أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
الجزء الثاني - السنة 38 - صـ 960

جلسة 12 من نوفمبر سنة 1987

برياسة السيد المستشار/ قيس الرأي عطيه نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد نجيب صالح نائب رئيس المحكمة وصلاح عطيه وعبد اللطيف أبو النيل وعمار إبراهيم.

(175)
الطعن رقم 3604 لسنة 57 القضائية

(1) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي. الأخذ بشهادة شاهد مفاده: اطراح جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لعدم الأخذ بها.
حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب. بيانات التسبيب".
(2) إثبات "بوجه عام". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره".
عدم التزام المحكمة بتتبع أوجه دفاع المتهم. والرد عليها رداً صريحاً. كفاية استفادته من أدلة الثبوت.
(3) رشوة. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق محكمة الموضوع في تكوين عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر الدعوى.
مثال لتسبيب سائغ للتدليل على أن المبلغ الذي قبضه الطاعن كان على سبيل الرشوة.
(4) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إجراءات "إجراءات المحاكمة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات "بوجه عام" "اعتراف". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حرية القاضي الجنائي في تكوين اقتناعه من أي دليل له مأخذه في الأوراق.
للمحكمة الأخذ بأقوال المتهم في حق نفسه أو في حق غيره من المتهمين ولو عدل عنها فيما بعد.
(5) إثبات "شهود" "شهادة". إجراءات "إجراءات المحاكمة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
تكامل عناصر الشهادة بحلف اليمين. لا ينفي عن الأقوال التي تدلي بغير حلفه أنها شهادة. أساس ذلك؟
(6) إثبات "بوجه عام" "شهود".
قول متهم على آخر. حقيقته شهادة. للمحكمة التعويل عليها.
(7) رشوة. عقوبة. مصادرة. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
وجوب تفسير نص المادة 110 عقوبات على هدي نص المادة 30/ 1 من القانون المذكور.
مقتضى المادة 110 من قانون العقوبات يوجب لصحة الحكم بالمصادرة أن يكون موضوعها شيئاً دفع ممن يصدق عليه وصف الراشي أو الوسيط.
استقطاع مبلغ الرشوة من الرقابة الإدارية. عدم جواز القضاء بمصادرة المبلغ.
1 - من المقرر أن وزن أقوال الشاهد وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزل المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادته فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
2 - من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي وتعقبها في كل جزئية منها للرد عليها رداً صريحاً، وإنما يكفي أن يكون الرد مستفاداً من أدلة الثبوت التي عولت عليها في حكمها.
3 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر الدعوى وكانت المحكمة قد استخلصت من الأدلة السائغة التي أوردتها أن المبلغ الذي قبضه الطاعن كان على سبيل الرشوة للإخلال بواجبات وظيفته فإن ما يثيره الطاعن بشأن التفات المحكمة عن دفاعه في هذا الصدد يكون في غير محله.
4 - الأصل أن القاضي الجنائي حر في أن يستمد اقتناعه من أي دليل يطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح من الأوراق وأن من حقه أن يأخذ في هذا الشأن بأقوال المتهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين وإن عدل عنها بعد ذلك ما دام قد اطمأن إليها فإنه لا يقبل من الطاعن ما يثيره في طعنه في أمر يتصل بتقدير محكمة الموضوع ومحاولة مصادرتها في عقيدتها.
5 - من المقرر أنه وإن كانت الشهادة لا تتكامل عناصرها قانوناً إلا بحلف الشاهد اليمين إلا إن ذلك لا ينفي عن الأقوال التي يدلي بها الشاهد بغير حلفه أنها شهادة وقد اعتبر القانون في المادة 283 من قانون الإجراءات الجنائية الشخص شاهداً بمجرد دعوته لأداء الشهادة سواء أداها بعد أن يحلف اليمين أو دون أن يحلفها ومن حق محكمة الموضوع أن تعتمد على أقوال هؤلاء الشهود إذ مرجع الأمر كله إلى ما تطمئن إليه من عناصر الاستدلال.
6 - قول متهم على آخر هو في حقيقة الأمر شهادة يسوغ للمحكمة أن تعول عليها.
7 - لما كانت المادة 110 من قانون العقوبات قد نصت على أنه "يحكم في جميع الأحوال بمصادرة ما يدفعه الراشي أو الوسيط على سبيل الرشوة طبقاً للمواد السابقة". وقد أضيفت هذه المادة إلى قانون العقوبات بمقتضى القانون رقم 69 لسنة 1953 الصادر في 19 من فبراير سنة 1953. وجاء في مذكرته الإيضاحية تعليقاً عليها ما نصه. "ونصت المادة 110 من المشروع صراحة على عقوبة مصادرة ما دفعه الراشي على سبيل الرشوة وقد كانت المحاكم تطبق من قبل نص الفقرة الأولى من المادة 30 من قانون العقوبات التي تجيز بصفة عامة الحكم بمصادرة الأشياء التي تحصلت من الجريمة". والبين من النص في صريح لفظه وواضح دلالته، ومن عبارة المذكرة الإيضاحية أن جزاء المصادرة المنصوص عليه فيه عقوبة، وهي بهذه المثابة لا توقع إلا في حق من يثبت عليه أنه قارف الجريمة فاعلاً كان أو شريكاً ولا تتعدى إلى غيره ممن لا شأن له بها وأن الشارع افترض توقيع هذه العقوبة على سبيل الوجوب. بعد أن كان الأمر فيها موكولاً إلى ما هو مقرر في الفقرة الأولى من المادة 30 من قانون العقوبات من جواز الحكم بها اعتباراً بأن الأشياء التي ضبطت على سبيل الرشوة قد تحصلت من الجريمة مع ملاحظة التحفظ الوارد في ذات الفقرة من عدم المساس بحقوق الغير حسن النية. وبذلك فإن حكم المادة 110 من قانون العقوبات يجب أن يفهم في ضوء ما هو مقرر في الفقرة الأولى من المادة 30 من قانون العقوبات التي توجب كأصل عام حماية حقوق الغير حسن النية. ويندرج تحت معنى الغير كل من كان أجنبياً عن الجريمة. هذا بالإضافة إلى أن نص المادة 110 من قانون العقوبات قد استوجب لصحة الحكم بالمصادرة أن يكون موضوعها شيئاً دفع ممن يصدق عليه أنه راشي أو وسيط فإذا كان مبلغ الرشوة قد استقطع من مال الرقابة الإدارية بعد أن تلقت بلاغ المجني عليه في حق الموظف المرتشي - كما هو الحال في واقعة الدعوى - فهي في حقيقة الأمر ليست راشية وبالتالي لا يصح القضاء بمصادرة المبلغ الذي اقتطع منها ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ أغفل القضاء بمصادرة مبلغ الرشوة المضبوط حماية لحقوقها يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين بأنه أولاً: بصفته موظفاً عمومياً (أستاذ بكلية الهندسة - جامعة القاهرة) طلب لنفسه وأخذ عطية للإخلال بواجبات وظيفته بأن طلب لنفسه من كل من....... و........ و....... و....... و......... و.......... و........ و........ مبلغ خمسمائة جنيه أخذه كاملاً من أولهم وأخذ من الثاني مبلغ مائتي جنيه ومن كل من الباقي مبلغ مائتين وخمسين جنيهاً - علي سبيل الرشوة - مقابل منحهم بغير حق - درجات مرتفعة في اختبارات أعمال السنة وإفشائه لهم أسئلة اختبارات نصف العام ونهايته في مادتي اقتصاديات البترول والنقل والتخزين اللتين يقوم بتدريسهما. ثانياً: بصفته السابقة طلب لنفسه وأخذ عطية للإخلال بواجبات وظيفته بأن طلب لنفسه وأخذ من كل من...... و...... و...... و...... و...... و...... و...... مبلغ مائتين وخمسين جنيهاًًًًًً على سبيل الرشوة مقابل إفشائه لهم أسئلة اختبار مادة هندسة الإنتاج وضمان نجاحهم فيها بغير حق. ثالثاً: بصفته السابقة طلب لنفسه وأخذ عطية للإخلال بواجبات وظيفته بأن طلب لنفسه وأخذ من....... مبلغ مائتين وخمسين جنيهاً مقابل إفشائه له أسئلة اختبارات نهاية العام لمادة الحفر ولضمان نجاحه فيها بغير حق. المتهمون الآخرون: - قدموا رشوة للمتهم - الطاعن - على النحو المبين بالتهم السابقة للإخلال بواجبات وظيفته. وأحالتهم إلي محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 103، 104، 107 مكرراً من قانون العقوبات مع تطبيق المادتين 32/ 2، 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهم (الطاعن) بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمه ألفي جنيه.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الرشوة قد شابه الفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع وانطوى على خطأ في تطبيق القانون. ذلك بأنه أخذ بتصوير الشاهد....... - عضو الرقابة الإدارية - للواقعة مع أن الجريمة من اختلاقه وتدبيره واتخذ من المبلغ المضبوط مع الطاعن دليلاً مؤيداً لرواية الشاهد المذكور مع أنه في حقيقته مقابل الدروس الخصوصية التي أعطاها الطاعن للمجني عليه وباقي المتهمين وهو ما قام عليه دفاع الطاعن بيد أن المحكمة لم تعرض له أو ترد عليه بما يفنده. هذا وقد عول الحكم في القضاء بالإدانة على ما قرره المتهمون الآخرون مع أنهم لم يحلفوا يميناً قبل إدلائهم بأقوالهم وأخيراً فقد أغفل الحكم مصادرة مبلغ الرشوة المضبوط على الرغم من وجوبه، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الرشوة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال..... عضو الرقابة الإدارية، و........ والدكتور....... ومن اعتراف باقي المتهمين بالتحقيقات وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك وكان من المقرر أن وزن أقوال الشاهد وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادته فإن ذلك يفيد إنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الشاهد الأول - عضو الرقابة الإدارية - فإن النعي على الحكم في شأن استدلاله بها يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل مما لا شأن لمحكمة النقض به. لما كان ذلك وكان من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي وتعقبها في كل جزئية منها للرد عليها رداً صريحاً، وإنما يكفي أن يكون الرد مستفاداً من أدلة الثبوت التي عولت عليها في حكمها. وكان من المقرر كذلك أن لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر الدعوى وكانت المحكمة قد استخلصت من الأدلة السائغة التي أوردتها أن المبلغ الذي قبضه الطاعن كان على سبيل الرشوة للإخلال بواجبات وظيفته فإن ما يثيره الطاعن بشأن التفات المحكمة عن دفاعه في هذا الصدد يكون في غير محله. لما كان ذلك وكان الأصل أن القاضي الجنائي حر في أن يستمد اقتناعه من أي دليل يطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح من الأوراق وأن من حقه أن يأخذ في هذا الشأن بأقوال المتهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين وإن عدل عنها بعد ذلك ما دام قد اطمأن إليها فإنه لا يقبل من الطاعن ما يثيره في طعنه في أمر يتصل بتقدير محكمة الموضوع ومحاولة مصادرتها في عقيدتها. فضلاً عما هو مقرر من أنه وإن كانت الشهادة لا تتكامل عناصرها قانوناً إلا بحلف الشاهد اليمين إلا أن ذلك لا ينفي عن الأقوال التي يدلي بها الشاهد بغير حلفه إنها شهادة وقد اعتبر القانون في المادة 283 من قانون الإجراءات الجنائية الشخص شاهداً بمجرد دعوته لأداء الشهادة سواء أداها بعد أن يحلف اليمين أو دون أن يحلفها ومن حق محكمة الموضوع أن تعتمد على أقوال هؤلاء الشهود إذ مرجع الأمر كله إلى ما تطمئن إليه من عناصر الاستدلال وإذ كان قول متهم على آخر هو في حقيقة الأمر شهادة يسوغ للمحكمة أن تعول عليها فإن منعى الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك وكانت المادة 110 من قانون العقوبات قد نصت على أنه "يحكم في جميع الأحوال بمصادرة ما يدفعه الراشي أو الوسيط على سبيل الرشوة طبقاً للمواد السابقة". وقد أضيفت هذه المادة إلى قانون العقوبات بمقتضى القانون رقم 69 لسنة 1953 الصادر في 19 من فبراير سنة 1953. وجاء في مذكرته الإيضاحية تعليقاً ما نصه. "ونصت المادة 110 من المشروع صراحة على عقوبة مصادرة ما دفعه الراشي على سبيل الرشوة وقد كانت المحاكم تطبق من قبل نص الفقرة الأولى من المادة 30 من قانون العقوبات التي تجيز بصفة عامة الحكم بمصادرة الأشياء التي تحصلت من الجريمة". والبين من النص في صريح لفظه وواضح دلالته، ومن عبارة المذكرة الإيضاحية أن جزاء المصادرة المنصوص عليه فيه عقوبة، وهي بهذه المثابة لا توقع إلا في حق من يثبت عليه أنه قارف الجريمة فاعلاً كان أو شريكاً ولا تتعدى إلى غيره ممن لا شأن له بها وأن الشارع افترض توقيع هذه العقوبة على سبيل الوجوب. بعد أن كان الأمر فيها موكولاً إلى ما هو مقرر في الفقرة الأولى من المادة 30 من قانون العقوبات من جواز الحكم بها اعتباراً بأن الأشياء التي ضبطت على سبيل الرشوة قد تحصلت من الجريمة مع ملاحظة التحفظ الوارد في ذات الفقرة من عدم المساس بحقوق الغير حسن النية. وبذلك فإن حكم المادة 110 من قانون العقوبات يجب أن يفهم في ضوء ما هو مقرر في الفقرة الأولى من المادة 30 من قانون العقوبات التي توجب كأصل عام حماية حقوق الغير حسن النية. ويندرج تحت معنى الغير كل من كان أجنبياً عن الجريمة. هذا بالإضافة إلى أن نص المادة 110 من قانون العقوبات قد استوجب لصحة الحكم بالمصادرة أن يكون موضوعها شيئاً دفع ممن يصدق عليه أنه راشي أو وسيط فإذا كان مبلغ الرشوة قد استقطع من مال الرقابة الإدارية بعد أن تلقت بلاغ المجني عليه في حق الموظف المرتشي - كما هو الحال في واقعة الدعوى - فهي في حقيقة الأمر ليست راشية وبالتالي لا يصح القضاء بمصادرة المبلغ الذي اقتطع منها ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ أغفل القضاء بمصادرة مبلغ الرشوة المضبوط حماية لحقوقها يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً - لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.