أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 52 - صـ 343

جلسة 19 من مارس سنة 2001

برئاسة السيد المستشار/ محمد حسام الدين الغرياني نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد شتا، عبد الرحمن هيكل، محمد ناجي دربالة نواب رئيس المحكمة ومحمود مكي.

(57)
الطعن رقم 15279 لسنة 62 القضائية

(1) دستور. شريعة إسلامية. إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره".
المتهم بريء حتى تثبت إدانته. أساس ذلك؟
حق المتهم في مواجهة الأدلة التي تطرح إثباتاً لجرمه وفي نفيها وفقاً للقانون بما يكفل لحقوقه الحد الأدنى من الحماية التي لا يجوز النزول عنها أو الانتقاص منها.
(2) إجراءات "إجراءات التحقيق". نيابة عامة. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره".
على المحقق إخطار المتهم بأن له أن يصمت عند استجوابه. أساس ذلك؟
(3) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". مواد مخدرة. تهرب ضريبي. قانون "تطبيقه". محكمة النقض "سلطتها".
القول بإلزام من يباشر نشاطاً مؤثماً - كالاتجار في المواد المخدرة - بأن يخطر عن هذا النشاط. مناقض لأصل البراءة.
إدانة الطاعن بجرائم عدم إخطار مصلحة الضرائب عن بدء نشاطه في تجارة المخدرات وأرباحه عنها. خطأ في القانون. يوجب النقض والبراءة.
1 - لما كان الدستور قد عنى في مادتيه السابعة والستين والتاسعة والستين بضمان الحق في المحاكمة المنصفة بما تنصان عليه من أن "المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه بالأصالة أو بالوكالة عن نفسه" وهو حق تمليه الفطرة وتفرضه مبادئ الشريعة الإسلامية في قوله عليه الصلاة والسلام "ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن وجدتم للمسلم مخرجاً فخلوا سبيله فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة وهي بعد قاعدة نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادتيه العاشرة والحادية عشرة التي تقرر أولاهما "إن لكل إنسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة نظراً منصفاً وعلنياً للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أي تهمة جزائية توجه إليه وتردد ثانيهما في فقرتها الأولى "حق كل شخص وجهت إليه تهمة جنائية أن تفترض براءته إلى أن تثبت إدانته في محاكمة علنية توفر له فيها الضمانات الضرورية لدفاعه وحيث إن ضوابط المحاكمة المنصفة تتمثل في مجموعة القواعد المبدئية التي تعكس مضامينها نظاماً متكامل الملامح يتوخى بالأسس التي يقوم عليها صون كرامة الإنسان وحماية حقوقه الأساسية ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها وبما يحقق الأغراض النهائية للقوانين العقابية التي ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفاً مقصوداً لذته. وحيث إن افتراض براءة المتهم من التهمة الجنائية يقترن دائماً من الناحية الدستورية - ولضمان فاعليته - بوسائل إجرائية تعتبر وثيقة الصلة بالحق في الدفاع ومن بينها حق المتهم في مواجهة الأدلة التي تطرح إثباتاً لجرمه، مع الحق في نفيها بالوسائل التي يقدر مناسبتها وفقاً للقانون وبما يكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية التي لا يجوز النزول عنها أو الانتقاص منها.
2 - لما كان حق المتهم في نفي وإنكار الاتهام هو الحد الأدنى من الحماية الواجب كفالتها لحقه في الدفاع حتى ذهب قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي في المادة 114 منه إلى أن يوجب على المحقق إخطار المتهم بأنه حر في "ألا يدلي بأي تصريح" أي أن له أن يصمت عند استجوابه.
3 - لما كان القول بإلزام من يباشر نشاطاً مؤثماً - كالاتجار في المواد المخدرة - بأن يخطر أو يقر بمباشرة ذلك النشاط الذي يوجب إنزال العقاب به أو اتهامه بالتهرب من أداء الضرائب المستحقة عليه عن أرباحه من ذلك النشاط المؤثم - والذي لا يتيسر له توقيه (أي الاتهام) إلا بسداد تلك الضرائب بما لازمه الإفصاح عن النشاط المعاقب عليه الذي رتب تلك الضرائب بذمته، هذا القول إنما يكون مناقض لأصل البراءة ويجرده من محتواه عملاً، ولا يكتفي بنقل عبء نفيه إلى المتهم - على خلاف الأصل - بل يتجاوزه إلى إلزام المتهم بأن يقدم دليل إدانته بيده إهداراً للمبادئ الأساسية المقررة بالمادتين 67، 69 من الدستور وإخلالاً بالحرية الشخصية وبضمانة الدفاع التي لا يجوز في غيبتها تحقيق الواقعة محل الاتهام الجنائي أو إدانة المتهم عنها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بالجرائم المسندة إليه، مخالفاً بذلك النظر المتقدم فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وفي تطبيقه ويتعين - عملاً بنص المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 - نقض الحكم المطعون فيه والحكم ببراءة الطاعن.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: (1) بصفته ممولاً خاضعاً للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية لم يقدم إلى مصلحة الضرائب إخطاراً عند بدء مزاولته نشاط تجارة المخدرات وذلك في خلال الميعاد المحدد وعلى النحو المقرر قانوناً (2) بصفته سالفة الذكر تهرب من أداء الضريبة على الأرباح التجارية والصناعية المقررة قانوناً والمستحقة على أرباحه المبينة وصفاً وقدراً بالأوراق من نشاطه سالف الذكر والخاضع لتلك الضريبة من عام 1982 وحتى عام 1987 وذلك باستعمال إحدى الطرق الاحتيالية بأن أخفى ذلك النشاط عن مصلحة الضرائب وذلك على النحو المبين بالأوراق. (3) بصفته سالفة الذكر لم يقدم لمأمورية الضرائب المختصة إقراراً صحيحاً وشاملاً على أرباحه من نشاطه سالف الذكر من عام 1982 وحتى عام 1987 وذلك في خلال الميعاد المحدد وعلى النحو المقرر قانوناً. (4) بصفته ممولاً خاضعاً للضريبة العامة على الدخل لم يقدم لمأمورية الضرائب المختصة إقراراً صحيحاً وشاملاً عن دخله العام عن الأعوام 1982 حتى 1987 وذلك في خلال الميعاد المحدد على النحو المقرر قانوناً. (5) بصفته سالفة الذكر لم يقدم لمأمورية الضرائب المختصة إقراراً صحيحاً وشاملاً بما لديه من ثروة وذلك في خلال الميعاد المحدد وعلى النحو المقرر قانوناً. وأحالته إلى محكمة جنايات..... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 13، 14، 23، 24، 31، 34، 35، 37، 102، 104، 131، 133/ 1، 178 الفقرة الأولى والبند 6 من الفقرة الثانية، 181، 187 الفقرة أولاً (1) والفقرة ثانياً (1) من القانون رقم 157 لسنة 1981 بإصدار قانون الضرائب على الدخل ولائحته التنفيذية مع إعمال المادتين 17، 32/ 2 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وإلزامه بأن يؤدي تعويضاً يعادل ثلاثة أمثال ما لم يؤد من الضرائب المستحقة وبتغريمه ثلاثمائة جنيه عن التهم المسندة إليه.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم عدم إخطار مصلحة الضرائب عند بدء نشاطه في الاتجار بالمواد المخدرة وعدم تقديمه إقراراً عن دخله العام وإقراراً عن أرباحه من ذلك النشاط عن كل عام من سنة 1982 حتى سنة 1987 وإقراراً بما لديه من ثروة والتهرب من أداء الضريبة على أرباحه التجارية من نشاطه في تجارة المخدرات شابه مخالفة القانون والخطأ في تطبيق ذلك بأنه أقام قضاءه بالإدانة على فهم قانوني خاطئ بأن اعتبر نشاط الطاعن في الاتجار بالمواد المخدرة نشاطاً تجارياً يلتزم بالإخطار عنه غافلاً عن أنه نشاط مؤثم يشكل جريمة ولا يجوز إلزامه بتقديم إخطار عنه يفضي لإدانته بارتكابها مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الدعوى الجنائية رفعت على الطاعن بوصف أنه في خلال السنوات من 1982 إلى 1987 (أولاً) بصفته ممولاً خاضعاً للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية لم يقدم إلى مصلحة الضرائب إخطاراً عند بدء مزاولته نشاط تجارة المخدرات في الميعاد وعلى النحو المقرر قانوناً (ثانياً) بصفته سالفة الذكر تهرب من أداء الضريبة على الأرباح التجارية والصناعية والمستحقة على أرباحه المبينة القدر بالأوراق من نشاطه سالف الذكر وذلك باستعمال إحدى الطرق الاحتيالية بأن أخفى ذلك النشاط عن مصلحة الضرائب (ثالثاً) بصفته سالفة الذكر لم يقدم إلى مأمورية الضرائب المختصة إقراراً مبيناً فيه أرباحه عن نشاطه سالف الذكر عن كل عام من 1982 حتى 1987. (رابعاً) بصفته ممولاً خاضعاً للضريبة العامة على الدخل لم يقدم إلى مأمورية الضرائب المختصة إقراراً صحيحاً وشاملاً عن دخله العام عن كل عام من 1982 حتى 1987. (خامساً) بصفته سالفة الذكر لم يقدم إلى مأمورية الضرائب المختصة إقراراً بما لديه من ثروة في الميعاد المحدد وعلى النحو المقرر قانوناً وطلبت النيابة العامة معاقبته بالمواد 13، 14، 23، 24، 31، 34، 35، 37، 102، 104، 131، 133، 178/ 1 - 2 - 6 من القانون رقم 157 لسنة 1981 بإصدار قانون الضرائب على الدخل ولائحته التنفيذية ودانته محكمة الجنايات على هذا الأساس.
لما كان ذلك وكان الدستور قد عنى في مادتيه السابعة والستين والتاسعة والستين بضمان الحق في المحاكمة المنصفة بما تنصان عليه من أن "المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه بالأصالة أو بالوكالة عن نفسه" وهو حق تمليه الفطرة وتفرضه مبادئ الشريعة الإسلامية في قوله عليه الصلاة والسلام "ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن وجدتم للمسلم مخرجاً فخلوا سبيله فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة" وهي بعد قاعدة نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادتيه العاشرة والحادية عشرة التي تقرر أولاهما أن لكل إنسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة نظراً منصفاً وعلنياً للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أي تهمة جزائية توجه إليه وتردد ثانيهما في فقرتها الأولى حق كل شخص وجهت إليه تهمة جنائية أن تفترض براءته إلى أن تثبت إدانته في محاكمة علنية توفر له فيها الضمانات الضرورية لدفاعه وحيث إن ضوابط المحاكمة المنصفة تتمثل في مجموعة القواعد المبدئية التي تعكس مضامينها نظاماً متكامل الملامح يتوخى بالأسس التي يقوم عليها صون كرامة الإنسان وحماية حقوقه الأساسية ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها وبما يحقق الأغراض النهائية للقوانين العقابية التي ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفاً مقصوداً لذاته. وحيث إن افتراض براءة المتهم من التهمة الجنائية يقترن دائماً من الناحية الدستورية - ولضمان فاعليته - بوسائل إجرائية تعتبر وثيقة الصلة بالحق في الدفاع ومن بينها حق المتهم في مواجهة الأدلة التي تطرح إثباتاً لجرمه. مع الحق في نفيها بالوسائل التي يقدر مناسبتها وفقاً للقانون، وبما يكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية التي لا يجوز النزول عنها أو الانتقاص منها. لما كان ذلك، وكان حق المتهم في نفي وإنكار الاتهام هو الحد الأدنى من الحماية الواجب كفالتها لحقه في الدفاع حتى ذهب قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي في المادة 14 منه إلى أن يوجب على المحقق إخطار المتهم بأنه حر في "ألا يدلي بأي تصريح" أي أن له أن يصمت عند استجوابه. لما كان كل ذلك، فإن القول بإلزام من يباشر نشاطاً مؤثماً - كالاتجار في المواد المخدرة - بأن يخطر أو يقر بمباشرة ذلك النشاط الذي يوجب إنزال العقاب به أو اتهامه بالتهرب من أداء الضرائب المستحقة عليه عن أرباحه من ذلك النشاط المؤثم - والذي لا يتيسر له توقيه (أي الاتهام) إلا بسداد تلك الضرائب بما لازمه الإفصاح عن النشاط المعاقب عليه الذي رتب تلك الضرائب بذمته هذا القول إنما يكون مناقضاً لأصل البراءة ويجرده من محتواه عملاً ولا يكتفي بنقل عبء نفيه إلى المتهم على خلاف الأصل - بل يتجاوزه إلى إلزام المتهم بأن يقدم دليل إدانته بيده إهداراً للمبادئ الأساسية المقررة بالمادتين 67، 69 من الدستور وإخلالاً بالحرية الشخصية وبضمانة الدفاع التي لا يجوز في غيبتها تحقيق الواقعة محل الاتهام الجنائي أو إدانة المتهم عنها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بالجرائم المسندة إليه، مخالفاً بذلك النظر المتقدم فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وفي تطبيقه ويتعين - عملاً بنص المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 - نقض الحكم المطعون فيه والحكم ببراءة الطاعن وذلك دون حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.