مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي تضمنتها فتاوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع
السنة الثانية والثلاثون (من أول أكتوبر سنة 1977 إلى آخر سبتمبر سنة 1978) - صـ 326

(فتوى رقم 673 بتاريخ 13/ 7/ 1978 - جلسة 28/ 6/ 1978 - ملف رقم 7/ 1/ 34)
(120)
جلسة 28 من يونيه سنة 1978

( أ ) وقف - مدى ولاية القاضي في الحكم بإنشاء الوقف القديم.
يشترط ملكية الواقف للأعيان الموقوفة وقت الوقف - لا يجوز إثبات أصل الوقف القديم بشهادة الشهود - أساس ذلك - تطبيق من حيث أحكام الشريعة والقانون.
(ب) حكم - أثر الأحكام كأداة لتقوية الحقوق المحكوم بها.
للقاضي حرية تقدير القرينة المستفادة من حكم سبق صدوره وأن يرجح حكماً مع آخر إذا اشتركا في التعرض لذات الواقعة - التفرقة بين أثر الحكم كأداة لتقوية الحقوق المحكوم بها وقوة الأمر المقضى به - تطبيق.
(جـ) ملكية - أراضي - وقف.
القانون رقم 124 لسنة 1958 بتملك الأراضي الصحراوية والقانون رقم 100 لسنة 1964 بتنظيم تملك العقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة والتصرف فيها - الأصل العام أن الأراضي الصحراوية تدخل ضمن ملكية الدولة الخاصة ما لم يثبت حق ملكية للغير بالطريقة التي نظمها القانون - طرق الاعتداد بحقوق ملكية الغير على الأراضي الصحراوية - تطبيق.
1 - إنه قد اختلف عند الحنفية في ولاية القاضي في الحكم بإنشاء الوقف القديم، أي بأصل الوقف، فقال البعض لا يجوز له ذلك حتى لا يكون إثباتاً للمجهول. وقال الآخر يجوز لإثبات أصله حفظاً للأوقاف وقال آخرون تقبل أصله وفي شرائطه وقد فسر أصل الوقف بأنه كل ما يتعلق بصحته ويتوقف عليه وأن ما لا يتوقف عليه هو فهو من الشرائط، وقد رجحت الجمعية العمومية الرأي الأول لما اشترطه الفقهاء من إثبات أن الواقف كان مالكاً للموقف وقت الوقف. وذلك لأن المصلحة في عدم إثبات المجهول مقدمه على المصلحة في حفظ الأوقاف القديمة إذ أن هذا الحفظ يجب أن يكون مقيداً بأن لا يشمل الأوقاف المجهولة. خاصة وأن هذا الرأي يتفق مع منحى القانون رقم 78 لسنة 1931 الخاص بالمحاكم الشرعية الذي كان يمنع - طبقاً للمادة 137 منه - سماع دعوى الوقف إلا إذا وجد إشهاد ممن يملكه على يد حاكم (قاضي) شرعي، ثم صدر القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف فقضى في المادة الأولى منه بعدم صحة الوقف إلا إذا أنشئ بإشهاد ممن يملكه لدى إحدى المحاكم الشرعية.
"أما في القانون، فقد بين المرحوم الدكتور السنهوري (الوسيط الجزء 7 بند 1963 وما بعده) أن الأصل إن الشهادة بالتسامع غير مقبولة إلا فيما نص عليه القانون"، وفي مصر كان القضاء المختلط بوجه عام لا يقبل الشهادة بالتسامع في المسائل المدنية، أما في المسائل التجارية وفي الأحوال التي تقبل فيها الإثبات بالنية أو بالقرائن فتقبل الشهادة بالتسامع على سبيل الاستئناس باعتبار أنها مجرد قرينة بسيطة لا يؤخذ بها إلا بكثير من الحذر، وفي الفقه الإسلامي لا تقبل الشهادة بالتسامع إلا في مسائل معينة عد منها أصل الوقف وشرائطه ورأى الأخذ بها في القانون. ونقل عن البدائع أن التسامع لا يكون إلا في أشياء مخصوصة تعلم مثل الشمس ظهوراً وأن التسامع عند محمد هو أن يشتهر الأمر ويستفيض وتتوافر به الأخبار عنده من غير تواطئ لأن الثابت بالترائي والمحسوس بحس البصر والسمع سواء، فكانت الشهادة بالتسامع شهادة عن معاينة.... وأما الشهادة بالتسمع في الوقف فلم يذكره في ظاهر الرواية وألحقوه بالموت لأن مبنى الوقف على الاستشهاد أيضاً كالموت فكان ملحقاً به ثم فرق بين التسامع والشهادة بالشهرة العامة فبين أن الأخيرة ليست شهادة بالمعنى الصحيح وإنما هي ورقة رسمية مكتوبة أمام جهة رسمية تدون فيها وقائع معينة يشهد بها شهود يعرفونها بالشهرة العامة.
2 - إن المقرر أن الحكم قرينة على صحة ما حكم به من الحقوق، وهذه القرينة هي قرينة قضائية وليست قرينة قانونية. والقرينة - بصفة عامة - هي النتائج التي يستخلصها القانون من واقعة معلومة لمعرفة واقعة مجهولة والقرينة القانونية هي التي ينص عليها القانون وهي ليست طريقاً للإثبات بل هي طريق يعفى من الإثبات وإما القرينة القضائية فهي واقعة ثابتة يختارها القاضي من بين وقائع الدعوى - وهي بالدلائل أو الأمارات ليصل منها إلى الواقعة المراد إثباتها. (الوسيط للسنهوري جـ 2 - بند 173 وما بعده).
وليس في القانون نص يقتضي أن تكون الأحكام قرينة قانونية يتوافر ويضطرد الاحتجاج بها، ولذلك فمازال للقاضي حرية تقدير القرينة المستفادة من حكم سبق صدوره وأن يرجح حكماً مع آخر - من حيث القوة الذاتية للإثبات - إذا اشتركا في التعويض لواقعة واحدة.
وهذه القوة تختلف عن قوة الأمر المقضي الذي نصت عليها المادة (101) من قانون الإثبات والتي تنص على أنه:
"الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجة، ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلاً وسبباً".
وهذه الحجية تمنع من إعادة عرض النزاع مرة أخرى على القضاء بعد الفصل فيه فهي لا تتعلق بقوة الحكم في الإثبات الذاتي. وهي لا تكون إلا عند اتحاد الخصوم والمحل والسبب.
ومن الواضح في الحالة المعروضة أن قوة الدليل المستفادة من الحكم المقدم من الهيئة العامة للتعمير أوضح منها في الأحكام المقدمة من الهيئة العامة للأوقاف ولذلك فالجمعية العمومية إذا فاضلت بينها رأت أن تأخذ بالحكم المقدم من الهيئة العامة للتعمير إذ تراه أرجح في تقوية الحقوق المدعى بها في هذه المنازعة من الأحكام المقدمة من الهيئة العامة للأوقاف ولا تحوز هذه الأحكام حجية الأمر المقضي فيما بينها لأنها تختلف في الخصوم والمحل والسبب.
3 - أن الأصل العام طبقاً لأحكام القانون رقم 124 لسنة 1958 بتنظيم تملك الأراضي الصحراوية والقانون رقم 100 لسنة 1964 بتنظيم تملك العقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة والتصرف فيها أن الأراضي الصحراوية تدخل ضمن ملكية الدولة الخاصة فقد قضت المادة الأولى من القانون 100 لسنة 1964 على أن الأراضي الصحراوية تعتبر من أملاك الدولة الخاصة، ونصت المادة 47 منه بأنه لا يجوز لأي شخص طبيعي أو معنوي أن يحوز أو يضع اليد بأية صفة كانت على العقارات الداخلة في ملكية الدولة الخاصة التي تسري عليها أحكام هذا القانون إلا وفقاً لهذه الأحكام.
وقد ورد هذا الحكم في المادة 874 من القانون المدني التي نصت على أن الأراضي غير المزروعة التي لا مالك لها تكون ملكاً للدولة ولا يجوز تملك هذه الأراضي أو وضع اليد عليها إلا بترخيص من الدولة وفقاً للوائح.
وقد نظم القانون رقم 100 لسنة 1964 في المادة 75 وما بعدها طريق الاعتداد بحقوق الملكية على الأراضي الصحراوية، ونص على حالات معينة يعتد فيها بالملكية ونظم طريقة التقدم بطلبات الاعتداد من أصحاب الحقوق على تلك الأراضي وكيفية الفصل في هذه الطلبات.
ومن حيث إن أرض النزاع من الأراضي الصحراوية الداخلة في ملكية الدولة الخاصة بحسب الأصل العام ما لم يثبت حق ملكية للغير بالطريقة التي نظمها القانون، كما أنه كان يتعين على وقف سيدي كرير إذا كانت له حقوق ملكية تلك الأراضي أن يتقدم بطلب الاعتداد بملكيته، خاصة وأن الوقف بإقرار طرفي النزاع من أشخاص القانون وعلى جهة الوقف تقديم المستندات الدالة على إنشاء الوقف وملكيته حتى تنظر هيئة التعمير في الاعتداد به من عدمه.
ولا يعفى الوقف من تقديم طلب الاعتداد بملكيته أن وزارة الأوقاف تتولى النظر عليه وإدارته وأنه بذلك لا تسري عليه أحكام القانون رقم 100 لسنة 1964 طبقاً للفقرة الرابعة من المادة الأولى منه إذ أنه على هذا الاستثناء كما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون 100 لسنة 1964:
"أن الدولة كثيراً ما تعهد إلى الوزارات والمصالح الحكومية وإلى المؤسسات والهيئات العامة بأراضي زراعية أو بور أو صحراوية لتشرف عليها وتقوم على إدارتها واستغلالها أو تسند إليها ملكية بعض تلك الأراضي وفقاً لأحكام التشريعات المنظمة لشئونها المنوطة بها أو تمكيناً لهذه الجهات في القيام بالمسئوليات والواجبات المنوطة بها أو تمكيناً لها من حسن إدارة المرافق العامة التي تقوم عليها، ومثل هذه العقارات تنأى بطبيعتها عن أن تخضع لذات الأحكام الواردة في القانون المرافق".
ومجال تطبيق هذا الاستثناء قاصر على الحالات التي تكون فيها ملكية الأراضي ثابتة للدولة وتعهد بإدارتها والإشراف عليها إلى إحدى الوزارات والمصالح أو نقل ملكية بعض تلك الأراضي إلى الوزارات، والمصالح والهيئات، فلا جدوى في هذه الحالات والملكية ثابتة للدولة من تطبيق أحكام القانون رقم 100 لسنة 1964 كشأن أراضي الدولة التي تديرها مصلحة الأملاك، والحال مختلف في واقعة النزاع التي يدعى فيها الوقف الخيري ملكيته لأراضي تدخل أصلاً في ملكية الدولة الخاصة فإنه يتعين على جهة الوقف التقدم بادعاء الملكية وفقاً لأحكام القانون.