أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 37 - صـ 475

جلسة 24 من إبريل سنة 1986

برئاسة السيد المستشار: عزت حنورة نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمود نبيل البناوي، أحمد نصر الجندي، د. محمد بهاء الدين باشات ومحمد خيري الجندي.

(103)
الطعن رقم 2110 لسنة 52 القضائية

(1) قوة الأمر المقضي. حكم "حجية الحكم الجنائي". تزوير. إثبات "الطعن بالجهالة أو الإنكار".
حجية الحكم الجنائي التي يتقيد بها القاضي المدني. مناطها. المادتان 102 إثبات، 456 إجراءات. القضاء ببراءة متهم بتزوير محرر لانتفاء التزوير مانع لمن كان مدعياً بالحق المدني من العود إلى الطعن بالإنكار أو التزوير في وجه من كان قد تمسك بذلك المحرر وقضى ببراءته في الدعوى الجنائية.
(2) نقض "السبب الجديد"
النعي غير المتعلق بالنظام العام والمؤسس على واقع لم يسبق التمسك به أمام محكمة الموضوع. سبب جديد غير مقبول.
(3) محكمة الموضوع . خبرة. إثبات "الإحالة للتحقيق".
محكمة الموضوع. عدم التزامها بإعادة المأمورية إلى خبير آخر أو بإحالة الدعوى للتحقيق متى اطمأنت إلى تقرير الخبير المنتدب ووجدت فيه الكفاية لتكوين عقيدتها.
(4) تزوير. حكم "الفساد في الاستدلال"
ثبوت تزوير محرر معين. لا يدل بذاته على عدم صحة كل محرر آخر لمجرد توافقه معه في التاريخ والمضمون، ونسبته إلى ذات الشخص. علة ذلك.
1 - الحكم الصادر من المحكمة الجنائية ببراءة المتهم تأسيساً على أن الواقعة المنسوبة إليه لم تقع أصلاً يجوز - وعلى ما جرى به نص المادتين 102 من قانون الإثبات، 456 من قانون الإجراءات - حجية الأمر المقضي التي يتقيد بها القاضي المدني، وبالتالي فإن القضاء ببراءة متهم بتزوير محرر لانتفاء التزوير يمنع من كان مدعياً بالحق المدني من العود إلى الطعن بالإنكار أو التزوير في وجه من كان قد تمسك بذلك المحرر وقضى ببراءته في الدعوى الجنائية.
2 - المقرر في قضاء هذه المحكمة - عدم قبول النعي غير المتعلق بالنظام العام المؤسس على واقع لم يسبق التمسك به أمام محكمة الموضوع وإذ كانت مخالفة المواد 31 - 34 من قانون الإثبات - التي لم يرتب المشرع جزاءاً عليها - لا تتعلق بالنظام العام - وكان الطاعن لم يتمسك أمام محكمة الاستئناف بما أثاره بوجه النعي، فإن النعي به يكون سبباً جديداً، ومن ثم غير مقبول.
3 - المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن محكمة الموضوع غير ملزمة بإجابة طلب الخصوم بإعادة المأمورية إلى خبير آخر أو بإحالة الدعوى إلى التحقيق متى أطمأنت إلى تقرير الخبير المنتدب، ووجدت فيه الكفاية لتكوين عقيدتها.
4- إذا كان لكل محرر ذاتيته المستقلة كدليل إثبات من حيث صحته أو تزويره، فإن ثبوت تزوير محرر معين لا يدل على وجه الحتم واللزوم على عدم صحة كل محرر آخر لمجرد توافقه معه في التاريخ والمضمون، ونسبته إلى ذات الشخص.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر... والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 276/ 1973 مدني كلي جنوب القاهرة على المطعون ضدهم طالباً الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي المؤرخ 11/ 6/ 1967 الصادر من المرحومة... متضمناً بيعها له المنزل المبين بالصحيفة مقابل ثمن مقداره 1100 ج وقال بياناً لذلك أن هذه البائعة كانت قد اشترت هذا المنزل من زوجها مورث المطعون ضدهم، وقضى لها بصحة ونفاذ عقد شرائها وإذ توفيت قبل نقل ملكية المبيع إلى الطاعن، فقد أقام هذه الدعوى ليحكم له بطلباته. بتاريخ 22/ 1/ 1974 قضت المحكمة بطلبات الطاعن. استأنف المطعون ضدهم هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 1028/ 91 ق طالبين إلغاءه والحكم برفض الدعوى. بتاريخ 27/ 2/ 1975 قضت المحكمة بطلبات المطعون ضدهم. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 447/ 45 ق الذي قضى فيه بنقض الحكم. ولدى نظر القضية من جديد تمسك المطعون ضدهم بصورية عقد شراء البائعة من مورثهم، واستدلوا على ذلك بورقة ضد، وتمسكوا بتزوير الإمضاء المنسوب لمورثهم على إجازته البيع للطاعن المؤرخة 23/ 5/ 1971 وكذا توقيعه على الخطاب المؤرخ 18/ 6/ 1971 المؤيد لهذه الإجارة. ندبت المحكمة قسم أبحاث التزييف والتزوير، وبعد أن قدم تقريره قضت بتاريخ 30/ 3/ 1982 برد وبطلان الورقتين. ثم بتاريخ 16/ 6/ 1982 قضت بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض. أودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن بالثاني منها على الحكم المطعون فيه - المؤرخ 16/ 6/ 1982 القاضي بعدم قبول الدفع بالجهالة - مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك يقول أن قانون الإثبات لم يشر إلى عدم قبول الدفع بالإنكار أو الجهالة إلا في حالة من احتج عليه بمحرر عرفي وناقش موضوعه، أو سبق أن ادعى بتزويره أمام المحكمة المدنية، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى عدم قبول الدفع بالجهالة المبدى من الطاعن على ورقة الضد المؤرخة 25/ 2/ 1970 على سند من سبق إدعائه بتزويرها في القضية رقم 3613/ 1975 - جنح عابدين، يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أنه لما كان الحكم الصادر من المحكمة الجنائية ببراءة المتهم تأسيساً على أن الواقعة المنسوبة إليه لم تقع أصلاً يجوز - وعلى ما جرى به نص المادتين 102 من قانون الإثبات، 456 من قانون الإجراءات حجية الأمر المقضي التي يتقيد بها القاضي المدني، وبالتالي فإن القضاء ببراءة متهم بتزوير محرر لانتفاء التزوير يمنع من كان مدعياً بالحق المدني من العود إلى الطعن بالإنكار أو التزوير في وجه من كان قد تمسك بذلك المحرر وقضى ببراءته في الدعوى الجنائية. لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن الطاعن سبق أن أقام الدعوى الجنائية رقم 3613/ 1975 جنح عابدين متهماً المطعون ضدهم بتزوير ورقة الضد المؤرخة 25/ 8/ 1970 فقضى فيها بالبراءة ورفض الدعوى المدنية على سند من انتفاء وقوع تزوير بتلك الورقة وتأيد ذلك الحكم استئنافياً، وحاز حجية الأمر المقضي بما يمنع من نظر ادعاء هذا الطاعن في الدعوى الماثلة سواء بالجهالة أو الإنكار أو التزوير على تلك الورقة، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بهذا السبب إذا لم يقبل من الطاعن الإدعاء بالجهالة، يكون أياً كان وجه الرأي فيه - غير منتج.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الأول من السبب الأول على الحكم المطعون فيه المؤرخ 18/ 12/ 1980 القاضي بندب قسم أبحاث التزييف والتزوير - مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم لم يشتمل على ندب أحد قضاة المحكمة لمباشرة التحقيق، وتحديد اليوم والساعة المحددين لمباشرته، كما أن المحكمة لم تحرر محضراً ببيان حالة المحرر المدعى بتزويره موقعاً من رئيس المحكمة وسكرتير الجلسة، وهو ما يخالف المواد من 31 إلى 34 من قانون الإثبات. بما يعيب الحكم بمخالفة القانون.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول ذلك أنه لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة عدم قبول النعي غير المتعلق بالنظام العام المؤسس على واقع لم يسبق التمسك به أمام محكمة الموضوع، وكانت مخالفة المواد 31 - 34 من قانون الإثبات - التي لم يرتب المشرع جزاءاً عليها - لا تتعلق بالنظام العام - لما كان ذلك وكان الطاعن لم يتمسك أمام محكمة الاستئناف بما أثاره بهذا الوجه، فإن النعي به يكون سبباً جديداً، ومن ثم غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثاني من السبب الأول على الحكم المطعون فيه المؤرخ 30/ 3/ 1982 القاضي بالرد والبطلان - الخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقول أنه طلب إعادة المأمورية إلى قسم أبحاث التزييف والتزوير لإجراء المضاهاة على توقيعات معاصرة صادرة من المورث، كما طلب تمكينه من تقديم تقرير استشاري عن صحة تلك التوقيعات، أو إحالة الدعوى إلى التحقيق بالبينة لإثبات ذلك، وإذا التفت الحكم عن هذه الطلبات وقضى برد وبطلان المحررين يكون قد أخل بحقه في الدفاع بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول ذلك أنه لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن محكمة الموضوع غير ملزمة بإجابة طلب الخصوم إعادة المأمورية إلى خبير آخر أو بإحالة الدعوى إلى التحقيق متى اطمأنت إلى تقرير الخبير المنتدب، ووجدت فيه الكفاية لتكوين عقيدتها، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برد وبطلان الورقتين المدعي بتزويرهما على ما اطمأن إليه بسلطته التقديرية من أن تقرير الخبير المنتدب قد قام على أسس فنية سليمة تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، فإن النعي بهذا الوجه يكون جدلاً موضوعياً في كفاية الدليل ومن ثم غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثالث من السبب الأول على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول أنه لدى نظر الموضوع - بعد صدور الحكم في الادعاء بالتزوير - قدم لإثبات إجازة المطعون ضدهم، عقد إيجار مؤرخ 23/ 5/ 1971 استأجر بموجبه منه هذا المورث حجرة في المنزل محل النزاع، وخطاب صادراً منه أيضاً في 16/ 6/ 1971 يقر فيه بصحة ذلك البيع، وإذ اعتبر الحكم المطعون فيه هاتين الورقتين غير صحيحتين لمجرد توافقهما في المضمون وفي التاريخ مع الورقتين المقضي بردهما وبطلانهما فإنه يكون قد قام على استدلال فاسد أدى به إلى الإخلال بحق الدفاع بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله ذلك أنه لما كان لكل محرر ذاتيته المستقلة كدليل إثبات من حيث صحته أو تزويره، فإن ثبوت تزوير محرر معين لا يدل بذاته على وجه الحتم واللزوم على عدم صحة كل محرر آخر لمجرد توافقه معه في التاريخ والمضمون، ونسبته إلى ذلك الشخص وكان الطاعن قد استدل على إجازة مورث المطعون ضدهم للبيع الصادر له بعقد إيجار وخطاب منسوبين لهذا المورث، بعد القضاء برد وبطلان ورقتين أخريين، فإن الحكم المطعون فيه الصادر في الموضوع إذا أطرح هاتين الورقتين على سند من أنهما مصطنعتان غير صحيحتين لمجرد تشابههما في التاريخ والمضمون مع المحررين السابق القضاء بردهما وبطلانهما، ورتب على ذلك قضاءه برفض دعوى الطاعن على سند من إخفاقه في إثبات إجازة مورث المطعون ضدهم للبيع يكون معيباً بالفساد في الاستدلال والقصور بما يوجب نقضه.
ولما تقدم يتعين نقض الحكم.
ولما كان الطعن للمرة الثانية وكان الموضوع صالحاً للفصل فيه، وكان المطعون ضدهم لم يجحدوا صراحة عقد الإيجار المؤرخ 23/ 5/ 1971 الذي استأجر بموجبه مورثهم حجرة بالمنزل محل النزاع من الطاعن بما يتضمن معاملته مع الطاعن باعتباره ذي صفة في التأجير بما ينطوي على إجازة منه للبيع الصادر للطاعن من المرحومة... وكذلك الخطاب المؤرخ 18/ 6/ 1971 المقدم من الطاعن الذي تضمن إجازة صريحة من المورث المذكور، فإنه يتعين الحكم في موضوع الاستئناف برفضه وتأييد الحكم المستأنف.