أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 52 - صـ 861

جلسة 15 من نوفمبر سنة 2001

برئاسة السيد المستشار/ صلاح البرجى نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ وفيق الدهشان، نير عثمان، د. صلاح البرعي نواب رئيس المحكمة ومحمد سادات.

(165)
الطعن رقم 10228 لسنة 71 القضائية

(1) نيابة عامة. نقض "ميعاده". إعدام.
اتصال محكمة النقض بالدعوى المحكوم فيها بالإعدام ولو لم تقم النيابة العامة بعرضها. المادة 46 من القانون 57 لسنة 1959.
وظيفة محكمة النقض في شأن الأحكام الصادرة بالإعدام؟
(2) إجراءات "إجراءات المحاكمة". إثبات "شهود". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
وجوب بناء الأحكام الجنائية على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة بالجلسة وتسمع فيه الشهود. ما دام ذلك ممكناً. المادة 289 إجراءات. عدم جواز الافتئات على هذا الأصل لأية علة إلا بتنازل الخصوم صراحة أو ضمناً.
(3) إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إثبات "شهود".
دفاع المتهم عن نفسه حق مقدس يعلو على حقوق الهيئة الاجتماعية. لا يضير العدالة تبرئة مذنب بقدر ما يؤذيها إدانة بريء.
طلب الدفاع سماع شهود إثبات الدعوى. جوهري. يوجب على المحكمة إجابته. ليس للمحكمة إبداء رأيها في دليل لم يعرض عليها. علة ذلك؟
(4) دفاع. إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "بطلانه".
دفاع المتهم سابق في وجوده وترتيبه وأثره على مداولة القاضي وحكمه. علته: عدم استطاعته أن يتنبأ سلفاً بما يدور في وجدان قاضيه وما قد يتأثر بما أطرحه عند الموازنة بين الأدلة إثباتاً ونفياً.
(5) إثبات "بوجه عام". حكم "بياناته" "تسبيبه. تسبيب معيب".
حكم الإدانة. بياناته؟ المادة 310 إجراءات.
(6) قتل عمد. حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". إثبات "بوجه عام". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
رابطة السببية في جريمة القتل العمد بين الإصابات والوفاة. التدليل على قيامها من البيانات الجوهرية في الحكم. إغفال ذلك. قصور.
(7) إثبات "بوجه عام" "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها". رابطة السببية.
اكتفاء الحكم المطعون فيه بالإشارة إلى نتيجة تقرير الصفة التشريحية دون بيان مضمونه ووصف الإصابات المنسوب للطاعنين إحداثها بجسم المجني عليه وكيفية حدوثها وعلاقة السببية بينها وبين الوفاة من واقع دليل فني. قصور وإخلال بحق الدفاع.
(8) إعدام. حكم "بطلانه". بطلان. نقض "حالات الطعن. الخطأ في تطبيق القانون". محكمة النقض "سلطتها".
لمحكمة النقض نقض الحكم من تلقاء نفسها إذا وقع فيه بطلان. المادة 35 من القانون 57 لسنة 1959.
(9) نقض "الطعن للمرة الثانية" "نظره والحكم فيه".
نقض الحكم للمرة الثانية يوجب تحديد جلسة لنظر الموضوع. أساس ذلك؟ المادة 45 من القانون رقم 57 لسنة 1959.
1 - لما كانت النيابة العامة لم تقم بعرض القضية على المحكمة - محكمة النقض - مشفوعة بمذكرة برأيها في الحكم عملاً بنص المادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض. إلا أن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها طبقاً للمادة 46 سالفة الذكر لتفصل فيها وتستبين - من تلقاء نفسها سواء قدمت النيابة العامة مذكرة برأيها أو لم تقدم وسواء قدمت هذه المذكرة قبل فوات الميعاد المحدد للطعن أو بعده - ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من عيوب. ومن ثم، يتعين قبول عرض النيابة العامة لهذه القضية.
2 - لما كان الأصل المقرر في المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية - الواجبة الإعمال أمام محاكم الجنايات عملاً بالمادة 381 من ذات القانون - أن المحاكمة الجنائية يجب أن تبنى على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة بالجلسة وتسمع فيه الشهود ما دام ذلك ممكناً، محصلاً هذه العقيدة من الثقة التي توحي بها أقوال الشاهد أو لا توحي ومن التأثير الذي تحدثه هذه الأقوال في نفسه وهو ينصت إليها، لأن التفرس في حالة الشاهد النفسية وقت أداء الشهادة واستقامته وصراحته أو مراوغته أو اضطرابه هي من الأمور التي تعين القاضي في تقدير أقواله حق قدرها، ولا يجوز الافتئات على هذا الأصل الذي افترضه الشارع لأية علة مهما كانت إلا بتنازل الخصوم صراحة أو ضمناً - وهو ما لم يحصل في الدعوى المطروحة.
3 - لما كانت المحكمة هي الملاذ الأخير الذي يتعين أن ينفسح لتحقيق الواقعة وتقصيها على الوجه الصحيح وإلا انتفت الجدية في المحاكمة وانغلق باب الدفاع في وجه طارقه بغير حق وهو ما تأباه العدالة أشد الإباء، وقد قام على هدي هذه المبادئ حق المتهم في الدفاع عن نفسه وأصبح حقاً مقدساً يعلو على حقوق الهيئة الاجتماعية التي لا يضيرها تبرئة مذنب بقدر ما يؤذيها ويؤذي العدالة معاً إدانة بريء. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد انتهت إلى إدانة المتهم الأول دون أن تجيب المدافع عنه إلى طلبه آنف الذكر، وكان هذا الطلب يعد طلباً جوهرياً لتعلقه بواقعات الدعوى، مما كان يتعين على المحكمة إجابته لإظهار وجه الحق في الدعوى، ولا يقبل منها ما أوردته من تعليل لرفض إجابته لما ينطوي عليه معنى القضاء المسبق على دليل لم يطرح عليها وهو ما لا يصح في أصول الاستدلال، ذلك بأن القانون يوجب سؤال الشاهد أولاً، ثم بعد ذلك يحق للمحكمة أن تبدي ما تراه في شهادته لاحتمال أن تجيء هذه الشهادة التي تسمعها المحكمة ويتاح للدفاع مناقشتها - بما يقنعها بحقيقة قد يتغير بها وجه الرأي في الدعوى أو يغير ما اقتنعت به من الأدلة الأخرى التي عولت عليها.
4 - من المقرر أن الدفاع لا يستطيع أن يتنبأ سلفاً بما قد يدور في وجدان قاضيه عندما يخلو إلى مداولته لأن حق الدفاع سابق في وجوده وترتيبه وأثره على مداولة القاضي وحكمه. ولأن وجدان القاضي قد يتأثر - في غير رغبة من نفسه - بما يبدو له أنه أطرحه عند الموازنة بين الأدلة إثباتاً أو نفياً.
5 - من المقرر طبقاً للمادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية أن الحكم بالإدانة يجب أن يبين مضمون كل دليل من أدلة الثبوت ويذكر مؤداه حتى يتضح وجه استدلاله به وسلامة المأخذ تمكيناً لمحكمة النقض من مراقبة تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم.
6 - من المقرر أيضاً أن رابطة السببية بين الإصابات والوفاة في جريمة القتل العمد والتدليل على قيامها هما من البيانات الجوهرية التي يجب على الحكم استظهارها وإلا كان مشوباً بالقصور.
7 - لما كان الحكم المطعون فيه قد اكتفى بالإشارة إلى نتيجة تقرير الصفة التشريحية دون أن يبين مضمونه من وصف الإصابات المنسوب إلى الطاعنين إحداثها وموضعها من جسم المجني عليه وكيفية حدوثها ودون أن يعني ببيان رابطة السببية بينها وبين الوفاة من واقع الدليل الفني المبين لها حتى يمكن التحقق من مدى مواءمتها لأدلة الدعوى الأخرى وكان لا يبين من الحكم أن المحكمة حين استعرضت الدليل في الدعوى كانت ملمة بهذا الدليل إلماماً شاملاً يهيئ لها أن تمحصه التمحيص الشامل الكافي الذي يدل على أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف وجه الحقيقة تمكيناً لمحكمة النقض من التعرف على صحة الحكم من فساده ومن ثم فإن حكمها - فضلاً عن إخلاله بحق الدفاع السالف بيانه - يكون مشوباً بعيب القصور في التسبيب مما يبطله.
8 - لما كان البطلان الذي لحق الحكم يندرج تحت الحالة الثانية من المادة 35 من القانون 57 لسنة 1959 التي أحالت إليها الفقرة الثانية من المادة 39، وكانت المادة 46 من القانون سالف الذكر قد أوجبت على هذه المحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها بنقض الحكم إذا ما وقع فيه بطلان من هذا القبيل.
9 - لما كان نقض الحكم حاصلاً لثاني مرة فإنه يتعين تحديد جلسة لنظر الموضوع إعمالاً لنص المادة 45 من القانون سالف الإشارة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما أولاً: المتهمان: 1 - قتلا...... عمداً مع سبق الإصرار بأن بيتا النية وعقدا العزم المصمم على قتله وأعد المتهم الأول لهذا الغرض سلاحاً نارياً "فرد" وتوجه إلى مسكن المجني عليه ومكنته المتهمة الثانية من دخوله وأرشدته إلى مكان وجوده وما أن ظفر به حتى أطلق عليه عياراً نارياً بينما وقفت المتهمة الثانية للشد من أزره قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته.
2 - أخفيا جثة المجني عليه على النحو المبين بالتحقيقات. ثانياً: المتهم الأول: 1 - أحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً غير مششخن "فرد". 2 - أحرز ذخائر "ست طلقات" مما تستعمل على السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً له بحيازته أو إحرازه. وأحالتهما إلى محكمة جنايات....... لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعت شقيقة المجني عليه..... بصفتها وصية على أولاده القصر...... و...... و...... و...... و...... و...... مدنياً قبل المتهمين بإلزامهما بأن يؤديا لها مبلغ خمسمائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت بإجماع الآراء بإحالة أوراق المتهمين إلى فضيلة مفتي جمهورية مصر العربية وحددت جلسة...... للنطق بالحكم. وبالجلسة المحددة قضت حضورياً عملاً بالمواد 39 أولاً، ثانياً، 230، 231، 239، من قانون العقوبات والمواد 1/ 1، 26/ 1، 5، 30/ 1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمي 26 لسنة 1978، 165 لسنة 1981 والجدول رقم 2 الملحق بالقانون الأول بإجماع الآراء بمعاقبتهما بالإعدام شنقاً ومصادرة السلاح والذخيرة المضبوطين وإلزامهما بأن يؤديا للمدعية بالحقوق المدنية مبلغ خمسمائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض (وقيد بجدولها برقم..... لسنة...... القضائية). وهذه المحكمة قضت بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات...... للفصل فيها مجدداً من هيئة أخرى. ومحكمة الإعادة (بهيئة أخرى) قررت في....... إحالة أوراق القضية إلى فضيلة مفتي الجمهورية لإبداء الرأي وحددت جلسة....... للنطق بالحكم. وبالجلسة المحددة قضت حضورياً وعملاً بالمواد 39/ أولاً، ثانياً، 230، 231، 239 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1، 26/ 1، 5، 30/ 1 من القانون 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمي 26 لسنة 1978، 165 لسنة 1981 والجدول رقم 2 الملحق بالقانون الأول مع إعمال المادة 32 من قانون العقوبات بإجماع الآراء بمعاقبة المتهمين بالإعدام شنقاً عما نسب إليهما وأمرت بمصادرة السلاح والذخيرة المضبوطين وألزمتهما بأداء تعويض مدني وقدره خمسمائة وواحد جنيه للمدعية بالحقوق المدنية.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض (للمرة الثانية) ... إلخ.


المحكمة

ومن حيث إنه ولئن كانت النيابة العامة لم تقم بعرض القضية على المحكمة - محكمة النقض - مشفوعة بمذكرة برأيها في الحكم عملاً بنص المادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض. إلا أن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها طبقاً للمادة 46 سالفة الذكر لتفصل فيها وتستبين - من تلقاء نفسها سواء قدمت النيابة العامة مذكرة برأيها أو لم تقدم وسواء قدمت هذه المذكرة قبل فوات الميعاد المحدد للطعن أو بعده - ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من عيوب. ومن ثم، يتعين قبول عرض النيابة العامة لهذه القضية.
وحيث إن المادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 سالفة البيان تنص على أنه "مع عدم الإخلال بالأحكام المتقدمة، إذا كان الحكم صادراً حضورياً بعقوبة الإعدام يجب على النيابة العامة أن تعرض القضية على محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها في الحكم وذلك في الميعاد المبين بالمادة 34 وتحكم المحكمة طبقاً لما هو مقرر في الفقرة الثانية من المادة 35 والفقرتين الثانية والثالثة". ومفاد ذلك أن وظيفة محكمة النقض في شأن الأحكام الصادرة بالإعدام ذات طبيعة خاصة تقتضيها إعمال رقابتها على عناصر الحكم كافة موضوعية وشكلية وتقضي من تلقاء نفسها بنقض الحكم إذ كان مبيناً على مخالفة القانون أو خطأ في تطبيقه أو تأويله أو شابه بطلان أو وقع في الإجراءات بطلان أثر فيه، غير مقيدة في ذلك بحدود أوجه الطعن أو مبنى الرأي الذي تعرض به النيابة العامة تلك الأحكام. لما كان ذلك، وكان يبين من محضر جلسة....... والتي تمت فيه المرافعة واختتمت بصدور الحكم المطعون فيه أن المدافع عن المحكوم عليه الأول تمسك في مستهل مرافعته بسماع شهادة......، و......، و......، الذين تعرفوا عليه خلال عملية العرض القانوني للنيابة العامة، ويبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن بين واقعة الدعوى وأورد على ثبوتها في حق المتهمين أدلة مستمدة من اعترافات المتهمة الثانية وما شهد به الرائد...... ومن عملية العرض القانوني التي تعرف خلالها كل من...... و...... و...... على المتهم الأول وما ثبت من تقرير الصفة التشريحية لجثة المجني عليه وتقرير الأدلة الجنائية. عرض لطلب دفاع المتهم الأول وأطرحه بقوله: "وحيث إنه عن طلب سماع شهادة.....، و......، و......، الذين تم سماعهم على سبيل الاستدلال، فقد تواترت أقوالهم على رؤيتهم المتهم بمكان إلقاء الكرتونة وتأيد ذلك بأدلة أخرى منها ما قرره الشاهد....... نائب العمدة وتحريات الشرطة، وأهمها اعتراف المتهمة الثانية، مما تطرح معه المحكمة ذلك الدفاع بطلب هؤلاء الشهود لعدم جدواه إذ الغرض منه المطل والنكاية". لما كان ذلك، وكان الأصل المقرر في المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية - الواجبة الإعمال أمام محاكم الجنايات عملاً بالمادة 381 من ذات القانون - أن المحاكمة الجنائية يجب أن تبنى على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة بالجلسة وتسمع فيه الشهود ما دام ذلك ممكناً، محصلاً هذه العقيدة من الثقة التي توحي بها أقوال الشاهد أو لا توحي، ومن التأثير الذي تحدثه هذه الأقوال في نفسه وهو ينصت إليها، لأن التفرس في حالة الشاهد النفسية وقت أداء الشهادة واستقامته وصراحته أو مراوغته أو اضطرابه هي من الأمور التي تعين القاضي في تقدير أقواله حق قدرها، ولا يجوز الافتئات على هذا الأصل الذي افترضه الشارع لأية علة مهما كانت إلا بتنازل الخصوم صراحة أو ضمناً - وهو ما لم يحصل في الدعوى المطروحة - ذلك لأن المحكمة هي الملاذ الأخير الذي يتعين أن ينفسح لتحقيق الواقعة وتقصيها على الوجه الصحيح وإلا انتفت الجدية في المحاكمة وانغلق باب الدفاع في وجه طارقه بغير حق وهو ما تأباه العدالة أشد الإباء، وقد قام على هدي هذه المبادئ حق المتهم في الدفاع عن نفسه وأصبح حقاً مقدساً يعلو على حقوق الهيئة الاجتماعية التي لا يضيرها تبرئة مذنب بقدر ما يؤذيها ويؤذي العدالة معاً إدانة بريء. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد انتهت إلى إدانة المتهم الأول دون أن تجيب المدافع عنه إلى طلبه آنف الذكر، وكان هذا الطلب يعد طلباً جوهرياً لتعلقه بواقعات الدعوى، مما كان يتعين على المحكمة إجابته لإظهار وجه الحق في الدعوى، ولا يقبل منها ما أوردته من تعليل لرفض إجابته لما ينطوي عليه معنى القضاء المسبق على دليل لم يطرح عليها وهو ما لا يصح في أصول الاستدلال، ذلك بأن القانون يوجب سؤال الشاهد أولاً، ثم بعد ذلك يحق للمحكمة أن تبدي ما تراه في شهادته لاحتمال أن تجيء هذه الشهادة التي تسمعها المحكمة ويتاح للدفاع مناقشتها - بما يقنعها بحقيقة قد يتغير بها وجه الرأي في الدعوى أو يغير ما اقتنعت به من الأدلة الأخرى التي عولت عليها فضلاً عن أن الدفاع لا يستطيع أن يتنبأ سلفاً بما قد يدور في وجدان قاضيه عندما يخلو إلى مداولته لأن حق الدفاع سابق في وجوده وترتيبه وأثره على مداولة القاضي وحكمه. ولأن وجدان القاضي قد يتأثر - في غير رغبة من نفسه - بما يبدو له أنه أطرحه عند الموازنة بين الأدلة إثباتاً أو نفياً. فإن المحكمة تكون قد أخلت بمبدأ شفوية المرافعة، وجاء حكمها معيباً بالإخلال بحق الدفاع بما يبطله. لما كان ذلك، وكان من المقرر طبقاً للمادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية أن الحكم بالإدانة يجب أن يبين مضمون كل دليل من أدلة الثبوت ويذكر مؤداه حتى يتضح وجه استدلاله به وسلامة المأخذ تمكيناً لمحكمة النقض من مراقبة تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم. ومن المقرر أيضاً أن رابطة السببية بين الإصابات والوفاة في جريمة القتل العمد والتدليل على قيامها هما من البيانات الجوهرية التي يجب على الحكم استظهارها وإلا كان مشوباً بالقصور الموجب لنقضه، وكان يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه اعتمد - من بين ما اعتمد عليه في إدانة الطاعنين على النحو المار بيانه - على تقرير الصفة التشريحية لجثة المجني عليه، وإذ عرض لهذا التقرير لم يورد عنه سوى قوله إنه ثبت من تقرير الصفة التشريحية أن إصابة المجني عليه بالرأس والعنق نارية حديثة حدثت من إصابته بعيار ناري يطلق من سلاح ناري معد لإطلاق الطلقات 7.62 × 39 مم غير مششخن الماسورة وأن إصابته من مسافة تصل إلى حد الملامسة مع ميل ماسورة السلاح من أعلى إلى أسفل في الوضع الطبيعي المعتدل القائم للجسم مع مراعاة أن الرأس عنصر حركي واسع المدى، وأنه يجوز حدوث إصابة المجني عليه من السلاح والذخيرة المضبوطة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد اكتفى بالإشارة إلى نتيجة تقرير الصفة التشريحية دون أن يبين مضمونه من وصف الإصابات المنسوب إلى الطاعنين إحداثها وموضعها من جسم المجني عليه وكيفية حدوثها ودون أن يعني ببيان رابطة السببية بينها وبين الوفاة من واقع الدليل الفني المبين لها حتى يمكن التحقق من مدى مواءمتها لأدلة الدعوى الأخرى وكان لا يبين من الحكم أن المحكمة حين استعرضت الدليل في الدعوى كانت ملمة بهذا الدليل إلماماً شاملاً يهيئ لها أن تمحصه التمحيص الشامل الكافي الذي يدل على أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف وجه الحقيقة تمكيناً لمحكمة النقض من التعرف على صحة الحكم من فساده ومن ثم فإن حكمها - فضلاً عن إخلاله بحق الدفاع السالف بيانه - يكون مشوباً بعيب القصور في التسبيب مما يبطله، ولما كان البطلان الذي لحق الحكم يندرج تحت الحالة الثانية من المادة 35 من القانون 57 لسنة 1959 التي أحالت إليها الفقرة الثانية من المادة 39 وكانت المادة 46 من القانون سالف الذكر قد أوجبت على هذه المحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها بنقض الحكم إذا ما وقع فيه بطلان من هذا القبيل، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه الصادر بإعدام المحكوم عليهما وذلك دون حاجة إلى بحث أوجه الطعن، ولما كان نقض الحكم حاصلاً لثاني مرة فإنه يتعين تحديد جلسة لنظر الموضوع إعمالاً لنص المادة 45 من القانون سالف الإشارة.