أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 37 - صـ 828

جلسة 12 من نوفمبر سنة 1986

برئاسة السيد المستشار: سيد عبد الباقي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: عبد المنصف هاشم، أحمد إبراهيم شلبي نائبي رئيس المحكمة، محمد جمال الدين شلقاني وصلاح عويس بطران.

(170)
الطعن رقم 161 لسنة 53 القضائية

(1) أحوال شخصية. عقد "عوارض الأهلية". بطلان. محكمة الموضوع. نقض. إثبات. أهلية.
تقدير حالة العته لدى أحد المتعاقدين. لقاضي الموضوع دون رقابة من محكمة النقض متى كان استخلاصه سائغاً. تحري أهلية العاقد. مناطها. حالته وقت انعقاد العقد.
(2) محكمة الموضوع. إثبات. دعوى. "طلب الإحالة إلى التحقيق".
لمحكمة الموضوع سلطة مطلقه في الأخذ بما تطمئن إليه من الأدلة وإطراح ما عداه دون حاجه إلى الرد استقلالاً على ما لم تأخذ به. شرطه. عدم التزامها بإجابة الخصم إلى طلب الإحالة إلى التحقيق متى رأت في أسبابها ما يكفي لتكوين اعتقادها.
(3) إرث. نظام عام. تركة. بيع. هبة.
التحايل الممنوع على أحكام الإرث لتعلقها بالنظام العام. ماهيته. التصرفات المنجزة الصادرة من المورث حال صحته لأحد ورثته. صحيحة ولو قصد بها حرمان بعض ورثته أو كانت هبة مستترة في عقد بيع استوفى شكله القانوني. علة ذلك.
1 - تقدير حالة العته لدى أحد المتعاقدين هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - مما يتعلق بفهم الواقع في الدعوى، فلا يخضع فيه القاضي لرقابة محكمة النقض متى كان استخلاصه في ذلك سائغاً، والعبرة في تحري أهلية العاقد هي بحالته في الوقت الذي انعقد فيه العقد.
2 - لمحكمة الموضوع سلطة مطلقه في الأخذ بما تطمئن إليه من الأدلة وإطراح ما عداه دون ما حاجة للرد استقلالاً على ما لم تأخذ به طالما قام حكمها على أسباب سائغة كما أنها غير ملزمة بإجابة الخصم إلى طلب الإحالة إلى التحقيق متى رأت مما أوردته من أسباب ما يكفي لتكوين اعتقادها وما يغني عن التحقيق.
3 - التحايل الممنوع على أحكام الإرث لتعلق الإرث بالنظام العام هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ما كان متصلاً بقواعد التوريث وأحكامه المعتبرة شرعاً كاعتبار شخص وارثاً وهو في الحقيقة غير وارث أو العكس وكذلك ما يتفرع عن هذا الأصل من التعامل في التركات المستقبلة كإيجار ورثة قبل وفاة المورث غير من لهم حق الميراث شرعاً أو الزيادة أو النقص في حصصهم الشرعية، ويترتب على هذا أن التصرفات المنجزة الصادرة من المورث حالة صحته لأحد ورثته تكون صحيحة ولو كان المورث قصد بها حرمان بعض ورثته لأن التوريث لا يرد إلا على ما يخلفه المورث وقت وفاته أما ما أخرجه من محال حال حياته فلا حق للورثة فيه والتصرف المنجز يعتبر صحيحاً سواء أكان العقد في حقيقته بيعاً أو مستترة في عقد استوفى شكله القانوني.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر... نائب رئيس المحكمة والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعنين الأول والثاني أقاما الدعوى رقم 206 سنة 1979 مدني بور سعيد الابتدائية ضد المطعون عليها بطلب الحكم ببطلان عقد البيع المشهر برقم 144 بور سعيد بتاريخ 4/ 3/ 1978 وعدم نفاذه في حقها، وقالا بياناً لها أن هذا البيع باطل لأنه يستر تصرفاً حقيقياً هو الهبة وصدر لها من مورثهم المرحوم... ببيع العقارات المبينة به وهو يعاني من مرض العته الشيخوخي، وبعد سماع الشهود تنفيذاً لحكم التحقيق الذي أصدرته المحكمة لإثبات ونفي عته المورث البائع وقت البيع حكمت بتاريخ 26/ 4/ 1981 ببطلان العقد. استأنفت المطعون عليها هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسماعيلية (مأمورية بور سعيد) بالاستئناف رقم 180 سنة 22 ق مدني وبتاريخ 22/ 12/ 1982 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب حاصلها - عدا الوجه الأول من السبب الأول والوجه الثاني من السبب الثالث - أن الحكم المطعون فيه عاره البطلان وشابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، ذلك أن الحكم أقام قضاءه برفض الدعوى على عدم صدور حكم بالحجر على المورث المذكور وأن وكيل النيابة المحقق في دعوى الحجر رقم 1 سنة 1978 أثبت ملاحظة تفيد أنه ليس في حالة عته دون أن تطلع المحكمة على سائر التحقيقات التي أجريت في تلك الدعوى والتي انتهت بمذكرة من السيد وكيل النيابة بطلب توقيع الحجر عليه بناء على التقرير الطبي الذي أوصى بذلك، ودون أن تجبهم المحكمة إلى طلب إصدار حكم جديد بالإحالة إلى التحقيق لإثبات عته المورث وقت إبرام العقد فعار الحكم البطلان وشابه القصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن تقرير حالة العته لدى أحد المتعاقدين هو وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - مما يتعلق بفهم الواقع في الدعوى، فلا يخضع فيه القاضي لرقابة محكمة النقض متى كان استخلاصه في ذلك سائغاً، والعبرة في تحري أهلية العاقد هي بحالته في الوقت الذي انعقد فيه العقد، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض الدعوى على ما خلصت إليه محكمة الموضوع في حدود سلطتها في فهم الواقع وتقدير الأدلة فيها على أنه "لم يصدر حكم بالحجر على المورث والمستفاد من الملاحظة التي سجلها وكيل النيابة المحقق بمحضره المؤرخ 8/ 2/ 1978 أي في وقت معاصر لوقت تحرير عقد البيع المطعون عليه أن المطلوب الحجر عليه مدرك لكل ما يسأل عنه ولا تبدو عليه أية علامات عته أو ما يعيب التصرف أو تنتابه أية غيبوبة وعدم الإدراك مما تخلص معه المحكمة إلى أن المورث لم يكن في حالة عته شائع وبذلك يغدو تصرفه بالبيع إلى ابنته المطعون عليها سليماً ولا مجال للطعن عليه بالبطلان" لما كان ذلك وكان هذا الذي قرره الحكم وأقام عليه قضاءه يقوم على استدلال صحيح سائغ ويكفي لحمل قضائه. وكان لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ بما تطمئن إليه من الأدلة وإطراح ما عداه دون ما حاجة للرد استقلالاً على ما لم تأخذ به طالما قام حكمها على أسباب سائغة، كما أنها غير ملزمه بإجابة الخصم إلى طلب الإحالة إلى التحقيق متى رأت فيما أوردته من أسباب ما يكفي لتكوين اعتقادها وما يغني عن التحقيق لما كان ما تقدم فإن النعي لا يعدو أن يكون في حقيقته جدلاً موضوعياً في تقدير محكمة الموضوع للأدلة وهو ما لا يجوز أمام محكمة النقض ويكون هذا النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالوجه الأول من السبب الأول والوجه الثاني من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والبطلان، وفي بيان ذلك يقولون إنهم تمسكوا أمام محكمة الموضوع بأن عقد البيع يستر عقداً حقيقياً هو الهبة بقصد التحايل على أحكام الميراث وحرمان الورثة من تركة المورث، غير أن الحكم لم يعرض لهذا الدفاع أو يرد عليه رغم أنه دفاع جوهري مما قد يتغير به وجه الرأي في الدعوى فشابه القصور في التسبيب وعاره البطلان.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن التحايل الممنوع على أحكام الإرث لتعلق الإرث بالنظام العام هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ما كان متصلاً بقواعد التوريث وأحكامه المعتبرة شرعاً كاعتبار شخص وارثاً وهو في الحقيقة غير وارث أو العكس وكذلك ما يتفرغ عن هذا الأصل من التعامل في تركات المستقبل كإيجار ورثة قبل وفاة المورث غير من لهم حق الميراث شرعاً أو الزيادة أو النقص في حصصهم الشرعية، ويترتب على هذا أن التصرفات المنجزة الصادرة من المورث حالة صحته لأحد ورثته تكون صحيحة ولو كان المورث قصد بها حرمان بعض ورثته لأن التوريث لا يرد إلا على ما يخلفه المورث وقت وفاته أما ما أخرجه من مال حال حياته فلا حق للورثة فيه... والتصرف الناجز يعتبر صحيحاً سواء أكان العقد في حقيقة بيعاً أو هبة مستترة في عقد استوفى شكله القانوني، لما كان ذلك وكان عقد البيع موضوع النزاع قد صدر من المورث حال صحته فإن دفاع الطاعنين بأنه يستر عقداً حقيقياً هو الهبة بقصد التحايل على أحكام الميراث وحرمان الورثة من تركة المورث لا يكون دفاعاً جوهرياً منتجاً مما قد يتغير به وجه الرأي في الدعوى ومن ثم فعدم تعرض الحكم المطعون فيه له أو الرد عليه لا يعيبه بالقصور ويكون هذا النعي فى غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.