أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 37 - صـ 302

جلسة 6 مارس سنة 1986

برئاسة السيد المستشار: يوسف أبو زيد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمود نبيل البناوي، أحمد نصر الجندي، د/ محمد بهاء الدين باشات ومحمد خيري حسين.

(66)
الطعن رقم 2138 لسنة 52 القضائية

(1، 2، 3) إثبات "أدلة الإثبات: الأوراق العرفية: حجيتها في الإثبات" "حجية الأوراق غير التجارية والمنزلية في الإثبات" "القرائن" "طرق الإثبات: الإثبات بالكتابة".
1 - اعتبار المحرر العرفي دليلاً كاملاً في الإثبات. شرطه. أن يكون موقعاً عليه ممن أصدره. أثره. إعفاء من صدر لصالحه من تقديم دليل آخر يؤيده وإلقاء عبء إثبات عكسه على من وقعه.
2 - اعتبار الدليل الكامل ذا حجية مطلقة مانعة من إثبات ما يخالفه أو يجاوزه بغير الكتابة. مناطه. أن يكون قد تم تسليمه برضاء من أصدره إلى المستفيد منه. بقاؤه في حوزة من أصدره أو انتقاله بغير رضاه إلى المتمسك به. أثره. اعتباره في حكم الورقة المنزلية.
3 - الدفاتر غير التجارية والأوراق المنزلية. جواز اعتبارها قرينة لا تقوم بذاتها بل تضم إلى غيرها في الأحوال التي تقبل الإثبات بالقرائن. الاستثناء. م 18 إثبات. اعتبارها دليلاً كاملاً ليست له حجية مطلقة في الإثبات. أثره. لمن صدرت منه وخلفائه إثبات عكس ما جاء بها بكافة طرق الإثبات.
(4) محكمة الموضوع "مسائل الواقع". إثبات.
محكمة الموضوع لها السلطة التامة في فهم الواقع في الدعوى والموازنة بين حجج الخصوم والأخذ بما تطمئن إليه منها وطرح ما عداه دون حاجة إلى تتبع كل حجة منها والرد عليها استقلالاً. حسبها أن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله.
1 - مفاد المواد 14/ 1، 18، 61 من قانون الإثبات أن اعتبار المحرر العرفي دليلاً كاملاً بما تضمنه من إقرارات هو أن يكون موقعاً عليه ممن أصدره، وحينئذ يغنى من كانت الإقرارات لصالحه عن تقديم دليل آخر يؤيدها، ويلقي عبء إثبات عكسها على من وقع المحرر.
2 - مناط اعتبار الدليل الكامل ذا حجية مطلقة - أي مانعة أصلاً من إثبات ما يخالفه أو يجاوزه بغير الكتابة - هو أن يكون قد تم تسليمه برضاء من أصدره إلى المستفيد منه، أما إذا كان المحرر في حوزة من أصدره أو انتقل بغير رضاه إلى المتمسك به فإنه يظل في حكم الورقة المنزلية.
3 - الأصل في الدفاتر غير التجارية وسائر الأوراق المنزلية أن صدورها بخط أو توقيع صاحبها لا يجعل منها دليلاً ضده، وإن جاز اعتبارها قرينة لا تقوم بذاتها بل تضم إلى غيرها في الأحوال التي تقبل الإثبات بالقرائن، إلا أنه في الحالتين الاستثنائيتين الواردتين في المادة 18 إثبات تكون الورقة المنزلية دليلاًَ كاملاً ضد من أصدرها كافياً بذاته لإثبات ما تضمنته من قرارات، إلا أن حجيته في الإثبات ليست مطلقة، وبالتالي يحق لمن صدرت منه الورقة وخلفائه إثبات عكس ما جاء بها بكافة طرق الإثبات كأن يثبت أن ما دون بها صدر عن خطأ أو تلاه من الوقائع ما غّير أو عدل مضمونه أو أنه كان مجرد إعداد مسبق لمشروع تعامل لم يتم.
4 - المقرر في قضاء هذه المحكمة - إن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع في الدعوى والموازنة بين حجج الخصوم والأخذ بما تطمئن إليه منها وطرح ما عداه دون حاجة إلى تتبع كل حجة منها والرد عليها على استقلال وحسبها في ذلك أن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر... والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن تقدم بطلب لرئيس محكمة جنوب القاهرة طالباً صدور أمر أداء بإلزام المطعون ضدها الأولى وآخر بأن يؤديا له من تركة المرحوم.... مبلغ 22500 ج وقال بياناً لذلك أنه كان قد أودع لدى المورث - حال حياته هذا المبلغ، وإذ توفى وذمته مشغولة به فقد تقدم بالطلب المشار إليه، واستند في ذلك إلى ورقة تتضمن إقراراً منسوباً للمورث بأنه مودع لديه من الطاعن مبلغ خمسة عشر ألفاً من الجنيهات وكذلك مبلغ آخر قيمته سبعة آلاف وخمسمائة جنيه. بتاريخ 24/ 10/ 1973 رفض الطلب وحددت جلسة لنظر موضوعه وقيدت الدعوى برقم 4577/ 1973 مدني كلي جنوب القاهرة. بتاريخ 25/ 11/ 1981 قضت المحكمة للطاعن بطلباته. استأنف المطعون ضدهم هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئنافين رقمي 6939/ 89 ق، 35/ 99 ق طالبين إلغاءه والحكم برفض الدعوى. بتاريخ 26/ 5/ 1972 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض. أودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقضه، عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعى الطاعن بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول أنه لم يكن لديه سند بإيداعه المبلغ محل النزاع لدى مورث المطعون ضدها الأولى، ثم تحصل على محرر موقع من هذا المورث يثبت تلك الوديعة كان من بين أوراق المورث حتى وفاته وعثر عليه من يدعى... الذي يشرف على إدارة أعمال المطعون ضدها الأولى، ولدى وفاة هذا الأخير قامت زوجته بتسليم هذه الورقة إلى الطاعن الذي أستند إليها في مطالبته، وتمسك بعدم جواز إثبات ما يخالفها بغير الكتابة، إلا أن الحكم المطعون فيه قبل إثبات صورية هذا الإقرار بالقرائن، وخلص إلى رفض دعوى الطاعن بما يعيبه بمخالفة القانون ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن النص في المادة 14/ 1 من قانون الإثبات على أن "يعتبر المحرر العرفي صادراً ممن وقعه.." وفي المادة 18 منه على أنه لا تكون الدفاتر والأوراق المنزلية حجة على من صدرت منه إلا في الحالتين الآتيتين: - 1 - إذا ذكر فيها صراحة أنه استوفى ديناً. 2 - إذا ذكر صراحة أنه قصد بما دونه في هذه الأوراق أن تقوم مقام السند لمن أثبت حقاً لمصلحته "وفي المادة 61 منه على أنه لا يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه دليل كتابي" مفاده أن اعتبار المحرر العرفي دليلاً كاملاً في الإثبات يختلف عن اعتباره ذا حجية مطلقة، فمناط اعتبار المحرر دليلاً كاملاً بما تضمنه من إقرارات هو أن يكون موقعاً عليه ممن أصدره، وحينئذ يغنى من كانت الإقرارات لصالحه عن تقديم دليل آخر يؤديها، ويلقي عبء إثبات عكسها على من وقع المحرر. أما مناط اعتبار هذا الدليل الكامل ذا حجية مطلقة - أي مانعة أصلاًَ من إثبات ما يخالفه أو يجاوزه بغير الكتابة - هو أن يكون قد تم تسلميه برضاء من أصدره إلى المستفيد منه، أما إذا كان المحرر ما زال في حوزة من أصدره أو انتقل بغير رضاه إلى المتمسك به فإنه يظل في حكم الورقة المنزلية، ولما كان الأصل في الدفاتر غير التجارية وسائر الأوراق المنزلية، إن صدورها بخط أو توقيع صاحبها لا يجعل منها دليلاًَ ضده، وإن جاز اعتبارها قرينة، لا تقوم بذاتها، بل تضم إلى غيرها في الأحوال التي تقبل الإثبات بالقرائن، إلا أنه في الحالتين الاستثنائيتين الواردتين في المادة 18 المشار إليها تكون الورقة المنزلية دليلاً كاملاً ضد من أصدرها، كافياً بذاته لإثبات ما تضمنته من إقرارات إلا أن حجيته في الإثبات ليست مطلقة، وبالتالي يحق لمن صدرت منه الورقة، وخلفائه إثبات عكس ما جاء بها بكافة طرق الإثبات، كأن يثبت أن ما دون بها صدر عن خطأ أو تلاه من الوقائع ما غّير أو عدل مضمونه، أو أنه كان مجرد إعداد مسبق لمشروع تعامل لم يتم، لما كان ذلك وكان الطاعن يقرر أن المحرر سند دعواه الوحيد، ظل في حوزة من أصدره - وهو مورث المطعون ضدها - حتى وفاته، وأن الطاعن تحصل عليه بعد ذلك من غير ورثته، وإنما من شخص آخر عثر عليه بين أوراق المورث، فمن ثم يكون المحرر مجرد ورقة منزلية يجوز للمطعون ضدهم إثبات عكس ما جاء بها بكافة الطرق وبالتالي فإن الحكم المطعون إذ قبل إثبات ذلك بالقرائن يكون قد التزم صحيح القانون ويكون النعي عليه في هذا الخصوص على غير أساس.
وحيث إن حاصل باقي أسباب الطعن النعي على الحكم المطعون فيه بالقصور وفي بيان ذلك يقول أن الحكم أخذ بدفاع المطعون ضدهم من أن الإقرار الذي حرره مورثهم صوري صورية مطلقة، مبعثها أنه كان من كبار الموسرين فخشي من إجراءات الحراسة الإدارية التي كانت سائدة في سني الستينات، فأراد توقي الاستيلاء على ما بخزانته من أموال وذلك بنسبتها صورياً إلى ابن أخته - الطاعن - وذلك على سند من القول بأن الطاعن لم يورد سبباً معقولاً لإيداعه المبلغ محل النزاع لدى خاله الذي لم يكن في حاجة إليه بدلاً من استغلاله أو إيداعه أحد البنوك وتركه ذلك المبلغ نحو عشر سنوات خلال حياة خاله ثم تراخيه سنتين بعد وفاته دون المطالبة به، ووجود تأشيرات بورقة الإقرار تفيد انتقاص ثلاثة آلاف وخمسمائة جنيه من قيمة الوديعة، دون أن يذكر الطاعن أنه استرد شيئاً منها، وإذ كان الطاعن قد علل إيداعه المبلغ المذكور لدى خاله - مورث المطعون ضدهم - بأنه أراد بذلك إشعاره بالبنوة التي حرم منها وتكريمه جزاءاً على أنه هو الذي رباه وتكفل به وأغدق عليه إلى أن غدا طبيباً مشهوراً. كما أنه علل تراخيه في المطالبة القضائية بذلك المبلغ بعد وفاة خاله بأن المطعون ضدهم أنكروا عليه ادعاءه، ولم يكن بيده وقتئذ سند الوديعة، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد قام على استدلال فاسد، معيباً بالقصور بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أنه لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع في الدعوى والموازنة بين حجج الخصوم والأخذ بما تطمئن إليه منها وطرح ما عداه دون حاجة إلى تتبع كل حجة منها والرد عليها استقلال، وحسبها في ذلك أن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض دعوى الطاعن على ما خلص إليه من صورية المحرر الذي كتبه مورث المطعون ضدهم واحتفظ به لنفسه مستدلاً على ذلك من عدة قرائن سائغة متساندة تكفي لحمله، فإن النعي بهذه الأسباب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في كفاية الدليل تنحسر عنه رقابة محكمة النقض.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.