أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
الجزء الأول - السنة 38 - صـ 119

جلسة 21 من يناير سنة 1987

برياسة السيد المستشار/ محمد وجدي عبد الصمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ إبراهيم حسين رضوان، محمد ممدوح سالم، محمد رفيق البسطويسي نواب رئيس المحكمة وسرى صيام.

(16)
الطعن رقم 6033 لسنة 56 القضائية

(1) تزوير "أوراق عرفية". إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم وجود المحرر المزور لا يترتب عليه حتماً عدم ثبوت جريمة التزوير. الأمر في هذا مرجعه إلى إمكان قيام الدليل على حصول التزوير ونسبته إلى المتهم. للمحكمة أن تكون عقيدتها في ذلك بكل طرق الإثبات. لها أن تأخذ بالصورة الضوئية للورقة كدليل في الدعوى إذا ما اطمأنت إلى صحتها.
الجدل الموضوعي في تقدير أدلة الدعوى. لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
(2) تزوير. جريمة "أركانها". إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
ثبوت وقوع التزوير أو الاستعمال. التنازل عن المحرر المزور ممن تمسك به لا أثر له على وقوع الجريمة.
(3) تزوير."محرر عرفي" إجراءات "إجراءات المحاكمة". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تعويل المحكمة على صورة العقد المزور وعدم ادعاء الطاعن أنها كانت في حرز مغلق لم يفض. اعتبارها معروضة على بساط البحث في حضور الخصوم. النعي على المحكمة قعودها عن الاطلاع على المستند لا أساس له؟
(4) إثبات "شهود". دعوى جنائية "نظرها والحكم فيها". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". تزوير.
طلب إحالة الدعوى للتحقيق الذي لا يتجه إلى نفي الفعل أو إثبات استحالة حصوله بل بقصد إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة. دفاع موضوعي لا تلتزم المحكمة بإجابته.
(5) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
اطرح المستندات المثبتة لوجود منازعات بين الطاعن والمدعي بالحقوق المدنية من إطلاقات محكمة الموضوع. علة ذلك؟
1 - لما كان عدم وجود المحرر المزور لا يترتب عليه حتماً عدم ثبوت جريمة تزويره إذ الأمر في هذا مرجعه إلى قيام الدليل على حصول التزوير، وللمحكمة أن تكون عقيدتها في ذلك بكل طرق الإثبات ما دام أن القانون الجنائي لم يحدد طريق إثبات معينة في دعاوى التزوير، ولها أن تأخذ بالصورة الضوئية كدليل في الدعوى إذا ما اطمأنت إلى صحتها، وكان الحكم - على السياق المتقدم - قد خلص في منطق سائغ وبتدليل مقبول إلى سابقة وجود عقد الإيجار المزور وإلى أن الطاعن قد استعمله بتقديمه لمحرر المحضر سالف البيان، وهو ما لا يماري الطاعن في سلامة مأخذه، وكان ما أورده الحكم قد كشف عن أن المحكمة لم تكن في حاجة إلى إجراء تحقيق أو الاستعانة بخبير لإثبات حصول التزوير، فإن ما يثيره الطاعن من عدم وجود عقد إيجار مزور وما ينعاه على المحكمة من قعودها عن إجراء تحقيق أو مضاهاة وتعويل على صورة ضوئية للعقد غير مؤشر عليها بمطابقتها الأصل، ينحل جميعه إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى ومبلغ اقتناع المحكمة بها لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.
2 - من المقرر أنه متى وقع التزوير أو استعمال المحرر المزور فإن التنازل عن المحرر المزور ممن تمسك به لا أثر له على وقوع الجريمة، فإن مساءلة الطاعن رغم تنازله عن التمسك بعقد الإيجار المزور تكون قد صادفت صحيح القانون.
3 - لما كان الحكم قد أفصح عن أن التزوير تم بطريق الاصطناع وذلك على اقتناعه بوقوعه بما يقيمه من وجوه الأدلة، فإن ما يرمى به الطاعن الحكم من إهمال ماهية التزوير وكيفية اقتناعه بحصوله يكون على غير سند. لما كان ذلك، وكان يبين من مدونات الحكم أن صورة العقد المزور مرفقة بأوراق الشكوى رقم...... إداري حدائق القبة التي قدم المدعي بالحقوق المدنية صورتها إلى المحكمة، وكانت المحكمة قد عولت على صورة العقد المزور المشار إليها في إثبات تزوير هذا العقد، والتي لم يدع الطاعن أنها كانت في حرز مغلق لم يفض لدى نظر الدعوى أمام المحكمة، فإن تلك الصورة تكون قد عرضت على بساط البحث والمناقشة في حضور الخصوم في جلسات المحاكمة ويكون نعى الطاعن في شأن عدم اطلاع المحكمة على الورقة المزورة على غير أساس.
4 - لما كان طلب إحالة الدعوى للتحقيق لإثبات استئجار الطاعن عين النزاع لنفي الباعث على اصطناع عقد إيجار، لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة أو إثبات استحالة وقوعها وإنما يتغيا إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة، فإنه يعتبر دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بإجابته أو الرد عليه، ويكون ما يثيره الطاعن في شأنه غير مقبول.
5 - لما كان إطراح المستندات المثبتة لوجود منازعات مدنية وجنائية بين الطاعن وبين المدعي بالحقوق المدنية هو من إطلاقات محكمة الموضوع إذ القصد من إثبات هذه المنازعات هو التشكيك في الأدلة التي عولت عليها في الإدانة، فإن ما يعيبه الطاعن على الحكم في هذا الخصوص ينحل إلى جدل موضوعي في استنباط المحكمة لمعتقدها، وهو ما لا يجوز أمام محكمة النقض.


الوقائع

أقام المدعي بالحقوق المدنية دعواه بطريق الادعاء المباشر أمام محكمة جنح حدائق القبة ضد الطاعن بوصف أنه ارتكب تزويراً مادياً في محرر عرفي (عقد إيجار مؤرخ...... على النحو المبين بالصحيفة. ثانياً: استعمل هذا السند المزور في الشكوى الإدارية رقم.... وطلب عقابه بالمادتين 213، 215 من قانون العقوبات وإلزامه بأن يؤدي له مبلغ 101 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت.
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بمادتي الاتهام بحبس المتهم سنة مع الشغل وكفالة مائة جنيه لإيقاف التنفيذ وإلزامه أن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغ 101 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت.
استأنف ومحكمة شمال القاهرة الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف إلى حبس المتهم ستة أشهر مع الشغل والتأييد فيما عدا ذلك.
فطعن الأستاذ... المحامي نيابة عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة تزوير محرر عرفي واستعماله قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه أفترض أن ثمة عقد إيجار مزور دون بيان ماهية تزويره ودون إجراء تحقيق أو مضاهاة، وعول على صورة ضوئية له غير مؤشر عليها بمطابقتها الأصل مقدمة في محضر إداري تنازل الطاعن عن التمسك بها، ولم تطلع المحكمة على العقد المقول بتزويره. ورفضت طلب الطاعن إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات استئجاره عين النزاع مما يغنيه عن اصطناع عقد إيجار، وأطرحت المستندات المثبتة لوجود منازعات مدنية وجنائية بينه وبين المدعي بالحقوق المدنية، فضلاً عن اختلال فكرة الحكم عن موضوع الدعوى وعناصرها، كل ذلك يعيبه ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم الابتدائي الذي اعتنق الحكم المطعون فيه أسبابه أورد في مقام تكوين عقيدته بوجود عقد الإيجار الذي دان الطاعن بتزويره واستعماله قوله: ".. وكان الثابت من الصورة الضوئية للشكوى الإداري.... أن المتهم (الطاعن) قرر في أقواله أن لديه عقد إيجار حرره له المدعي المدني أي الشاكي في تلك الشكوى، كما أنه قدم هذا العقد لمحرر المحضر وأرفق صورة منه بالمحضر فقد دل ذلك على أن هناك عقد إيجار عن دكان النزاع وأنه في يد المتهم...." لما كان ذلك، وكان عدم وجود المحرر المزور لا يترتب عليه حتماً عدم ثبوت جريمة تزويره إذ الأمر في هذا مرجعه إلى قيام الدليل على حصول التزوير، وللمحكمة أن تكون عقيدتها في ذلك بكل طرق الإثبات ما دام أن القانون الجنائي لم يحدد طريق إثبات معينه في دعاوى التزوير، ولها أن تأخذ بالصورة الضوئية كدليل في الدعوى إذا ما اطمأنت إلى صحتها، وكان الحكم - على السياق المتقدم قد خلص في منطق سائغ وبتدليل مقبول إلى سابقة وجود عقد الإيجار المزور وإلى أن الطاعن قد استعمله بتقديمه لمحرر المحضر سالف البيان، وهو ما لا يماري الطاعن في سلامة مأخذه، وكان ما أورده الحكم قد كشف عن أن المحكمة لم تكن في حاجة إلى إجراء تحقيق أو الاستعانة بخبير لإثبات حصول التزوير، فإن ما يثيره الطاعن من عدم وجود عقد إيجار مزور وما ينعاه على المحكمة من قعودها عن إجراء تحقيق أو مضاهاة وتعويل على صورة ضوئية للعقد غير مؤشر عليها بمطابقتها الأصل، ينحل جميعه إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى ومبلغ اقتناع المحكمة بها لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك. وكان من المقرر أنه متى وقع التزوير أو استعمال المحرر المزور فإن التنازل عن المحرر المزور ممن تمسك به لا أثر له على وقوع الجريمة، فإن مساءلة الطاعن رغم تنازله عن التمسك بعقد الإيجار المزور تكون قد صادفت صحيح القانون، ويكون ما يثيره في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أفصح عن أن التزوير تم بطريق الاصطناع، ودلل على اقتناعه بوقوعه بما يقيمه من وجوه الأدلة، فإن ما يرمى به الطاعن الحكم من إغفال ماهية التزوير وكيفية اقتناعه بحصوله يكون على غير سند. لما كان ذلك، وكان يبين من مدونات الحكم أن صورة العقد المزور مرفقه بأوراق الشكوى رقم.... إداري...... التي قدم المدعي بالحقوق المدنية صورتها إلى المحكمة، وكانت المحكمة قد عولت على صورة العقد المزور المشار إليها في إثبات تزوير هذا العقد، والتي لم يدع الطاعن أنها كانت في حرز مغلق لم يفض لدى نظر الدعوى أمام المحكمة، فإن تلك الصورة تكون قد عرضت على بساط البحث والمناقشة في حضور الخصوم في جلسات المحاكمة ويكون نعى الطاعن في شأن عدم اطلاع المحكمة على الورقة المزورة على غير أساس. لما كان ذلك، وكان طلب إحالة الدعوى للتحقيق لإثبات استئجار الطاعن عين النزاع لنفي الباعث على اصطناع عقد إيجار، لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة أو إثبات استحالة وقوعها وإنما يتغيا إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة، فإنه يعتبر دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بإجابته أو الرد عليه، ويكون ما يثيره الطاعن في شأنه غير مقبول. لما كان ذلك، وكان إطراح المستندات المثبتة لوجود منازعات مدنية وجنائية بين الطاعن وبين المدعي بالحقوق المدنية هو من إطلاقات محكمة الموضوع إذ القصد من إثبات هذه المنازعات هو التشكيك في الأدلة التي عولت عليها في الإدانة، فإن ما يعيبه الطاعن على الحكم في هذا الخصوص ينحل إلى جدل موضوعي في استنباط المحكمة لمعتقدها، وهو ما لا يجوز أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد بين واقعة الدعوى على نحو يكشف عن وضوح فكرتها في عقيدة المحكمة، وبما تتوافر به عناصرها القانونية، فإن ما يدعيه الطاعن من اختلال فكرة الحكم عن موضوع الدعوى وعناصرها يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً، مع إلزام الطاعن المصاريف المدنية.