أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
الجزء الثاني - السنة 38 - صـ 948

جلسة 12 من نوفمبر سنة 1987

برياسة السيد المستشار/ حسن جمعه نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ أحمد أبو زيد ومصطفى طاهر نائبي رئيس المحكمة وحسن عميره وصلاح البرجى.

(174)
الطعن رقم 2853 لسنة 57 القضائية

(1) قتل عمد. إحالة. بطلان. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
قرار الإحالة إجراء سابق على المحاكمة. الطعن ببطلانه لأول مرة أمام محكمة النقض. غير مقبول.
(2) حكم "بياناته" "تسبيبه. تسبيب غير معيب" تفتيش "إذن التفتيش "بياناته".
بيان سن المتهم وصناعته ومحل إقامته بالحكم أو بمحضر الجلسة الغرض منه؟ متى لا يكون إغفاله مؤثراً في الحكم؟
(3) إثبات "اعتراف" "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إكراه. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير صحة الاعتراف وقيمته في الإثبات. موضوعي. ما دام سائغاً.
تقدير قيمة الاعتراف واستقلاله عن الإجراء الباطل. موضوعي.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. عدم جواز إثارته أمام النقض.
(4) إجراءات "إجراءات المحاكمة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل" دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة. لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. النعي على المحكمة عدم ردها على دفاع لم يثر أمامها. غير جائز
(5) مأمور الضبط القضائي "اختصاصهم". أمر التفتيش "تنفيذه". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب" نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إغفال بيان صفة مأمور الضبط القضائي واختصاصه المكاني. لا يعيب الحكم. أساس ذلك؟
الأصل أن يباشر مأمور الضبط القضائي أعمال وظيفته في دائرة اختصاصه.
(6) تفتيش "الدفع ببطلان التفتيش". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب" محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". استدلال.
الادعاء ببطلان القبض لا يحول دون أخذ القاضي بعناصر الإثبات الأخرى غير المتصلة بالضبط. النعي ببطلان القبض لأول مرة أمام محكمة النقض. غير جائز.
(7) تحقيق. استجواب. بطلان. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". مأمور الضبط القضائي. قتل عمد.
المادة 29 إجراءات. إجازتها لمأمور الضبط القضائي سؤال المتهم عن التهمة دون استجوابه. الاستجواب المحظور عليه. ماهيته؟
(8) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". مأمور الضبط القضائي.
من يقوم بإجراء باطل لا تقبل منه الشهادة عليه.
ثبوت عدم بطلان الإجراءات التي قام بها الضابط. مفاده صحة الأخذ بأقواله والتي عولت والتي عليها المحكمة.
(9) قتل عمد. قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل أمر خفي. إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والمظاهر الخارجية التي تنم عنه. استخلاص توافره. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ للتدليل على توافر نية القتل في حق الطاعن.
(10) قتل عمد. مواقعة أثنى بغير رضاها. اقتران. ظروف مشددة. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عقوبة المادة 234/ 2 عقوبات. يكفي لتطبيقها. ثبوت استقلال الجريمة المقترنة عن جريمة القتل وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما.
المصاحبة الزمنية. مقتضاها؟ تقدير تحققها. موضوعي.
مثال.
1 - لما كان الثابت من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن أياً من الطاعن أو المدافع عنه لم يثر شيئاً بشأن بطلان أمر الإحالة وكان هذا الأمر إجراء سابقاً على المحاكمة فإنه لا يقبل من الطاعن إثارة أمر بطلانه لأول مرة أمام محكمة النقض ما دام أنه لم يدفع به أمام محكمة الموضوع.
2 - لما كان الغرض من ذكر البيانات الخاصة بسن المتهم وصناعته ومحل إقامته بالحكم أو بمحضر الجلسة هو التحقق من أنه هو الشخص الذي رفعت عليه الدعوى الجنائية وجرت محاكمته فإذا ما تحقق هذا الغرض من ذكر اسم المتهم ولقبه كما هو ثابت في الحكم ومحضر الجلسة وكان الطاعن لا ينازع في أنه هو الشخص المطلوب محاكمته ولم يدع أنه من الأحداث الذين لسنهم تأثير في مسئوليتهم أو عقابهم فإن إغفال هذا البيان لا يصح أن يكون سبباً في بطلان الحكم.
3 - لما كان الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، ولها أن تأخذ به متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للحقيقة والواقع كما أن لها أن تقدر عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه أو صدر منه على أثر إجراء باطل بغير معقب عليها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة، وكانت المحكمة قد خلصت في استدلال سائغ إلى سلامة الدليل المستمد من اعتراف الطاعن أمام النيابة لما رأته من مطابقته للحقيقة والواقع الذي استظهرته من باقي عناصر الدعوى وأدلتها ومن خلوه مما يشوبه وصدوره عنه طواعية واختياراًًً في غير رهبة من رجال الشرطة واطمأنت إلى صحته وسلامته باعتباره دليلاً مستقلاً عن الإجراءات السابقة عليه ومنبت الصلة بها فضلاً عن أن الحكم قد دحض حجة الطاعن بأنه احتجز بمقر الشرطة لفترة بغير حق قبل عرضه على النيابة بما أثبته من أنه مثل أمام النيابة العامة في ذات اليوم الذي تم فيه ضبطه وهو ما لا يماري فيه الطاعن فإن ما يثيره من مجادلة في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي في سلطة المحكمة في تقدير الأدلة مما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض.
4 - من المقرر أن تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، وإذ كان الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يدفع أمام محكمة الموضوع بأن اعترافه سالف الذكر قد جاء وليد قبض باطل لحصوله بدون إذن من النيابة العامة وفي غير حالات التلبس ونتيجة استجواب مأمور الضبط القضائي له - وهو ما أثاره جديداً في طعنه - وكان الظاهر من الحكم أن المحكمة كانت متفطنة إلى أساس الدفع ببطلان اعتراف الطاعن - على خلاف ما يدعيه في طعنه - وكان الحكم قد فند الدفاع المثار بأسباب سائغة فليس للطاعن أن ينعى على المحكمة عدم ردها على دفاع لم يثر لديها ولا يقبل منه الدفع بشيء من ذلك أمام محكمة النقض لأول مرة.
5 - لما كان إغفال بيان صفة مأمور الضبط القضائي واختصاصه المكاني لا يعيب الحكم إذ ليس في القانون ما يوجب ذكر هذا البيان مقروناً بشهادته لأن الأصل في الإجراءات الصحة وأن يباشر رجل الضبط القضائي إعماله في حدود اختصاصه.
6 - من المقرر أنه لا يمنع المحكمة من الاعتماد على أقوال رجل الضبط القضائي فيما باشره من إجراءات ونمى إليه من معلومات فيما لا يتصل بالقبض المدعي ببطلانه فلا تثريب على الحكم إذا هو عول على أقوال الضابط فيما قام به من تحريات سابقة على الضبط ومع ذلك فإن الطاعن لم يدفع ببطلان القبض عليه لعدم توافر حالة التلبس كما جاء جديداً بأسباب طعنه على نحو ما سلف بيانه فلا يسوغ له أن يدعي أمر هذا البطلان لأول مرة أمام محكمة النقض.
7 - من المقرر أن لمأمور الضبط القضائي عملاً بالمادة 29 من قانون الإجراءات الجنائية أن يسأل المتهم عن التهمة المسندة إليه دون أن يستجوبه تفصيلاً، وكان الاستجواب المحظور هو الذي يواجه فيه المتهم بأدلة الاتهام التي تساق عليه دليلاً دليلاً ليقول كلمته فيها تسليماً بها أو دحضاً لها.
8 - لما كان الأصل أن من يقوم بإجراء باطل لا تقبل منه الشهادة عليه ولا يكون ذلك إلا عند قيام البطلان وثبوته ومتى كان لا بطلان فيما قام به الضابط من سؤال الطاعن عن التهمة المسندة فأقر له بها فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي عولت على أقواله ضمن ما عولت عليه في إدانة الطاعن ويكون النعي على الحكم في هذا الصدد غير قويم.
9 - من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذه النية موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية. ولما كان الحكم بعد أن أثبت إصابة المجني عليها نقلاً عن تقرير الصفة التشريحية على النحو المار ذكره استظهر نية القتل وأثبت توافرها في حق الطاعن بقوله "وحيث إنه عن نية القتل فهي ثابتة في حق المتهم من ظروف الدعوى وملابساتها ومن طعن المجني عليها بآلة صلبة حادة من شأنها إحداث القتل وقد أحدثته فعلاً ومن طعن المجني عليها في عنقها أي في مقتل منها مما يؤكد أن المتهم قد قصد من ذلك قتلها خشية افتضاح أمره" فإن هذا حسبه للتدليل على نية القتل حسبما هي معرفة به في القانون.
10 - لما كان يكفي لتغليظ العقاب عملاً بالمادة 234/ 2 من قانون العقوبات أن يثبت الحكم استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما بأن تكون الجنايتان قد ارتكبتا في وقت واحد وفي فترة قصيرة من الزمن. ولما كانت جناية قتل المجني عليها قد تقدمتها جناية الشروع في مواقعتها بغير رضاها وقد جمعتهما رابطة الزمنية - وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره - بما يتحقق به معنى الاقتران المنصوص عنه في الفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات التي أنزل الحكم بموجبها العقاب على الطاعن مع إعمال المادة 17 من قانون العقوبات فإن الحكم المطعون فيه يكون قد طبق مادة القانون تطبيقاً صحيحاً على واقعة الدعوى.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: قتل.... عمداً من غير سبق إصرار ولا ترصد بأن طعنها بآلة حادة (سكين) في عنقها فأحدث بها إصابتها الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أنه في ذات المكان والزمان سالفي الذكر شرع في مواقعه المجني عليها سالفة الذكر بغير رضاها بأن طلب إليها الفحشاء ورفع عنها سروالها وطرحها أرضاً فاستعصمت وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو رفض المجني عليها ومقاومتها له. وأحالته إلي محكمة جنايات شبين الكوم لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
وادعى والدا المجني عليها مدنياً قبل والد المتهم بصفته ولياً طبيعياًً علي ابنه بمبلغ مائة ألف جنيه علي سبيل التعويض.
ومحكمة جنايات شبين الكوم قضت حضورياً عملاً بالمواد 45، 46، 234/ 1 - 2، 267/ 1 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وبإحالة الدعوى المدنية إلي محكمة شبين الكوم الابتدائية المختصة.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجناية القتل العمد المقترن بجناية الشروع في مواقعه أثنى بغير رضاها قد لحقه البطلان وشابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون ذلك بأن أمر الإحالة قد خلا من بيان اسم المتهم ولقبه وسنه وصناعته ومحل إقامته كما خلا الحكم ومحضر الجلسة من هذه البيانات الجوهرية التي أوجب القانون ذكرها، هذا إلي أن الطاعن دفع ببطلان اعترافه بمحضر الشرطة لأنه جاء وليد إجراءات باطلة هي قيام مأمور الضبط القضائي بالقبض عليه بدون إذن من النيابة العامة وفي غير حالات التلبس ثم استجوبه وهو إجراء من إجراءات التحقيق المحظور عليه اتخاذها، كما أن اعترافه بتحقيق النيابة قد صدر عنه متأثراً بالإجراءات الباطلة إلا أن الحكم عول على الاعتراف واطرح هذا الدفاع استناداً إلي صدور الاعتراف عن إرادة حرة لا يشوبها إكراه وهو رد لا يتجه إلي الدفع الذي لم يتفطن الحكم إلي أساسه، كما اعتمد في الإدانة على شهادة الضابط دون أن يبين صفته واختصاصه المكاني مع أنه يمتنع قانوناًًًًًًًًًًً قبول شهادته على إجراء باطل قام به، يضاف إلي ذلك أن ما ساقه الحكم بياناً لنية القتل لا يكفي لاستظهارها وأخيراً فقد أخطأ الحكم إذ أعمل في حق الطاعن حكم المادة 234/ 2 من قانون العقوبات على خلاف ما أورده في ديباجته من نص المواد 45، 46، 267/ 1 من هذا القانون التي طلبت النيابة العامة تطبيقها وكل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها فأورد في هذا التحصيل ما مؤداه أن الطاعن قابل المجني عليها في حديقة يقوم على حراستها وطرحها أرضاً وخلع عنها سروالها بقصد مواقعتها بغير رضاها إلا أنها قاومته وهددته بإبلاغ والدها بما حدث فطعنها بسكين في رقبتها قاصداً قتلها خشية افتضاح أمره فأحدث بها الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها ثم جرد الجثة من ملابسها وأحرق الملابس لإخفاء شخصيتها وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها مستمد من اعتراف الطاعن بتحقيق النيابة بارتكابه الحادث على النحو المار ذكره ومن أقوال الرائد...... وتحرياته التي دلت على أن الطاعن هو مرتكب الحادث وإقراره له بمقارفته الجريمة ومما دل عليه تقرير الصفة التشريحية من أن إصابة المجني عليها بالعنق ذبحه حيوية حديثة نشأت من جسم صلب حاد ذات حافة كمطواة أو سكين وتعزى الوفاة إلى الإصابة الذبحية الغائرة بالعنق وما أحدثته من تمزق بالأوعية الدموية الرئيسية بالرقبة والنزيف الغزير والصدمة ويشير وجود التمزق الحيوي الحديث بغشاء البكارة والسحجات الموصوفة بأنسجة الفخذ الأيمن إلى محاولة اعتداء جنسي على المجني عليها كما تشير الكدمات والسحج الظفري بالوجنه إلى محاولة كتم نفس المجني عليها أو منعها من الصياح، ثم خلص الحكم إلى إدانة الطاعن بجناية القتل العمد المقترن بجناية الشروع في مواقعة أنثى بغير رضاها المعاقب عليها بالمادة 234/ 2 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان الثابت من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن أياً من الطاعن أو المدافع عنه لم يثر شيئاً بشأن بطلان أمر الإحالة وكان هذا الأمر إجراء سابقاً على المحاكمة فإنه لا يقبل من الطاعن إثارة أمر بطلانه لأول مرة أمام محكمة النقض ما دام أنه لم يدفع به أمام محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكان الغرض من ذكر البيانات الخاصة بسن المتهم وصناعته ومحل إقامته بالحكم أو بمحضر الجلسة هو التحقق من أنه هو الشخص الذي رفعت عليه الدعوى الجنائية وجرت محاكمته فإذا ما تحقق هذا الغرض من ذكر اسم المتهم ولقبه كما هو ثابت في الحكم ومحضر الجلسة وكان الطاعن لا ينازع في أنه هو الشخص المطلوب محاكمته ولم يدع أنه من الأحداث الذين لسنهم تأثير في مسئوليتهم أو عقابهم فإن إغفال هذا البيان لا يصح أن يكون سبباً في بطلان الحكم ويكون النعي عليه بذلك غير سديد. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن دفع ببطلان اعتراف المتهم لصدوره أثر القبض عليه وحبسه بمقر الشرطة حبساً باطلاً منذ....... إلى أن عرض على النيابة العامة بتاريخ...... وأن رئيس مباحث مديرية الأمن انتزع اعترافاً من الطاعن بطريق الإكراه والتعذيب وأن والد الطاعن الذي سبق إلى مديرية الأمن شهد بحصول هذا الإكراه, ويبين من الحكم المطعون فيه أنه لم يعول في قضائه على اعتراف للطاعن بمحضر الشرطة بل استند إلى اعترافه بتحقيق النيابة ورد على هذا الدفاع بقوله "وحيث إن ما أثاره المتهم مردود بأنه لا يوجد في الأوراق ما يشير من قريب أو بعيد إلى أن اعتراف المتهم كان وليد إكراه أو أنه احتجز فترة بغير حق فقد ضبط المتهم في يوم...... وعرض على النيابة العامة في ذات اليوم واعترف تفصيلاً أمام وكيل النيابة المحقق بعد أن أظهره على صفته ولم يذكر أنه تعرض لضغط من أي نوع أما ما ذكره والد المتهم في التحقيقات من أن اعتراف ابنه كان نتيجة إكراه فلم تؤد الأوراق إلى ثبوته أو صحته. وحيث إنه إزاء أدلة الثبوت سالفة البيان فإن المحكمة تلتفت عن تنكر المتهم لاعترافه وتأخذه به". لما كان ذلك، وكان الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، ولها أن تأخذ به متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للحقيقة والواقع كما أن لها أن تقدر عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه أو صدر منه على أثر إجراء باطل بغير معقب عليها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة، وكانت المحكمة قد خلصت في استدلال سائغ إلى سلامة الدليل المستمد من اعتراف الطاعن أمام النيابة لما رأته من مطابقته للحقيقة والواقع الذي استظهرته من باقي عناصر الدعوى وأدلتها ومن خلوه مما يشوبه وصدوره عنه طواعية واختياراً في غير رهبة من رجال الشرطة واطمأنت إلى صحته وسلامته باعتباره دليلاً مستقلاً عن الإجراءات السابقة عليه ومنبت الصلة بها فضلاً عن أن الحكم قد دحض حجة الطاعن بأنه احتجز بمقر الشرطة لفترة بغير حق قبل عرضه على النيابة بما أثبته من أنه مثل أمام النيابة العامة في ذات اليوم الذي تم فيه ضبطه وهو ما لا يماري فيه الطاعن فإن ما يثيره من مجادلة في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي في سلطة المحكمة في تقدير الأدلة مما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض, أما ما يثيره الطاعن على أساس الدفع ببطلان الاعتراف هو صدوره على أثر قبض واستجواب باطلين فمردود بما هو مقرر من أن تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، وإذ كان الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يدفع أمام محكمة الموضوع بأن اعترافه سالف الذكر قد جاء وليد قبض باطل لحصوله بدون إذن من النيابة العامة وفي غير حالات التلبس ونتيجة استجواب مأمور الضبط القضائي له - وهو ما أثاره جديداً في طعنه - وكان الظاهر من الحكم أن المحكمة كانت متفطنة إلى أساس الدفع ببطلان اعتراف الطاعن - على خلاف ما يدعيه في طعنه - وكان الحكم قد فند الدفاع المثار بأسباب سائغة فليس للطاعن أن ينعى على المحكمة عدم ردها على دفاع لم يثر لديها ولا يقبل منه الدفع بشيء من ذلك أمام محكمة النقض لأول مرة - لما كان ذلك، وكان إغفال بيان صفة مأمور الضبط القضائي واختصاصه المكاني لا يعيب الحكم إذ ليس في القانون ما يوجب ذكر هذا البيان مقروناً بشهادته لأن الأصل في الإجراءات الصحة وأن يباشر رجل الضبط القضائي أعماله في حدود اختصاصه وهو ما لم يجحده الطاعن أو ينازع فيه سواء أمام محكمة الموضوع أو في أسباب طعنه فإن ما ينعاه في هذا الشأن لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الحكم قد حصل أقوال الضابط التي استند إليها في قضائه بما مؤداه أنه قام بإجراء التحريات التي كشفت عن أن الطاعن هو مرتكب الحادث فقام بضبطه وبمواجهته بتحرياته اعترف له بارتكابه الجريمة، وإذ كان لا يمنع المحكمة من الاعتماد على أقوال رجل الضبط القضائي فيما باشره من إجراءات ونمى إليه من معلومات فيما لا يتصل بالقبض المدعي ببطلانه فلا تثريب على الحكم إذا هو عول على أقوال الضابط فيما قام به من تحريات سابقة على الضبط ومع ذلك فإن الطاعن لم يدفع ببطلان القبض عليه لعدم توافر حالة التلبس كما جاء جديداً بأسباب طعنه على نحو ما سلف بيانه فلا يسوغ له أن يدعي أمر هذا البطلان لأول مرة أمام محكمة النقض، كما أنه من المقرر أن لمأمور الضبط القضائي عملاً بالمادة 29 من قانون الإجراءات الجنائية أن يسأل المتهم عن التهمة المسندة إليه دون أن يستجوبه تفصيلاً، وكان الاستجواب المحظور هو الذي يواجه فيه المتهم بأدلة الاتهام التي تساق عليه دليلاً دليلاً ليقول كلمته فيها تسليماً بها أو دحضاً لها، وكانت أقوال الضابط كما أوردها الحكم تفيد أنه واجه الطاعن بتحرياته فأقر له بالتهمة وهو ما لا يعد استجواباً محظوراً عليه، وكان الأصل أن من يقوم بإجراء باطل لا تقبل منه الشهادة عليه ولا يكون ذلك إلا عند قيام البطلان وثبوته ومتى كان لا بطلان فيما قام به الضابط من سؤال الطاعن عن التهمة المسندة فأقر له بها فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي عولت على أقواله ضمن ما عولت عليه في إدانة الطاعن ويكون النعي على الحكم في هذا الصدد غير قويم. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذه النية موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية. ولما كان الحكم بعد أن أثبت إصابة المجني عليها نقلاً عن تقرير الصفة التشريحية على النحو المار ذكره استظهر نية القتل وأثبت توافرها في حق الطاعن بقوله "وحيث إنه عن نية القتل فهي ثابتة في حق المتهم من ظروف الدعوى وملابساتها ومن طعن المجني عليها بآلة صلبة حادة من شأنها إحداث القتل وقد أحدثته فعلاً ومن طعن المجني عليها في عنقها أي في مقتل منها مما يؤكد أن المتهم قد قصد من ذلك قتلها خشية افتضاح أمره" فإن هذا حسبه للتدليل على نية القتل حسبما هي معرفة به في القانون ويكون النعي عليه بالقصور أو الفساد في الاستدلال في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان الثابت من ديباجة الحكم ومدوناته أن الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة والتي كانت مطروحة بالجلسة هي القتل العمد المقترن بجناية الشروع في مواقعة أنثى بغير رضاها وكان ما ورد بديباجة الحكم من الإشارة إلى المواد 45، 46، 267/ 1 من قانون العقوبات بنهاية وصف التهمة المرفوعة بها الدعوى إنما ينصرف إلى مواد القانون المنطبقة على الجناية المقترنة, وكان يكفي لتغليظ العقاب عملاً بالمادة 234/ 2 من قانون العقوبات أن يثبت الحكم استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما بأن تكون الجنايتان قد ارتكبتا في وقت واحد وفي فترة قصيرة من الزمن. ولما كانت جناية قتل المجني عليها قد تقدمتها جناية الشروع في مواقعتها بغير رضاها وقد جمعتهما رابطة الزمنية - وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره - بما يتحقق به معنى الاقتران المنصوص عنه في الفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات التي أنزل الحكم بموجبها العقاب على الطاعن مع إعمال المادة 17 من قانون العقوبات فإن الحكم المطعون فيه يكون قد طبق مادة القانون تطبيقاً صحيحاً على واقعة الدعوى ويكون النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون لا وجه له. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.