أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
الجزء الأول - السنة 38 - صـ 378

جلسة 4 من مارس سنة 1987

برياسة السيد المستشار/ محمد وجدي عبد الصمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ إبراهيم حسين رضوان ومحمد ممدوح سالم ومحمد رفيق البسطويسى (نواب رئيس المحكمة) وسرى صيام.

(58)
الطعن رقم 6243 لسنة 56 القضائية

(1) موانع العقاب "الجنون والعاهة العقلية". مسئولية جنائية. قتل عمد.
- المرض العقلي الذي تنعدم به المسئولية قانوناًً وفق المادة 62 عقوبات هو الذي من شأنه أن يعدم الشعور والإدراك. سائر الأحوال النفسية التي لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه فلا تعد سبباً لانعدام المسئولية.
(2) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
المحكمة غير ملزمه بندب خبير فني في الدعوى تحديداً لمدى تأثير مرض الطاعن على مسئوليته الجنائية مادامت الدعوى وضحت لها.
(2)موانع العقاب "الجنون والعاهة العقلية".محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات"خبرة".
- تقدير حالة المتهم العقلية من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها مادامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة.
المحكمة لا تلتزم بالالتجاء إلى أهل الخبرة إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية التي يتعذر عليها أن تشق طريقها فيها.
(4) قتل عمد. قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل أمر خفي إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والمظاهر الخارجية التي تنم عنه. استخلاص توافره. موضوعي.
(5) قتل عمد. قصد جنائي.
جواز نشوء نية القتل أثر مشادة وقتية.
(6) موانع العقاب "أسباب الإباحة".حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الإثارة والاستفزاز لا تعد في صحيح القانون عذراً معفياً من العقاب.
1 - من المقرر أن مناط الإعفاء من العقاب لفقدان الجاني شعوره واختياره في عمله وقت ارتكاب الفعل هو أن يكون سبب هذه الحالة راجعاً - على ما تقضى به المادة 62 من قانون العقوبات - لجنون أو عاهة في العقل دون غيرهما، أما سائر الأحوال النفسية التي لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه فلا تعد سبباً لانعدام المسئولية.
2 - المحكمة غير ملزمة بندب خبير فني في الدعوى تحديداً لمدى تأثير مرض الطاعن على مسئوليته الجنائية بعد أن وضحت لها الدعوى.
3 - تقدير حالة المتهم العقلية من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة، وهي لا تلتزم الالتجاء إلى أهل الخبرة إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة التي يتعذر عليها أن تشق طريقها فيها.
4 - قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية.
5 - لا مانع قانوناً من نشوء نية القتل لدى الجاني أثر مشادة وقتية،
6 - من المقرر أن الإثارة والاستفزاز لا تعد في صحيح القانون عذراً معفياً من العقاب.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن في قضية الجنائية رقم.... بأنه: 1 - قتل عمداً...... من غير سبق إصرار ولا ترصد بأن أنهال عليها طعنا بآلة حادة (مطواة قرن غزال) في مواضع متفرقة من جسدها قاصداً من ذلك قتلها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي أودت بحياتها. 2 - أحرز بغير ترخيص سلاحاً أبيض (مطواة قرن غزال) وأحالته إلى محكمة جنايات بنها لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 234/ 1 من قانون العقوبات، 1/ 1، 55 مكرراً من القانون قم 394 لسنة 1954 المعدل والبند 10 من الجدول رقم واحد الملحق مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبته بالسجن لمدة عشر سنوات عما أسند إليه.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه إنه إذ دانه بجريمة القتل العمد قد خالف القانون وانطوى على قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن دفاع الطاعن قام على أساس أنه وقت ارتكاب الجريمة كان فاقد الشعور والاختيار بدلالة ما تشير إليه التقارير الطبية من أنه كان يعالج من اكتئاب نفسي إلا أن الحكم أطرح هذا الدفاع برد غير سديد، إذ استدل على سلامة عقل الطاعن بأنه توجه بنفسه عقب ارتكاب الحادث واعترف تفصيلاً بالقتل مع أن الثابت من تحقيقات النيابة العامة أنه تناقض أكثر من مرة في أقواله وأن المحكمة عندما سألته بالجلسة عن التهمة أخذ يبكي ويتمتم بعبارات غير مفهومة مما كان يوجب الرجوع في ذلك إلى أهل الخبرة، هذا فضلاً عن أن الثابت في الأوراق أن الحادث وقع أثر مشاجرة بين الطاعن وبين المجني عليها فقد فيها شعوره واختياره مما تنتفي معه نية القتل. كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من اعترافه في التحقيقات وما ثبت من تقرير الصفة التشريحية - وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها - عرض ما أثاره الدفاع عن الطاعن من فقدانه الشعور والاختيار وقت ارتكابه الجريمة ورد عليه بقوله "وحيث إن ما قال به الدفاع من أن المتهم كان فاقد الشعور" "والاختيار وقت ارتكاب الفعل فمردود بأن الثابت من التحقيقات أنه كان يدرك تماماً ما فعله وقد توجه بنفسه عقب ارتكاب الحادث وأبلغ الشرطة بأنه قلت زوجته لسوء سلوكها بأن طعنها بمطواة كما أن اعترافاته المفصلة أمام النيابة تفيد ذلك إذ سرد تفصيلاً كيفية ارتكابه للحادث وأنه على أثر المشادة الكلامية بينه وبين زوجته وذكرها لاسم عشيقها غضب وطعنها بالمطواة في مواضع قاتلة من جسمها ولم يتركها إلا بعد أن سقطت مدرجة في دمائها ومن ثم تلتفت المحكمة عن هذا الدفاع". لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد أثبتت – في حدود سلطتها التقديرية – تمتع الطاعن بملكة الوعي والتمييز والقدرة على حسن الإدراك وسلامة التدبير العقلي وقت ارتكابه الجريمة وذلك مع ما استدلت به من مسلك الطاعن وأفعاله وأقواله سواء ما كان سابقاً على وقوع الجريمة أو أثناء ارتكابه لها أو من بعد مقارفته إياها، فإن ما أورده الحكم فيما تقدم كاف وسائغ في الرد على ما يثيره الطاعن في هذا الصدد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن مناط الإعفاء من العقاب لفقدان الجاني شعوره واختياره في عمله وقت ارتكاب الفعل هو أن يكون سبب هذه الحالة راجعاً - على ما تقضى به المادة 62 من قانون العقوبات - لجنون أو عاهة في العقل دون غيرهما، أما سائر الأحوال النفسية التي لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه فلا تعد سبباً لانعدام المسئولية , فإن ما يثيره الطاعن بشأن مرضه النفسي المشار إليه - بفرض صحته – يكون غير ذي أثر على سلامة عقله وصحة إدراكه وتتوافر معه مسئولية الجنائية عن الفعل الذي وقع منه، ويكون منعى الطاعن في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكانت المحكمة غير ملزمة بندب خبير فني في الدعوى تحديداً لمدى تأثير مرض الطاعن على مسئوليته الجنائية بعد أن وضحت لها الدعوى على ما تقدم لأن الأصل أن تقدير حالة المتهم العقلية من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة، وهي لا تلتزم الالتجاء إلى أهل الخبرة إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة التي يتعذر عليها أن تشق طريقها فيها , فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الخصوص لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية , وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل في قوله "وحيث إنه نية القتل متوافرة في حق المتهم من إبلاغه ابتداء أنه قتل زوجته المجني عليها لسوء سيرتها ومن استعماله في الضرب أداة قاتلة (مطواة) وتسديد الضربات في مواضع قاتلة من جسمها وتعدد الضربات إذ بلغت حسبما جاء بالتقرير تسع طعنات حتى أنه لم يترك المجني عليها إلا بعد أن سقطت أرضاً وفارقت الحياة الأمر الذي يبرز ما في نفسه ويظهر بجلاء رغبته في الخلوص منها". وإذ كان هذا الذي استخلصته المحكمة من ظروف الدعوى وملابساتها هو استخلاص سائغ وكاف في التدليل على ثبوت توافر نية القتل لدى الطاعن، فإنه لا محل للنعي على حكمها في هذا الصدد. أما ما يثيره الطاعن من أن الحادث وقع إثر مشاجرة بينه وبين زوجته المجني عليها فقد فيها شعوره، فمردود بما هو المقرر أنه لا مانع قانوناً من نشوء نية القتل لدى الجاني أثر مشادة وقتيه، كما أنه من المقرر أن الإثارة والاستفزاز لا تعد في صحيح القانون عذراً معفياً من العقاب. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.