أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
الجزء الأول - السنة 38 - صـ 387

جلسة 5 من مارس سنة 1987

برياسة السيد المستشار/ حسن جمعة نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ أحمد أبو زيد نائب رئيس المحكمة ومصطفى طاهر وحسن عميره وصلاح البرجى.

(60)
الطعن رقم 5831 لسنة 56 القضائية

(1) رشوة. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "بوجه عام" "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق محكمة الموضوع في أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما كان له مأخذه الصحيح من الأوراق.
الشهادة هي تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو أدركه بحاسة من حواسه.
وزون أقوال الشاهد. موضوعي. مفاد الأخذ بشهادته؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل - إثارته أمام النقض. غير جائز.
(2) حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الخطأ في تحديد مصدر الدليل. لا يضيع أثره. ما دام له أصل صحيح في الأوراق.
(3) اعتراف. إثبات "اعتراف بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق محكمة الموضوع في استمداد اقتناعها مما تطمئن إليه من أدلة ما دام له مأخذه من الأوراق.
(4) عرض رشوة. قصد جنائي. إثبات "بوجه عام" محكمة الموضوع "سلطتها".
توافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل الذي عرضت عليه الرشوة من أجله: متروك لتقدير محكمة الموضوع ما دام سائغاً.
(5) رشوة. جريمة "أركانها". موظفون عموميون. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لا يشترط في جريمة الرشوة أن يكون الموظف هو وحده المختص بجميع العمل المتعلق بالرشوة. بل يكفي أن يكون له علاقة به أو أن يكون له نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة.
(6) رشوة. تفتيش "التفتيش بإذن" استدلالات. مأمورو الضبط القضائي. إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
تولي رجال الضبط القضائي بنفسه التحريات التي يؤسس عليها طلب الإذن بالتفتيش. غير لازم. له الاستعانة بمعاونيه من رجال السلطة العامة والمرشدين السريين أو غيرهم.
تقدير جدية التحريات وكفايتها للإذن بالتفتيش. موضوعي.
(7) رشوة. جريمة "أركانها". موظفون عموميون. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
متى تتحقق جريمة عرض الرشوة؟
لا يقدح في قيام جريمة عرض الرشوة أن تكون قد وقعت نتيجة تدبير لضبطها وألا يكون المرتشي جاداً في قبوله الرشوة متى كان عرضها جدياً في ظاهره وكان الغرض منها العبث بمقتضيات الوظيفة لمصلحة الراشي.
1 - لما كان لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق، وكانت الشهادة في الأصل هي تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحواسه، وكان مدلول شهادة الشاهد كما أوردها الحكم المطعون فيه لا يستفاد منها أنها جاءت حصيلة معلومات مستمدة من جهاز التسجيل بل حصلها هو بنفسه لحصول الاتصال التليفوني تحت إشرافه، وكان وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته وتعويل القضاء على أقواله مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادته فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على قدم الأخذ بها كما هو الحال في الدعوى المطروحة ومن ثم فإن منازعة الطاعن في القوة التدليلية لشهادة الشاهد على النحو الذي أثاره في أسباب طعنه لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
2 - من المقرر أن الخطأ في تحديد مصدر الدليل لا يضيع أثره ما دام له أصل صحيح في الأوراق ومن ثم فإن النعي على الحكم بالخطأ في الإسناد يكون بغير ذي أثر.
3 - لما كان الحكم بعد أن أورد واقعة الدعوى على النحو المتقدم وحصل أقوال شهودها بما يتلاءم وتصويرها أردف ذلك بتحصيل اعتراف المحكوم عليه الآخر في قوله "وقد اعترف المتهم الثاني بادئ ذي بدء بالتحقيقات وفقاً لما سلف بيانه مقرراً أن المتهم الأول طلب إليه عرض الرشوة على الشاهد الأول ثم عاد وأنكر كما أنكر بجلسة المحاكمة" فإن ما أورده الحكم فيما سلف بالنسبة لاعتراف المحكوم عليه الآخر يحقق مراد الشارع الذي استوجبه في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية من بيان مؤدى الأدلة التي يستند إليها الحكم الصادر بالإدانة بما تنحسر عن الحكم المطعون فيه دعوى القصور في هذا الصدد.
4 - لما كان توافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل الذي عرضت عليه الرشوة من أجله هو من الأمور الموضوعية التي يترك تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أصل ثابت في الأوراق.
5 - من المقرر أنه لا يشترط في جريمة الرشوة أن يكون الموظف الذي عرضت عليه الرشوة هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتعلق بالرشوة بل يكفي أن يكون له علاقة به أو أن يكون له فيه نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة كما هو الحال في الدعوى المطروحة وبما يستقيم به رد الحكم على دفاع الطاعن فإن النعي عليه في هذا الخصوص يكون غير سديد.
6 - لما كان القانون لا يوجب حتماً أن يتولى رجل الضبط القضائي بنفسه التحريات والأبحاث التي يؤسس عليها الطلب بالإذن له بتفتيش الشخص أو أن يكون على معرفة شخصية سابقة به بل له أن يستعين فيما يجريه من تحريات أو أبحاث أو ما يتخذه من وسائل التنقيب بمعاونيه من رجال السلطة العامة والمرشدين السريين ومن يتولون إبلاغه عما وقع بالفعل من جرائم ما دام أنه قد اقتنع شخصياً بصحة ما نقلوه إليه وبصدق ما تلقاه عنهم من معلومات، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع.
7 - من المقرر أنه لا يؤثر في قيام جريمة عرض الرشوة أن تكون قد وقعت نتيجة تدبير لضبطها وألا يكون المرتشي جاداً في قبوله الرشوة متى كان عرضها جدياً في ظاهره وكان الغرض منها العبث بمقتضيات الوظيفة لمصلحة الراشي ومن ثم يكون ما يدعيه الطاعن على خلاف ذلك غير قائم على أساس بحمله قانوناً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة والطاعن وآخر بأنهما عرضا رشوة على موظف يعد في حكم الموظفين العموميين للإخلال بواجبات وظيفته بأن عرض الأول (الطاعن) بواسطة الثاني (الآخر)..... أخصائي ثان مبيعات سيارات بالشركة المصرية لوسائل النقل الخفيف (إحدى شركات وزارة الصناعة والثروة المعدنية) مبلغ 1800 جنيه على سبيل الرشوة مقابل استخراجه شهادة مبايعة مزورة تفيد على خلاف الحقيقة بيع الشركة التي يعمل بها السيارة من إنتاجها سلمت لشركة أبو سمبل للتجارة التي يديرها الأول ويعمل بها الثاني دون سند بيع حقيقي ولكن الموظف المذكور لم يقبل الرشوة منهما وأحالتهما إلى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لمحاكمتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 104، 109 مكرراً، 110، 111/ 6 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريم كل منهما ألف جنيه.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض وقيد بجدولها برقم 2373 لسنة 55 القضائية ومحكمة النقض قضت بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. والمحكمة الأخيرة (مشكلة بدائرة أخرى) قضت حضورياً عملاً بالمواد 104، 109 مكرراً، 110، 111/ 6 من قانون العقوبات مع إعمال المواد 17، 55، 56 من ذات القانون بمعاقبة كل من المتهمين بالحبس مع الشغل لمدة سنة وتغريم الأول مبلغ ألف جنيه وتغريم الثاني مبلغ خمسمائة جنيه ومصادرة المبلغ المضبوط وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس لكل لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم.
فطعن الأستاذ..... المحامي نيابة عن المحكوم عليه (الطاعن للمرة الثانية - في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن الثابت من الاطلاع على الأوراق والمفردات المضمومة أن النيابة العامة أحالت الدعوى إلى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة المشكلة طبقاً لأحكام القانون رقم 105 سنة 1980 لمحاكمة الطاعن وآخر عن جريمة عرض رشوة فإن ما أثبت بمحضر جلسة المحاكمة وديباجة الحكم المطعون فيه أنه صدر من محكمة جنايات القاهرة - بعد أن قضت محكمة النقض بنقض الحكم الأول وإحالة القضية إلى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى - لا يعدو أن يكون مجرد خطأ مادي لا يغير من حقيقة الواقع وهو صدور الحكم من محكمة أمن الدولة العليا.
وحيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة عرض رشوة لم تقبل قد شابه الفساد في الاستدلال والتناقض والقصور في التسبيب وانطوى على الخطأ في الإسناد وفي تطبيق القانون ذلك بأنه عول - من بين ما عول عليه - على أقوال الشاهد..... عضو الرقابة الإدارية التي تضمنت معلومات استقاها من تسجيل الحديث التليفوني الذي جرى بين الطاعن والموظف المبلغ في حين أنه لم يستند إلى الدليل المستمد من التسجيل بعد أن دفع الطاعن ببطلانه وهو ما ينسحب أثره على شهادة من أجراه فيما استقاه من معلومات نقلاً عنه مما لا تصلح معه أقواله سنداً للإدانة، كما أثبت الحكم خلافاً للواقع أن أقوال الشاهد...... التي اعتمد عليها قد سمعت بجلسة المحاكمة في حين أنه أدلى بها أمام الهيئة التي أصدرت الحكم الأول المنقوض مما يكشف عن عدم إحاطة المحكمة بأوراق الدعوى عند تقديرها للدليل المستمد من أقوال هذا الشاهد، هذا إلى أن الحكم استند في إدانة الطاعن إلى اعتراف المحكوم عليه الآخر دون أن يبين مضمونه على نحو يكشف عن استشهاد المحكمة به، وقد أثار الطاعن في دفاعه الشفوي ومذكرته المقدمة في الدعوى أن الموظف المبلغ ليس له اختصاص بالعمل الذي عرضت الرشوة من أجله وهو تحرير مبايعة السيارة إلا أن الحكم أثبت له هذا الاختصاص من مجرد أقواله رغم أنها ليست هي المرجع الصحيح في تحديد الاختصاص وكانت محل منازعته من الطاعن يضاف إلى ذلك أن المدافع عن الطاعن دفع ببطلان إذن التفتيش لابتنائه على تحريات غير جديه فرد الحكم رداً غير سائغ يستفاد منه أن مستصدر الإذن لم يجر التحريات بنفسه واعتمد فيها على أقوال المبلغ وهو ما يكشف عن قصورها وعدم جديتها كما دفع أيضاً ببطلان إجراءات الضبط والدليل المستمد منها لوقوع الجريمة بتحريض من عضو الرقابة الإدارية الذي ساهم مع الموظف في اصطناعه ورقة المبايعة لخداع الطاعن وحمله على ارتكاب الجريمة وهو ما يخرج الفعل عن نطاق التأثيم ورد الحكم على هذا الدفع بأن إجراءات الضبط قد تمت بعد وقوع الجريمة بغرض الرشوة وهو رد غير سديد لأن عرض الرشوة وحده لا تقع به الجريمة ما لم يصادفه عدم قبول من الموظف وقد كان عدم قبول الرشوة ثمرة للخداع الذي شارك فيه الموظف مع عضو الرقابة الإدارية، وكل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "أنه في نهاية شهر يناير سنة 1985 وإذ كان....... مندوب المبيعات بالشركة المصرية لوسائل النقل الخفيف بمكتبه حضر إليه المتهم الثاني...... وأبلغه أن شركة أبو سمبل التي يملكها المتهم الأول - الطاعن - تسلمت سيارة رمسيس ميكروباص أزيد من حصتها وأن المتهم الأول يطلب منه استخراج مبايعه مزوره عن هذه السيارة مقابل ثلاثة ألاف جنيه على أن يخص المتهم الثاني ألف جنيه من هذا المبلغ كعمولة فاستمهله للتفكير في الأمر وقام بإبلاغ الرقابة الإدارية التي طلبت إليه مسايرة المتهمين وبناء على تعليمات الرقابة الإدارية قام بالاتصال بالمتهم الأول تليفونياً حيث تأكد منه أن المتهم الثاني موفد من قبله واتفق معه على إعداد مبايعة مزورة مقابل 1800 جنيه على أن يثبت بتلك المبايعة رقمي الموتور والشاسيه المقدمين إليه من المتهم الثاني وفي يوم 11/ 2/ 1985 حضر إليه المتهم الثاني وأعطاه النقود حيث تم ضبطه". ودلل الحكم على هذه الواقعة بما ينتجها من وجوه الأدلة المستمدة من أقوال الموظف المبلغ وأعضاء الرقابة الإدارية وشهادة موظف الخزينة بشركة الطاعن بأنه سلم مبلغ 1800 جنيه إلى المتهم الثاني الذي يعمل بالشركة بناء على تعليمات من الطاعن وأثبته بالفاتورة ومن اعتراف المتهم الثاني في التحقيقات ومن ضبط السيارة بمقر شركة الطاعن، وحصل الحكم شهادة....... رئيس الإدارة المركزية بالرقابة الإدارية "أنه عقب أن قام الشاهد الأول بالبلاغ تم الاتصال بينه وبين المتهم الأول من مقر الرقابة الإدارية تحت إشرافه وتبين من الاتصال التليفوني سالف الذكر أن المتهم الأول هو الذي أرسل المتهم الثاني لعرض الرشوة". لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق، وكانت الشهادة في الأصل هي تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحواسه، وكان مدلول شهادة الشاهد كما أوردها الحكم المطعون فيه لا يستفاد منها أنها جاءت حصيلة معلومات مستمدة من جهاز التسجيل بل حصلها هو بنفسه لحصول الاتصال التليفوني تحت إشرافه، وكان وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته وتعويل القضاء على أقواله مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادته فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها كما هو الحال في الدعوى المطروحة ومن ثم فإن منازعة الطاعن في القوة التدليلية لشهادة الشاهد على النحو الذي أثاره في أسباب طعنه لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض ويضحى النعي على الحكم بالفساد في الاستدلال أو التناقض في هذا الصدد في غير محله. لما كان ذلك، وكان لا يقدح في سلامة الحكم أن يكون قد ذكر أنه استخلص أقوال الشاهد..... مما أدلى به بجلسة المحاكمة مع أنها لم ترد بنصها الذي حصله الحكم إلا في محضر جلسة المحاكمة السابقة التي صدر فيها الحكم الأول المنقوض ذلك بأن الخطأ في تحديد مصدر الدليل لا يضيع أثره ما دام له أصل صحيح في الأوراق ومن ثم فإن النعي على الحكم بالخطأ في الإسناد يكون بغير ذي أثر. لما كان ذلك، وكان الحكم بعد أن أورد واقعة الدعوى على النحو المتقدم وحصل أقوال شهودها بما يتلاءم وتصويرها أردف ذلك بتحصيل اعتراف المحكوم عليه الآخر في قوله "وقد اعترف المتهم الثاني بادئ ذي بدء بالتحقيقات وفقاً لما سلف بيانه مقرراً أن المتهم الأول طلب إليه عرض الرشوة على الشاهد الأول ثم عاد وأنكر كما أنكر بجلسة المحاكمة" فإن ما أورده الحكم فيما سلف بالنسبة لاعتراف المحكوم عليه الآخر يحقق مراد الشارع الذي استوجبه في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية من بيان مؤدى الأدلة التي يستند إليها الحكم الصادر بالإدانة بما تنحسر عن الحكم المطعون فيه دعوى القصور في هذا الصدد. لما كان ذلك، وكان توافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل الذي عرضت عليه الرشوة من أجله هو من الأمور الموضوعية التي يترك تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أصل ثابت في الأوراق، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في مدوناته - بما لا يماري فيه الطاعن - أن الشاهد الأول يعمل أخصائي ثان مبيعات بالشركة المصرية لوسائل النقل الخفيف إحدى شركات وزارة الصناعة والثروة المعدنية واستظهر اختصاص هذا الموظف بالعمل الذي عرضت عليه الرشوة من أجله في قوله "بما أن الشاهد الأول قرر في التحقيقات أن لديه خاتم المبيعات وأنه مختص بتحرير المبايعة. ولما كان الثابت من الأوراق أن هدف المتهمين هو الحصول على مبايعة عليها خاتم وكان الشاهد الأول قد قرر أنه يستطيع أن يفعل ذلك ومن ثم يكون القول بأنه غير مختص قد جاء على خلاف الواقع". ولما كان البين من الاطلاع على المفردات أن ما أورده الحكم من أقوال الشاهد له معينه الصحيح من الأوراق كما بين من الاطلاع على مذكرة الطاعن المرفقة بأوراق الدعوى - التي قدمها أثناء المحاكمة السابقة - والتي أشار إليها في طعنه الماثل متمسكاً بما جاء بها من منازعة في اختصاص هذا الموظف بتحرير مبايعة السيارة أنه ساق فيها دفاعاً مؤداه أن التوقيع على مبايعات السيارات نيابة عن الشركة من اختصاص مدير عام المبيعات وأن الموظف المبلغ وهو أخصائي ثان مبيعات ينحصر اختصاصه في إمساك دفاتر حجز السيارات وإعداد إحصائيات بيعها وختم المبايعات التي يوقع عليها مدير عام المبيعات بالخاتم الذي في عهدته ويوقع عليها بجانب الخاتم فلا يكفي توقيعه بمفرده بجانب الخاتم لاعتماد المبايعة، وإذ كان هذا هو ما سلم به الطاعن في دفاعه وكان من المقرر أنه لا يشترط في جريمة الرشوة أن يكون الموظف الذي عرضت عليه الرشوة هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتعلق بالرشوة بل يكفي أن يكون له علاقة به أو أن يكون له فيه نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة كما هو الحال في الدعوى المطروحة وبما يستقيم به رد الحكم على دفاع الطاعن فإن النعي عليه في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض للدفاع الذي أثاره الدفاع ببطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات لأن ما أثبته محرر محضر التحريات عن رقمي موتور وشاسيه السيارة يخالف رقميها الحقيقي وأطرح هذا الدفع في قوله "وعن الدفع بعدم جدية التحريات فهو واهن القوى خليق بالرفض ذلك أن الشاهد الأول تقدم إلى الرقابة الإدارية مبلغاً بأن المتهم الثاني عرض عليه الرشوة مقرراً أنه مكلف بذلك من المتهم الأول - الطاعن - وقد حرر عضو الرقابة محضراً بذلك عرضه على النيابة العامة التي اطمأنت إلى جدية التحريات فأصدرت إذنها الأمر الذي تؤيدها فيه المحكمة ولا يقدح في ذلك أن أرقام الشاسيه والموتور المبلغ بها تختلف عن أرقام السيارة المضبوطة فالواقع أن الأرقام الأولى هي التي أخبر بها المتهم الثاني الشاهد الأول متعمداً ألا يخبره بالحقيقة إلا بعد أن يطمئن إلى أن الشاهد سينساق إلى مطلبه الرخيص". لما كان ذلك، وكان القانون لا يوجب حتماً أن يتولى رجل الضبط القضائي بنفسه التحريات والأبحاث التي يؤسس عليها الطلب بالإذن له بتفتيش الشخص أو أن يكون على معرفة شخصية سابقة به بل له أن يستعين فيما يجريه من تحريات أو أبحاث أو ما يتخذه من وسائل التنقيب بمعاونيه من رجال السلطة العامة والمرشدين السريين ومن يتولون إبلاغه عما وقع بالفعل من جرائم ما دام أنه قد اقتنع شخصياً بصحة ما نقلوه إليه وبصدق ما تلقاه عنهم من معلومات، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع فإذا كانت هذه الأخيرة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها أمر التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره فلا معقب عليها في ذلك لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، وإذ كانت المحكمة قد سوغت الأمر بالتفتيش وردت على شواهد الدفع ببطلانه لعدم جدية التحريات التي سبقته بأدلة منتجة لها أصلها الثابت في الأوراق فإنه لا يجوز المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أطرح في دفاع الطاعن بأن جريمة عرض الرشوة كانت وليدة إجراءات غير مشروعة في قوله "أن جريمة عرض الرشوة تتم قبل البلاغ الذي هو في حقيقته وما يتلوه من إجراءات إثبات لحصول الواقعة وليس تحريضاً عليها ومن ثم فإذا كان الشاهد قد أبلغ بعرض الرشوة عليه فإن الجريمة تكون قد تمت بهذا العرض أما ما عدا ذلك من إجراءات فهي متعلقة بالضبط حيناً والإثبات حيناً آخر ومن ثم يكون القول بأن الجريمة محرض عليها أو مستقلة على غير سند من القانون". وهو رد سائغ من الحكم يصادف صحيح القانون ذلك أنه من المقرر أنه لا يؤثر في قيام جريمة عرض الرشوة أن تكون قد وقعت نتيجة تدبير لضبطها وألا يكون المرتشي جاداً في قبوله الرشوة متى كان عرضها جدياً في ظاهره وكان الغرض منها العبث بمقتضيات الوظيفة لمصلحة الراشي ومن ثم يكون ما يدعيه الطاعن على خلاف ذلك غير قائم على أساس يحمله قانوناً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.