف بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة حيث قيدت بجدول المحكمة الأخيرة برقم 1458 لسنة 30 ق - وبجلسة 27 من نوفمبر سنة 1977 قضت محكمة القضاء الإداري بعدم جواز نظر الدعوى وأقامت قضاءها على أساس أن قرار اللجنة الاستئنافية الصادر في التظلم رقم 50 لسنة 1968 موضوع هذه الدعوى ألا ينحدر به إلى درجة الانعدام وأن هذا القرار قد صدر في ظل العمل بأحكام القانون رقم 50 لسنة 1968 بشأن لجان الفصل في المنازعات الزراعية ومن ثم فإنه لا يحظر الطعن فيه بالإلغاء أو بطلب التعويض عملاً بنص المادة / 7 من هذا القانون وأن القرارات الصادرة قبل العمل بأحكام القانون رقم 11 لسنة 1972 بشأن إزالة موانع التقاضي تعتبر نهائية ولا يحظر الطعن فيها ومن ذلك القرار المطعون فيه الصادر في 1/ 6/ 1968 أي قبل العمل بأحكام القانون رقم 11 لسنة 72 ومن ثم يكون حصيناً من الطعن وفقاً لأحكام المادة 7 من القانون رقم 54 لسنة 1966 المشار إليه.
وحيث إن الطعن رقم 110 لسنة 24 ق عليا المقام من السيدة/ منيرة يوسف رزق يقوم على أنه من المتفق عليه فقهاً وقضاء أنه يفتح ميعاد للطعن في القرارات التي لم يكن انتهى جواز الطعن فيها لوجود نص مانع من تاريخ العمل بأحكام القانون رقم 11 لسنة 1972 - لذلك ولما كانت الطاعنة قد أقامت الدعوى رقم 116 لسنة 1970 كلي بشبين الكوم بالطعن في قرار اللجنة الاستئنافية للفصل في المنازعات الزراعية الصادر في التظلم رقم 191 لسنة 1967 لسبق الفصل في موضوعه تكون قد لجأت للقضاء قبل صدور هذا القانون وصدر الحكم في ظل سريانه وبذلك يكون الطعن في القرار رقم 50 لسنة 1968 قد تم في الميعاد المقرر ولا يؤثر في ذلك أنه قد أقيم أمام محكمة غير مختصة ومن جهة أخرى لا وجه في القول بأن القرار المطعون فيه لم يلحقه عيب ينزل به إلى درجة الانعدام وأنه بإلحاق القرار محل الطعن لا يعدو أن يكون خطأ مادياً من كاتب الجلسة في عدم ذكر اسم وكيل النيابة الذي وقع على القرار بحسبان أن المادة رقم 59 لسنة 1966 قد نص صراحة على تشكيل لجنة الفصل في المنازعات الزراعية على وجه معين لتكون لهم الولاية في حضور اللجنة وبذلك لا يحق أن يقوم وكيل نيابة خلافاً عن دور اسمه في التشكيل ويكون القرار المطعون فيه قد صدر من هيئة لا ولاية لها في إصداره وانتهت الطاعنة إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه.
وحيث إن الطعن رقم 115 لسنة 24 قضائية قد قام على أن مؤدى الأثر المباشر لأحكام القانون رقم 11 لسنة 1972 هو إلغاء جميع موانع التقاضي الواردة في مواد القوانين المنصوص عليها بالمادة الأولى من القانون رقم 11 لسنة 1972 ومنها المادة/ 7 من القانون رقم 54 لسنة 1966 المشار إليه وينفتح لكل صاحب مصلحة ميعاد الطعن لإلغاء القرارات من تاريخ العمل بالقانون رقم 11 لسنة 1972 في 8/ 6/ 1972 وذلك ما لم يكن المنازعة مطروحة على القضاء في مثل هذا التاريخ - على نحو ما هو متحقق بالنسبة للحالة الماثلة - وتعتبر جائزاً النظر فيها ومقبولة شكلاً بمقتضى العمل بأحكام القانون رقم 11 لسنة 1972 إعمالاً لأثره المباشر دون حاجة لاشتراط تحقق أن يكون القرار المطعون فيه مشوباً بعيب ينحدر به إلى مرتبة الانعدام إذ لو أراد المشرع الإبقاء على موانع التقاضي بالنسبة للقرارات الصادرة قبل تاريخ العمل بالقانون رقم 11 لسنة 1972 لنص على ذلك صراحة ولم يكن من الجائز أن يفعل ذلك وإلا شاب مثل هذا النص عيب مخالفة الدستور وعلى ذلك فإنه لا عبرة بما ورد في المذكرة الإيضاحية من عبارات تخالف النص ويكون الحكم محل الطعن وقد ذهب إلى غير ذلك يكون قد صدر بالمخالفة لأحكام القانون ومنطوياً على خطأ في تطبيقه وتأويله خليقاً بالإلغاء.
وحيث إنه يبين من استقراء النصوص التشريعية التي انتظمت الأحكام الخاصة بالطعن في القرارات الصادرة من لجان الفصل في المنازعات الزراعية أن المادة 7 من القانون رقم 54 لسنة 1966 بشأن لجان الفصل في المنازعات الزراعية نصت على أنه "استثناء من أحكام قانون مجلس الدولة والسلطة القضائية لا يجوز الطعن بإلغاء أو وقف تنفيذ القرارات الصادرة من لجان الفصل في المنازعات الزراعية واللجان الاستئنافية المنصوص عليها في هذا القانون أو التعويض عنها".
ثم صدر دستور مصر الدائم سنة 1971 ونص في المادة 64 على أن سيادة القانون أساس الحكم في الدولة ونصت المادة 68 على أن التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا ويحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء وتنص المادة 191 على أن كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور يبقى صحيحاً ونافذاً، ومع ذلك يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في هذا الدستور - وتنص المادة 5/ 193 على أنه "يعمل بهذا الدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء".
وفي ظل العمل بالدستور الدائم صدر القانون رقم 11 لسنة 1972 بشأن إلغاء موانع التقاضي في بعض القوانين ونص في المادة 1 على أن "تلغى كافة صور موانع التقاضي الواردة في نصوص القوانين الآتي بيانها":
(أولاً) في قوانين الإصلاح الزراعي.......
(6) المادة السابعة من القانون رقم 54 لسنة 1966 بشأن لجان الفصل في المنازعات الزراعية وتقضي المادة 2 على أن "ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعمل به من تاريخ نشره" وقد نشر في الجريدة الرسمية بالعدد رقم 23 في 8 من يونيه سنة 1972.
وحيث إن مقتضى تلك النصوص أن المشرع الدستوري في إطار تأكيد أركان الدولة القانونية وتدعيم مبدأ المشروعية وسيادة القانون ضمن الدستور الدائم نصاً بتقرير حق كل مواطن في الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي وحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار وذلك حتى تنشط الرقابة القضائية وهي محور الضمانات الوظيفية الأساسية في تحديد السلطة على جميع أعمال الهيئات الحاكمة. وأن مقتضى إعمال المادة 68 من الدستور سالفة الذكر أن تعتبر النصوص المانعة من التقاضي ملغاة كأثر مباشر لإعمال نصوص الدستور بحسبانه قد تضمن تنظيماً مغايراً لما تضمنته تلك النصوص وأن لا سند فيما نصت عليه المادة 191 من الدستور الدائم بشأن استمرار العمل بالتشريعات السابقة إلى أن تعدل أو تلغى إذ ليس من مؤدى تلك المادة إضفاء حصانة دستورية دائمة على التشريعات السابقة على الدستور تبعدها عن متناول السلطة التشريعية لتجري في شأنها ما تراه من تعديل أو إلغاء طبقاً لأحكام الدستور الدائم أو أن يجعلها بمغايرة من بسط رقابة المحكمة الدستورية العليا عليها وأنه تطبيقاً لهذا النظر فقد بادر المشرع إلى استصدار القانون رقم 11 لسنة 1972 المشار إليه متضمناً النص على إلغاء النصوص المانعة من التقاضي ومن بينها نص المادة 7 من القانون رقم 54 لسنة 1966 بشأن لجان الفصل في المنازعات الزراعية. وأنه متى تحقق ذلك - فإنه يكون لأصحاب الشأن حق الالتجاء إلى القضاء بمجرد زوال المانع ذلك خلال المواعيد وبالإجراءات التي رسمها القانون في هذا الشأن - آية ذلك أن المسلم به أن النصوص المانعة من التقاضي ليس من بين شأنها إضفاء الصحة الموضوعية المطلقة على الأعمال محل الحماية وجعلها حجة فيما قررته بل هي مجرد قيود إجرائية مانعة من مباشرة الدعوى - لذلك فإنه بمجرد زوالها كعقبة مانعة يعود الحق الطبيعي في مباشرة الدعوى وبسط الرقابة القضائية وهذا النظر السليم هو ما اتجهت إليه محكمتنا الدستورية العليا في حكمها الصادر في أول مارس سنة 1975 في القضية رقم 2 لسنة 2 ق بالطعن بعدم دستورية المادة 7 من القانون رقم 54 لسنة 1966 المشار إليه - وقد قضت باعتبار الخصومة منتهية استناداً إلى أنه بإلغاء النص المطعون فيه الذي كان يحظر الطعن في قرارات لجان الفصل في المنازعات الزراعية - وذلك بمقتضى القانون رقم 11 لسنة 1972 الذي صدر أثناء نظر الدعوى) يسقط المانع الذي كان يحول دون الطعن فيها وينفسح السبيل لكل ذي مصلحة للطعن في هذه القرارات أمام القضاء ويتحقق بذلك الهدف من الطعن بعدم دستورية المادة السابعة من القانون المتقدم ذكره".
وحيث إنه بتطبيق تلك الأصول في خصوصية الطعنين الماثلين فإنه لما كان الثابت من الأوراق أن الطاعنة قد أقامت الدعوى رقم 1080 لسنة 1968 مدني قويسنا أمام محكمة قويسنا الجزئية بطلب الحكم بقبول شواهد التزوير وفي الموضوع ببطلان قرار اللجنة الاستئنافية للمنازعات الزراعية في التظلم رقم 50 لسنة 1968 واعتباره كأن لم يكن وفي 26 من نوفمبر سنة 1972 حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة شبين الكوم الابتدائية حيث قيدت بجدولها برقم 116 لسنة 1970 مدني كلي شبين الكوم وأمام تلك المحكمة عدلت الطاعنة طلباتها الأصلية إلى طلب الحكم ببطلان القرار الصادر من اللجنة الاستئنافية وانعدامه وبجلسة 25 من فبراير سنة 1973 حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى استناداً إلى أحكام القانون رقم 54 لسنة 1966 المشار إليه وقد استأنفت الطاعنة الحكم الأخير أمام محكمة استئناف طنطا (مأمورية شبين الكوم) حيث قيد الاستئناف برقم 99 لسنة 6 وطلبت الحكم بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بعدم الاعتداد بقرار اللجنة الاستئنافية رقم 50 لسنة 1968 لبطلانه وبجلسة 18 من نوفمبر سنة 1975 حكمت المحكمة بعدم اختصاص محكمة أول درجة ولائياً بنظر الدعوى وإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة وتنفيذاً لهذا الحكم أحليت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري حيث أصدرت الحكم محل الطعنين الماثلين بأن قضت بعدم قبول الدعوى استناداً إلى نص المادة 7 من القانون رقم 54 لسنة 1966 المشار إليه وأن إعمال القانون رقم 11 لسنة 1972 ينصرف إلى القرارات اللاحقة على العمل به في حين أن مقتضى إعمال أحكام القانون رقم 11 لسنة 1972 ما زالت موانع التقاضي ومن بينها إلغاء المادة 7 من القانون رقم 54 لسنة 1966 المشار إليه أن يكون لأصحاب الشأن حق الالتجاء إلى القضاء في الميعاد وبالإجراءات التي نص عليها القانون بحسبان أن المانع من التقاضي إنما يدور وجوداً وعدماً مع وجود النص المانع وقيامه لذلك فإنه متى كان الثابت أن الطاعنة قد أقامت الدعوى رقم 1080 لسنة 1968 مدني قويسنا وظلت الدعوى قائمة أمام القضاء المدني إلى أن صدر القانون رقم 11 لسنة 1972 المشار إليه وصدر حكم محكمة استئناف طنطا بعدم اختصاص القضاء المدني ولائياً وإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري وكان المسلم به أن الالتجاء إلى محكمة غير مختصة من شأنه أن ينتج أثره في مجال حساب مواعيد الطعن فإن حكم محكمة القضاء الإداري محل الطعن قد قضى بعدم قبول الدعوى على النحو المشار إليه يكون قد صدر بالمخالفة لأحكام القانون ويتعين إلغائه والحكم بقبول الدعوى وإحالة القضية إلى محكمة القضاء الإداري لتفصل في موضوعها مع إبقاء الفصل في المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبقبول الدعوى وإعادة القضية إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في موضوعها وأبقت الفصل في المصروفات.


[(1)] يراجع حكم المحكمة العليا في الدعوى رقم 1 لسنة 2 (الدستورية) الصادر بجلسة 1/ 3/ 1975 وكذلك حكم ذات المحكمة من الدعوى رقم 8 لسنة 7 (الدستورية) الصادر بجلسة 7/ 5/ 1977.