أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
الجزء الأول - السنة 38 - صـ 361

جلسة 3 من مارس سنة 1987

برياسة السيد المستشار/ محمد أحمد حمدي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ أحمد محمود هيكل نائب رئيس المحكمة ومحمد محمد يحيى، حسن سيد حمزة ومجدي الجندي.

(55)
الطعن رقم 6239 لسنة 56 القضائية

(1) مأمورو الضبط القضائي. تفتيش "التفتيش بغير إذن". تهريب جمركي. إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". جلب. مواد مخدرة.
حق موظفي الجمارك الذين لهم صفة الضبط القضائي في تفتيش الأشياء والأشخاص في حدود نطاق الرقابة الجمركية. متى توافرت شبهة التهريب الجمركي. عدم تقيدهم في ذلك بالنسبة للأشخاص بقيود القبض والتفتيش المبينة بقانون الإجراءات. المواد من 26 - 30 من القانون رقم 66 لسنة 1963.
عثور موظفي الجمارك أثناء التفتيش على دليل يكشف عن جريمة غير جمركية. يصح الاستدلال به في هذه الجريمة.
(2) مأمورو الضبط القضائي "سلطتهم". تفتيش "التفتيش بغير إذن". تهريب جمركي. منطقة جمركية.
الشبهة في توافر التهريب الجمركي - ماهيتها؟ تقدير توافرها - موضوعي.
الدفع القانوني ظاهر البطلان. لا على المحكمة إن هي التفتت عن الرد عليه. مثال.
(3) إثبات "بوجه عام" "قرائن". مواد مخدرة.
تقصي العلم بحقيقة المخدر المضبوط موضوعي - عدم جواز المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض.
(4) إثبات "بوجه عام" "قرائن". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه. لا يشترط أن يكون كل دليل منها قاطعاً في كل جزئية من جزئيات الدعوى كفاية أن تكون في مجموعها مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ولو عن طريق الاستنتاج.
مثال تسبيب سائغ للتدليل على توافر العلة بوجود المخدر.
1 - لما كان البين من استقراء نصوص المواد من 26 إلى 30 من القانون رقم 66 لسنة 1963 بإصدار قانون الجمارك أن الشارع منح موظفي الجمارك الذين أسبغت عليهم القوانين صفة الضبط القضائي في أثناء قيامهم بتأدية وظائفهم حق تفتيش الأماكن والأشخاص والبضائع ووسائل النقل داخل الدائرة الجمركية أو في حدود نطاق الرقابة الجمركية إذا قامت لديهم دواعي الشك في البضائع والأمتعة ومظنة التهريب فيمن يوجدون بداخل تلك المناطق وأن الشارع بالنظر إلى طبيعته التهريب الجمركي وصلته المباشرة بصالح الخزانة العامة ومواردها ومدى الاحترام الواجب للقيود المنظمة للاستيراد والتصدير - لم يتطلب بالنسبة للأشخاص توافر قيود القبض والتفتيش المنظمة بقانون الإجراءات الجنائية أو اشتراط وجود المراد تفتيشه في إحدى الحالات المبررة له في نطاق الفهم القانوني للمبادئ المقررة في القانون المذكور، بل أنه يكفي أن يقوم لدى الموظف المنوط بالمراقبة والتفتيش في تلك المناطق حالة تنم عن شبهة توافر التهريب الجمركي فيها - في الحدود المعرف بها في القانون - حتى يثبت له حق الكشف عنها، فإذا هو عثر أثناء التفتيش الذي يجريه على دليل يكشف عن جريمة غير جمركية معاقب عليها في القانون العام، فإنه يصح الاستدلال بهذا الدليل أمام المحاكم في تلك الجريمة لأنه ظهر أثناء إجراء مشروع في ذاته ولم يرتكب في سبيل الحصول عليه أية مخالفة.
2 - من المقرر أن الشبهة في توافر التهريب الجمركي حالة ذهنية تقوم بنفس المنوط بهم تنفيذ القوانين الجمركية يصح معها في العقل القول بقيام مظنة التهريب من شخص موجود في دائرة المراقبة الجمركية، ومتى أقرت محكمة الموضوع أولئك الأشخاص فيما قام لديهم من اعتبارات أدت إلى الاشتباه في الشخص محل التفتيش - في حدود دائرة المراقبة الجمركية - على توافر فعل التهريب فلا معقب عليها - لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن تفتيش أمتعة الطاعن - الذي أسفر عن ضبط الجوهر المخدر مخبأ في ثلاجة من بينها - تم داخل الدائرة الجمركية بمعرفة مأمور الجمرك - وهو من مأموري الضبط القضائي - بعد أن قامت لديه من الاعتبارات ما يؤدي إلى الاشتباه على توافر فعل التهريب في حق الطاعن لما وصل إلى علمه مسبقاً من أن الطاعن جلب معه من الخارج جواهر مخدرة يخفيها بأمتعته بقصد تهريبها وإدخالها للبلاد، فإنه يصح الاستشهاد بهذا الدليل على تلك الجريمة على اعتبار أنه نتيجة إجراء مشروع قانوناً، يستوي في ذلك أن يكون هذا الإجراء قد اتخذ بناء على اشتباه أو معلومات مسبقة ما دام الأمر في نطاق التفتيش الجمركي لا يتقيد بقيود التفتيش القضائي على ما سلف القول، ومن ثم فإن الدفع ببطلان التفتيش يكون بهذه المثابة دفعاً قانونياً ظاهر البطلان ولا على المحكمة إن هي التفتت عن الرد عليه.
3 - من المقرر أن تقصي العلم بحقيقة الجواهر المخدرة هو من شئون محكمة الموضوع وإذ كان هذا الذي ساقته المحكمة عن ظروف الدعوى وملابساتها وبررت به اقتناعها بعلم الطاعن بوجود المخدر مخبأ بالثلاجة كافياً في الرد على دفاعه في هذا الخصوص وسائغاً في الدلالة على توافر ذلك العلم في حقه فلا يجوز مصادرتها في عقيدتها ولا المجادلة في تقديرها أمام محكمة النقض.
4 - لما كانت العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته. ولا يشترط أن تكون الأدلة التي يعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعه تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر في دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجه في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهى إليه، كما لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات. ولما كان الحكم المطعون فيه قد اقتنع من الوقائع التي ثبتت لديه والقرائن التي استخلصها بعلم الطاعن بوجود الجوهر المخدر مخبأ في الثلاجة التي أحضرها معه من الخارج على نحو ما سلف، فإنه لا محل لتعيبه في الجزئية الخاصة بتعدد روايات الطاعن بشأن الثلاجة المضبوطة التي ساقها الحكم ضمن قرائن أخرى للتدليل على توافر ركن العلم في حقه، ويكون النعي بذلك غير سديد.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه فيما أثبته لدى تحصيله لواقعة الدعوى من أن الطاعن تقدم إلى الباكية لإتمام الإجراءات الجمركية بأمتعته الواردة بإقراره الجمركي وهي الثلاجة الكهربائية التي تم ضبط المخدر بها عند تفتيشها والحقيبة. وهو ما لا يماري فيه الطاعن، يكفي - بالإضافة إلى ما أورده الحكم من تدليل مع توافر ركن العلم بوجود المخدر داخل الثلاجة - رداً على دفاع الطاعن الموضوعي من احتمال اختلاط الثلاجة بغيرها عند النقل، بصرف النظر عما أورده الحكم من نفي هذا الاحتمال بما هو ثابت من الإقرار الجمركي وإقرار الطاعن في التحقيقات ومن ثم فإن الخطأ في الإسناد في خصوص ذلك - بفرض صحته - لا يعيب الحكم في شيء.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن أولاً: جلب إلى أراضي جمهورية مصر العربية جوهراً مخدراً "حشيش" قبل الحصول على ترخيص كتابي بذلك من الجهة الإدارية المختصة. ثانياً: هرب البضائع الواردة المبينة الوصف بالتحقيقات موضوع التهمة الأولى إلى أراضي جمهورية مصر العربية بالمخالفة للنظم المعمول بها في شأن البضائع الممنوعة، وأحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعت مصلحة الجمارك قبل المتهم بقيمة التعويض. ومحكمة جنايات.... قضت حضورياً عملاً بالمواد 1، 2، 33/ 1، - أ، 42/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانونين رقمي 40 لسنة 1966، 61 لسنة 1977 والبند رقم 57 من الجدول رقم 1 الملحق بالقانون الأول والمعدل بقرار وزير الصحة رقم 295 لسنة 1976 والمواد 1، 2، 3، 4، 15، 121/ 1، 2، 122/ 1، 2 من القانون رقم 66 لسنة 1963 المعدل بالقانون رقم 75 لسنة 1980 مع إعمال المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وبتغريمه عشرة آلاف جنيه ومصادرة المخدر والثلاجة الكهربائية المضبوطة وذلك عن التهمتين المسندتين إليه وبإلزامه بأن يدفع مبلغ 78111.900 (ثمانية وسبعين ألفاً ومائة وإحدى عشر جنيهاً وتسعمائة مليم) كتعويض إلى مصلحة الجمارك.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة جلب المخدر والتهريب الجمركي قد شابه قصور في التسبب وفساد في الاستدلال وخطأ في الإسناد، ذلك بأنه تمسك في مرافعته ببطلان إجراءات القبض والتفتيش لحصولهما بناء على إخبارية وليس عن اشتباه إلا إن الحكم لم يعرض لهذا الدفاع ويرد عليه بما يفنده، كما رد على الدفع بانتفاء علمه بوجود المخدر في الثلاجة وباحتمال اختلاط ثلاجة الطاعن بغيرها من الثلاجات المشحونة بما لا يصلح رداً، هذا إلى أن الحكم في تدليله على أن الثلاجة المضبوطة خاصة بالطاعن أورد على أن ذلك ثابت من الإقرار الجمركي وإقرار الطاعن في التحقيقات وهو ما لا أصل له في الأوراق، كل ذلك يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله أنه في..... وصل الطاعن إلى ميناء الإسكندرية على الباخرة القادمة من ميناء جونيه بلبنان وكانت قد قدمت إلى مدير عام جمارك الركاب بالميناء إخبارية من فرع الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بميناء الإسكندرية بأن الطاعن جلب معه من الخارج كميات من المواد المخدرة أخفاها بأمتعته بقصد تهريبها وإدخالها للبلاد للاتجار فيها، وعند ما تقدم الطاعن بأمتعته التي أثبتها بإقراره الجمركي وهي ثلاجة كهربائية وحقيبة لإتمام الإجراءات الجمركية بمعرفة لجنة من أحد مأموري الجمارك واحد ضباط فرع إدارة مكافحة المخدرات بالميناء وتحت إشراف مدير الحركة بالجمارك تم العثور على كمية من مادة ثبت أنها لمخدر الحشيش مخبأة بفراغات باب وظهر الثلاجة وزنت 11.370 كيلو جرام. وأورد الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة في حق الطاعن أدلة تؤدي إلى ما رتب عليها مستمدة من أقوال ضابط وحدة مكافحة المخدرات ومأمور الجمرك ومن تقرير المعامل الكيماوية بمصلحة الطب الشرعي ومن أقوال الطاعن. لما كان ذلك، وكان البين من استقراء نصوص المواد من 26 إلى 30 من القانون رقم 66 لسنة 1963 بإصدار قانون الجمارك أن الشارع منح موظفي الجمارك الذين أسبغت عليهم القوانين صفة الضبط القضائي في أثناء قيامهم بتأدية وظائفهم حق تفتيش الأماكن والأشخاص والبضائع ووسائل النقل داخل الدائرة الجمركية أو في حدود نطاق الرقابة الجمركية إذا قامت لديهم دواعي الشك في البضائع والأمتعة ومظنة التهريب فيمن يوجدون بداخل تلك المناطق وأن الشارع، بالنظر إلى طبيعته التهريب الجمركي وصلته المباشرة بصالح الخزانة العامة ومواردها ومدى الاحترام الواجب للقيود المنظمة للاستيراد والتصدير - لم يتطلب بالنسبة للأشخاص توافر قيود القبض والتفتيش المنظمة بقانون الإجراءات الجنائية أو اشتراط وجود المراد تفتيشه في إحدى الحالات المبررة له في نطاق الفهم القانوني للمبادئ المقررة في القانون المذكور، بل أنه يكفي أن يقوم لدى الموظف المنوط بالمراقبة والتفتيش في تلك المناطق حالة تنم عن شبهة توافر التهريب الجمركي فيها - في الحدود المعرف بها في القانون حتى يثبت له حق الكشف عنها، فإذا هو عثر أثناء التفتيش الذي يجريه على دليل يكشف عن جريمة غير جمركية معاقب عليها في القانون العام، فإنه يصح الاستدلال بهذا الدليل أمام المحاكم في تلك الجريمة لأنه ظهر أثناء إجراء مشروع في ذاته ولم يرتكب في سبيل الحصول عليه أية مخالفة، وكان من المقرر أن الشبهة في توافر التهريب الجمركي حالة ذهنية تقوم بنفس المنوط بهم تنفيذ القوانين الجمركية يصح معها في العقل القول بقيام مظنة التهريب من شخص موجود في دائرة المراقبة الجمركية، ومتى أقرت محكمة الموضوع أولئك الأشخاص فيما قام لديهم من اعتبارات أدت إلى الاشتباه في الشخص محل التفتيش - في حدود دائرة المراقبة الجمركية - على توافر فعل التهريب فلا معقب عليها. لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن تفتيش أمتعة الطاعن - الذي أسفر عن ضبط الجوهر المخدر مخبأ في ثلاجة من بينها - تم داخل الدائرة الجمركية بمعرفة مأمور الجمرك - وهو من مأموري الضبط القضائي بعد أن قامت لديه من الاعتبارات ما يؤدي إلى الاشتباه على توافر فعل التهريب في حق الطاعن لما وصل إلى علمه مسبقاً من أن الطاعن جلب معه من الخارج جواهر مخدرة يخفيها بأمتعته بقصد تهريبها وإدخالها للبلاد، فإنه يصح الاستشهاد بهذا الدليل على تلك الجريمة على اعتبار أنه نتيجة إجراء مشروع قانوناً، يستوي في ذلك أن يكون هذا الإجراء قد اتخذ بناء على اشتباه أو معلومات مسبقة ما دام الأمر في نطاق التفتيش الجمركي لا يتقيد بقيود التفتيش القضائي على ما سلف القول، ومن ثم فإن الدفع ببطلان التفتيش يكون بهذه المثابة دفعاً قانونياً ظاهر البطلان ولا على المحكمة إن هي التفتت عن الرد عليه. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لتوافر علم الطاعن بحقيقة جوهر المخدر المضبوط فأستدل على ذلك بما أسفرت عنه المعلومات المسبقة لضابط مكافحة المخدرات بميناء الإسكندرية من جلب الطاعن للمخدر ومما قرره الشاهد المذكور من إقرار الطاعن له بملكيته للثلاجة المضبوط بها المخدر وشرائه لها من لبنان وقدومه بها إلى مصر، ومما قرره الشاهد الثاني - مأمور الجمرك - من إقرار الطاعن بحيازته للثلاجة المضبوطة وإحضارها من لبنان وأنه كانت تبدو عليه قبل التفتيش علامات الارتباك ثم الارتباك الشديد أثناء التفتيش، وما تبين لها من اختلاف روايات الطاعن في شأن الثلاجة التي ضبط بها المخدر لما كان ذلك، وكان تقصي العلم بحقيقة الجواهر المخدرة هو من شئون محكمة الموضوع وإذ كان هذا الذي ساقته المحكمة عن ظروف الدعوى وملابساتها وبررت به اقتناعها بعلم الطاعن بوجود المخدر مخبأ بالثلاجة كافياً في الرد على دفاعه في هذا الخصوص وسائغاً في الدلالة على توافر ذلك العلم في حقه فلا يجوز مصادرتها في عقيدتها ولا المجادلة في تقديرها أمام محكمة النقض.
لما كان ذلك، وكانت العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته. ولا يشترط أن تكون الأدلة التي يعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر في دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهى إليه، كما لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات. ولما كان الحكم المطعون فيه قد اقتنع من الوقائع التي ثبتت لديه والقرائن التي استخلصتها بعلم الطاعن بوجود الجوهر المخدر مخبأ في الثلاجة التي أحضرها معه من الخارج على نحو ما سلف، فإنه لا محل لتعيبه في الجزئية الخاصة بتعدد روايات الطاعن بشأن الثلاجة المضبوطة التي ساقها الحكم ضمن قرائن أخرى للتدليل على توافر ركن العلم في حقه، ويكون النعي بذلك غير سديد.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه فيما أثبته لدى تحصيله لواقعة الدعوى من أن الطاعن تقدم إلى الباكية لإتمام الإجراءات الجمركية بأمتعته الواردة بإقراره الجمركي وهي الثلاجة الكهربائية التي تم ضبط المخدر بها عند تفتيشها والحقيبة، وهو ما لا يماري فيه الطاعن، يكفي - بالإضافة إلى ما أورده الحكم من تدليل على توافر ركن العلم بوجود المخدر داخل الثلاجة رداً على دفاع الطاعن الموضوعي من احتمال اختلاط الثلاجة بغيرها عند النقل، بصرف النظر عما أورده الحكم من نفي هذا الاحتمال بما هو ثابت من الإقرار الجمركي وإقرار الطاعن في التحقيقات ومن ثم فإن الخطأ في الإسناد في خصوص ذلك - بفرض صحته - لا يعيب الحكم في شيء.
لما كان ما تقدم جميعاً فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه.