مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1980 إلى آخر فبراير سنة 1981) - صـ 627

(86)
جلسة 22 من فبراير سنة 1981

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد ثابت عويضة نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة حسن عبد الوهاب عبد الرازق ويحيى عبد الفتاح سليم البشرى وعبد الفتاح محمد إبراهيم صقر ومحمد محمود الدكروري - المستشارين.

الطعن رقم 802 لسنة 23 القضائية

دعوى - حكم في الدعوى - الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع - حجيتها.
المادة 49 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 تجيز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مؤقتاً إذا طلب في عريضة الدعوى ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها - الحكم الصادر في شأن طلب وقف التنفيذ وإن كان لا يمس أصل طلب الإلغاء فلا يقيد المحكمة عند نظر أصل الطلب موضوعاً إلا أنه يبقى مع ذلك حكماً قطعياً له مقومات الأحكام وخصائصها ويحوز حجية الأحكام في موضوع الطلب ذاته ولو أنه مؤقت بطبيعته طالما لم تتغير الظروف كما يحوز هذه الحجية من باب أولى بالنسبة لما فصلت المحكمة فيه من مسائل فرعية قبل البت في موضوع الطلب كالدفع بعدم الاختصاص أو بعدم القبول لرفع الدعوى بعد المواعيد القانونية أو لعدم نهائية القرار المطعون فيه - قضاء المحكمة في هذا كله ليس قطعياً فحسب بل يعتبر نهائياً كذلك - تعرض المحكمة الإدارية لهذه الدفوع بمناسبة نظرها طلب صرف المرتب مؤقتاً والفصل فيها بحكم نهائي حاز حجية الأمر المقضي يحول دون إعادة تعرض المحكمة الاستئنافية للحكم في هذه الدفوع - أساس ذلك:


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 28 من يوليه سنة 1977 أودع رئيس هيئة مفوضي الدولة بقلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد برقم 802 لسنة 23 ق في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري الدائرة الاستئنافية الأولى بجلسة 30 من مايو سنة 1977 في الطعن رقم 162 لسنة 7 ق المقام من رئيس مؤسسة النقل البري ورئيس شركة النيل العامة لإصلاح السيارات ضد السيد/ محمد متولي إبراهيم والذي قضى "بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم اختصاص مجلس الدولة ولائياً بنظر الدعوى المطعون ضده وأمرت بإحالة الدعوى بحالتها إلى محكمة القاهرة الابتدائية الدائرة العمالية لنظرها وأبقت الفصل في المصروفات" وطلب الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم بأحقية المدعي للبقاء في الخدمة حتى سن الخامسة والستين مع ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المطعون ضدهم بالمصاريف والأتعاب.
وأعلن الطعن وعرض على دائرة فحص الطعون فنظرته وبجلسة 7 من يوليه سنة 1980 قررت إحالة الطعن إلى هذه المحكمة التي حددت لإصدار الحكم فيه جلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع هذه المنازعة تخلص - حسبما يبين من أوراق الطعن ومستنداته - في أن المطعون ضده كان قد أقام الدعوى رقم 40 لسنة 20 ق أمام المحكمة الإدارية لوزارتي النقل والمواصلات بتاريخ 22 من يوليه سنة 1972 طالباً الحكم بقبول الدعوى شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام رئيس شركة النيل العامة لإصلاح السيارات المصاريف والأتعاب وقال المدعي شرحاً لدعواه إنه من مواليد 28 من إبريل سنة 1912 ويشغل الفئة الخامسة بمرتب 420 ج سنوياً وأنه التحق بمصلحة النقل الميكانيكي بتاريخ 16 من يناير سنة 1939 في حرفة فني صانع في ظل أحكام القانون رقم 5 لسنة 1909 وطبقت عليه أحكام كادر العمال وتدرج في حرفته حتى رقي إلى رئيس قسم فني ولما صدر القانون رقم 46 لسنة 1964 نقل إلى الفئة المعادلة طبقاً لأحكام القرار الجمهوري رقم 2264 لسنة 1964 وطبقاً لأحكام الفقرة الثالثة من المادة 14 من القانون رقم 5 لسنة 1909 تنتهي خدمته عند بلوغ سن الخامسة والستين وهذه القاعدة ظلت سارية في ظل قوانين المعاشات أرقام 37 لسنة 1929 و394 لسنة 1956 و36 لسنة 1960 و50 لسنة 1963 وقانون نظام العاملين المدنين بالدولة رقم 46 لسنة 1964 واستطرد المدعي قائلاً إن مصلحة النقل الميكانيكي ضمت إلى المؤسسة المصرية العامة للنقل الداخلي بالقرار الجمهوري رقم 214 لسنة 1964 ثم قررت المؤسسة إنشاء شركة النيل العامة لإصلاح السيارات تحت التأسيس وبعد ذلك صدر قرار رئيس المؤسسة بندب المدعي إلى الشركة المذكورة من 12 من ديسمبر سنة 1964 وأصدرت الشركة قرارها رقم 427 لسنة 1972 بفصل المدعي لبلوغه سن الستين وهو القرار المطعون فيه، وأوضح المدعي أحقيته في البقاء في الخدمة حتى سن الخامسة والستين طبقاً للقرارين الجمهوريين رقمي 2181 لسنة 1969، و2423 لسنة 1971 وطبقاً لفتوى الجمعية العمومية للفتوى والتشريع بمجلس الدولة بجلسة 22 من مارس سنة 1972 وأضاف المدعي أنه يشغل وظيفة حرفية ولا يزال معاملاً بأحكام القانون رقم 50 لسنة 1963 ولم يطلب نقله إلى شركة النيل العامة تحت التأسيس وهي شركة لم تثبت لها الشخصية المعنوية مما يعتبر وضع المدعي فيها على سبيل الندب ولذلك يحق له الإفادة من قاعدة إحالة الصناع إلى المعاش في سن الخامسة والستين. وباعتباره عاملاً بالمؤسسة لا يختص رئيس الشركة بإصدار قرار فصله ومن ثم يكون هذا القرار منعدماً. ودفع الحاضر عن شركة النيل العامة لإصلاح السيارات بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى لخضوع المدعي لنظام العاملين بالقطاع العام وبعدم توافر شروط الاستعجال لحصول المدعي على معاش، وأيد الحاضر عن مؤسسة النقل البري للبضائع دفاع الشركة المذكورة.
وبجلسة 25 من مارس سنة 1973 حكمت المحكمة الإدارية برفض الدفع بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وباختصاصها وبرفض طلب صرف المرتب، وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضير طلب إلغاء القرار المطعون فيه. وبجلسة 31 من مارس سنة 1975 أصدرت المحكمة الإدارية حكمها الذي قضى:
أولاً: بعدم جوز نظر الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى لسابقة الفصل فيه.
ثانياً: برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها.
ثالثاً: في الموضوع بإلغاء القرار الصادر من المؤسسة العامة للنقل البري للبضائع في 7 من يونيه سنة 72 والمنفذ بقرار رئيس شركة النيل العامة في 21 من يونيه سنة 1972 فيما تضمنه من إنهاء خدمة المدعي وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المؤسسة المصروفات. وأسست المحكمة قضاءها في الدفع بعدم الاختصاص الولائي على أن المادة 32 من القانون رقم 60 لسنة 1971 بشأن المؤسسات العامة وشركات القطاع العام تنص على أن "يكون لكل شركة شخصية اعتبارية ولا يثبت للشركة الشخصية الاعتبارية إلا من تاريخ شهر نظامها في السجل التجاري وتنقل إلى الشركة بمجرد شهرها في السجل التجاري آثار جميع التصرفات التي أجريت لحسابها قبل الشهر.." وترتيباً على ما تقدم وإذ كان الثابت مما قرره الحاضر عن شركة النيل العامة لإصلاح السيارات بمحضر جلسة 19 من فبراير سنة 1973 أن الشركة لم تشهر نظامها في السجل التجاري حتى الآن فمن ثم لم تثبت لها الشخصية الاعتبارية ولا تعدو أن تكون فرعاً من فروع المؤسسة المصرية العامة للنقل البري للبضائع ويعتبر مركز المدعي بهذه المثابة كما كان رغم صدور قرار رئيس مجلس إدارة المؤسسة رقم 85 لسنة 1964 - من عداد العاملين بالمؤسسة ويختص مجلس الدولة بنظر المنازعات المتعلقة بالمدعي باعتباره منسوباً إلى المؤسسة طبقاً للقانون رقم 47 لسنة 1972 وقرار رئيس مجلس الدولة رقم 396 لسنة 1972 ولذا يكون الدفع بعدم الاختصاص الولائي في غير محله ويتعين رفضه وعن الدفع بعدم قبول طلب الإلغاء قالت المحكمة إنه يبين من أوراق الدعوى أن المدعي تظلم من القرار المطعون فيه لمفوض الدولة لوزارتي النقل والمواصلات في 8 من يوليه سنة 1972 فأحاله المفوض إلى رئيس المؤسسة وهو صاحب شأن في القرار وموضوعه - خلال ستين يوماً من تقديمه ويتحقق به الغرض من وجوب تقديمه إلى مصدر القرار أو الجهة الرئاسية ثم إن مبادرة المدعي إلى طلب رفع الدعوى بطلبي صرف المرتب وإلغاء القرار المطعون فيه وإعلان صحيفتها إلى المؤسسة والشركة وتحديد أول جلسة لنظرها خلال الستين يوماً التالية لصدور القرار أمعن أثراً في إفادة معنى التظلم وتحقق أثره وإذ لم تستجب أيهما إلى التظلم وانتهى المفوض في 28 من أغسطس سنة 1972 إلى عدم ملاءمة إبداء الرأي في التظلم وانقضت المدة المقررة للبت في التظلم دون إجابة المدعي الأمر الذي يعتبر رفضاً لتظلمه وبذلك تحقق قصد الشارع من انتظار مواعيد البت في التظلم وهو إفساح المجال أمام الإدارة لإعادة النظر في قرارها ومن ثم يكون الدفع في غير محله. أما عن الموضوع فقد ذهبت المحكمة إلى أن الاستثناء المنصوص عليه في القانون رقم 50 لسنة 1963 (المادة 13) والقائم بعد العمل بالقانون رقم 46 لسنة 1964 والقانون رقم 158 لسنة 1964 ثم القانون رقم 58 لسنة 1971 بالنسبة لكل من يطلق عليهم وصف العمال بالمعنى المصطلح عليه لذلك قبل القانون رقم 46 لسنة 1964 ممن كانوا يشغلون الحرف العمالية في تاريخ العمل بالقانون رقم 50 لسنة 1963 لا يقف عند من يعملون منهم بوزارات الحكومة ومصالحها ووحدات الإدارة المحلية من المخاطبين بأحكام القانون رقم 46 لسنة 1964 بل ويمتد إلى من يعملون منهم أيضاً في المؤسسات العامة ممن تسري عليهم أحكام القانون رقم 50 لسنة 1963 حتى ما كان منها يطبق نظام العاملين بالقطاع العام وذلك أن القرار الجمهوري رقم 3309 لسنة 1966 أشار إلى القانون المذكور وأقر في المادة 75 منه الاستثناء المنصوص عليه في المادة 13 من القانون رقم 50 لسنة 1963 وقررته من بعد المادة 77 من القانون رقم 61 لسنة 1971 ولذلك فإن العاملين بالمؤسسة العامة للنقل البري للبضائع من الشاغلين لوظائف حرفية عمالية ومنهم المدعي يفيدون من حكم المادة 13 من القانون رقم 50 لسنة 1963 متى كانوا موجودين في الخدمة في تاريخ العمل به فيبقون في الخدمة حتى سن الخامسة والستين ولما كان المدعي منذ تاريخ التحاقه بالخدمة في 16 من يناير سنة 1939 شاغلاً لوظيفة عمالية ومعاملاً بكادر عمال اليومية وأدركه القانون رقم 50 لسنة 1963 وهو في الخدمة في هذا الوضع الوظيفي فتعلق حقه بالميزة المقررة في المادة 13 منه التي تخول له البقاء في الخدمة حتى سن الخامسة والستين، ولذلك لا يصح تقرير إنهاء خدمته قبل بلوغه هذه السن ويكون قرار رئيس المؤسسة المصرية الصادر في 7 من يونيه سنة 1972 بإنهاء خدمة المدعي في سن الستين - وهو القرار الذي استند إليه قرار رئيس الشركة الصادر في 21 من يونيه سنة 1972 بإنهاء خدمة المدعي - باطلاً لمخالفته حكم القانون في هذا الخصوص ويكون المدعي على حق في طلبه إلغاء هذا القرار.
وفي 24 من مايو سنة 1975 أودع رئيس مجلس إدارة المؤسسة المصرية العامة للنقل البري للبضائع ورئيس مجلس إدارة شركة النيل العامة لإصلاح السيارات بقلم كتاب محكمة القضاء الإداري (هيئة استئنافية) تقرير طعن قيد برقم 162 لسنة 7 ق. س في الحكم الصادر في القضية رقم 40 لسنة 20 ق بجلسة 31 من مارس سنة 1975 من المحكمة الإدارية لوزارتي النقل والمواصلات المقامة من السيد/ محمد متولي إبراهيم، وطلب الطاعنان الحكم بقبول الطعن شكلاً وبعدم اختصاص المحكمة الإدارية بنظر الدعوى وبعدم قبولها لرفعها بغير الطريق القانوني، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه بكافة مشتملاته مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات والأتعاب عن الدرجتين. ونعى الطاعنان على الحكم المشار إليه أنه قد جانب الصواب لأسباب ثلاثة:
أولاً: عدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى ذلك أن الثابت من الأوراق أن المطعون ضده نقل إلى شركة النيل العامة لإصلاح السيارات بقرار رئيس المؤسسة رقم 82 لسنة 1964 بعد سبق إنشائها بقرار وزير المواصلات رقم 43 لسنة 1964 وصدور قرارات جمهورية متعاقبة بتشكيل مجلس إدارة الشركة. وشهر نظام الشركة بالسجل التجاري شرط للاحتجاج بتصرفاتها على الغير وعمال الشركة ليسوا من الغير وأن المادة 40 من القانون رقم 60 لسنة 1971 بشأن المؤسسات العامة تنص على أنه لا يجوز بعد نشر القرار المؤسس للشركة الطعن ببطلانها بسبب مخالفة الأحكام المتعلقة بإجراءات التأسيس، وبناء على ما تقدم تكون الشركة قائمة ويكون المطعون ضده عاملاً بها وليس موظفاً عاماً ولا يختص القضاء الإداري بنظر منازعته.
ثانياً: عدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة لأن القرار المطعون فيه مما يتعين التظلم منه وانتظار انقضاء ميعاد البت في التظلم قبل رفع دعوى الإلغاء والثابت أن المطعون ضده لم يتظلم للشركة مصدرة القرار ولا للمؤسسة وهي الجهة الرئاسية وإنما تظلم لمفوض الدولة لوزارتي النقل والمواصلات ورفع دعواه قبل انقضاء ميعاد البت في التظلم.
ثالثاً: إلغاء الحكم المطعون فيه لمخالفته القانون ورفض دعوى المطعون ضده - لأن الأصل هو انتهاء الخدمة في سن الستين والاستثناء الذي تضمنته المادة 13 من القانون رقم 50 لسنة 1963 مشروط بالبقاء في الوظيفة العمالية مع أن المطعون ضده سكن في وظيفة غير عمالية وإذا قيل أن العبرة بالعمل الحرفي قبل النقل من المؤسسة إلى الشركة فمعنى ذلك إيجاد تفرقة في المعاملة بين العمال الحرفيين بالشركة الذين نقلوا من المؤسسة والذين عينوا بها ابتداء.
وفي 30 من مايو سنة 1977 حكمت محكمة القضاء الإداري (الدائرة الاستئنافية الأولى) بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم اختصاص مجلس الدولة ولائياً بنظر دعوى المطعون ضده، وأمرت بإحالة الدعوى بحالتها إلى محكمة القاهرة الابتدائية الدائرة العمالية لنظرها، وأبقت الفصل في المصروفات. وأسست المحكمة قضاءها بالنسبة للدفع بعدم الاختصاص الولائي لمجلس الدولة على أن الثابت من المستند رقم (2) من الحافظة المقدمة من شركة النيل العامة أن مجلس إدارة المؤسسة المصرية العامة للنقل الداخلي وافق بجلسة 2 من مارس سنة 1964 على تأسيس شركة النيل العامة لإصلاح السيارات مع تفويض المؤسسة في اتخاذ باقي الإجراءات اللازمة لقيام الشركة واعتمد هذا القرار من وزير المواصلات كما ثبت أيضاً من المستندات المقدمة من الشركة أن وزير النقل أصدر القرار رقم 161 لسنة 1975 في 3 من أغسطس سنة 1975 بإنشاء الشركة المذكورة ونشر القرار في الوقائع المصرية بالعدد 179 تابع بتاريخ 4 من أغسطس سنة 1975 ثم قيدت الشركة بالسجل التجاري بتاريخ 15 من أكتوبر سنة 1975 وبهذين الإجراءين اكتملت للشركة المذكورة مقومات تأسيسها واكتسبت الشخصية المعنوية اللازمة لقيامها قانوناً ولما كانت المادة 32 من القانون رقم 60 لسنة 1971 تنص على أن "تنقل إلى الشركة بمجرد شهرها في السجل التجاري آثار جميع التصرفات التي أجريت لحسابها قبل الشهر كما تتحمل الشركة جميع المصاريف التي انفقت في تأسيسها". لما كان ذلك فطبقاً لهذا النص تنتقل إلى الشركة آثار قرار المؤسسة الصادر بنقل المطعون ضده إلى الشركة اعتباراً من 12 من ديسمبر سنة 1964 وذلك بأثر رجعي باعتبار أن القانون افترض بالنص سالف الذكر أن المؤسسة تنوب قانوناً عن الشركة في التصرفات التي أجرتها لحسابها وتلتزم بهذه التصرفات سواء أقرتها أو لم تقرها ومن ثم فإن المطعون ضده يعتبر عاملاً بالشركة من تاريخ نقله إليها من المؤسسة وأنه وإن كان القرار المطعون فيه الذي أنهى خدمة المطعون ضده قد صدر في سنة 1972 أي قبل شهر الشركة في السجل التجاري واكتمال وجودها القانوني، فإن الشركة في الفترة من تاريخ تأسيسها في سنة 1964 إلى تاريخ شهرها سنة 1975 تعتبر شركة فعلية أو شركة واقع قياساً على حالة عدم موافقة السلطات على إنشائها، واستناداً إلى نظرية حماية الأوضاع الظاهرة تتحمل الشركة بالتزاماتها قبل العاملين بها وقبل الغير كما لو كانت شركة قانونية ويعتبر المطعون ضده تبعاً لذلك عاملاً بالشركة من تاريخ نقله إليها وعلى فرض صحة ما اتجه إليه الحكم المطعون فيه من أن المطعون ضده يظل من العاملين بالمؤسسة لأن نقله تم إلى منشأة تابعة لها لم تكتسب الشخصية المعنوية فمن المسلم أن للجهة الإدارية الاستعانة بوسائل القانون الخاص وقرار نقل المطعون ضده الذي جاء لاحقاً لقرار تأسيس الشركة ينطوي على تغيير في الوضع القانوني للمطعون ضده بتحويله من فئة العاملين الدائمين أي الموظفين العموميين بالمؤسسة إلى فئة العمال الخاضعين للقانون الخاص في نفس المؤسسة وهو قانون العمل ونظام العاملين بشركات القطاع العام وقد ارتضى المطعون ضده هذا التغيير ضمناً منذ نقله سنة 1964 حتى انتهاء خدمته سنة 1972 بعدم اعتراضه عليه أو التظلم منه أو في الطعن عليه من جهة، وسكوته على تعديل وضعه طبقاً لقرار رئيس الجمهورية رقم 877 لسنة 1965 بمعادلة درجات العاملين بشركة النيل العامة لإصلاح السيارات وتقييم وظيفته طبقاً للجداول التي اعتمدها مجلس الوزراء في 25 من يونيه سنة 1966 ومن ثم يكون المطعون ضده وعلى فرض بقائه من العاملين بالمؤسسة من العاملين الخاضعين لأحكام قانون العمل ونظام العاملين بشركات القطاع العام الذين لا يختص مجلس الدولة بنظر منازعتهم ولكل ذلك يكون الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة ولائياً بنظر المنازعة في محله وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى غير ذلك فيكون قد خالف صحيح حكم القانون في شأن الاختصاص ويتعين لذلك القضاء بإلغائه ولم تر المحكمة بعد ذلك محلاً لبحث أسباب الطعن الأخرى.
ويستند طعن رئيس هيئة مفوضي الدولة على حكم محكمة القضاء الإداري بهيئة استئنافية السالف الذكر إلى أنه لما كان قضاء المحكمة الإدارية العليا قد استقر على أن الحكم باستمرار صرف المرتب كله أو بعضه أو برفضه، وإن كان لا يقيد المحكمة عند نظر أصل هذا الطلب موضوعاً إلا أنه يظل مع ذلك حكماً قطعياً له مقومات الأحكام وخصائصها وينبني على ذلك أنه لا يجوز حجية الأحكام في خصوص موضوع الطلب ذاته ولو أنه مؤقت بطبيعته طالما لم تتغير الظروف كما يجوز هذه الحجية من باب أولى بالنسبة لما فصلت المحكمة فيه من مسائل فرعية قبل البت في موضوع الطلب كالدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري أصلاً بنظر الدعوى لسبب يتعلق بالوظيفة إذ أن قضاء المحكمة في هذا ليس قطعياً فحسب بل هو نهائي وليس مؤقتاً فيقيدها عند نظر طلب إلغائه فما كان يجوز بعد أن تفصل في الدفع بعدم الاختصاص برفضه أن تعود لتفصل في هذه المسألة من جديد إذ أن حكمها الأول بعد صيرورته نهائياً أصبح حائزاً لحجية الأحكام ثم قوة الشيء المحكوم فيه ويعتبر عنواناً للحقيقة حتى لو كان قد تنكب وجه الصواب في مسألة تتعلق بالنظام العام كرفض الدفع بعدم الاختصاص المتعلق بالوظيفة ذلك أن حجية الأمر المقضي تسمو على قواعد النظام العام فلا يصح إهدار تلك الحجية بمقولة إن الاختصاص المتعلق بالولاية يتصل بالنظام العام وليس في قانون مجلس الدولة بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا نص يقضي بأن استئناف الحكم الصادر في الموضوع يستتبع حتماً استئناف جميع الأحكام التي سبق صدورها كما هو الشأن في قانون المرافعات، إذ لا محل لإعمال هذا النص الذي ورد في قانون المرافعات بشأن استئناف الأحكام إذ لا تتسع لحكمة حالات الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا وتأسيساً على ذلك يكون الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب الأمر الذي يتعين معه إلغاؤه وانتهى الطاعن إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم بأحقية المدعي للبقاء في الخدمة حتى سن الخامسة والستين مع ما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام المطعون ضدهم بالمصاريف والأتعاب.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن جهة الإدارة قد دفعت أمام المحكمة الإدارية لوزارتي النقل والمواصلات أثناء نظرها الدعوى رقم 40 لسنة 20 ق بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى استناداً إلى أن المدعي ليس موظفاً عاماً وبالتالي فإن القرار الصادر بإنهاء خدمته في سن الستين لا يصدق عليه وصف القرار الإداري وانتهت المحكمة الإدارية في حكمها الصادر في 31 من مارس سنة 1975 إلى عدم جواز نظر الدفع المذكور لسابقة الفصل فيه في حكمها الصادر في طلب المدعي الخاص بصرف راتبه مؤقتاً حتى يفصل في الموضوع.
ومن حيث إن المحكمة الإدارية العليا قد استقر قضاؤها على أن المادة 21 من القانون رقم 55 لسنة 1959 بشأن مجلس الدولة إذ نصت على أنه لا يترتب على رفع الطلب إلى محكمة القضاء الإداري وقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه، على أنه يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف الأمر مؤقتاً إذا طلب ذلك في صحيفة الدعوى ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها - وهو عين ما رددته المادة 18 من قانون مجلس الدولة رقم 165 لسنة 1955 والمادة 49 من قانون المجلس رقم 47 لسنة 1972 إنما عنت بذلك أن الحكم الذي يصدر في موضوع الطلب سواء بوقف التنفيذ أو عدمه على حسب الظاهر الذي تبدو به الدعوى، لا يمس أصل طلب الإلغاء فلا يقيد المحكمة عند نظر أصل الطلب موضوعاً ومع ذلك يظل الحكم الصادر في طلب وقف التنفيذ حكماً قطعياً له مقومات الأحكام وخصائصها وينبني على ذلك أنه يحوز حجية الأحكام في خصوص موضوع الطلب ذاته ولو أنه مؤقت بطبيعته طالما لم تتغير الظروف، كما يحوز هذه الحجية من باب أولى بالنسبة لما فصلت المحكمة فيه من مسائل فرعية قبل البت في موضوع الطلب كالدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري أصلاً بنظر الدعوى لسبب يتعلق بالوظيفة أو بعدم اختصاص المحكمة أصلاً بنظرها بحسب موضوعها أو بعدم قبولها أصلاً لرفعها بعد الميعاد أو لأن القرار المطعون فيه ليس نهائياً، إذ قضاء المحكمة في هذا كله ليس قطعياً فحسب بل هو نهائي وليس مؤقتاً فيقيدها عند نظر طلب إلغائه. ولما كان ذلك فما كان يجوز لمحكمة القضاء الإداري بهيئة استئنافية بعد إذ فصلت المحكمة الإدارية لوزارتي النقل والمواصلات في الدفع بعدم الاختصاص أن تعود عند نظر الاستئناف فتفصل في هذا الدفع من جديد لأن حكم المحكمة الإدارية المذكورة في هذا الدفع كان قضاء نهائياً وحاز قوة الأمر المقضي وإذ قضت محكمة القضاء الإداري على خلاف ما قضت به المحكمة الإدارية فيكون حكمها - والحالة هذه - معيباً لمخالفته لحكم سابق حاز قوة الأمر المقضي مما يتعين معه الحكم بإلغاء حكم محكمة القضاء الإداري وإعادة الطعن إليها لتفصل في موضوعه وأبقت الفصل في المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم جواز نظر الدفع بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر الدعوى لسابقة الفصل فيها وبإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في موضوع الدعوى وأبقت الفصل في المصروفات.