أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 37 - صـ 141

جلسة 23 من يناير سنة 1986

برئاسة السيد/ المستشار: أحمد كمال سالم نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد رأفت خفاجي، الحسيني الكناني، ود. محمد فتحي نجيب ومحمد عبد البر حسين سالم.

(35)
الطعن رقم 2210 لسنة 54 القضائية

(1، 2) إيجار "إيجار الأماكن" "الامتداد القانوني لعقد الإيجار" "احتجاز أكثر من مسكن".
1 - الامتداد القانوني لعقد الإيجار بعد وفاة المستأجر أو تركه العين المؤجرة. شرطه. ألا يترتب عليه احتجاز أكثر من مسكن في البلد الواحد دون مقتض. المادتان 8، 29 ق 49 لسنة 1977.
2 - احتجاز أكثر من مسكن في البلد الواحد. مناطه. انفراد المستأجر بالسيطرة المادية والقانونية على المساكن التي أبرم عقود إيجارها. استقلال الأقارب ممن أوردتهم المادة 29 من القانون 49 لسنة 1977 استقلالاً فعلياً بأحد المساكن المؤجرة للمستأجر. أثره. توافر مقتضى الاحتجاز.
1 - النص في المادتين 8/ 1، 29/ 1 من القانون رقم 49 لسنة 1977 يدل على أن المشرع عمد إلى تقرير قاعدة عامة بامتداد الإيجار لمصلحة فئة محددة من الأقارب المقيمين مع المستأجر وقت الوفاة أو الترك - على اختلاف في شرط مدة الإقامة - وأن هذه القاعدة لا يحد منها إلا أن يترتب على تطبيقها صيرورة من امتداد العقد لمصلحته محتجزاً أكثر من مسكن في البلد الواحد دون مقتض، كما يدل على أن المشرع لم يكتف بحماية ذوي القربى، المكلف المستأجر بإعالتهم قانوناً، من غائلة أزمة الإسكان، وإنما بسط هذه الحماية لتتسع دائرتها فتحتوي من لا إلزام من القانون في إعالته في حدب من المشرع على الروابط الأسرية التي تتجاوز في أعماقها حد التكليف القانوني.
2 - مناط الاحتجاز في مدلول المادة 8 من القانون 49 لسنة 1977 هو أن ينفرد المستأجر بالسيطرة المادية والقانونية على المسكنين أو المساكن التي أبرم عقود إيجارها، بحيث لا تقتصر الروابط الإيجارية الناشئة عن هذه العقود على مجرد كونه طرفاً في العقد كمستأجر فيها، وإنما لا بد أن يتوافر في شأنه الانفراد المطلق والمستمر بالانتفاع بسكنى كل عين، فإذا اقتصرت الروابط الإيجارية الناشئة عن هذه العقود على مجرد ظهوره القانوني كمستأجر فيها، دون أن تكون له سيطرة مادية إلا على مسكن وحد مما استأجره واستقل آخرون من ذويه المبينين في المادة 29 من القانون 49 لسنة 1977 بالانتفاع بالمسكن أو المساكن الأخرى استقلالاً فعلياً لا شبهه فيه، فإنه يرتفع عنه الحظر المنصوص عليه في المادة الثامنة من القانون 49 لسنة 1977 لتوافر مقتضى الاحتجاز.


المحكمة

بعد الاطلاع الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر... والمرافعة وبعد المداولة قانوناً.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - في أن المطعون ضدهن أقمن الدعوى رقم 7310 لسنة 1977 مدني كلي إيجارات شمال القاهرة، طلبن فيها الحكم بإنهاء عقد إيجار شقة النزاع والتسليم، وقلن في بيانها، أن الطاعنة استأجرت منهن الشقة رقم 61 بنفس العقار الواقعة به شقة النزاع بموجب عقد إيجار مؤرخ 10/ 11/ 1969 لاستعمالها سكناً خاصاً لها، وأنها بموجب عقد إيجار آخر مؤرخ 5/ 8/ 1971 استأجرت منهن شقة النزاع لاستعمالها سكناً خاصاً لأولادها، إلا أنها قامت بتأجير الشقة الأخيرة من الباطن للغير بدون إذن كتابي من المالك، بما يتحقق معه سببان لإخلائها من العين الأخيرة هما تأجيرها لها من الباطن بدون إذن كتابي من المالك، واحتجازها أكثر من مسكن في مدينة القاهرة بدون مقتضى، وبتاريخ 28/ 2/ 1981 حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنف المطعون ضدهن هذا الحكم بالاستئناف رقم 2421 لسنة 98 ق القاهرة، وبتاريخ 23/ 5/ 1984 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وإخلاء الطاعنة من شقة النزاع والتسليم. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة - في غرفة مشورة - حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إنه مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك تقول أن المطعون ضدهن أقررن إقراراً قضائياً في صحيفة دعواهن بأن الطاعنة استأجرت الشقتين إحداهما لنفسها، والأخرى لأولادها، وهذا الإقرار يقوم به المقتضى لاستئجار الشقتين، سواء في ذلك أن شغل الشقة الأخرى أولاد الطاعنة أم شقيقتها، وخاصة أن كلا من الشقتين مكونة من غرفة واحدة، كذلك فإن شاهد المطعون ضدهن، وهو حارس العقار، شهد بأن شقيقة الطاعنة وأولادها يقيمون في الشقة الأولى، وأن الطاعنة تقيم في شقة النزاع حين لا تكون مؤجرة مفروشة، بما مؤداه ثبوت إقامة شقيقة الطاعنة وأولادها في شقة، واستقلال الطاعنة بشقة النزاع، إلا أن الحكم المطعون فيه وإن حصل دلالة ذلك فيما أورده بأسبابه من أن الطاعنة كانت تقيم في الشقة الأولى وتؤجر شقة النزاع مفروشة، وهو ما يتضمن بذاته استقلال شقيقتها بشقة، واستقلالها هي بالشقة الثانية، إلا أنه لم يفطن إلى أن ما حصله من ذلك يقوم به المبرر والمقتضى لاستئجار الشقتين، وينتفي في حق الطاعنة احتجازها أكثر من سكن، ويصبح المناط في إخلائها هو مدى مخالفتها لقواعد التأجير مفروشاً الذي لم يثبت من الأوراق، وإذ خالف الحكم المطعون فيه ذلك، فإنه يكون خليفاً بالنقض.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن النص في المادة 29/ 1 من القانون 49 لسنة 1977 على أنه "مع عدم الإخلال بحكم المادة (8) من هذا القانون لا ينتهي عقد إيجار السكن بوفاة المستأجر أو تركه العين إذا بقى فيها زوجه أو أولاده أو أي من والديه الذي كانوا يقيمون معه حتى الوفاة أو الترك وفيما عدا هؤلاء من أقارب المستأجر نسباً أو مصاهرة حتى الدرجة الثالثة يشترط لاستمرار عقد الإيجار إقامتهم في المسكن مدة سنة على الأقل سابقة على وفاة المستأجر أو تركه العين أو مدة شغله للمسكن أيهما أقل "والنص في الفقرة الأولى من المادة الثامنة من نفس القانون على أنه "لا يجوز للشخص أن يحتجز في البلد الواحد أكثر من مسكن دون مقتضى". يدل على أن المشرع عمد إلى تقرير قاعدة عامة بامتداد الإيجار لمصلحة فئة محددة من الأقارب المقيمين مع المستأجر وقت الوفاة أو الترك - على اختلاف في شرط مدة الإقامة - وأن هذه القاعدة لا يحد منها إلا أن يترتب على تطبيقها صيرورة من امتد العقد لمصلحته محتجزاً أكثر من مسكن في البلد الواحد دون مقتضى كما يدل على أن المشرع لم يكتف بحماية ذوي القربى المكلف المستأجر بإعالتهم قانوناً، من غائلة أزمة الإسكان، وإنما بسط هذه الحماية لتتسع دائرتها فتحتوي من لا إلزام من القانون في إعالته في حدب من المشرع على الروابط الأسرية التي تتجاوز في أعماقها حد التكليف القانوني. إذ كان ذلك، وكان مناط الاحتجاز في مدلول المادة 8 من القانون 49 لسنة 1977 هو أن ينفرد المستأجر بالسيطرة المادية والقانونية على المسكنين أو المساكن التي أبرم عقود إيجارها، بحيث لا تقتصر الروابط الإيجارية الناشئة عن هذه العقود على مجرد كونه طرفاً في العقد كمستأجر فيها، وإنما لا بد أن يتوافر في شأنه الانفراد المطلق والمستمر بالانتفاع بسكنى كل عين، فإذا اقتصرت الروابط الإيجارية الناشئة عن هذه العقود على مجرد ظهوره القانوني كمستأجر فيها، دون أن تكون له سيطرة مادية إلا على مسكن واحد مما استأجره واستقل آخرون من ذويه المبينين في المادة 29 من القانون 49 لسنة 1977 بالانتفاع بالمسكن أو المساكن الأخرى استقلالاً فعلياً لا شبهه فيه، فإنه يرتفع عنه الحظر المنصوص عليه في المادة الثامنة من القانون 49 لسنة 1977 لتوافر مقتضى الاحتجاز، إذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن خلص إلى استقلال شقيقة الطاعنة بإحدى شقتي النزاع، اعتبر مجرد إبرام الطاعنة لعقدي إيجار الشقتين، وتأجير الشقة الأخرى مفروشة لبعض الوقت احتجاز منها لأكثر من مسكن في مدينة القاهرة بغير مقتضى، فإنه يكون قد شابه الفساد في الاستدلال، وقد أدى به هذا الخطأ إلى عدم بحث مدى ثبوت تأجير الطاعنة للمسكن الخاص بها مفروشاً، في نطاق عدم احتجازها لغيره من مساكن، كذلك مدى مخالفتها لشروط التأجير مفروشاً، فلحقه أيضاً القصور، مما يوجب نقضه، على أن يكون مع النقض الإحالة.