أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
الجزء الأول - السنة 38 - صـ 677

جلسة 12 من مايو سنة 1987

برياسة السيد المستشار/ محمد عبد الرحيم نافع نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمود البارودي ومحمد أحمد حسن ومحمود رضوان ورضوان عبد العليم.

(118)
الطعن رقم 543 لسنة 57 القضائية

(1) إسقاط امرأة حبلى. ضرب "أفضى إلى موت". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
مثال لتسبيب سائغ لحكم بالإدانة في جريمة إسقاط امرأة حبلى عمداً وإحداث إصابات بها أفضت إلى موتها.
(2) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
للقاضي الجنائي أن يستمد اقتناعه من أي دليل وأن يأخذ بأقوال متهم على آخر متى اطمأن إلى صدقها.
(3) إثبات "خبرة" "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير. موضوعي. لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير.
مؤدى تساند الأدلة في المواد الجنائية؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام النقض.
1 - لما كان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما حاصلة أنه إذ حملت المجني عليه سفاحاً نتيجة علاقة آثمة بينها وبين المحكوم عليه الرابع، فقد اتفقا على إجهاض حملها الذي بلغ قرابة الشهر السادس ولجأ إلى المحكوم عليه الثالث لمعاونتهما في إيجاد طبيب يقبل القيام بالإجهاض وانتهى المطاف بثلاثتهم إلى أن اتفقوا مع الطاعن، عن طريق المحكوم عليه الثاني الذي يعمل ممرضاً بعيادته، على أن يتولى إجهاض حمل المجني عليها لقاء مبلغ معين يسلمه هذا الوسيط، ثم في اليوم المتفق عليه قام الطاعن بمعاونة المحكوم عليه الثاني، بإسقاط المجني عليها وأجرى لها عملية إجهاض نتج عنها موتها. وساق الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعن - والمحكوم عليهم الآخرين - أدلة استمدها من اعتراف المحكوم عليه الرابع وإقرار المحكوم عليهما الثاني والثالث، وإقرار الطاعن بدخول المجني عليها عيادته منذ..... وبقائها بها حتى وافتها المنية في.....، ومما أسفرت عنه تحريات الشرطة وما تضمنه التقريران الطبيان الشرعيان المؤرخان..... و..... وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ولم يجادل الطاعن في أن كلاً منها يرتد إلى مورد صحيح بالأوراق.
2 - الأصل أن القاضي الجنائي حر في أن يستمد اقتناعه من أي دليل يطمئن إليه، وإن من حقه أن يأخذ في هذا الشأن بالأقوال التي يدلى بها متهم في حق آخر ما دامت المحكمة قد وثقت في صحتها ومطابقتها للحقيقة والواقع.
3 - لما كان الأصل أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء المقدمة إليها والمفاضلة بينها والأخذ بما تطمئن إليه منها واطراح ما عداه، كما أن لها أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره ما دامت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها، وكان من المقرر أنه لا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية ضمائم متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة، مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه - كما هي واقع الحال في الدعوى موضوع الطعن الماثل - وإذ كانت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها إلى صورة الواقعة من الأدلة القولية المؤيدة بالتقريرين الطبيين الشرعيين واستخلصت منها مجتمعة بأسباب كافية وسائغة أن الطاعن قد أجهض المجني عليها بالفعل بإنهاء حالة الحمل عمداً قبل الأوان، وردت على التقارير الفنية الأخرى المقدمة في الدعوى بأسباب كافية يستقيم بها اطراحها، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص ينحل في حقيقة أمره إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل، وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين بأنه أولاً: أسقط عمداً امرأة حبلى هي.... بأن أجرى لها عملية إجهاض على النحو الوارد بالتقرير الطبي الشرعي والتحقيقات حالة كونه طبيباً. ثانياً: أحدث بالمجني عليها سالفة الذكر عمداً الإصابات المبينة بالتقرير الطبي الشرعي والتحقيقات بأن أجرى لها عملية إجهاض وهي في الشهر السادس من حملها مما أفضى إلى موتها وقد كانت هذه الجناية نتيجة احتمالية للجناية الأولى. وأحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى..... زوج المجني عليها مدنياً قبل المتهم وآخرين بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات.... قضت حضورياً عملاً بالمواد 40/ 2 - 3 و31 و236/ 1 و260، 261 و263 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 17 منه بمعاقبة الطاعن بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة عما أسند إليه وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات على أن يكون الإيقاف شاملاً جميع الآثار الجنائية المترتبة على الحكم، وباعتبار المدعي بالحقوق المدنية تاركاً دعواه.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمتي إسقاط امرأة حبلى عمداً، وإحداثه بها عمداً إصابات أفضت إلى موتها، فقد انطوى على القصور في التسبيب، ذلك بأنه لم يبين الأفعال التي آتاها الطاعن والأدلة التي استخلص منها إدانته في بيان كاف, مكتفياً في ذلك بأقوال المحكوم عليهم الآخرين عليه, ورد على دفاعه المؤيد بالتقريرين الاستشاريين وأقوال نائب كبير الأطباء الشرعيين والذي من شأنه دحض أقوال هؤلاء المحكوم عليهم، بما لا يكفي لاطراحه. وفي هذا وذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما حاصله أنه إذ حملت المجني عليها سفاحاً نتيجة علاقة آثمة بينها وبين المحكوم عليه الرابع، فقد اتفقا على إجهاض حملها الذي بلغ قرابة الشهر السادس ولجأ إلى المحكوم عليه الثالث لمعاونتهما في إيجاد طبيب يقبل القيام بالإجهاض وانتهى المطاف بثلاثتهم إلى أن اتفقوا مع الطاعن، عن طريق المحكوم عليه الثاني الذي يعمل ممرضاً بعيادته، على أن يتولى إجهاض حمل المجني عليها لقاء مبلغ معين تسلمه هذا الوسيط، ثم في اليوم المتفق عليه قام الطاعن، بمعاونة المحكوم عليه الثاني، بإسقاط المجني عليها وأجرى لها عملية إجهاض نتج عنها موتها. وساق الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعن - والمحكوم عليهم الآخرين - أدلة استمدها من اعتراف المحكوم عليه الرابع وإقرار المحكوم عليهما الثاني والثالث، وإقرار الطاعن بدخول المجني عليها عيادته منذ..... وبقائها حتى وافتها المنية في.....، ومما أسفرت عنه تحريات الشرطة وما تضمنه التقريران الطبيان الشرعيان المؤرخان..... و.....، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ولم يجادل الطاعن في أن كلاً منها يرتد إلى مورد صحيح بالأوراق. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم، على النحو المتقدم، سواء في بيانه واقعة الدعوى أو مضمون أدلة الثبوت التي عول عليها، تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما، وكان الأصل أن القاضي الجنائي حر في أن يستمد اقتناعه من أي دليل يطمئن إليه، وأن من حقه أن يأخذ في هذا الشأن بالأقوال التي يدلى بها متهم في حق آخر ما دامت المحكمة قد وثقت في صحتها ومطابقتها للحقيقة والواقع، فإن ما يثيره الطاعن بدعوى قصور الحكم في بيان واقعة الدعوى واكتفائه بأقوال المحكوم عليهم الآخرين في حقه يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد حصل التقريرين الطبيين اللذين عول عليهما في قوله: "وأورى التقريران الطبيان الشرعيان المؤرخان...... و...... أن وفاة المجني عليها نشأت نتيجة تسمم دموي جرى نتيجة التهابات بجدار الرحم وهي حالة مضاعفة للإجهاض, وأن المذكورة كانت حاملاً وأجهضت وهذا الإجهاض قد يكون أجرى لها بمعرفة الدكتور....... (الطاعن) بعيادته كما جاء على لسان..... (المحكوم عليه الرابع) أو من الممكن أن تكون المجني عليها قد حضرت إلى عيادة الطبيب بعد نزول الجنين وقد قام الطبيب المذكور باستخلاص المشيمة كما جاء على لسانه بمذكرة النيابة, ويتعذر من الوجهة الطبية ترجيح أحد الاحتمالين على الآخر وهذا الأمر متروك للتحقيق وما يظهره, هذا والالتهابات الرحمية هي حالة مضاعفة نفاسية عن طريق تقيح موضعي بباطن الرحم وما يلي ذلك من امتصاص توكسيمى وامتصاص دموي عفن - تسمم دموي - وهذه المضاعفات أكثر شيوعاً في الحالات التي لا تراعي فيها خطوات التعقيم وذلك بإيلاج أجسام غريبة بمعرفة السيدات أنفسهن أو قابلات جاهلات أو إيلاج آلات جراحية غير معقمة - ومن المعروف فنياً أن تطورات الالتهابات بالرحم وما يصاحبها من امتصاص توكسيمى عفن - تسمم دموي - تحدث سريعاً بمقارنتها بأية التهابات أخرى نظراً للحالة الدموية التي يوجد بها الرحم عقب تفريغه, هذا ولا يوجد فنياً ما ينفي حدوث هذه المضاعفات في الفترة ما بين...... وحتى...... وهي الفترة التي كانت المجني عليها موجودة بعيادة الدكتور......، كما وأنه إذا ثبت من التحقيق أن الطبيب المذكور - المتهم الأول (الطاعن) قد قام باستخلاص المشيمة فقط فيعتبر هذا الإجراء حتمي في محاولة لإنقاذ حياة الأم وليس له دخل في إحداث هذه المضاعفات كما بين الحكم مضمون التقريرين الطبيين الاستشاريين المقدمين من الطاعن وكذا مضمون تقرير نائب كبير الأطباء الشرعيين المقدم بناء على تكليف من المحكمة في قوله: "وحيث إن المتهم الأول قد قدم تقريرين طبيين استشاريين انتهيا إلى أن المتهم المذكور لم يقم بإجهاض حمل المجني عليها وأن كل ما قام به كان رفع بقايا المشيمة وتنظيف الرحم من بقايا بعض التجلطات وأن المتهم المشار إليه قد التزم الأصول الفنية في ذلك ودون استعمال أية آلات جراحية بل استخدم أصبغه وكل ذلك يشير إلى أنه قد باشر علاج المجني عليها وما أسفرت عليه الأصول الفنية المقررة في مثل حالة المجني عليها. وإذ ندبت المحكمة.... فقد أودع نائب كبير الأطباء الشرعيين تقريره المؤرخ..... انتهى فيه إلى أن........ كانت حاملاً في الأشهر الرحمية الأخيرة وأفرغ الرحم محتوياته دون أي تدخل جراحي، وأن ما قام به الطبيب المتهم هو استخلاص بقايا المشيمة التي كانت باقية بالرحم يدوياً ودون استعمال آلات جراحية" وبعد أن حصل الحكم دفاع الطاعن القائم على نفي الاتهام استناداً إلى التقريرين الاستشاريين وتقرير نائب كبير الأطباء الشرعيين، أطرحه في قوله: ".... لما كان ذلك، وكانت المحكمة في هذه الدعوى قد اطمأنت إلى أدلة الثبوت القولية والفنية التي أوردتها بما فيها من اعتراف المتهم الرابع على بقية المتهمين وهي من بعد إذ تلتفت عن مؤدى ما انتهى إليه تقرير كبير الأطباء الشرعيين والتقريرين الطبيين الفنيين الاستشاريين لتجزم بأن المتهم الأول - الطاعن - قد أسقط عمداً المجني عليها..... وهي الحبلى في الأشهر الرحمية الأخيرة بأن أجرى لها عملية إجهاض حملها وهو ما أيدته وقائع الدعوى وأكدته لدى المحكمة، هذا وقد اشترك المتهم الثاني مع المتهم الأول بطريقي الاتفاق والمساعدة في ارتكاب جريمته هذه بأن اتفق معه على ارتكابها وساعده على ذلك بأن أعد له الآلات والأدوات الجراحية التي استعان بها المتهم الأول في إجراء تلك العملية وقام المتهم الثاني مناولته تلك الآلات. كما اشترك المتهمان الثالث والرابع بطريقي الاتفاق مع المتهم الأول في ارتكاب جريمته هذه بأن اتفقا معه بواسطة المتهم الثاني على إجراء عملية إسقاط حمل المجني عليها عمداً وتمت الجريمة المذكورة نتيجة ذلك الاتفاق, وقد تعمد كافة المتهمين إنهاء حمل المجني عليها قبل الأوان. لما كان ذلك، وكان الأصل أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء المقدمة إليها والمفاضلة بينها والأخذ بما تطمئن إليه منها واطراح ما عداه، كما أن لها أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره ما دامت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها، وكان من المقرر أنه لا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية ضمائم متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه - كما هي واقع الحال في الدعوى موضوع الطعن الماثل - وإذ كانت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها إلى صورة الواقعة من الأدلة القولية المؤيدة بالتقريرين الطبيين الشرعيين واستخلصت منها مجتمعة بأسباب كافية وسائغة أن الطاعن قد أجهض المجني عليها بالفعل بإنهاء حالة الحمل عمداً قبل الأوان، وردت على التقارير الفنية الأخرى المقدمة في الدعوى بأسباب كافية يستقيم بها اطراحها، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص ينحل في حقيقة أمره إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل، وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعين الرفض.