أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
الجزء الثاني - السنة 38 - صـ 922

جلسة 1 من نوفمبر سنة 1987

برياسة السيد المستشار/ صلاح خاطر نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مسعود السعداوي وطلعت الاكيابى ومحمود عبد العال ومحمود عبد الباري.

(170)
الطعن رقم 2915 لسنة 57 القضائية

(1) اختصاص "الاختصاص الولائي". أحداث. محكمة الجنايات "اختصاصها". نظام عام. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع بعدم اختصاص محكمة الجنايات بمحاكمة المتهم الحدث. متصل بالولاية. جواز إثارته لأول مرة أمام النقض. شرط ذلك؟
(2) حريق عمد. سرقة. فاعل أصلي. مسئولية جنائية. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
مساهمة الشخص بفعل من الأفعال المكونة للجريمة. كفايته لاعتباره فاعلاً أصلياً فيها.
مثال.
(3) دفوع "الدفع ببطلان القبض والتفتيش". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع ببطلان القبض والتفتيش. عدم جواز إبدائه لأول مرة أمام النقض. إلا إذا كانت مدونات الحكم تحمل مقوماته. أساس ذلك؟
النعي على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يثر أمامها. لا يقبل.
(4) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي. حد ذلك؟
(5) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الخطأ في الإسناد الذي يعيب الحكم. ماهيته؟
(6) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "بيانات التسبيب" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة أن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها.
عدم التزام المحكمة بسرد روايات الشاهد المتعددة. حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه تطرح ما عداه.
للمحكمة أن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ما دامت قد اطمأنت إليها. دون التزام بتحديد موضع الدليل من أوراق الدعوى. ما دام له أصل فيها.
(7) إثبات "بوجه عام" "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الشهادة. ورودها على الحقيقة المراد إثباتها بكافة عناصرها. غير لازم. كفاية أن تؤدي إليها باستنتاج سائغ تجريه المحكمة.
الجدل الموضوعي في تقدير الأدلة. غير جائز أمام النقض.
(8) دعوى مدنية. "نظرها والحكم فيها". مسئولية مدنية. تعويض. ضرر. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
جواز الحكم بإلزام متهم وحده بتعويض كل الضرر الناشئ عن ارتكابه جريمة. ولو كان غيره قد ارتكبها معه.
1 - حيث إنه عما يثيره الطاعن الأول من أنه كان حدثاً وقت وقوع الجريمة بما يجعل محكمة الجنايات العادية غير مختصة بمحاكمته الأمر الذي لم تفطن إليه محكمة الجنايات، فإنه ولئن كان هذا الدفع مما يتصل بالولاية وهو متعلق بالنظام العام ويجب على المحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها ويجوز الدفع به في أية حالة تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض ولها أن تقضي هي فيه من تلقاء نفسها بغير طلب وتنقض الحكم لمصلحة المتهم طبقاً للحق المقرر لها بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض إلا أن ذلك مشروط بأن تكون عناصر المخالفة ثابتة في الحكم المطعون فيه بغير حاجة إلى إجراء تحقيق موضوعي. لما كان ذلك، وكانت مدونات الحكم المطعون فيه خالية مما ينتفي به موجب اختصاص محكمة الجنايات العادية قانوناً بمحاكمة الطاعن الأول وليس فيها ما يظاهر ما يدعيه هذا الأخير من أنه كان حدثاً وقت مقارفته الجريمتين المسندتين إليه وكان هذا الطاعن لم يدفع أمام محكمة الموضوع بعدم اختصاصها ولائياًًًًًًً بنظر الدعوى فإنه لا يجوز له أن يثير هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض ولو تعلق بالنظام العام لكونه يحتاج إلى تحقيق موضوعي يخرج عن وظيفتها.
2 - من المقرر أنه يكفي في صحيح القانون لاعتبار الشخص فاعلاً أصلياً في الجريمة أن يساهم بفعل من الأفعال المكونة لها، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن الأول أنه اتفق مع المتهمين الآخرين على مقارفة الجريمتين المسندتين إليه ونفاذاً لذلك صحب المتهم الحدث عند ذهابه إلى المحل وساعده في الدخول إليه وأعاد غلق بابه عليه وانتظره في الخارج لمراقبة الطريق حتى تمكن المتهم الحدث من الاستيلاء على المسروقات وقام بإشعال النيران فيه إتماماً للخطة المتفق عليها بينهم، فإن هذا يكفي لاعتبار الطاعن الأول فاعلاً أصلياً في جريمتي الحريق العمد والسرقة ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون في غير محله.
3 - لما كان لا يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن الثاني والمدافع عنه أبدى أي دفع ببطلان القبض عليه وتفتيشه وكان من المقرر أنه لا يجوز إثارة هذا الدفوع لأول مرة أمام محكمة النقض ما دامت مدونات الحكم لا تحمل مقوماته لأنه من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع وتقتضي تحقيقاً موضوعياً مما لا شأن لمحكمة النقض به كما أن الطاعن الأول لم يثر بجلسات المحاكمة أن أقواله أو أقوال المتهم الحدث بالتحقيقات صدرت تحت تأثير الإكراه، فإنه لا يكون له بعد النعي على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يثر أمامها ولا يقبل منه التحدي بذلك الدفاع الموضوعي لأول مرة أمام محكمة النقض ويضحى ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد غير مقبول.
4 - من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي وفي كل شبهة يثيرها والرد عليها ما دام الرد مستفاداً ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم فإن ما يثيره الطاعن من التفات الحكم عن دفاعه الموضوعي الذي أثاره في طعنه يكون غير سديد.
5 - من المقرر أن الخطأ في الإسناد الذي يعيب الحكم هو الذي يقع فيما هو مؤثر في عقيدة المحكمة التي خلصت إليها وكان ما يثيره الطاعن الأول من عدم ذكر الضابط أنه ضبط بعض المسروقات لدى الشاهد...... خلافاً لما أثبته الحكم المطعون فيه فإنه - بفرض تردي الحكم في هذا الخطأ - فإنه لا يمس جوهر الواقعة ولا أثر له في منطقه أو النتيجة التي خلص إليها، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون على غير أساس.
6 - من المقرر أن محكمة الموضوع لا تلتزم بحسب الأصل بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها وأنها غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه ولها أن تعول على أقواله في أية مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة ما دامت قد اطمأنت إليها ودون أن تلتزم بتحديد موضع الدليل من أوراق الدعوى ما دام له أصل في الأوراق.
7 - من المقرر أنه لا يشترط في شهادة الشهود أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله الشهود بالقدر الذي رووه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن ما يثيره الطاعن الثاني في هذا الشأن لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير المحكمة للأدلة القائمة في الدعوى وهو من اطلاقاتها ولا يجوز مصادرتها فيه لدى محكمة النقض.
8 - من المقرر أنه ليس ثمة ما يمنع قانوناً من إلزام متهم وحده بتعويض كل الضرر الناشئ عن ارتكابه جريمة ولو كان غيره قد ارتكبها معه - وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره - فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما أولاً: المتهم الأول (1) وضع ناراً عمداً مع آخر "حدث" في المحل المبين بالتحقيقات بأن أشعل النيران في كومة من القماش والورق فامتدت إلي محتويات المحل فأمسكت بها وأحرقتها (2) سرق مع آخر "حدث" الأشياء المبينة وصفاً وقيمة بالتحقيقات المملوكة لـ..... وذلك من مكان مسور عن طريق الكسر من الخارج. المتهم الثاني: اشترك بطريق التحريض والاتفاق مع الأول والحدث في ارتكاب الجريمتين آنفتي البيان بأن حرضهما واتفق معهما على ارتكابهما فوقعت الجريمتان بناء على هذا التحريض وذلك الاتفاق وأحالتهما إلي محكمة جنايات القاهرة لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعت المجني عليها مدنياً قبل المتهمين بمبلغ 101 جنيهاًًً على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاًًً بالمواد 40 أولاً، ثانياً، 41/ 1، 253، 317/ ثانياً، رابعاً، خامساً من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 32 من ذات القانون بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات عما أسند إليهما وفي الدعوى المدنية بإلزامها بأن يدفعا للمدعية بالحقوق المدنية مبلغ 101 جنيهاًًًً على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن الأول بجريمتي الحريق العمد والسرقة ودان الطاعن الثاني بالاشتراك في هاتين الجريمتين قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ذلك بأن المحكمة لم تستظهر سن الطاعن الأول بالرغم من أنه كان حدثاً وقت الحادث مما ينعقد الاختصاص بمحاكمته، لمحكمة الأحداث، ودانته بوصفه فاعلاً أصلياً في حين أن الأفعال التي أسندها الحكم له لا تعدو الاشتراك في جريمة السرقة وحدها، وجاء رد الحكم على الدفع ببطلان اعترافه هو والمتهم الحدث قاصراً كما أغفل الرد على الدفع المبدى من الطاعن الثاني ببطلان القبض والتفتيش، والتفت عن دفاع الطاعن الأول القائم على قبوله بإخفاء المسروقات بمنزله كرهاً بعد تهديد المتهم الحدث له بمد الاتهام إليه ونسب الحكم إلى الضابط قوله أنه وجد بعض المسروقات لدى الشاهد...... خلافاً للثابت في الأوراق، كما عول في إدانة الطاعن على أقوال الشهود رغم أنها لا تفيد أن المبيعات متحصلة من سرقة لأنه يتجر في مثلها ورغم تباين أقوال أحدهم في التحقيق عنها في محضر الجلسة ولم يعرض الحكم لأقوال شقيقه رغم دلالتها في عدم صدق اعتراف المتهم الحدث عليه لخلاف بينهما، وقضى الحكم بالتعويض في الدعوى المدنية دون بيان عناصرها من خطأ وضرر ورابطة سببية ودون إدخال المسئول عن المتهم الحدث - كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إنه عما يثيره الطاعن الأول من أنه كان حدثاً وقت وقوع الجريمة بما يجعل محكمة الجنايات العادية غير مختصة بمحاكمته الأمر الذي لم تفطن إليه محكمة الجنايات، فإنه ولئن كان هذا الدفع مما يتصل بالولاية وهو متعلق بالنظام العام ويجب على المحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها ويجوز الدفع به في أية حالة تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض ولها أن تقضي هي فيه من تلقاء نفسها بغير طلب وتنقض الحكم لمصلحة المتهم طبقاً للحق المقرر لها بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض إلا أن ذلك مشروط بأن تكون عناصر المخالفة ثابتة في الحكم المطعون فيه بغير حاجة إلى إجراء تحقيق موضوعي. لما كان ذلك، وكانت مدونات الحكم المطعون فيه خالية مما ينتفي به موجب اختصاص محكمة الجنايات العادية قانوناً بمحاكمة الطاعن الأول وليس فيها ما يظاهر ما يدعيه هذا الأخير من أنه كان حدثاً وقت مقارفته الجريمتين المسندتين إليه وكان هذا الطاعن لم يدفع أمام محكمة الموضوع بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى فإنه لا يجوز له أن يثير هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض ولو تعلق بالنظام العام لكونه يحتاج إلى تحقيق موضوعي يخرج عن وظيفتها ومن ثم يضحى ما يثيره الطاعن الأول في شأن اختصاص محكمة الأحداث بمحاكمته على غير سند. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتي الحريق العمد والسرقة والاشتراك فيهما التي دان الطاعنين بها وأقام عليها في حقهما أدلة مستمدة من أقوال الشهود واعتراف الطاعنين بمحضر الشرطة ومن تقرير مصلحة الأدلة الجنائية وهي أدلة كافية وسائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يكفي في صحيح القانون لاعتبار الشخص فاعلاً أصلياً في الجريمة أن يساهم بفعل من الأفعال المكونة لها، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن الأول أنه اتفق مع المتهمين الآخرين على مقارفة الجريمتين المسندتين إليه ونفاذاً لذلك صحب المتهم الحدث عند ذهابه إلى المحل وساعده في الدخول إليه وأعاد غلق بابه عليه وانتظره في الخارج لمراقبة الطريق حتى تمكن المتهم الحدث من الاستيلاء على المسروقات وقام بإشعال النيران فيه إتماماً للخطة المتفق عليها بينهم، فإن هذا يكفي لاعتبار الطاعن الأول فاعلاً أصلياً في جريمتي الحريق العمد والسرقة ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون في غير محله, لما كان ذلك، وكان لا يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن الثاني والمدافع عنه أبدى أي دفع ببطلان القبض عليه وتفتيشه وكان من المقرر أنه لا يجوز إثارة هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض ما دامت مدونات الحكم لا تحمل مقوماته لأنه من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع وتقتضي تحقيقاً موضوعياً مما لا شأن لمحكمة النقض به كما أن الطاعن الأول لم يثر بجلسات المحاكمة أن أقواله أو أقوال المتهم الحدث بالتحقيقات صدرت تحت تأثير الإكراه، فإنه لا يكون له بعد النعي على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يثر أمامها ولا يقبل منه التحدي بذلك الدفاع الموضوعي لأول مرة أمام محكمة النقض ويضحى ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد غير مقبول. لما كان ذلك وكان من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بمتابعه المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي وفي كل شبهة يثيرها والرد عليها ما دام الرد مستفاداً ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم فإن ما يثيره الطاعن من التفات الحكم عن دفاعه الموضوعي الذي أثاره في طعنه يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الخطأ في الإسناد الذي يعيب الحكم هو الذي يقع فيما هو مؤثر في عقيدة المحكمة التي خلصت إليها وكان ما يثيره الطاعن الأول من عدم ذكر الضابط أنه ضبط بعض المسروقات لدى الشاهد...... خلافاً لما أثبته الحكم المطعون فيه فإنه - بفرض تردي الحكم في هذا الخطأ - فإنه لا يمس جوهر الواقعة ولا أثر له في منطقه أو النتيجة التي خلص إليها، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن محكمة الموضوع لا تلتزم بحسب الأصل بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها وأنها غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه ولها أن تعول على أقواله في أية مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة ما دامت قد اطمأنت إليها ودون أن تلتزم بتحديد موضع الدليل من أوراق الدعوى ما دام له أصل في الأوراق, وكان لا يشترط في شهادة الشهود أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله الشهود بالقدر الذي رووه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن ما يثيره الطاعن الثاني في هذا الشأن لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير المحكمة للأدلة القائمة في الدعوى وهو من اطلاقاتها ولا يجوز مصادرتها فيه لدى محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه قد بين عناصر المسئولية المدنية في الدعوى المرفوعة بالتبعية للدعوى الجنائية وأحاط بها إحاطة كافية وبين أركان المسئولية التقصيرية من خطأ وضرر ورابطة سببية وإذ كان من المقرر أنه ليس ثمة ما يمنع قانوناً من إلزام متهم وحده بتعويض كل الضرر الناشئ عن ارتكابه جريمة ولو كان غيره قد ارتكبها معه - وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره - فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.