أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
الجزء الأول - السنة 38 - صـ 499

جلسة 29 من مارس سنة 1987

برياسة السيد المستشار/ جمال الدين منصور نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ صلاح خاطر، مسعود السعداوي، طلعت الاكيابى ومحمود عبد الباري.

(81)
الطعن رقم 3703 لسنة 55 القضائية

(1) إثبات "شهود" "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي.
(2) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
كفاية تشكك المحكمة في صحة إسناد التهمة كي تقضي بالبراءة. حد ذلك؟
الجدل الموضوعي في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى. أثارته أمام النقض. غير جائز.
(3) إثبات "قوة الأمر المقضي". دعوى جنائية. دعوى مدنية. استئناف "نطاقه" "نظره والحكم فيه". نقض "المصلحة في الطعن".
قضاء محكمة أول درجة بالإدانة وإحالة الدعوى المدنية التابعة إلى المحكمة المدنية المختصة. استئناف المتهم هذا الحكم. وجوب أن تقتصر محكمة ثاني درجة على الدعوى الجنائية التي نقلها الاستئناف إليها.
قضاء محكمة ثاني درجة بالبراءة استناداً إلى انتفاء الخطأ في جانب الطاعن وبرفض الدعوى المدنية. لا مصلحة للطاعن من النعي عليه. أساس ذلك؟
1 - من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق.
2 - من المقرر أنه يكفي في المحاكمات الجنائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي تقضي له بالبراءة ورفض الدعوى المدنية، إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما تطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام حكمها يشتمل على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في عناصر الاتهام - كما هو الحال في الدعوى المطروحة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أفصح عن اطمئنانه إلى أقوال الشاهد أمين الشرطة وحاصلها أن المجني عليه قد عبر الطريق فجأة أمام السيارة التي يقودها المطعون ضده، وقد عول الحكم في قضائه على هذه الرواية لخلو الأوراق من أي دليل يناقضها وهو استدلال سائغ لا شائبة فيه، وله أصل ثابت في الأوراق - حسبما يبين من المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن - فإن المنازعة في سلامة ما استخلصته المحكمة من واقع أوراق الدعوى تنحل إلى جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
3 - لما كانت محكمة أول درجة قد دانت المطعون ضده بجريمة الإصابة الخطأ المسندة إليه وأحالت الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية، فقد كان يتعين على محكمة ثاني درجة أن تقصر حكمها على موضوع الدعوى الجنائية التي نقلها استئناف المتهم إليها وألا تتصدى للدعوى المدنية وتفصل في موضوعها إذا لم تكن مطروحة عليها إلا أنه لما كان البين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه ببراءة المطعون ضده من التهمة المسندة إليه على انتفاء الخطأ من جانبه وهو بهذه المثابة قضاء يمس أسس الدعوى المدنية مساساً يقيد حرية القاضي المدني اعتباراً بأن نفي الخطأ عن المتهم يؤثر بلا أدنى شبهة في رأي المحكمة المدنية المحالة عليها الدعوى مما يكون معه مصيرها حتماً إلى القضاء برفضها إعمالاً لنصوص القانون ونزولاً على قواعد قوة الشيء المقضى فيه جنائياً أمام المحاكم المدنية. فإن مصلحة الطاعن - المدعي بالحقوق المدنية - من وراء طعنه فيما قضى به الحكم من رفض دعواه المدنية تكون منتفية.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه أولاً: تسبب خطأ في إصابة المجني عليه..... وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احترازه وعدم مراعاته للقوانين واللوائح بأن قاد سيارة بكيفية ينجم عنها الخطر فصدم المجني عليه وأحدث به إصابته المبينة بالتقرير الطبي. ثانياً: قاد سيارة بحالة تعرض حياة الأشخاص والأموال للخطر. وطلبت عقابه بالمادة 244/ 1 من قانون العقوبات والمواد 1، 3، 63، 77 من القانون رقم 66 سنة 1973 ولائحته التنفيذية. وادعى المجني عليه مدنياً قبل المتهم بمبلغ عشرة ألاف جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة جنح الجيزة قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بتغريم المتهم عشرين جنيهاً وإحالة الدعوى إلى المحكمة المدنية المختصة. استأنف المحكوم عليه ومحكمة الجيزة الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضورياً اعتبارياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فعارض وقضى في معارضته بقبولها شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المعارض فيه وبراءته ورفض الدعوى المدنية.
فطعن المدعي بالحقوق المدنية في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن المقدم من المدعي بالحقوق المدنية هو أن الحكم المطعون فيه إذ قضى ببراءة المطعون ضده من جريمة إصابة خطأ ورفض الدعوى المدنية قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت في الأوراق، ذلك بأن الحكم لم يعن ببيان واقعة الدعوى ولم يمحص أدلة الثبوت قبل المطعون ضده، واستند الحكم إلى أقوال الشاهد أمين الشرطة بمحضر ضبط الواقعة رغم أنه لم يدل بأقواله إلا بعد الحادث بعدة أيام ولم يحلف اليمين. فضلاً عن أن الحكم خالف الثابت في الأوراق من أن المجني عليه كان يقف على افريز الطريق وأن المطعون ضده أخطأ لقيادته السيارة بسرعة وبحالة ينجم عنها الخطر في مفترق الطرق مما يوفر ركن الخطأ قبله المتسبب في وقوع الحادث الأمر الذي يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إنه من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق، كما أنه يكفي في المحاكمات الجنائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي تقضي له بالبراءة ورفض الدعوى المدنية، إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما تطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام حكمها يشتمل على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في عناصر الاتهام - كما هو الحال في الدعوى المطروحة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أفصح عن اطمئنانه إلى أقوال الشاهد أمين الشرطة وحاصلها أن المجني عليه قد عبر الطريق فجأة أمام السيارة التي يقودها المطعون ضده، وقد عول الحكم في قضائه على هذه الرواية لخلو الأوراق من أي دليل يناقضها وهو استدلال سائغ لا شائبة فيه، وله أصل ثابت في الأوراق - حسبما يبين من المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن - فإن المنازعة في سلامة ما استخلصته المحكمة من واقع أوراق الدعوى تنحل إلى جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من الحكم المطعون فيه أن محكمة أول درجة قضت حضورياً بتغريم المتهم - المطعون ضده - عشرين جنيهاً عن تهمة الإصابة الخطأ المسندة إليه وأحالت الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة، فاستأنف المطعون ضده وحده هذا الحكم وقضت محكمة ثاني درجة حضورياً اعتبارياً برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف، فعارض المطعون ضده وقضى بإلغاء الحكم المعارض فيه وبراءة المتهم مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية وإلزامه المصاريف. لما كان ذلك، وكان نص المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية يجرى بأن "كل حكم يصدر في موضوع الدعوى الجنائية يجب أن يفصل في التعويضات التي يطلبها المدعي بالحقوق المدنية قبل المتهم وذلك ما لم تر المحكمة أن الفصل في هذه التعويضات يستلزم إجراء تحقيق خاص ينبني عليه إرجاء الفصل في الدعوى الجنائية، فعندئذ تحيل المحكمة الدعوى إلى المحكمة المدينة بلا مصاريف". وكان الثابت من السياق المتقدم أن محكمة أول درجة قد دانت المطعون ضده بجريمة الإصابة الخطأ المسندة إليه وأحالت الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية، فقد كان يتعين على محكمة ثاني درجة أن تقصر حكمها على موضوع الدعوى الجنائية التي نقلها استئناف المتهم إليها وألا تتصدى للدعوى المدنية وتفصل في موضوعها إذا لم تكن مطروحة عليها إلا أنه لما كان البين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه ببراءة المطعون ضده من التهمة المسندة إليه على انتفاء الخطأ من جانبه وهو بهذه المثابة قضاء يمس أسس الدعوى المدنية مساساً يقيد حرية القاضي المدني اعتباراً بأن نفي الخطأ عن المتهم يؤثر بلا أدنى شبهة في رأي المحكمة المدنية المحالة عليها الدعوى مما يكون معه مصيرها حتماً إلى القضاء برفضها إعمالاً لنصوص القانون ونزولاً على قواعد قوة الشيء المقضى فيه جنائياً أمام المحاكم المدنية. فإن مصلحة الطاعن - المدعي بالحقوق المدنية - من وراء طعنه فيما قضى به الحكم من رفض دعواه المدنية تكون منتفية. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً مع إلزام الطاعن بالمصاريف ومصادرة الكفالة عملاً بالمادة 36 من القانون رقم 57 سنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض.