أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 37 - صـ 1042

جلسة 25 من ديسمبر سنة 1986

برئاسة السيد المستشار: محمد محمود راسم نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد رأفت خفاجي نائب رئيس المحكمة، الحسيني الكناني ومحمد عبد البر حسين سالم وأحمد عبد الرحمن.

(211)
الطعن رقم 2033 لسنة 51 القضائية

(1، 2) اختصاص "اختصاص ولائي". نقض "سلطة محكمة النقض".
(1) اختصاص المحاكم بنظر كافة المنازعات والجرائم. إلا استثناء. م 15 ق 46 لسنة 1972.
(2) انتهاء الحكم إلى نتيجة سليمة. النعي عليه بالقصور. غير منتج. لمحكمة النقض تصحيح ذلك.
(3، 5) إيجار "إيجار الأماكن". عقد "عقد الإيجار" "نطاق العقد".
(3) عقد الإيجار. ماهيته. التزام المؤجر بالامتناع عما يحول دون انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة. أثره.
(4) تحديد نطاق المكان المؤجر. الأصل فيه بما يفصح عنه المتعاقدان في عقد الإيجار. عدم وضوح ذلك. وجوب الرجوع إلى النية المشتركة للمتعاقدين مع الاستهداء بطبيعة التعامل والعرف الجاري والطريقة التي يتم بها تنفيذ العقد منذ البداية.
(5) نطاق العقد. عدم اقتصاره على إلزام المتعاقدين بما ورد فيه. تناوله ما هو من مستلزماته وفقاً للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام. م 148 مدني.
1 - المقرر وفقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 15 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 أن المحاكم تختص بالفصل في كافة المنازعات والجرائم فيما عدا المنازعات الإدارية التي يختص بها مجلس الدولة وعدا ما استثنى بنص خاص، ولما كانت المنازعة في الدعوى بين طرفي عقد الإيجار ليست من بين الحالات المستثناة الداخلة في ولاية جهة القضاء الإداري أو غيرها من جهات القضاء، فإن الاختصاص بنظرها والفصل فيها ينعقد لجهة المحاكم دون غيرها.
2 - لا يعيب الحكم ما ينعى به الطاعنان عليه من قصور، ذلك أن لمحكمة النقض - وعلى ما جرى به قضاؤها - أن تصحح أسباب الحكم المطعون فيه بغير أن تنقضه متى كان سليماً في نتيجته التي انتهى إليها.
3 - المقرر في المادتين 558، 571 من القانون المدني أن الإيجار عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشيء معين، ويلتزم المؤجر بالامتناع عن كل من شأنه أن يحول دون انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة، ولا يجوز له أن يحدث بالعين أو بملحقاتها أي تغيير يخل بهذا الانتفاع.
4 - الأصل في بيان حدود ونطاق المكان المؤجر وهو بما يفصح عنه المتعاقدان في عقد الإيجار، فإذا لم يتضح ذلك من عبارة العقد فإنه يتعين وفقاً لحكم المادة 150/ 2 من القانون المدني البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل وفقاً للعرف الجاري في المعاملات، ويمكن الاستهداء في ذلك بالطريقة التي تم بها تنفيذ العقد منذ البداية، فإذا ما قام المتعاقدان بتنفيذه على نحو معين مدة من الزمن أمكن تفسير إرادتهما المشتركة في ضوء طريقة التنفيذ التي تراضيا عليها.
5 - لا يقتصر نطاق العقد على إلزام المتعاقدين بما ورد فيه، ولكنه يتناول أيضاً - وعلى ما تصرح به المادة 148/ 2 من القانون المدني - ما هو من مستلزماته وفقاً للقانون والعرف والعدالة، وذلك بحسب طبيعة الالتزام.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدها أقامت الدعوى رقم 2664 لسنة 1979 مدني كلي الجيزة على الطاعنين بطلب الحكم بتمكينها من إقامة حوائط بين الأعمدة الرافعة للعمارة والفاصلة بين الجراج المؤجر لهما وفناء العقار المبين بالصحيفة، وقالت بياناً لها إن الطاعنين يستأجران من المالك السابق الجراج الواقع أسفل العقار المبين بالصحيفة، وقد رغبت بعد شرائها للعقار المذكور في إقامة حوائط بفناء العقار للفصل بينه وبين العين المؤجرة، وإذ لم يمكناها من ذلك فقد أقامت الدعوى. وبتاريخ 24/ 6/ 1979. حكمت المحكمة بندب مكتب الخبراء بوزارة العدل لتنفيذ المأمورية المبينة بمنطوق الحكم وبعد أن أودع الخبير تقريره حكمت بتاريخ 28/ 12/ 1980 برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وباختصاصها، وبرفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان، وبتمكين المطعون ضدها من إقامة الحوائط الفاصلة بين الجراج والفناء والواقعة بين الأعمدة الرافعة للعقار، استأنف الطاعنان هذا الحكم بالاستئناف رقم 1004 سنة 98 ق القاهرة، وبتاريخ 24/ 5/ 1981 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة، حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعنان بالوجه الثاني من السبب الأول من أسباب الطعن أنهما تمسكا في صحيفة الاستئناف بأن الحكم الابتدائي المؤيد لأسباب بالحكم المطعون فيه قد شابه القصور في مقام الرد على ما دفعا به من عدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى، إذ ذهب إلى أن عقد الإيجار يسمح للمالك بإجراء الأعمال والتصليحات وهو ما لا يصلح رداً على هذا الدفع، وإذ أغفل الحكم المطعون فيه تمحيص هذا الدفع فإنه يكون مشوباً بالقصور.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أن الثابت بالأوراق أن الطاعن قد تمسك بالدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى على سند من أن الفصل في النزاع هو من اختصاص الجهة الإدارية دون المحاكم، وكان المقرر وفقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 15 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 أن المحاكم تختص بالفصل في كافة المنازعات والجرائم فيما عدا المنازعات الإدارية التي يختص بها مجلس الدولة وعدا ما استثنى بنص خاص، ولما كانت المنازعة في الدعوى بين طرفي عقد الإيجار ليست من بين الحالات المستثناة الداخلة في ولاية جهة القضاء الإداري أو غيرها من جهات القضاء فإن الاختصاص بنظرها والفصل فيها ينعقد لجهة المحاكم دون غيرها، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى في قضائه إلى رفض الدفع بعدم اختصاص المحاكم ولائياً بنظر الدعوى، فإنه يكون قد التزم صحيح حكم القانون، ولا يعيبه ما ينعى به الطاعنان عليه من قصور - ذلك أن لمحكمة النقض - وعلى ما جرى به قضاؤها أن تصحح أسباب الحكم المطعون فيه بغير أن تنقضه متى كان سليماً في نتيجته التي انتهى إليها ومن ثم يكون النعي عليه في هذا الخصوص غير منتج.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالوجه الثالث من السبب الأول على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقولان إن الحكم تناول الدفع المبدى منهما بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان لعدم الحصول على ترخيص من الجهة الإدارية بإقامة الحوائط الفاصلة، بما لا يصلح رداً عليه بتقريره أن تنفيذ الحكم سوف يكون بطبيعة الحال متمشياً مع أحكام القوانين واللوائح دون أن يستجلى الحكم حقيقة هذه الأحكام لأنها إذا كانت لا تسمح بإقامة مثل تلك الحوائط فإن مصلحة المطعون ضدها تنتفي في إقامة دعواها.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الثابت بتقرير الخبير المرفق بالأوراق، إن إقامة الحوائط الفاصلة محل النزاع لا مخالفة فيها لقوانين التنظيم وهو ما أشار إليه الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه، وإذ كان الطاعنان لم يبينا وجه مخالفة القانون في إقامة تلك الحوائط تدليلاً على انتفاء وجه المصلحة في الدعوى، فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى رفض ما دفع به الطاعنان في هذا الخصوص تأسيساً على أن تنفيذ طلب المطعون ضدها بإقامة الحوائط الفاصلة يكون وفقاً لأحكام القوانين واللوائح، ومن ثم فإن النعي عليه بالقصور والفساد في الاستدلال يكون على غير أساس.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقولان إنهما تمسكا أمام محكمة الموضوع بأن تنفيذ عقد الإيجار قد تم منذ بدء الإجارة على أساس أن الجراج المؤجر لهما يشمل كل مساحة الأرض الفضاء باعتبارها جزءاً لا يتجزأ منه وتحددت حدوده بالعقارات المجاورة والطريق العام، وأن الممرات التي تدعيها المطعون ضدها هي ممرات للعين المؤجرة، فلا يجوز حرمانهما من الانتفاع بها، كما تمسكا أيضاً بأن تقرير الخبير انتهى إلى أن هذه الممرات تعد مناور مخصصة لخدمة المبنى كله مما مفاده تخصيصها لخدمة الجراج المؤجر لهما، ومن ثم فإن إقامة تلك الحوائط الفاصلة من شأنه حجب الإضاءة والتهوية عن هذا الجراج، الأمر المخالف لقوانين التنظيم، ويؤدي إلى نقص منفعة العين المؤجرة، وإذ أغفل الحكم المطعون فيه هذا الدفاع إيراداً ورداً، وهو دفاع جوهري يتغير به وجه الرأي في الدعوى، فإنه يكون معيباً بالقصور.
وحيث إن هذا النعي في محله ذلك أن المقرر في المادتين 558، 571 من القانون المدني أن الإيجار عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشيء معين، ويلتزم المؤجر بالامتناع عن كل من شأنه أن يحول دون انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة، ولا يجوز له أن يحدث بالعين أو بملحقاتها أي تغيير يخل بهذا الانتفاع، والأصل في بيان حدود نطاق المكان المؤجر هو بما يفصح عنه المتعاقدان في عقد الإيجار، فإذا لم يتضح ذلك من عبارة العقد فإنه يتعين وفقاً لحكم المادة 150/ 2 من القانون المدني البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل وفقاً للعرف الجاري في المعاملات، ويمكن الاستهداء في ذلك بالطريقة التي تم بها تنفيذ العقد منذ البداية، فإذا ما قام المتعاقدان بتنفيذه على نحو معين مدة من الزمن أمكن تفسير إرادتهما المشتركة في ضوء طريقة التنفيذ التي تراضيا عليها، كما أن العقد لا يقتصر نطاقه على إلزام المتعاقدين بما ورد فيه، ولكنه يتناول أيضاً - وعلى ما تصرح به المادة 148/ 2 من القانون المدني - ما هو من مستلزماته وفقاً للقانون والعرف والعدالة، وذلك بحسب طبيعة الالتزام، لما كان ذلك، وكان الثابت بعقد الإيجار - موضوع النزاع أن المتعاقدين لم يبينا حدود الجراج المؤجر ومساحته، وكان الطاعنان - على ما هو ثابت بمدونات الحكم المطعون فيه - قد تمسكا في صحيفة الاستئناف بأن تنفيذ عقد الإيجار قد تم منذ البداية على أساس اشتمال العين المؤجرة على كامل مساحة الأرض الكائن بها مباني العمارة بما في ذلك ما اعتبر ممرات خاصة بالجراج المؤجر الذي صار استعماله على هذا النحو مدة عشرة سنوات وصدر الترخيص له على هذا الأساس وأن من شأنه إقامة الحوائط الفاصلة حجب الضوء والهواء عن العين محل النزاع وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بتأييد الحكم المستأنف على قوله بأن المستخلص من الأوراق وتقرير مكتب الخبراء الذي تعول عليه المحكمة اطمئناناً إليه في حدود سلطتها الموضوعية أن الأرض محل التداعي تجاوز القدر المؤجر كجراج للمستأنفين (الطاعنين) وذلك باعتبارها مناور مخصصة لمنفعة العقار بأكمله وليس للعين المؤجر للمستأنفين وحدها حتى يحق لهما الاستئثار باستعمالها وفي غير الغرض المخصصة له ولو كان قد فعلا من قبل كما ثبت من تقرير الخبير المنوه عنه إنه ليس في إقامة المستأنف ضدها هذه الحوائط ما يتعارض مع عقد الإيجار الصادر للمستأنفين أو ينقص منه وبالتالي فهي تستعمل بدعواها حقها في الملكية استعمالاً مشروعاً وكان ما أورده الحكم على هذا النحو لا يواجه دفاع الطاعنين بشأن تحديد نطاق العين المؤجرة، وأثر إقامة الجدران الفاصلة على حقهما في الانتفاع بها، بما يصلح رداً عليه، وهو دفاع جوهري قد يتغير به وجه الرأي في الدعوى، فإنه يكون معيباً بالقصور في التسبيب بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.