أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 37 - صـ 620

جلسة 29 من مايو سنة 1986

برئاسة السيد المستشار: محمد جلال الدين رافع نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: مرزوق فكري نائب رئيس المحكمة، صلاح محمد أحمد، حسين محمد حسن ومحمد هاني محمد مصطفى.

(130)
الطعنان رقما 1783، 1965 لسنة 52 القضائية

(1) تزوير "الادعاء بالتزوير".
المستفيد من المحرر. تنازله عن التمسك به رداً على الادعاء بتزويره. أثره اعتبار المحرر في حكم المعدوم بالنسبة لكل ما يتأثر بموضع الادعاء بالتزوير من بيانات المحرر. الادعاء بالتزوير المؤسس على عدم صدور المحرر ممن نسب له. اعتباره موجهاً إلى المحرر كله.
(2) تزوير "الادعاء بالتزوير". إثبات "حجية الأوراق العرفية".
محكمة الموضوع.
محكمة الموضوع. حقها في استعمال الرخصة المخولة لها في رد وبطلان أية ورقة مطروحة عليها. عدم توقفه على اتخاذ أحد الخصوم إجراءات الادعاء بالتزوير أو طلبه منها استعمال هذه الرخصة طالما أن المحاج بالورقة لم يقر بصحتها صراحة أو ضمناً.
(3) إثبات "القرائن" "القرائن القضائية".
استنباط القرائن القضائية: من إطلاقات محكمة الموضوع متى أقامت قضاءها على قرائن سائغة متساندة. عدم قبول الجدل في كفاية كل قرينة على حدة.
(4) حيازة. ملكية. تقادم.
اكتساب الحائز ملكية الشيء أو الحق محل الحيازة بالتقادم. عدم وقوعه تلقائياً بقوة القانون. توقفه على إرادة الحائز إن شاء تمسك به أو تنازل عنه صراحة أو ضمناً.
1 - المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن مجرد تنازل المستفيد من المحرر عن التمسك به رداً على الادعاء بتزويره يجعله في حكم المعدوم وغير ذي أثر قانوني ليس فقط بالنسبة لموضع الادعاء بالتزوير منه، وإنما أيضاً لكل ما يتأثر بهذا الموضع من بيانات المحرر، إذ أن الادعاء بالتزوير المؤسس على عدم صدور المحرر ممن نسب له يعتبر موجهاً إلى المحرر كله.
2 - يدل نص المادة 58 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 على أن المشرع لم يعلق استعمال محكمة الموضوع للرخصة الواردة به على طلب من أي من خصوم الدعوى، ومن ثم يكون لها أن تحكم برد وبطلان أية ورقة مطروحة عليها وفي أية حالة كانت عليها الدعوى ولو لم يتخذ أحد الخصوم الإجراءات القانونية بالادعاء بالتزوير أو حتى يطلب منها استعمال هذه الرخصة، طالما أن المحاج بالورقة لم يقر بصحتها صراحة أو ضمناً.
3 - المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن استنباط القرائن القضائية من إطلاقات محكمة الموضوع، ومتى أقامت قضاءها على قرائن سائغة متساندة لا يقبل الجدل في كفاية كل قرينة على حدة.
4 - مفاد المادتين 968، 388/ 2 من القانون المدني أن أثر التقادم باكتساب الحائز ملكية الشيء أو الحق محل الحيازة لا يقع تلقائياً بقوة القانون، وإنما يتوقف قيام هذا الأثر على إرادة الحائز فإن شاء تمسك به وإن شاء تنازل عنه صراحة أو ضمناً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر... والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده الأول - في كلا الطعنين - أقام الدعوى رقم 700 لسنة 1978 مدني كلي بنها على الطاعنة في الطعن رقم 1965 لسنة 52 ق وباقي المطعون ضدهم طالباً الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي المؤرخ 17/ 1/ 1978 المتضمن بيع المطعون ضده الثاني له مساحة 10 س، 11 ط المبينة بالصحيفة لقاء ثمن قدره 2500 جنيه ومحو تسجيل العقد المشهر برقم 2010 سنة 63 قليوبية والتسليم، وقال بياناً لها أنه اشترى هذه الأرض من البائع المذكور الذي استقرت ملكيته لها ميراثاً عن والدته وذلك بإقامته دعوى التزوير الأصلية رقم 71 لسنة 1974 مدني طوخ على الطاعنة في الطعن رقم 1965 سنة 52 ق برد وبطلان العقد المسجل برقم 2010 سنة 1963 المتضمن شرائها ذات الأرض من مورثه والقضاء فيها ابتدائياً برده وبطلانه وتعدل الحكم في الاستئناف إلى إنهاء إجراءات الادعاء بالتزوير أثر تنازلها عن التمسك بذلك العقد، وإذ كانت الأرض المباعة ما زالت في يدها فقد أقام هذه الدعوى ليحكم له بطلباته. تدخلت الطاعنة في الطعن رقم 1783 سنة 52 ق طالبة رفض الدعوى على سند من ملكيتها هي لهذه الأرض بشرائها بعقد ابتدائي مؤرخ 7/ 2/ 1966 من الطاعنة الأخرى وبوضع يدها المدة الطويلة المكسبة للملكية، بتاريخ 28/ 11/ 1979 قضت المحكمة بقبول التدخل وبرفض الدعوى. استأنف المطعون ضده الأول هذا الحكم لدى محكمة استئناف طنطا "مأمورية بنها" بالاستئناف رقم 1 لسنة 13 ق طالباً إلغاءه والحكم بطلباته. بتاريخ 5/ 5/ 1982 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبرد وبطلان العقد العرفي المؤرخ 15/ 10/ 1944 المنسوب صدوره من مورثة المطعون ضده الثاني وبصحة ونفاذ عقد المطعون ضده الأول ومحو التسجيلات على العين وبرفض التدخل. طعنت كل من الطاعنتين في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعنين، عرض الطعنان على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظرهما وفيها قررت المحكمة ضم الطعن الثاني إلى الأول والتزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن رقم 1783 سنة 52 ق قد أقيم على أربعة أسباب كما أقيم الطعن رقم 1965 لسنة 52 ق على ستة أسباب تنعى الطاعنتان بالسبب الأول في كل من الطعنين وبالسبب الثالث من الطعن الأول وبالوجه الثالث من السبب السادس من الطعن الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور، وفي بيان الشق الأول منه تقولان أن العقد المسجل برقم 2010 سنة 1963 لم يقض برده وبطلانه إذ ألغى الحكم الاستئنافي الحكم الابتدائي القاضي بالرد والبطلان وقضى بإنهاء إجراءات الادعاء بالتزوير أثر التنازل عن التمسك بذلك العقد وموافقة المطعون ضده الثاني على ذلك بعدم اعتراضه على هذا التنازل ومن ثم يعتبر العقد قائماً منتجاً لآثاره. وإذ اعتبره الحكم المطعون فيه غير موجود كما رتب على ذلك عدم الاعتداد به كسبب صحيح لتملكها بالتقادم الخمسي يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون. وفي بيان الشق الثاني تقولان أن عدم جواز الاستناد إلى المحرر المتنازل عن التمسك به إنما يكون بالنسبة للجزء محل الادعاء بالتزوير وإذ أغفل الحكم المطعون فيه بيان الجزء محل التزوير وأثره على بقية العقد الذي أهدره كله يكون معيباً بالقصور.
وحيث إن هذا النعي غير سديد في شقه الأول وغير صحيح في شقه الثاني ذلك أنه لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن مجرد التنازل المستفيد من المحرر عن التمسك به رداً على الادعاء بتزويره يجعله في حكم المعدوم وغير ذي أثر قانوني ليس فقط بالنسبة لموضع الادعاء بالتزوير منه، وإنما أيضاً لكل ما يتأثر بهذا الموضع من بيانات المحرر، إذ أن الادعاء بالتزوير المؤسس على عدم صدور المحرر ممن نسب له يعتبر موجهاً إلى المحرر كله. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه اعتبر المحرر المشهر برقم 2010 سنة 1963 غير قائم على سند من تنازل الطاعنة الأولى عن التمسك به بعد القضاء برده وبطلانه ابتدائياً تأسيساً على عدم صدوره من مورثه المطعون ضده الثاني المتوفاة في سنة 1947 والمنسوب لها الحضور وتوثيقه منها في سنة 1963، فإن النعي عليه بشقي هذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة في الطعن رقم 1965 سنة 52 ق تنعى بالوجه الأول من السبب السادس على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور، وفي بيانه تقول أنها تمسكت أمام محكمة الاستئناف بأنها تملكت الأطيان موضوع النزاع بوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية منذ تاريخ عقد البيع المؤرخ 15/ 10/ 1944 وإذ رد الحكم بأن الثابت من محضر الجرد المؤرخ 26/ 3/ 1961 استلام الطاعنة لأعيان النزاع بصفتها وصية وأنها لذلك لا يحق لها أن تكسب الملكية بالتقادم على خلاف سندها دون أن يبين ما إذا كان المحضر المذكور قد تم بحضورها أم لا وما إذا كانت الأطيان الواردة به هي ذات الأطيان محل النزاع أم لا فإنه يكون معيباً بالقصور.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح، ذلك أن ما أورده الحكم المطعون فيه استخلاصاً من محضر الجرد من أن الطاعنة تسلمت العين في تاريخ تحريره بصفتها وصية على المطعون ضده الثاني، لازمه أن هذا التسليم ورد على الأعيان موضوع النزاع وأنه جرى في حضور هذه الطاعنة، ومن ثم فإن هذا النعي يكون غير صحيح.
وحيث إن الطاعنتين تنعيان بالسبب الثاني في كل من الطعنين والثالث والرابع في الطعن رقم 1965 لسنة 52 ق على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال وفي بيانه تقولان أن مناط استعمال محكمة الموضوع ما رخصت لها به المادة 58 من قانون الإثبات من الحكم برد وبطلان أي محرر هو أن يكون معروضاً عليها طلباً بذلك ولو لم تتخذ بشأن هذا الطلب إجراءات الادعاء بالتزوير، وإذ قضى الحكم المطعون فيه من تلقاء نفسه برد وبطلان محرر عقد البيع العرفي المؤرخ 15/ 10/ 1944 الصادر من مورثه المطعون ضده الثاني للطاعنة الثانية دون أن يكون ثمة طلب بذلك معروضاً على المحكمة، واستند في قضائه إلى قرائن فاسدة لا تصلح دليلاً على التزوير، يكون فضلاً عن خطئه في تطبيق القانون معيباً بالفساد في الاستدلال بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن النص في المادة 58 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 على أن المشرع لم يعلق استعمال محكمة الموضوع للرخصة الواردة به على طلب من أي من خصوم الدعوى، ومن ثم يكون لها أن تحكم برد وبطلان أية ورقة مطروحة عليها وفي أية حالة كانت عليها الدعوى ولو لم يتخذ أحد الخصوم الإجراءات القانونية بالادعاء بالتزوير أو حتى يطلب منها استعمال هذه الرخصة، طالما أن المحاج بالورقة لم يقر بصحتها صراحة أو ضمناً، لما كان ذلك وكان من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن استنباط القرائن القضائية من إطلاقات محكمة الموضوع، ومتى أقامت قضاءها على قرائن سائغة متساندة لا يقبل الجدل في كفاية كل قرينة على حدة، وكان البين من مذكرة المطعون ضده الأول المقدمة لمحكمة الاستئناف بجلسة 19/ 4/ 1981 أنه جحد صدور العقد المؤرخ 15/ 10/ 1944 من البائعة فيه، فأقام الحكم المطعون فيه قضاءه برد وبطلان هذا المحرر على ما استخلصه من أن الطاعنة الأولى كانت وصية على المطعون ضده الثاني وتسلمت بمحضر الجرد ما آل إليه ميراثاً عن والدته ومن بينه الأرض محل النزاع دون إبداء ثمة اعتراض أو ادعاء منها بشرائها تلك الأرض من المورثة رغم حرصها على إثبات دين ضئيل لها على الشركة فضلاً عن كتمانها أمر ذلك العقد منذ وفاة المورثة المذكورة في سنة 1947 ثم التجائها إلى اصطناع عقد مزور في سنة 1963، وهي قرائن سائغة متساندة تكفي لحمل النتيجة التي انتهى إليها ومن ثم يكون النعي بهذه الأسباب على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة في الطعن رقم 1965 سنة 52 ق تنعى بالوجه الثاني من السبب السادس على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور وفي بيانه تقول أن وضع يدها على العين محل النزاع الذي بدأ منذ 15/ 10/ 1961، وإذ رد الحكم المطعون فيه على ما تمسكت به من تملكها لها بالتقادم الطويل بأنها تسلمت بموجب محضر الجرد سالف الذكر أعيان النزاع بصفتها وصية وأنها لا يحق لها أن تكسب بالملكية على خلاف سندها فإنه يكون فضلاً عن قصوره قد أخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول ذلك أنه لما كان مفاد المادتين 968، 388/ 2 من القانون المدني أن أثر التقادم باكتساب الحائز ملكية الشيء أو الحق محل الحيازة لا يقع تلقائياً بقوة القانون، وإنما يتوقف قيام هذا الأثر على إرادة الحائز فإن شاء تمسك به وإن شاء تنازل عنه صراحة أو ضمناً لما كان ذلك وكان الثابت - وعلى ما سلف بيانه في الرد على الوجه الأول من هذا السبب - أن الطاعنة قد قبلت بمقتضى محضر الجرد المذكور استلام الأرض محل النزاع بوصفها وصية على المطعون ضده الثاني تأسيساً على أنه المالك لها بالميراث عن والدته وهو ما يعد منها تنازلاً عن التقادم المدعى باكتماله قبل ذلك المحضر، وإذ عول الحكم المطعون فيه على دالة هذا المحضر في رفضه الادعاء بتملك الطاعنة لتلك الأرض بالتقادم الطويل يكون قد انتهى إلى النتيجة الصحيحة في هذا الخصوص، ويكون النعي عليه بهذا السبب غير مقبول.
وحيث إن الطاعنتين تنعيان بالسببين الرابع في الطعن الأول والخامس في الطعن الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور وفي بيان ذلك تقولان أنه لا يجوز القضاء بصحة ونفاذ عقد البيع دون بيان سند ملكية البائع، وإذ رفض الحكم المطعون فيه دفاع الطاعنة في الطعن رقم 1783 سنة 52 ق وقضى للمطعون ضده الأول بصحة ونفاذ عقد شرائه من المطعون ضده الثاني دون بيان سند ملكية مورثة هذا الأخير، يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون والقصور بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول ذلك أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد خلص صحيحاً - على ما سلف بيانه في الرد على الأسباب السابقة - إلى انتفاء ملكية الطاعنتين للأرض محل النزاع سواء بالشراء أو التقادم المكسب فإن النعي منهما على الحكم المطعون فيه بهذا السبب يكون غير منتج ومن ثم غير مقبول.