أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
الجزء الأول - السنة 38 - صـ 399

جلسة 5 من مارس سنة 1987

برياسة السيد المستشار/ حسن جمعة نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ أحمد أبو زيد نائب رئيس المحكمة ومصطفى طاهر وحسن عشيش ومحمد حسام الدين الغريانى.

(61)
الطعن رقم 6160 لسنة 56 القضائية

(1) غش. جريمة "أركانها". عقوبة "تطبيقها". قانون "تفسيره" مسئولية جنائية. إثبات "بوجه عام". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
العقوبة المقررة لجريمة الغش في تنفيذ عقد توريد. المادة 116 مكرراً ج عقوبات.
إثبات الحكم قيام الطاعن بصفته متعاقداً بتوريد جبن فاسد لجهة حكومية لم يثبت غشه لها أو علمه بفسادها. تطبيقه. الفقرة الثانية من المادة 116 مكرراً ج عقوبات. صحيح. أساس ذلك: افتراض عدم بذله العناية الكافية للتحقق من صلاحية الأشياء المستعملة أو الموردة. حد ذلك؟
(2) غش. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير إمكان علم الجاني بالغش أو تعذر هذا العلم عليه. من سلطة محكمة الموضوع. مجرد قيام الطاعن بشراء الجبن المورد مغلفاً من إحدى شركات القطاع العام. لا يصلح لإثبات تعذر علمه بالغش. أساس ذلك؟
(3) غش في تنفيذ العقود. جريمة "أركانها". قانون "تطبيقه".
جريمة الغش في التوريد المؤثمة بالمادة 116 مكرراً ج عقوبات تفترض مسئولية المورد عما يقع من الغش حتى مع عدم علمه به خلافاً لما تضمنه قانون قمع الغش والتدليس رقم 48 لسنة 194 المعدل بالقانون رقم 106 لسنة 1980.
تحدي الطاعن بالقانون الأخير والقول بانتفاء مسئوليته غير سديد. علة ذلك؟
(4) غش في تنفيذ العقود. جريمة "أركانها".
تذرع الطاعن بإغفال لجنة الاستلام تكليفه باستبدال الجبن المغشوش وفقاً لشروط العقد. لا يصلح ذلك عذراً لانتفاء مسئوليته الجنائية ولا أثر له على قيام الجريمة.
1 - لما كان نص المادة 116 مكرراً (جـ) سالفة الذكر قد جرى في فقرته الثالثة - التي عاقب الحكم الطاعن على مقتضاها - على أن "كل من استعمل أو ورد بضاعة أو مواد مغشوشة أو فاسدة تنفيذاً لأي من العقود سالفة الذكر، ولم يثبت غشه لها أو علمه بغشها أو فسادها يعاقب بالحبس والغرامة التي لا تجاوز ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين وذلك ما لم يثبت أنه لم يكن في مقدوره العلم بالغش أو الفساد"، ومؤدى هذا النص أن الشارع اعتبر الجاني مسئولاً عما يقع من غش أو فساد في البضاعة أو المواد التي يستعملها أو يوردها ولو لم يثبت ارتكابه الغش أو علمه به - ومسئوليته في هذا الشأن مبناها افتراض عدم بذله العناية الكافية للتحقق من صلاحية الأشياء المستعملة أو الموردة، إلا أن هذا الافتراض يقبل إثبات العكس فلا تقوم الجريمة متى ثبت أن الجاني لم يكن في مقدوره العلم بالغش أو الفساد.
2 - لما كان لمحكمة الموضوع سلطة تقدير للظروف التي يستفاد منها إمكان علم الجاني بالغش أو تعذر هذا العلم عليه، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن القائم على استحالة علمه بالغش بمقولة شرائه الجبن المورد مغلفاً من إحدى شركات القطاع العام وأطرحه على أساس أنه لا يصلح لإثبات تعذر علمه بالغش، وكان ما انتهى إليه الحكم في هذا الشأن سائغاً لا يجاوز الاقتضاء العقلي والمنطقي، ذلك أن الاعتبارات التي ساقها الطاعن في دفاعه ما كانت لتحول دون اكتشافه الغش لو أنه بذل العناية الكافية للتحقق من صلاحية ما قام بتوريده.
3 - لما كان لا محل في هذا الصدد للتحدي بقانون قمع الغش والتدليس رقم 48 لسنة 1941 المعدل بالقانون رقم 106 لسنة 1980 والقول بانتفاء مسئولية الطاعن عملاً بالمادة الثانية منه تأسيساً على إثباته حسن نيته ومصدر الأشياء موضوع الجريمة ما دام أن نص المادة 116 مكرراً (ج) من قانون العقوبات المنطبق على واقعة الغش في التوريد المسندة إلى الطاعن قد خلا من مثل هذا الحكم الوارد بقانون الغش وأقام مسئولية المورد عما يقع من الغش في حالة عدم علمه به على أساس مخالف.
4 - لما كان ما يتذرع به الطاعن من إغفال لجنة الاستلام تكليفه بعد اكتشاف الغش باستبدال الجبن المغشوش وفقاً لشروط التعاقد - بفرض صحة ذلك - لا يصلح عذراً لنفي مسئوليته الجنائية ولا أثر له على قيام الجريمة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: ارتكب غشاً في عقد توريد ارتبط به مع مديرية التربية والتعليم بالمنوفية بأن قام بتوريد "جبن" غير صالح للاستهلاك الآدمي وغير مطابق لشروط العقد وذلك لمدرسة كفر بالمشط الابتدائية التابعة للجهة سالفة الذكر وأحالته إلى محكمة جنايات أمن الدولة العليا بشبين الكوم لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادتين 116 مكرراً ج، 119 من قانون العقوبات بتغريم المتهم مبلغ 1000 جنيه عما أسند إليه.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة الغش في تنفيذ عقد توريد قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون، إذ قام دفاع الطاعن على أن الجبن موضوع الجريمة من إنتاج إحدى شركات القطاع العام ويرد منها إلى مخازنه مصنعاً ومغلفاً طبقاً لشروط عقد التوريد ويقوم بتوريده بحالته مما يقطع بأنه لم يكن في مقدوره العلم بالغش، وتأيد هذا الدفاع بتقديمه فاتورة الشراء الصادرة من الشركة المنتجة وبما قرره الشهود من أن الجبن كان مغلفاً عند قيامه بتسليمه، إلا أن المحكمة لم تسقط هذا الدفاع حقه وأطرحته في عبارة مجملة لا تصلح رداً، مع أنه دفاع جوهري يقوم على إثبات حسن النية والإرشاد عن مصدر الأشياء موضوع الجريمة وهو ما يتطلبه القانون رقم 48 لسنة 1941 المعدل بالقانون رقم 106 لسنة 1980 لنفي المسئولية الجنائية، هذا إلى أنه كان يتعين على لجنة الاستلام أن تطلب من الطاعن استبدال الجبن المغشوش إعمالاً لشروط التعاقد وحتى يمكن الوقوف على مدى عمله بالغش، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أن الطاعن بوصفه متعاقداً على توريد أغذية لبعض مدارس مركز منوف قام بتوريد جبن ثبت من تحليله أنه غير صالح للاستهلاك الآدمي، وأورد على ثبوت هذه الواقعة في حقه أدلة سائغة مستمدة من أقوال الشهود ومما جاء بتقرير تحليل العينة المأخوذة من الجبن، وانتهى الحكم إلى إدانة الطاعن عملاً بنص المادتين 116 مكرراً (ج)، 119 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان نص المادة 116 مكرراً (ج) سالفة الذكر قد جرى في فقرته الثالثة - التي عاقب الحكم الطاعن على مقتضاها - على أن "كل من استعمل أو ورد بضاعة أو مواد مغشوشة أو فاسدة تنفيذاً لأي من العقود سالفة الذكر، ولم يثبت غشه لها أو علمه بغشها أو فسادها يعاقب بالحبس والغرامة التي لا تجاوز ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين وذلك ما لم يثبت أنه لم يكن في مقدوره العلم بالغش أو الفساد"، ومؤدى هذا النص أن الشارع اعتبر الجاني مسئولاً عما يقع من غش أو فساد في البضاعة أو المواد التي يستعملها أو يوردها ولو لم يثبت ارتكابه الغش أو علمه به - ومسئوليته في هذا الشأن مبناها افتراض عدم بذله العناية الكافية للتحقق من صلاحية الأشياء المستعملة أو الموردة، إلا أن هذا الافتراض يقبل إثبات العكس فلا تقوم الجريمة متى ثبت أن الجاني لم يكن في مقدوره العلم بالغش أو الفساد، وإذ كان لمحكمة الموضوع سلطة تقدير الظروف التي يستفاد منها إمكان علم الجاني بالغش أو تعذر هذا العلم عليه، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن القائم على استحالة علمه بالغش بمقولة شرائه الجبن المورد مغلفاً من إحدى شركات القطاع العام وأطرحه على أساس أنه لا يصلح لإثبات تعذر علمه بالغش، وكان ما انتهى إليه الحكم في هذا الشأن سائغاً لا يجاوز الاقتضاء العقلي والمنطقي، ذلك أن الاعتبارات التي ساقها الطاعن في دفاعه ما كانت لتحول دون اكتشافه الغش لو أنه بذل العناية الكافية للتحقق من صلاحية ما قام بتوريده، وكان لا محل في هذا الصدد للتحدي بقانون قمع الغش والتدليس رقم 48 لسنة 1941 المعدل بالقانون رقم 106 لسنة 1980 والقول بانتفاء مسئولية الطاعن عملاً بالمادة الثانية منه تأسيساً على إثباته حسن نيته ومصدر الأشياء موضوع الجريمة ما دام أن نص المادة 116 مكرراً (ج) من قانون العقوبات المنطبق على واقعة الغش في التوريد المسندة إلى الطاعن قد خلا من مثل هذا الحكم الوارد بقانون الغش وأقام مسئولية المورد عما يقع من الغش في حالة عدم علمه به على أساس مخالف، ومن ثم يكون النعي في هذا الوجه غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما يتذرع به الطاعن من إغفال لجنة الاستلام تكليفه بعد اكتشاف الغش باستبدال الجبن المغشوش وفقاً لشروط التعاقد - بفرض صحة ذلك - لا يصلح عذراً لنفي مسئوليته الجنائية ولا أثر له على قيام الجريمة، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً مع مصادرة الكفالة.