أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
الجزء الثاني - السنة 38 - صـ 787

جلسة 13 من أكتوبر سنة 1987

برياسة السيد المستشار/ محمد أحمد حمدي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ أحمد محمود هيكل ونجاح نصار نائبي رئيس المحكمة ومحمد محمد يحيى وحسن سيد حمزه.

(144)
الطعن رقم 2825 لسنة 57 القضائية

(1) حكم"بياناته" "بيانات الديباجة". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إيراد الحكم خطأ في ديباجته أن الدعوى نظرت يوم صدوره على خلاف الثابت في نظرها في جلسات عديدة سابقة. خطأ مادي لا يعيبه.
(2) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن. موضوعي.
(3) إثبات "بوجه عام". أوراق "صورة شمسية". بطلان. نظام عام.
عدم ترتيب البطلان على مخالفة النصوص المنظمة للمضاهاة. أساس ذلك؟
حق المحكمة الجنائية في تكوين عقيدتها بكافة طرق الإثبات لها أن تأخذ بالصورة الفوتوغرافية كدليل متى اطمأنت إلى مطابقتها للأصل.
(4) تزوير. موظفون عموميون. أوراق رسمية. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم اشتراط صدور التزوير من موظف مختص فعلاً. كفاية أن تعطي الأوراق المصطنعة شكل الأوراق الرسمية ومظهرها. ولو لم تصدر من موظف عام.
(5) عقوبة "العزل من الوظيفة". موظفون عموميون.
توقيع عقوبة العزل على الموظف العام. سواء كان شاغلاً لمنصبه وقت الحكم أو أن يكون قد فقده. علة ذلك؟
(6) نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تعييب الإجراءات السابقة على الحكم. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام النقض.
مثال.
(7) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم التزام المحكمة بالرد على دفاع أبدى أمام دائرة سابقة ولم يبد أمامها.
(8) نيابة عامة. إجراءات "إجراءات التحقيق". إثبات "خبرة".
حق عضو النيابة في الاستعانة بأهل الخبرة. أساس ذلك؟
(9) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لمحكمة الموضوع أن تأخذ بما تطمئن إليه من عناصر الإثبات. ولو كان ذلك من محاضر جمع الاستدلالات. شرط ذلك؟
(10) حكم "ما لا يعيبه". عقوبة "تعدد العقوبات". ارتباط.
تطبيق عقوبة واحدة المقررة للجريمة الأشد إعمالاً للمادة 32 عقوبات دون ذكر الجريمة الأشد لا يؤثر في سلامة الحكم.
(11) تزوير "أوراق رسمية". تقليد أختام. نصب. ارتباط. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصور الحكم في استظهار أركان الجرائم المرتبطة لا يستوجب نقضه ما دامت المحكمة طبقت حكم المادة 32 عقوبات وقضت بالعقوبة الأشد.
(12) حكم "تسبيبه" "بيانات التسبيب". بطلان. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". محكمة النقض "سلطتها".
الخطأ في ذكر قانون الإجراءات الجنائية بدلاً من قانون العقوبات لا يرتب بطلان الحكم. حد ذلك؟
1 - لئن كانت ديباجة الحكم قد تضمنت عبارة "وبجلسة اليوم سمعت الدعوى على الوجه المبين تفصيلاً بمحضر الجلسة" إلا أنه من الواضح أن المعنى المقصود من ذلك هو أن إجراءات الدعوى وردت تفصيلاً بمحاضر جلسات المحاكمة ولا يعدو ما ورد في ديباجة الحكم أن يكون خطأ مادياً لا يؤثر في سلامته إذ لا يغير من حقيقة الواقع من سماع الدعوى في جلسات سابقة ولا ينم البتة عن عدم استيعاب المحكمة لعناصر الدعوى وأوجه الدفاع بما يضحى معه هذا الوجه من الطعن في غير محله.
2 - من المقرر أن تقدير أراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليها منها والالتفات عما عداه، ولا يقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير.
3 - الأصل أن المضاهاة لم تنظم سواء في قانون الإجراءات الجنائية أو في قانون المرافعات المدنية بنصوص أمره يترتب البطلان على مخالفتها إذ العبرة في المسائل الجنائية إنما تكون باقتناع القاضي بأن إجراء من الإجراءات يصح أو لا يصح أن يتخذ أساساً لكشف الحقيقة، وللمحكمة أن تكون عقيدتها في ذلك بكافة طرق الإثبات غير مقيدة بقواعد الإثبات في القانون المدني فيحق لها أن تأخذ بالصورة الفوتوغرافية كدليل في الدعوى إذا ما اطمأنت إلى مطابقتها للأصل.
4 - من المقرر أنه لا يشترط في جريمة تزوير المحررات الرسمية أن تصدر فعلاً عن الموظف المختص بتحرير الورقة بل يكفي أن تعطي هذه الأوراق المصطنعة شكل الأوراق الرسمية ومظهرها ولو كانت في الحقيقة لم تصدر منه أو صدرت منه بعد تركه للوظيفة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن ما يدعيه الطاعن - من أن ما ارتكبه من تزوير في استمارات مصاريف الانتقال وبدل السفر في الفترة اللاحقة على تقديمه الاستقالة - لا يعتبر تزويراً في أوراق رسمية يكون غير صحيح في القانون.
5 - لما كانت المادة 26 من قانون العقوبات تنص على أن "العزل من وظيفة أميرية هو الحرمان من الوظيفة نفسها ومن المرتبات المقررة لها، سواء كان المحكوم عليه بالعزل عاملاً في وظيفة وقت صدور الحكم عليه أو غير عامل فيها.... "، فقد دلت بذلك على وجوب توقيع عقوبة العزل سواء كان المحكوم عليه شاغلاً بالفعل منصبه وقت الحكم بالعزل أو أن يكون قد فقده ما دام قد ارتكب الجريمة وهو موظف وأهمية الحكم بالعزل في هذه الحالة الأخيرة هو تقرير عدم صلاحية الموظف لأن يشغل خلال مدة العزل وظيفة عامة.
6 - لما كان البين من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يثر شيئاً عما يدعيه من أن لجنة الجرد باشرت عملها في غير حضوره، فإنه لا يحل له أن يثير ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض لأنه لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن.
7 - لما كان البين من مراجعة محاضر الجلسات أن الطاعن وإن أثار أمر بطلان أعمال اللجنة لتشكيلها من موظفين مشرفين على أعماله أمام هيئة سابقة إلا أنه لم يتمسك بذلك أمام الهيئة الجديدة التي أصدرت الحكم في الدعوى بهذا الدفاع، فلا يكون له أن يطالب هذه الهيئة بالرد على دفاع لم يبد أمامها لما هو مقرر من أن المحكمة لا تكون ملزمة بالرد على دفاع إلا إذا كان من قدمه قد أصر عليه.
8 - من المقرر أنه ولئن أوجب القانون على الخبراء أن يحلفوا يميناً أمام سلطة التحقيق بأن يبدوا رأيهم بالدقة وأن يقدموا تقاريرهم كتابة، إلا أنه من المقرر أن عضو النيابة بوصف كونه صاحب الحق في إجراء التحقيق ورئيس الضبطية القضائية له من الاختصاص ما خوله قانون الإجراءات الجنائية لسائر رجال الضبطية القضائية في الفصلين الأول والثاني من الباب الثاني منه بما في ذلك ما تجيزه لهم المادة 29 من هذا القانون أثناء جمع الاستدلالات من الاستعانة بأهل الخبرة وطلب رأيهم شفهياً أو بالكتابة بغير حلف يمين.
9 - لمحكمة الموضوع أن تأخذ بما تطمئن إليه من عناصر الإثبات ولو كان ذلك من محاضر جمع الاستدلالات ما دامت مطروحة للبحث أمامها.
10 - لما كان الحكم قد بين الجرائم التي ارتكبها الطاعن والمستوجبة لعقابه وأنها ارتكبت لغرض واحد بما يوجب الحكم عليه بعقوبة واحدة هي المقررة لأشد هذه الجرائم - وهي جريمة الاستيلاء على مال عام. وليست جريمة تقليد الأختام على ما زعم الطاعن - وكان الحكم قد قضى على الطاعن بعقوبة واحدة عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات، فإنه يكون قد أعمل حكم هذه المادة ولا يؤثر في سلامته أنه أغفل ذكر الجريمة الأشد.
11 - لما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر كافة أركان جرائم التزوير في محررات رسمية واستعمالها وتقليد الأختام والنصب وأثبتها في حق الطاعن فإن منعاه في هذا الخصوص لا يكون صحيحاً، فضلاً عن أن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يجديه نفعاً لأنه بافتراض قصور الحكم في استظهار أركان تلك الجرائم فإن ذلك لا يستوجب نقضه ما دامت المحكمة طبقت على الطاعن حكم المادة 32 من قانون العقوبات وقضت بمعاقبته بالعقوبة الأشد.
12 - لما كان الحكم المطعون فيه قد وصف الأفعال التي دان الطاعن عنها وبين واقعة الدعوى في شأنها بما ينطبق على حكم المواد 113/ 1، 118، 119/ 2، 119 مكرر 1/ هـ، 211، 214، 336/ 1 من قانون العقوبات وأوقع على الطاعن عقوبة جناية الاستيلاء بغير حق على مال إحدى الهيئات العامة باعتبارها العقوبة الأشد عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات فلا يقدح في ذلك إيراد الحكم لعبارة "من قانون الإجراءات الجنائية" بعد تسجيله لمواد العقاب على النحو السالف إذ لا يعدو ذلك - في صورة الدعوى - مجرد خطأ مادي تمثل في ذكر قانون الإجراءات الجنائية بدلاً من قانون العقوبات - الذي يدرك للوهلة الأولى باعتباره الأساس الأصيل للعقاب - مما لا يترتب عليه بطلان الحكم ويكون منعى الطاعن في هذا الخصوص غير سديد، وحسب محكمة النقض أن تصحح الخطأ الذي وقع فيه الحكم المطعون فيه باستبدال عبارة "من قانون العقوبات" بعبارة "من قانون الإجراءات الجنائية" سالفة البيان وذلك عملاً بالمادة 40 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أولاً: بصفته موظفاً عاماً (مهندس بهيئة المواصلات السلكية واللاسلكية بالإسكندرية) استولى بغير حق على مبلغ 36 جنيهاً و250 مليماً المملوك للهيئة سالفة الذكر وقد ارتبطت هذه الجريمة بجريمتي التزوير والاستعمال التاليتين ارتباطاً لا يقبل التجزئة. ثانياً: بصفته سالفة الذكر ارتكب أثناء تأدية وظيفته تزويراً في محررات رسمية هي أوامر التكليف وطلبات صرف مصاريف الانتقال وبدل السفر المبينة بالأوراق والمنسوبة إلى هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية للعاملين المدرجة أسماؤهم بها وكان ذلك بطريق الاصطناع ووضع إمضاءات وأختام مزورة بأن اصطنع تلك المحررات على غرار المحررات الصحيحة ونسب صدورها للعاملين بتلك الهيئة ووضع عليها إمضاءات مزورة عليهم وختمها بأختام مقلدة. ثالثاً: استعمل المحررات المزورة سالفة الذكر مع علمه بتزويرها بأن قدمها للهيئة وصرف المبالغ المدرجة بها وبموجبها. رابعاً: قلد خاتماً لإحدى المصالح الحكومية هي الإدارة العامة للخطوط الرئيسية لهيئة المواصلات السلكية واللاسلكية بالإسكندرية بأن اصطنع خاتماً على غرار الخاتم الصحيح واستعمله في تزوير المحررات سالفة الذكر. خامساً: توصل إلى الاستيلاء على مبلغ 1282 جنيه و500 مليم من هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية وكان ذلك باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام المختصين بها بوجود واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة وهي استحقاقه صرف ذلك المبلغ بأن قدم إليهم محررات مزورة تفيد كذباً استحقاقه صرفه فاقتنعوا بها وقاموا بصرف المبلغ له. وأحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً عملاً بالمواد 113/ 1، 118، 119 ب، 119 مكرر هـ، 206، 211، 214، 336/ 1 من قانون العقوبات مع إعمال المادتين 32، 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبعزله من وظيفته وإلزامه برد مبلغ ستة وثلاثين جنيهاً ومائتين وخمسين مليماً وتغريمه مبلغ خمسمائة جنيه.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم الاستيلاء بغير حق على مال مملوك لهيئة عامة والتزوير في أوراق رسمية واستعمالها وتقليد أختام حكومية والنصب قد شابه القصور وانطوى على بطلان في الإجراءات والخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك أن المحكمة لم تستوعب الواقعة إذ أوردته أن الدعوى سمعت في اليوم الذي صدر فيه الحكم رغم أنها نظرت بجلسات سابقة مما ينم عن أنها لم تلم بأوجه دفاع الطاعن، وقد عول الحكم في إدانة الطاعن على تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير الذي أجرى المضاهاة على صورة ضوئية من كتاب استقالة الطاعن رغم وجود أوراق استكتاب له مطرحاً دفاعه في هذا الخصوص بما لا يسوغه، ورغم أن الطاعن تقدم باستقالته بتاريخ...... وقبلت فإن الحكم نسب إليه ارتكابه تزويراً في محررات رسمية بصفته موظفاً عمومياً واستعمالها بعد هذا التاريخ، هذا إلى أن الحكم قضى بعزل الطاعن من وظيفته مع أنه استقال منها قبل صدوره، وقد تمسك الطاعن ببطلان أعمال اللجنة التي شكلتها النيابة العامة لفحص أعماله وتحديد الأموال التي استولى عليها إذ أسندت رئاستها إلى الضابط الذي ألقى القبض عليه وضمت في عضويتها من يتولون الإشراف على أعماله الذين باشروا أعمالهم في غيبة الطاعن وقبل أداء اليمين القانونية فأطرح الحكم قسماً من هذا الدفاع بما لا يصلح لاطراحه وأغفل إيراد باقية أو الرد عليه، كما أورد الحكم المطعون فيه المواد التي دان الطاعن بها منسوبة إلى قانون الإجراءات الجنائية، وأعمل في حقه المادة 32 من قانون العقوبات وأخذه بعقوبة الجريمة الأشد دون بيانها ودون أن تفطن المحكمة إلى أنها عقوبة جريمة تقليد الأختام بما كان يسمح بالنزول بالعقوبة عن الحد الذي أوقعته، ولم يستظهر الحكم أركان جرائم التزوير في أوراق رسمية واستعماله وتقليد الأختام والنصب التي دان الطاعن بها وكل ذلك مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وتقرير قسم أبحاث التزييف التزوير ولجنه الجرد وهي أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها.
لما كان ذلك ولئن كانت ديباجة الحكم قد تضمنت عبارة" وبجلسة اليوم سمعت الدعوى على الوجه المبين تفصيلاً بمحضر الجلسة" إلا أنه من الواضح أن المعنى المقصود من ذلك هو أن إجراءات الدعوى وردت تفصيلاً بمحاضر جلسات المحاكمة ولا يعدو ما ورد في ديباجة الحكم أن يكون خطأ مادياً لا يؤثر في سلامته إذ لا يغير من حقيقة الواقع من سماع الدعوى في جلسات سابقة ولا ينم البتة عن عدم استيعاب المحكمة لعناصر الدعوى وأوجه الدفاع بما يضحى معه هذا الوجه من الطعن في غير محله.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليها منها والالتفات عما عداه، ولا يقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير وكان الأصل أن المضاهاة لم تنظم سواء في قانون الإجراءات الجنائية أو في قانون المرافعات المدنية بنصوص أمره يترتب البطلان على مخالفتها إذ العبرة في المسائل الجنائية إنما تكون باقتناع القاضي بأن إجراء من الإجراءات يصح أو لا يصح أن يتخذ أساساً لكشف الحقيقة، وللمحكمة أن تكون عقيدتها في ذلك بكافة طرق الإثبات غير مقيدة بقواعد الإثبات في القانون المدني فيحق لها أن تأخذ بالصورة الفوتوغرافية كدليل في الدعوى إذا ما اطمأنت إلى مطابقتها للأصل، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد عرض لما أثاره المدافع عن الطاعن من أن تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير قد اعتمد في المضاهاة على صورة ضوئية لكتاب استقالة الطاعن وأطرحه بما ارتآه من أن الورقة التي اتخذها الخبير أساساً للمضاهاة تصلح لذلك وأن المحكمة قد اطمأنت إلى صحة المضاهاة، وإلى ما انتهى إليه تقرير الخبير فإنه لا يقبل من الطاعن العودة إلى مجادلتها فيما خلصت إليه من ذلك. لما كان ذلك وكان لا يشترط في جريمة تزوير المحررات الرسمية أن تصدر فعلاً عن الموظف المختص بتحرير الورقة بل يكفي أن تعطي هذه الأوراق المصطنعة شكل الأوراق الرسمية ومظهرها ولو كانت في الحقيقة لم تصدر منه أو صدرت منه بعد تركه للوظيفة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن ما يدعيه الطاعن - من أن ما ارتكبه من تزوير في استمارات مصاريف الانتقال وبدل السفر في الفترة اللاحقة على تقديمه الاستقالة - لا يعتبر تزويراً في أوراق رسمية يكون غير صحيح في القانون. لما كان ذلك وكانت المادة 26 من قانون العقوبات تنص على أن "العزل من وظيفة أميرية هو الحرمان من الوظيفة نفسها ومن المرتبات المقررة لها، سواء كان المحكوم عليه بالعزل عاملاً في وظيفة وقت صدور الحكم عليه أو غير عامل فيها...."، فقد دلت بذلك على وجوب توقيع عقوبة العزل سواء كان المحكوم عليه شاغلاً بالفعل منصبه وقت الحكم بالعزل أو أن يكون قد فقده ما دام قد ارتكب الجريمة وهو موظف وأهمية الحكم بالعزل في هذه الحالة الأخيرة هو تقرير عدم صلاحية الموظف لأن يشغل خلال مدة العزل وظيفة عامة، ومن ثم يكون منعى الطاعن في هذا الخصوص غير سديد.
ولما كان البين من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يثر شيئاً عما يدعيه من أن لجنة الجرد باشرت عملها في غير حضوره، فإنه لا يحل له أن يثير ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض لأنه لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن، لما كان ذلك وكان البين أيضاً من مراجعة محاضر الجلسات أن الطاعن وإن أثار أمر بطلان أعمال اللجنة لتشكيلها من موظفين مشرفين على أعماله أمام هيئة سابقة إلا أنه لم يتمسك بذلك أمام الهيئة الجديدة التي أصدرت الحكم في الدعوى بهذا الدفاع، فلا يكون له أن يطالب هذه الهيئة بالرد على دفاع لم يبد أمامها لما هو مقرر من أن المحكمة لا تكون ملزمة بالرد على دفاع إلا إذا كان من قدمه قد أصر عليه، ولما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن ببطلان أعمال اللجنة التي شكلتها النيابة العامة لعدم حلف أعضائها اليمين القانونية ورد عليه في قوله "وحيث إنه وإن كان الثابت من التحقيقات أن أعضاء اللجنة التي شكلتها النيابة العامة لم يؤدوا اليمين القانونية إلا أن ذلك لا يبطل أعمالها ولا يؤثر في النتيجة التي انتهى إليها هذا التقرير وتركن إليه المحكمة وتأخذ به كورقة من أوراق الدعوى تنزلها منزلتها الصحيحة - كما تطمئن إلى أقوال أعضاء اللجنة بالتحقيقات والتي أدلوا بها في ظل اليمين القانونية وهي ترديد لما سطروه في تقرير لجنتهم على التفصيل السالف بيانه ومن ثم تأخذ بها كدليل مستقل من أدلة الدعوى..." وكان هذا الذي رد به الحكم كافياً ويسوغ به رفض الدفع لما هو مقرر من أنه ولئن أوجب القانون على الخبراء أن يحلفوا يميناً أمام سلطة التحقيق بأن يبدوا رأيهم بالدقة وأن يقدموا تقاريرهم كتابة، إلا أنه من المقرر أن عضو النيابة بوصف كونه صاحب الحق في إجراء التحقيق ورئيس الضبطية القضائية له من الاختصاص ما خوله قانون الإجراءات الجنائية لسائر رجال الضبطية القضائية في الفصلين الأول والثاني من الباب الثاني منه بما في ذلك ما تجيزه لهم المادة 29 من هذا القانون أثناء جمع الاستدلالات من الاستعانة بأهل الخبرة وطلب رأيهم شفهياً أو بالكتابة بغير حلف يمين، ولما كان لمحكمة الموضوع أن تأخذ بما تطمئن إليه من عناصر الإثبات ولو كان ذلك من محاضر جمع الاستدلالات ما دامت مطروحة للبحث أمامها، فإنه لا على المحكمة - وقد أجرت النيابة تحقيق الواقعة بوصفها جناية فتحقق بذلك ما يشترطه القانون في مواد الجنايات من إيجاب تحقيقها قبل المحاكمة - إن هي أخذت بتقرير لجنة الجرد ولو لم يحلف أعضاؤها اليمين قبل مباشرة مأموريتهم بحسبانه ورقة من أوراق الاستدلال في الدعوى المقدمة لها وعنصراً من عناصرها ما دام أنه كان مطروحاً على بساط البحث وتناوله الدفاع بالتفنيد والمناقشة ومن ثم يضحى منعى الطاعن في هذا الصدد في غير محله.
لما كان ذلك وكان الحكم قد بين الجرائم التي ارتكبها الطاعن والمستوجبة لعقابه وأنها ارتكبت لغرض واحد بما يوجب الحكم عليه بعقوبة واحدة هي المقررة لأشد هذه الجرائم - وهي جريمة الاستيلاء على مال عام. وليست جريمة تقليد الأختام على ما زعم الطاعن - وكان الحكم قد قضى على الطاعن بعقوبة واحدة عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات، فإنه يكون قد أعمل حكم هذه المادة ولا يؤثر في سلامته أنه أغفل ذكر الجريمة الأشد ومن ثم فإن هذا النعي يكون غير سديد.
ولما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر كافة أركان جرائم التزوير في محررات رسمية واستعمالها وتقليد الأختام والنصب وأثبتها في حق الطاعن فإن منعاه في هذا الخصوص لا يكون صحيحاً، فضلاً عن أن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يجديه نفعاً لأنه بافتراض قصور الحكم في استظهار أركان تلك الجرائم فإن ذلك لا يستوجب نقضه ما دامت المحكمة طبقت على الطاعن حكم المادة 32 من قانون العقوبات وقضت بمعاقبته بالعقوبة الأشد وهي المقررة لجريمة الاستيلاء على مال عام بغير حق التي أثبتها الحكم في حقه. لما كان ما تقدم وكان الحكم المطعون فيه قد وصف الأفعال التي دان الطاعن عنها وبين واقعة الدعوى في شأنها بما ينطبق على حكم المواد 113/ 1، 118، 119/ 2، 119 مكرر 1/ هـ، 211، 214، 336/ 1 من قانون العقوبات وأوقع على الطاعن عقوبة جناية الاستيلاء بغير حق على مال إحدى الهيئات العامة باعتبارها العقوبة الأشد عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات فلا يقدح في ذلك إيراد الحكم لعبارة "من قانون الإجراءات الجنائية" بعد تسجيله لمواد العقاب على النحو السالف إذ لا يعدو ذلك - في صورة الدعوى - مجرد خطأ مادي تمثل في ذكر قانون الإجراءات الجنائية بدلاً من قانون العقوبات - الذي يدرك للوهلة الأولى باعتباره الأساس الأصيل للعقاب - مما لا يترتب عليه بطلان الحكم ويكون منعى الطاعن في هذا الخصوص غير سديد، وحسب محكمة النقض أن تصحح الخطأ الذي وقع فيه الحكم المطعون فيه باستبدال عبارة "من قانون العقوبات" بعبارة "من قانون الإجراءات الجنائية" سالفة البيان وذلك عملاً بالمادة 40 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض - لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.