أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 37 - صـ 319

جلسة 12 من مارس سنة 1986

برئاسة السيد المستشار: يحيى عبد العزيز يحيى العموري نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: عبد العزيز فوده نائب رئيس المحكمة، ماهر قلادة واصف، حسين علي حسين وعبد الحميد سليمان.

(70)
الطعن رقم 1682 لسنة 49 القضائية

1 - دعوى "اعتبار الدعوى كأن لم تكن". استئناف.
اعتبار الدعوى كأن لم تكن لعدم إعلان الصحيفة في خلال ثلاثة شهور من تاريخ إيداعها. م 70 مرافعات المعدلة. جوازي للمحكمة. شرطه. أن يكون سببه راجعاً إلى فعل المدعي وأن يطلبه المدعى عليه. سريان ذلك على الاستئناف. م 240 مرافعات.
2 - إثبات. نظام عام. نقض.
قواعد الإثبات. عدم تعلقها بالنظام العام. جواز النزول عنها. التحدي بها لأول مرة أمام محكمة النقض. غير جائز.
3 - إيجار "إيجار الأماكن" الأولوية في شغل مكان بالنسبة للموظفين.
العامل المنقول إلى بلد بدلاً من عامل آخر في ذات جهة العمل. له الأولوية على غيره في استئجار مسكن الأخير. حلوله محل العامل الآخر في عمله. المادة الرابعة ق 52 لسنة 1969 المقابلة للمادة السابعة ق 49 لسنة 1977. علة ذلك.
4 - حكم "تسبيب الحكم". التناقض المفسد".
التناقض المفسد الذي يعيب الحكم ويفسده. ماهيته.
5 - إثبات. محكمة الموضوع.
تقدير أقوال الشهود واستخلاص الواقع منها. من سلطة محكمة الموضوع. شرطه، ألا تخرج بها إلى ما لا يؤدي إليه مدلولها. إقامة قضاءها على أسباب سائغة.
1 - مؤدى نص المادة 70 من قانون المرافعات المعدلة بالقانون رقم 75 لسنة 1976 والتي تسري حكمها على الاستئناف إعمالاً للمادة 240 من قانون المرافعات أن المشرع بعد أن اشترط لتوقيع الجزاء المقرر بهذه المادة أن يكون عدم مراعاة الميعاد راجعاً إلى فعل المدعي، وألا يوقع هذا الجزاء إلا بناء على طلب المدعى عليه، جعل الأمر في توقيع الجزاء بعد ذلك جوازياً للمحكمة ومتروكاً لمطلق تقديرها فلها رغم توافر الشرطين عدم الحكم به إذا رأت في حدود سلطتها الموضوعية أن هناك عذراً للمدعي أدى به إلى عدم احترامه للميعاد.
2 - قواعد الإثبات - ومن بينها الاستجواب - ليست من النظام العام فإذا سكت من يريد التمسك بها عد ذلك تنازلاً منه، وليس له التحدي بذلك لأول مرة أمام محكمة النقض.
3 - النص في المادة الرابعة من القانون رقم 52 لسنة 1969 - الواجب التطبيق على الدعوى - المقابل للمادة السابعة من القانون رقم 49 لسنة 1977 - يدل على أن المشرع أراد تمكين العامل المنقول إلى بلد الحلول محل العامل الذي نقل بدلاً منه سواء في عمله أو في مسكنه وذلك تحقيقاً للصالح العام وقد أفصح المشرع عن قصده هذا منذ صدور المرسوم بالقانون رقم 140 لسنة 1946 الذي جاء بتقرير اللجنة المشكلة لوضعه بأنه روعي فيه أن يتضمن نصاً يعطي الأولية في المسكن الذي يخلو بنقل موظف "للموظف الذي يحل محله" والتزم هذا النظر أيضاً عند صدور القانون رقم 121 لسنة 1947 والقانون 52 لسنة 1969 والقانون رقم 49 لسنة 1977 في مادته السابعة.
4 - التناقض الذي يعيب الحكم ويفسده هو الذي تتماحى به الأسباب بحيث لا يبقى بعدها ما يمكن حمل الحكم عليه أو الذي يقع في الأسباب بحيث لا يفهم معه على أي أساس قضت المحكمة بما قضت به في المنطوق.
5 - تقدير أقوال الشهود والقرائن واستخلاص الواقع منها هو مما تستقل به محكمة الموضوع فتقضي بما يرتاح إليه وجدانها ولها أن تأخذ بمعنى الشهادة دون معنى آخر طالما أنها أقامت قضاءها على أسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق وتؤدي إلى ما انتهت إليه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر... والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام الدعوى رقم 6102 لسنة 1975 مدني شمال القاهرة الابتدائية ضد الطاعن والمطعون ضده الثاني بطلب الحكم بإخلائهما من عين النزاع وتسليمها له وقال بياناً لها أن المطعون ضده الثاني استأجر منه شقة النزاع بعقد مؤرخ 1/ 6/ 1963 ولكنه تنازل عنها للطاعن بتاريخ 22/ 10/ 1975 بدون إذن كتابي صريح منه، وأنه دخل الشقة عنوة. دفع الطاعن بأن شغله للعين تم وفقاً للمادة الرابعة من القانون رقم 52 لسنة 1969 إذ أنه كان يعمل برئاسة الجمهورية بالإسكندرية ثم نقل إلى القاهرة فتكون له الأولوية على غيره في شغل عين النزاع المؤجرة لزميله المطعون ضده الثاني الذي نقل بدوره إلى الإسكندرية بذات جهة العمل وأنه أخطر وكيل المالك بذلك على النحو الوارد بالمحضر رقم 5918 سنة 1975 إداري الزيتون. قضت محكمة الدرجة الأولى بإحالة الدعوى للتحقيق ثم استجواب الخصوم وعادت وحكمت برفض الدعوى. استأنف المطعون ضده الأول هذا الحكم بالاستئناف رقم 4819 س 95 القاهرة. دفع الطاعن باعتبار الاستئناف كأن لم يكن. قضت محكمة الاستئناف برفض الدفع وباستجواب الخصوم وبتاريخ 10/ 6/ 1979 قضت بإلغاء الحكم المستأنف وبإخلاء الطاعن والمطعون ضده الثاني من عين النزاع وتسليمها للمطعون ضده الأول. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعى الطاعن بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول أنه دفع باعتبار الاستئناف كأن لم يكن تأسيساً على أن المطعون ضده الأول أودع صحيفة الاستئناف بتاريخ 9/ 7/ 1978 ولم تعلن إلا بتاريخ 1/ 11/ 1978 وكان ذلك بفعل من جانب المطعون ضده الأول إذ أعلنه في غير شقة النزاع قاصداً من ذلك ألا يصل الإعلان إليه في موعده إلا أن الحكم المطعون فيه رفض هذا الدفع استناداً إلى أن المحكمة لا ترى موجباً لتوقيع الجزاء المنصوص عليه في المادة 70 من قانون المرافعات دون أن يورد أسباباً كافية لقضائه الأمر الذي يجعله مشوباً بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب بما يوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أن المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن مؤدى نص المادة 70 من قانون المرافعات المعدلة بالقانون رقم 75 لسنة 1976 - التي يسري حكمها على الاستئناف إعمالاً للمادة 240 مرافعات - أن المشرع بعد أن اشترط لتوقيع الجزاء المقرر بهذه المادة أن يكون عدم مراعاة الميعاد راجعاً إلى فعل المدعي، وإلا يوقع هذا الجزاء إلا بناء على طلب المدعى عليه جعل الأمر في توقيع الجزاء بعد ذلك جوازياً للمحكمة ومتروكاً لمطلق تقديرها فلها - رغم توافر الشرطين عدم الحكم به، إذ رأت في حدود سلطتها الموضوعية أن هناك عذراً للمدعي أدى به إلى عدم احترامه للميعاد. لما كان ذلك وكانت المحكمة قد استعملت سلطتها التقديرية وانتهت إلى رفض الدفع باعتبار الاستئناف كأن لم يكن فلا يجوز الطعن على حكمها لاستعمالها الرخصة المخولة بتلك المادة ومن ثم يكون النعي في غير محله.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه البطلان في الإجراءات والخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقول أن حكم الاستجواب الذي أصدرته محكمة الاستئناف بجلسة 13/ 5/ 1979 لم يفصح عن الوقائع التي يدور حولها مخالفاً بذلك المادة الثانية من قانون الإثبات التي أوجبت أن تكون الوقائع المراد إثباتها محدده، كما أن الحكم المذكور لم ينفذ إلى بالنسبة للطاعن فقط رغم النص فيه على استجواب الخصوم جميعاً مما يعد عدولاً عنه بالنسبة للمطعون ضدهما وهو ما يخالف المادة التاسعة من قانون الإثبات التي أوجبت بيان أسباب العدول عن إجراءات الإثبات بمحضر الجلسة ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في الإجراءات وفي تطبيق القانون بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول ذلك أن المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن قواعد الإثبات - ومن بينها الاستجواب - ليست من النظام العام فإذا سكت من يريد التمسك بها عد ذلك تنازلاً منه وليس له التحدي بذلك لأول مرة أمام محكمة النقض، لما كان ذلك وكان الطاعن لم يتحد بأنه تمسك أمام محكمة الموضوع بما أثاره في هذا النعي فإنه لذلك يكون سبباً جديداً ليس له أن يثيره لأول مرة أمام هذه المحكمة وبالتالي يكون غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون وفي بيان ذلك يقول أنه ولئن كان الحكم المطعون فيه قد التزم التكييف الصحيح للدعوى وطبق عليها المادة الرابعة من القانون رقم 52 لسنة 1969 إلا أنه في تفسيره للنص المذكور أضاف إليه شرطاً لم يرد فيه وهو أن حق العامل المنقول إلى بلد في شغل مسكن عامل آخر منقول منها لا يثبت إلا إذا كان يحل محل العامل الآخر في عمله وهو ما لم يتجه إليه قصد المشرع حتى عندما اشترط في القانون رقم 49 لسنة 1977 أن يكون العاملان المنقولان من جهة عمل واحدة وبذلك يكون الحكم قد فسر النص بما يتضمن تعديله فيكون بذلك قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن النص في المادة الرابعة من القانون رقم 52 لسنة 1969 - الواجب التطبيق على واقعة الدعوى - المقابل للمادة السابعة من القانون رقم 49 لسنة 1977 على أن "للعامل المنقول إلى بلد بدلاً من عامل آخر حق الأولوية على غيره في استئجار المسكن الذي يشغله هذا العامل..." يدل على أن المشرع أراد تمكين العامل الذي نقل هو بدلاً منه سواء في عمله أو في مسكنه وذلك تحقيقاً للصالح العام. وقد أفصح المشرع عن قصده هذا منذ صدور المرسوم بالقانون رقم 140 لسنة 1946 الذي جاء بتقرير اللجنة المشكلة لوضعه بأنه روعي فيه أن يتضمن نصاً "يعطى الأولوية في المسكن الذي يخلو بنقل موظف للموظف الذي يحل محله" والتزم هذا النظر أيضاً عند صدور القانون رقم 121 لسنة 47 إذ جاء بالتقرير الأول للجنة التشريعية بمجلس النواب أن المادة التاسعة منه "منحت... الموظف حق الأولوية في استئجار المسكن الذي كان يشغله الموظف المنقول بدله بشروط معينة" وبصدور القانون رقم 52 لسنة 1969 تأكد ذلك بتضمين نص المادة الرابعة منه عبارة صريحة تدل على وجوب أن يكون العامل المنقول قد حل محل العامل الآخر في عمله. وأخذ بذلك أيضاً القانون رقم 49 لسنة 1977 عندما نصت المادة السابعة منه صراحة على أن للعامل المنقول إلى بلد بدلاً من عامل آخر في ذات جهة العمل حق الأولوية في استئجار المسكن الذي كان يشغله بديله. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر فإنه يكون قد صادف صحيح القانون ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الرابع القصور في التسبيب والتناقض وفي بيان ذلك يقول الطاعن أنه كان يكفي الحكم المطعون فيه أن - يستند في قضائه إلى عدم توافر شروطه انطباق المادة الرابعة من القانون رقم 52 لسنة 1969 إلا أنه أخذ يتلمس أسباباً أخرى لتبرير قضائه بأن ناقش شهود الطاعن وتناقض مسلك هذا الأخير وما قاله، ويناقض مسلك وكيل المطعون ضده الأول بأسباب زائدة ومتناقض بقوله "أنه لو كان وكيل المالك قد وافق على البدل وقبض مقابل ذلك خمسين جنيهاً كما قرر الطاعن لحرر له عقد إيجار جديد عن شقة النزاع أو لأقر التبادل كتابة على نسخة العقد الخاصة بالمستأنف عليه الأول ولما تعرض له في 23 أكتوبر سنة 1975، فإن ما ذهب إليه الحكم في هذا الصدد ينطوي على اضطراب يصل به إلى التناقض والقصور في التسبيب بما يوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أن المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن التناقض الذي يعيب الحكم ويفسده هو الذي تتماحى به الأسباب بحيث لا يبقى بعدها ما يمكن حمل الحكم عليه أو الذي يقع في الأسباب بحيث لا يفهم معه على أي أساس قضت المحكمة بما قضت به في المنطوق، كما أن من المقرر كذلك أن - تقدير أقوال الشهود والقرائن واستخلاص الواقع منها هو مما تستقل به محكمة الموضع فتقضى بما يرتاح إليه وجدانها ولها أن تأخذ بمعنى للشهادة دون معنى آخر طالما أنها أقامت قضاءها على أسباب سائغة، لها أصلها الثابت بالأوراق وتؤدي إلى انتهت إليه، لما كان ذلك وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه قد خلص إلى أن المطعون ضده الأول أو وكيله لم يوافقا على حلول الطاعن محل المطعون ضده الثاني في عين النزاع اعتماداً على الأسباب السائغة التي أوردها ومن ثم فإن إيراد الحكم لهذه الأسباب بصدد عدم موافقة المطعون ضده الأول أو وكيله على الحلول المشار إليه بعد أن انتهى إلى عدم توافر شروط تطبيق المادة الرابعة من القانون رقم 52 لسنة 1969 بشأن التنازل على النحو الذي سلف بيانه، كان أمراً لازماً ذلك أن موافقة المؤجر على عملية الحلول المذكورة وتكفي وحدها لاعتبار شغل الطاعن لعين النزاع مشروعاً حتى مع عدم توافر شروط انطباق المادة سالفة الذكر، ومن ثم فلا يكون هناك ثمة تناقض بين هذه الأسباب والأسباب التي ساقها الحكم المطعون فيه بخصوص عدم انطباق حكم المادة الرابعة سالفة الذكر وبذلك يكون النعي على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن برمته.