أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
الجزء الأول - السنة 38 - صـ 59

جلسة 11 من يناير سنة 1987

برياسة السيد المستشار/ جمال الدين منصور نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ صلاح خاطر، مسعود السعداوي، طلعت الاكيابى، ومحمود عبد الباري.

(6)
الطعن رقم 5863 لسنة 56 القضائية

(1) نقض "سقوط الطعن".
عدم تقدم المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية للتنفيذ قبل يوم الجلسة المحددة لنظر طعنه. أثره: سقوط الطعن.
(2) تزوير. جريمة. إثبات "بوجه عام".
عدم وجود المحرر المزور لا يترتب عليه حتماً عدم ثبوت جريمة التزوير للمحكمة أن تكون عقيدتها في ذلك بكل طرق الإثبات.
(3) تزوير. إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
حق القاضي في تكوين عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها. ما لم يقيده القانون بدليل معين.
جرائم التزوير لم يجعل القانون لإثباتها طريقاً خاصاً.
الأدلة التي يعتمد عليها الحكم يكفي أن تكون في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها.
(4) إثبات "شهود".
حق المحكمة أن تستند في إدانة متهم إلى أقوال متهم آخر. أساس ذلك؟
(5) استيلاء على مال للدولة. جريمة "أركانها".
جناية الاستيلاء بغير حق على مال مما نص عليه في المادة 113 عقوبات. مناط تحققها؟
(6) إثبات "خبرة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره"
خلو مدونات الحكم مما يفيد تعويله على ما جاء بتقرير الخبير. مفاده: التفات الحكم عنه. لا يقدح في ذلك إشارة الحكم إليه في معرض بيان الأدلة التي تساندت إليها النيابة العامة في إسناد الاتهام إلى الطاعن.
(7) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الخطأ في الإسناد الذي لا يؤثر في منطق الحكم. لا يعيبه. مثال.
(8) اشتراك. اتفاق. قصد جنائي. إثبات "بوجه عام".
الاشتراك بالاتفاق يتحقق باتحاد نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه. هذه النية أمر داخلي لا يقع تحت الحواس. جواز الاستدلال عليها بأي دليل مباشر أو بطريق الاستنتاج.
(9) اشتراك. اتفاق. إثبات "بوجه عام".
التدليل على حصول الاشتراك بأدلة محسوسة. لا يلزم. كفاية. استخلاص حصوله من وقائع الدعوى وملابساتها. مثال.
(10) استيلاء على مال للدولة. موظفون عموميون. عقوبة "تطبيقها". غرامة.
الغرامة المنصوص عليها في المادة 118 عقوبات. طبيعتها: من الغرامات النسبية التي أشارت إليها المادة 44 عقوبات. وجوب الحكم بها على المتهمين متضامنين. عدم جواز التنفيذ عليهم جميعاً بأكثر من مقدارها المحدد في الحكم.
(11) محكمة النقض "سلطتها". نقض "أثر الطعن".
حق محكمة النقض في نقض الحكم من تلقاء نفسها لمصلحة المحكوم عليه. متى تبين أنه مبنى على مخالفة للقانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله. المادة 35/ 2 من القانون 57 لسنة 1959.
اتصال وجه الطعن بطاعنين آخرين. أثره: امتداد أثر الطعن إليهم.
1 - من حيث إن الطاعن الثالث........ - وفق ما أفصحت عنه النيابة العامة - لم يتقدم لتنفيذ العقوبة المقيدة للحرية المقضى بها عليه قبل يوم الجلسة المحددة لنظر طعنه فيتعين الحكم بسقوطه.
2 - من المقرر أن عدم وجود المحرر المزور لا يترتب عليه حتماً عدم ثبوت جريمة التزوير إذ الأمر في هذا مرجعه إلى إمكان قيام الدليل على حصول التزوير ونسبته إلى المتهم وللمحكمة أن تكون عقيدتها في ذلك بكل طرق الإثبات.
3 - من المقرر أن الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه، فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، ولما كان القانون الجنائي لم يجعل لإثبات جرائم التزوير طريقاً خاصاً، وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
4 - للمحكمة أن تستند في إدانة متهم إلى أقوال متهم آخر بما لها من كامل الحرية في تكوين عقيدتها من كافة العناصر المطروحة أمامها ما دام قد اطمأن وجدانها إلى هذه الأقوال.
5 - من المقرر أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال مما نص عليه في المادة 113 من قانون العقوبات تتحقق بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه. وكان ما أثاره الطاعن على النحو آنف الذكر قد انطوى على حيلة توصل بها إلى الاستيلاء على الأقمشة، فإن الواقعة كما أوردها الحكم تكون قد توافرت فيها الأركان القانونية لجريمة الاستيلاء، وهو ما لا ينال منه أن تكون الشركة المجني عليها قد استوفت ثمن الأقمشة المستولى عليها بالسعر الرسمي المحدد إذ لم يكن أداء الثمن إليها إلا وسيلة للوصول إلى الاستيلاء على تلك الأقمشة بغير حق ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه في هذا الصدد يكون غير سديد.
6 - لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنها وإن أشارت في معرض بيان الأدلة التي تساندت إليها النيابة العامة في إسناد الاتهام إلى الطاعن وباقي المتهمين إلى تقرير الخبير - إلا أنها خلت من التعويل على شيء مما جاء به وكان مؤدى ذلك أن المحكمة التفتت عنه ولم يكن له تأثير في قضائها.
7 - من المقرر أنه لا يعيب الحكم الخطأ في الإسناد الذي لا يؤثر في منطقه فإنه لا يجدي الطاعن ما يثيره - بغرض صحته - عن خطأ الحكم فيما أورده من أن الطاعن أشهد آخر لم يؤيده في واقعة سرقة المتهم الأول....... لكشف التوزيع من مكتبه أو فيما أثبته من أنه لم يراع في تحرير البونات الأصول المتبعة عند ملء بياناتها واختصاره عمداً ذلك الإجراء ما دام أن ما أورده الحكم من ذلك لم يكن قوام جوهر الواقعة التي اعتنقها ولا أثر له في منطق الحكم واستدلاله. ومن ثم تنحسر عن الحكم قاله الخطأ في الإسناد.
8 - من المقرر أن الاشتراك بالاتفاق إنما يتحقق من اتحاد نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه وهذه النية أمر داخلي لا يقع تحت الحواس ولا يظهر بعلامات خارجية. وإذ كان القاضي الجنائي حراً في أن يستمد عقيدته من أي مصدر شاء فإن له - إذا لم يقم على الاتفاق دليل مباشر من اعتراف أو شهادة شهود أو غيره - أن يستدل عليه بطريق الاستنتاج من القرائن التي تقوم لديه ما دام هذا الاستدلال سائغاً وله من ظروف الدعوى ما يبرره.
9 - لما كان الحكم المطعون فيه قد دلل بالأسباب السائغة التي أوردها على أن الأقمشة المستولى عليها لا يمكن أن تخرج إلا باتفاق الطاعن والمحكوم عليهما لأن كلاً منهم يعرف جيداً بحكم وظيفته ما يلزم هو به في شأن توزيع حصص شركات القطاع العام ويعرف أن حصص الجمعيات التعاونية ضئيلة بالنسبة لحصص تلك الشركات وبشرط أن تكون طلباتها معتمدة من الجهات المعينة وهو ما تفتقر هذه الواقعة، فإن هذا حسبه ليستقيم قضاؤه، ذلك أنه ليس على المحكمة أن تدلل على حصول الاتفاق بأدلة مادية محسوسة بل يكفيها للقول بقيامه أن تستخلص حصوله من وقائع الدعوى وملابساتها ما دام في تلك الوقائع ما يسوغ الاعتقاد بوجوده.
10 - لما كان الحكم المطعون فيه قد أعمل في حق الطاعن وباقي المحكوم عليهم نص المادة 44 من قانون العقوبات التي تنص على أنه "إذا حكم على جملة متهمين بحكم واحد لجريمة واحدة فاعلين كانوا أو شركاء فالغرامات يحكم بها على كل منهم على إنفراد، خلافاً للغرامات النسبية فإنهم يكونون متضامنين في الالتزام بها ما لم ينص في الحكم على خلاف ذلك". وكانت الغرامة التي نصت عليها المادة 118 من قانون العقوبات هي من الغرامات النسبية التي أشارت إليها المادة 44 من القانون ذاته وإن كان الشارع قد ربط لها حداً أدنى لا يقل عن خمسمائة جنيه بما كان يجب معه الحكم على المتهمين معاً بالغرامة النسبية متضامنين ولا يستطاع التنفيذ عليهم جميعاً بأكثر من مقدارها المحدد في الحكم سواء في ذلك أن يلزم الحكم بهذا المقدار متضامنين أو يخص كلاً منهم بنصيب منه.
11 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد أنزل عقوبة الغرامة النسبية البالغ قدرها 7513.500 ج على كل من المحكوم عليهم فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون. لما كان ذلك وكان لهذه المحكمة طبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا تبين مما هو ثابت فيه أنه مبنى على مخالفة للقانون أو خطأ في تطبيقه أو في تأويله، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه فيما قضى به من غرامة نسبية نقضاً جزئياً وتصحيحه بجعل هذه الغرامة واحدة بالنسبة إلى الطاعن والمحكوم عليهما معه لاتصال هذا الوجه من الطعن بهما..


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين (قضى ببراءة بعضهم وبانقضاء الدعوى الجنائية بوفاة البعض الآخر) أولاً: المتهمون جميعاً بصفتهم في حكم الموظفين العموميين "مستخدمون بشركة النصر للغزل والنسيج والتريكو التابعة للمؤسسة المصرية العامة للغزل والنسيج" استولوا بغير حق على أموال عامة وذلك بأن استولوا على الأقمشة التموينية البالغ قيمتها سبعة آلاف وخمسمائة وثلاثة عشر جنيهاً وخمسمائة مليماً المملوكة للشركة سالفة الذكر بإثبات صرفها بطريق الغش والتزوير لجمعيات تعاونية بعضها وهمي والآخر لم يطلب أو يتسلم شيئاً منها. ثانياً: المتهم الأول (الطاعن الأول) ارتكب تزويراً في محررات الشركة سالفة الذكر هي كشوف توزيع الأقمشة التموينية وصورها والإخطار الصادر للمؤسسة المصرية العامة للغزل والنسيج المبينة بالتحقيقات بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها بأن أثبت بها على خلاف الحقيقة توزيع الأقمشة التموينية على الجمعيات التعاونية المشار إليها بالتهمة السابقة واستعمل هذه المحررات بأن قدمها لآخرين لاعتمادها وتنفيذ ما جاء بها مع علمه بتزويرها. ثالثاً: المتهمان الأول والثاني - الطاعن الأول وآخر - ارتكبا تزويراً في محررات الشركة المذكورة هي إيصالات السداد أرقام 50، 51، 275، 458، 320، 111 والإيصالات المؤقتة والفواتير الخاصة بها حال تحريرها المختص بوظيفته بأن قاما بسداد المبالغ الواردة بها لخزينة الشركة بأسماء الجمعيات التعاونية المذكورة على خلاف الحقيقة واستعمالها بإرسالها لباقي إدارات الشركة سداداً للفواتير التي استخرجت بأسماء تلك الجمعيات مع علمها بتزويرها. رابعاً: المتهمان الثالث والرابع (الطاعن الثاني وآخر) ارتكبا تزويراً في محررات للشركة آنفة الذكر هي أذون تسليم البضاعة أرقام 298، 308، 322، 314، 416، 418، 460، 462، وبونات التسليم بواسطة السيارات أرقام 11008، 11015، 11018، 11029، 11845، 11846، 11996، 11997، بجعلهما واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمهما بتزويرها بأن قام الأول بصفته أمين مخزن الشركة بتحريرها بأسماء الجمعيات التعاونية المبينة بالتحقيقات على خلاف الحقيقة واعتمدها الثاني بصفته رئيساً للمخازن واستعملا تلك المحررات مع علمهما بتزويرها بتسليمها لباقي إدارات الشركة وتسليم البونات للمتهم السادس لتوصيلها مع الأقمشة إلى مخازن الشركة بالموسكي. خامساً: المتهم الخامس (الطاعن الثالث) ارتكب تزويراً في محررات للشركة سالفة الذكر هي بون التسليم بواسطة السيارات المشار إليها في التهمة السابقة بأن وقع عليها بتوقيعات نسبها زوراً لمندوبي الجمعيات التعاونية المبينة بالتحقيقات بما يفيد استلامهم للأقمشة الواردة بها واستعمالها بتسليمها للمتهم السادس مع علمه بتزويرها. وأحالتهم إلى محكمة أمن الدولة العليا بالجيزة لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. كما اتهمت النيابة العامة ذات المتهمين بصفتهم من العاملين بإحدى الشركات المملوكة للدولة "شركة النصر للغزل والنسيج والتريكو (الشوربجي)" حصلوا بسبب استغلال الخدمة ونتيجة لسلوك مخالف لنص قانوني عقابي على كسب غير مشروع يتمثل في استيلائهم بغير حق على الأقمشة التموينية المبينة بالتحقيقات والبالغ قيمتها 7513.500 جنيه المملوكة للشركة سالفة الذكر. وأحالتهم إلى محكمة جنايات القاهرة لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. فقررت تلك المحكمة إحالة الجناية الأخيرة إلى محكمة أمن الدولة العليا بالجيزة لنظرها مع الجناية الأولى. وبعد أن قررت محكمة أمن الدولة العليا بالجيزة ضم الجنايتين للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد قضت عملاً بالمواد 27، 30، 111/ 6، 113/ 1، 118، 119، 211، 213، 214 مكرراً من قانون العقوبات والمواد 1، 5، 12 من القانون رقم 11 لسنة 1968 والمواد 1/ 5، 2/ 1، 5/ جـ، 10، 14/ 2، 18، 25 من القانون رقم 62 لسنة 1975 بمعاقبة كل من...... و........ و........ (الطاعنون) بالحبس مع الشغل سنة واحدة وبالعزل من وظيفته مدة سنتين وتغريمه مبلغ سبعة آلاف وخمسمائة وثلاثة عشر جنيهاً وخمسمائة مليم وبمصادرة الأوراق المزورة المضبوطة.
فطعن كل من الأستاذ....... المحامي نيابة عن المحكوم عليه...... (الطاعن الأول) والأستاذ...... المحامي نيابة عن المحكوم عليه....... (الطاعن الثاني) والأستاذ...... المحامي نيابة عن المحكوم عليه........ (الطاعن الثالث) في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

أولاً: - من حيث إن الطاعن الثالث........ وفق ما أفصحت عنه النيابة العامة - لم يتقدم لتنفيذ العقوبة المقيدة للحرية المقضى بها عليه قبل يوم الجلسة المحددة لنظر طعنه فيتعين الحكم بسقوطه.
ثانياً: - عن الطعن المقدم من الطاعن الأول:
وحيث إن ما ينعاه الطاعن الأول على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم الاستيلاء والتزوير في محررات رسمية والكسب غير المشروع قد شابه القصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون ذلك أنه عول في إدانة الطاعن على أقوال متهم آخر هو أمين المخزن بمقولة أنه سلم الطاعن كشوف التوزيع رغم أن هذا القول غير صحيح ولا دليل عليه فضلاً عن أنه ليس من المستبعد قيام أمين المخزن بتزوير توقيع الطاعن على كشف قدمه للجنة الصادر ثم قام بإخفائه بعد خروج البضاعة - والتفت عن دفاع الطاعن في هذا الخصوص. ولم يورد الأدلة التي استخلص منها اقتناعه بارتكاب الطاعن جريمة التزوير في محررات رسمية فضلاً عن أن حصول الطاعن على الفرق بين السعر الرسمي للأقمشة وسعر السوق لا يشكل في حقه جريمة الاستيلاء على مال عام لكون هذا الفرق لا يتصور دخوله ذمة الشركة إذ يشكل في هذه الحالة جريمة البيع بأزيد من السعر المقرر، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجرائم الاستيلاء والتزوير والكسب غير المشروع التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، وكان عدم وجود المحرر المزور لا يترتب عليه حتماً عدم ثبوت جريمة التزوير إذ الأمر في هذا مرجعه إلى إمكان قيام الدليل على حصول التزوير ونسبته إلى المتهم وللمحكمة أن تكون عقيدتها على ذلك بكل طرق الإثبات. وكان من المقرر أن الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه، فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، ولما كان القانون الجنائي لم يجعل لإثبات جرائم التزوير طريقاً خاصاً، وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجناية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم ومنتجه في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه - كما هو الحال في الدعوى الحالية - لما كان ذلك وكان للمحكمة أن تستند في إدانة متهم إلى أقوال متهم آخر بما لها من كامل الحرية في تكوين عقيدتها من كافة العناصر المطروحة أمامها ما دام قد اطمأن وجدانها إلى هذه الأقوال. وكان ما حصله الحكم المطعون فيه من أقوال الشهود وإقرار الطاعن وباقي المحكوم عليهم وما أورى به تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير وما أفادت به محافظات القليوبية والسويس وأسيوط والجمعيات التعاونية ببني سويف والمنيا ومصنع 54 الحربي وما قرره صاحب شركة الهواري للنقل بالفيوم سائغاً للتدليل على قيام الطاعن الأول بتحرير كشف تسليم مزور بأسماء جمعيات وهمية وأخرى لم تطلب أصلاً أية أقمشة تموينية يؤكد ذلك ما انتهى إليه الحكم من قيام الطاعن بسداد جزء من ثمن الأقمشة قبل استخراج الفواتير بشأنها مدعياً أن له الحق في التحصيل والتوريد للخزينة بينما أن الثابت أنه يعمل عملاً إدارياً وليس له علاقة بالتحصيل أو التوريد أو إعطاء إيصالات سداد مؤقتة للعملاء مما يؤيد التواطؤ بينه وبين المتهمين الآخرين - ومن ثم فلا محل لما يثيره الطاعن في هذا الصدد لأنه لا يعدو جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى ومبلغ اقتناع المحكمة بها مما يستقل به قاضي الموضوع ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت استناداً إلى الأدلة السائغة التي أوردها أن الطاعن الأول استولى على الأقمشة عن طريق قيامه بتحرير كشف تسليم مزور بأسماء جمعيات وهمية وأخرى لم تطلب أصلاً أية أقمشة تموينية أو غيرها..... وكان من المقرر أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال مما نص عليه في المادة 113 من قانون العقوبات تتحقق بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوه أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه، وكان ما أثاره الطاعن على النحو آنف الذكر قد انطوى على حيلة توصل بها إلى الاستيلاء على الأقمشة، فإن الواقعة كما أوردها الحكم تكون قد توافرت فيها الأركان القانونية لجريمة الاستيلاء، وهو ما لا ينال منه أن تكون الشركة المجني عليها قد استوفت ثمن الأقمشة المستولى عليها بالسعر الرسمي المحدد إذ لم يكن أداء الثمن إليها إلا وسيلة للوصول إلى الاستيلاء على تلك الأقمشة بغير حق ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه في هذا الصدد يكون غير سديد ويضحى طعنه برمته على غير أساس خليقاً بالرفض.
ثالثاً: عن الطعن المقدم من الطاعن الثاني:
حيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم الاستيلاء على المال العام والتزوير في محررات رسمية والكسب غير المشروع قد شابه القصور في التسبيب والخطأ في الإسناد والفساد في الاستدلال ذلك أن الحكم المطعون فيه لم يبين مؤدى تقرير الخبير الذي عول عليه في إدانة الطاعن وماهية تعليمات المؤسسة بخصوص تحرير الأذونات والبونات الخاصة بالأقمشة المقول بمخالفتهما من الطاعن ومدى علمه بها كما أن ما ذهب إليه الحكم من خلو الأوراق من دليل على صحة ما قرره الطاعن بصرف الأقمشة بناء على إذن كتابي بالصرف سرق من مكتبه يخالف الثابت بالأوراق إذ أن شهادة مساعد أمين المخزن جاءت مؤيدة لأقوال الطاعن في هذا الشأن فضلاً عن أن الثابت بالتحقيقات عدم علم الطاعن بكشف توزيع المؤسسة السنوي وما هي الحصص المخصصة للجمعيات وعدم استقلاله بتنفيذ ما يرد بكشف التوزيع وتمام ذلك بمعرفة لجنة مختصة وأخيراً فإن ما استدل به الحكم المطعون فيه على حصول الاتفاق بين الطاعن وباقي المحكوم عليهم لا يوفره كل ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنها وإن أشارت في معرض بيان الأدلة التي تساندت إليها النيابة العامة في إسناد الاتهام إلى الطاعن وباقي المتهمين إلى تقرير الخبير - إلا أنها خلت من التعويل على شيء مما جاء به وكان مؤدى ذلك أن المحكمة التفتت عنه ولم يكن له تأثير في قضائها ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد، لما كان ذلك وكان ما حصله الحكم من قيام الطاعن بتحرير الأذونات والبونات الخاصة بالأقمشة واعتمادها من المتهم الرابع دون الرجوع إلى المدير التجاري لأخذ موافقته كتابة على تصدير تلك الأقمشة للجمعيات التعاونية المبينة في كشف التسليم المقدم من المتهم الأول بالمخالفة للتعليمات له صداه من أقوال الشاهد...... وكيل الإدارة التجارية بالشركة، وكانت واقعة الدعوى وفق تحصيل الحكم دالة بذاتها على توافر علم الطاعن بتعليمات المؤسسة، ومن ثم يضحى ما يثيره في هذا الخصوص غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم الخطأ في الإسناد الذي لا يؤثر في منطقه فإنه لا يجدي الطاعن ما يثيره - بفرض صحته - عن خطأ الحكم فيما أورده من أن الطاعن أشهد آخر لم يؤيده في واقعة سرقة المتهم الأول....... لكشف التوزيع من مكتبه أو فيما أثبته من أنه لم يراع في تحرير البونات الأصول المتبعة عند ملء بياناتها واختصاره عمداً ذلك الإجراء ما دام أن ما أورده الحكم من ذلك لم يكن قوام جوهر الواقعة التي اعتنقها ولا أثر له في منطق الحكم واستدلاله ومن ثم تنحسر عن الحكم قاله الخطأ في الإسناد. لما كان ذلك وكان من المقرر أن الاشتراك بالاتفاق إنما يتحقق من اتحاد نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه وهذه النية أمر داخلي لا يقع تحت الحواس ولا يظهر بعلامات خارجية. وإذ كان القاضي الجنائي حراً في أن يستمد عقيدته من أي مصدر شاء فإن له - إذا لم يقم على الاتفاق دليل مباشر من اعتراف أو شهادة شهود أو غيره. أن يستدل عليه بطريق الاستنتاج من القرائن التي تقوم لديه ما دام هذا الاستدلال سائغاً وله من ظروف الدعوى ما يبرره، ولما كان الحكم المطعون فيه قد دلل بالأسباب السائغة التي أوردها على أن الأقمشة المستولى عليها لا يمكن أن تخرج إلا باتفاق الطاعن والمحكوم عليهما لأن كلاً منهم يعرف جيداً بحكم وظيفته ما يلزم هو به في شأن توزيع حصص شركات القطاع العام ويعرف أن حصص الجمعيات التعاونية ضئيلة بالنسبة لحصص تلك الشركات وبشرط أن تكون طلباتها معتمدة من الجهات المعينة وهو ما تفتقره هذه الواقعة، فإن هذا حسبه ليستقيم قضاؤه، ذلك أنه ليس على المحكمة أن تدلل على حصول الاتفاق بأدلة مادية محسوسة بل يكفيها للقول بقيامه أن تستخلص حصوله من وقائع الدعوى وملابساتها ما دام في تلك الوقائع ما يسوغ الاعتقاد بوجوده وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون على غير أساس. ويكون الطعن برمته جديراً بالرفض. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أعمل في حق الطاعن وباقي المحكوم عليهم نص المادة 44 من قانون العقوبات التي تنص على أنه "إذا حكم على جملة متهمين بحكم واحد لجريمة واحدة فاعلين كانوا أو شركاء فالغرامات يحكم بها على كل منهم على إنفراده، خلافاً للغرامات النسبية فإنهم يكونون متضامنين في الالتزام بها ما لم ينص في الحكم على خلاف ذلك". وكانت الغرامة التي نصت عليها المادة 118 من قانون العقوبات هي من الغرامات النسبية التي أشارت إليها المادة 44 من القانون ذاته وإن كان الشارع قد ربط لها حداً أدنى لا يقل عن خمسمائة جنيه بما كان يجب معه الحكم على المتهمين معاً بالغرامة النسبية متضامنين ولا يستطاع التنفيذ عليهم جميعاً بأكثر من مقدارها المحدد في الحكم سواء في ذلك أن يلزمهم الحكم بهذا المقدار متضامنين أو يخص كلاً منهم بنصيب منه، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أنزل عقوبة الغرامة النسبية البالغ قدرها 7513.500 جنيه على كل من المحكوم عليهم فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون. لما كان ذلك وكان لهذه المحكمة طبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا تبين مما هو ثابت فيه أنه مبنى على مخالفة للقانون أو خطأ في تطبيقه أو في تأويله، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه فيما قضى به من غرامة نسبية نقضاً جزئياً وتصحيحه بجعل هذه الغرامة واحدة بالنسبة إلى الطاعن والمحكوم عليهما معه لاتصال هذا الوجه من الطعن بهما..