مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة - العدد الثالث (من أول إبريل سنة 1961 إلى آخر سبتمبر سنة 1961) - صـ 873

(113)
جلسة 15 من إبريل سنة 1961

برياسة السيد/ سيد إبراهيم الديواني وكيل المجلس وعضوية السادة الإمام الإمام الخريبى والدكتور ضياء الدين صالح وعزت عبد المحسن وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 924 لسنة 6 القضائية

( أ ) اختصاص - اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - استرداد ما دفع بصفة معاش استثنائي بدون وجه حق - يعتبر منازعة مما يندرج تحت نص الفقرة الثانية من المادة 8 من القانون رقم 165 لسنة 1955 - اختصاص القضاء الإداري بنظرها.
(ب) دعوى - قبول الدعوى - دعوى استرداد ما صرف بصفة معاش لسقوط الحق فيه - الدفع بعدم قبولها لفوات أكثر من سنة على ربط المعاش الاستثنائي استناداً إلى نص المادة 6 من القانون رقم 5 لسنة 1909 المعدل بالمرسوم رقم 37 لسنة 1929 - في غير محله - أساس ذلك.
(ج) معاش - معاش استثنائي - المادة 38 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 - جواز منحه الموظف غير الدائم وعامل اليومية - أساس ذلك.
(د) معاش - قاعدة عدم الجمع بين المرتب والمعاش - علة عدم الجمع هي مباشرة صاحب المعاش إحدى الوظائف الواردة في المادة 54 من القانون رقم 5 لسنة 1909 على سبيل الحصر وليست اتحاد المصرف المالي - أثر ذلك - جواز جمع عامل اليومية بين أجره ومعاشه الاستثنائي.
1 - إذا كان الثابت أن المنازعة تدور حول استرداد مبلغ، وصفته الطاعنة بأنه معاش استثنائي صرف إلى المطعون ضده دون وجه حق بعد أن عاد إلى خدمة الحكومة، فإن الاختصاص بالفصل فيها يكون معقوداً للقضاء الإداري إعمالاً لنص الفقرة الثانية للمادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة.
2 - إن دفع المطعون ضده بعدم قبول الدعوى لفوات أكثر من سنة على ربط المعاش استناداً إلى نص المادة 6 من القانون رقم 5 لسنة 1909 المعدل بالمرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الذي يقول "لا يجوز للحكومة ولا لصاحب الشأن المنازعة في أي معاش تم قيده متى مضت مدة ستة أشهر من تاريخ تسليم السركى المبين فيه مقدار المعاش إلى صاحب الشأن... وكل دعوى يراد بها تعديل مقدار المعاش الذي تم قيده..." لا سند له؛ إذ أن هذا النص يهدف إلى كف المنازعات من حيث الأحقية أو المقدار، بيد أن المنازعة الحالية تدور حول توافر أو عدم توافر سبب سقوط المعاش الذي تقرر فعلاً، والفارق واضح بين الحالتين، ومن ثم يكون هذا الدفع قد أثير في غير مجال إعماله فهو جدير بالرفض.
3 - باستعراض نصوص القانون رقم 5 لسنة 1909 المعدل بالمرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 التي تحدثت عن أنواع المعاشات يتضح أنها تقرر المعاشات بسبب عاهات أو مرض أو بسبب حوادث تقع في أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها، للموظفين والمستخدمين الدائمين، وهو ما يبين من نص المادتين 22، 32 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929، حيث تنص المادة الأولى على أن "كل موظف أو مستخدم دائم أصبح غير قادر على خدمة الحكومة بسبب عاهة أو أمراض أصابته في أثناء خدمته له الحق في ذات المعاش أو المكافأة التي كان ينالها لو رفت بسبب إلغاء الوظيفة" وتنص المادة الثانية على أن "تمنح المعاشات الخاصة للأشخاص الآتي بيانهم: الموظفون والمستخدمون الدائمون الذين يصبحون غير قادرين على الخدمة بسبب حوادث وقعت أثناء تأدية أعمال وظيفتهم أو بسببها" ولكنها لم تستلزم صفة الدائمية في الموظف أو المستخدم عندما تحدثت عن المعاش الاستثنائي إذ تنص المادة 38 من المرسوم سالف الذكر على أنه "يجوز لمجلس الوزراء أن يقرر بناء على اقتراح وزير المالية ولأسباب يكون تقديرها موكولاً إلى المجلس منح معاشات استثنائية أو زيادات في المعاشات أو منح مكافآت استثنائية للموظفين والمستخدمين المحالين إلى المعاش أو الذين يفصلون من خدمة الحكومة أو لعائلات من يتوفى من الموظفين أو المستخدمين وهم في الخدمة أو بعد إحالتهم إلى المعاش"؛ ومن ثم يسوغ لمجلس الوزراء استناداً إلى هذا النص أن يقرر معاشاً استثنائياً لغير الموظف الدائم وللعامل الذي يتقاضى أجره يومياً.
4 - إن نص المادة 54 من القانون رقم 5 لسنة 1909 التي وردت في الباب السابع تحت عنوان - أرباب المعاشات والقدماء من الموظفين أو المستخدمين الذين يعودون إلى الخدمة يقضي بأنه "إذا أعيد صاحب المعاش إلى الخدمة سواء بصفة نهائية أو وقتية أو بصفة مستخدم خارج عن هيئة العمال فيوقف صرف معاشه" ويبين من صراحة هذا النص ومن عنوان هذا الباب أنه لم يذكر عمال اليومية ذلك لأن هذا القانون لا يسري أصلاً على العمال، ومن ثم فلم ير الشارع داعياً للتحدث عنهم ولو أراد أن يجعل من عودة الموظف أو المستخدم إلى خدمة الحكومة كعامل باليومية سبباً لسقوط المعاش لتحتم عليه ذكر ذلك، أما ولم يفعل وهذا نص استثنائي فلا يتوسع في تفسيره طبقاً للأصول المرعية في قواعد التفسير، ويضاف إلى ما تقدم حجة أخرى تنبثق من بيان هذه المادة للوظائف التي تمنع العودة إليها من الجمع بين المعاش والمرتب الذي يتقاضاه العائد إلى الخدمة إذ أن هذا البيان جاء على سبيل الحصر لا التمثيل - كما قال الحكم المطعون فيه بحق - ولم يرد فيه ذكر لعمال اليومية لأنهم يخرجون عن مجال تطبيقه ولا تسري عليهم أحكامه، وأنه لو كان في مراد الشارع أن يكون هذا البيان للتمثيل لأورد ما ينم عن ذلك. وبهذه المثابة تكون علة عدم الجمع حسبما يستفاد منه ليس اتحاد أو اختلاف المصدر الذي يأخذ منه العائد راتبه أو معاشه وإنما مباشرته الوظائف التي حددها القانون على سبيل الحصر سواء اتحد المصدر أو اختلف.
وبناء على ما تقدم يكون للمطعون ضده، وهو صاحب معاش استثنائي، أن يجمع بينه وبين أجره كعامل باليومية وذلك في نطاق أحكام قانون المعاشات رقم 5 لسنة 1909 ولا تعتبر مباشرته هذا العمل سبباً من أسباب سقوط حقه في هذا المعاش الاستثنائي.


إجراءات الطعن

في 2 من مارس سنة 1960 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة بصفته نائباً عن السيد وزير الخزانة التنفيذي للإقليم الجنوبي سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الخزانة بتاريخ 4 من يناير سنة 1960 في القضية رقم 159 لسنة 4 القضائية القاضي برفض هذه الدعوى وهي التي أقامها الطاعن ضد المطعون ضده. وقد طلب الطاعن في عريضة طعنه اعتماداً على الأسباب التي تضمنتها تلك العريضة الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلزام المطعون ضده بأن يدفع له بصفته مبلغ 470 جنيهاً و193 مليماً والمصروفات والفوائد بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين، وفي 22 من مارس سنة 1960 أعلن الطعن للمطعون ضده وتعين له جلسة أول يناير سنة 1961 أمام دائرة فحص الطعون وأخطر الطاعن بتلك الجلسة في 25 من ديسمبر سنة 1960 وفيها نظرت الطعن وقررت إحالته إلى هذه المحكمة فنظرته وسمعت الإيضاحات التي رأت ضرورة سماعها من طرفي المنازعة ثم حجزت القضية للحكم لجلسة اليوم مع التصريح لهما بتقديم مذكرات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - كما يبين من الأوراق - تتحصل في أن وزارة الخزانة أقامت الدعوى رقم 159 لسنة 4 القضائية أمام المحكمة الإدارية لوزارة الخزانة بعريضة أودعتها سكرتيرية تلك المحكمة في 20 من فبراير سنة 1957 - طلبت فيها الحكم بإلزام المطعون ضده أن يدفع لها مبلغ 740 جنيهاً و193 مليماً والمصروفات والفوائد ومقابل أتعاب المحاماة وذكرت تفصيلاً لدعواها أن المطعون ضده كان يعمل "نوتياً" بمصلحة خفر السواحل. وفي أثناء عمله بها أصيب بكسر في العمود الفقري نجم عنه شلل في الأطراف السفلى وفصل بسبب ذلك من الخدمة في 30 من نوفمبر سنة 1939 ثم تقرر له معاش استثنائي مقداره جنيهان وخمسمائة مليم شهرياً وإعانة غلاء معيشة وذلك بموجب قرار مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 13 من يناير سنة 1943 وقد صرف إليه هذا المعاش فعلاً حتى شهر أكتوبر سنة 1955 ثم تبين لها من واقع عريضة أرسلت إليها أنه يعمل في مهنة خفير حنفية مياه تبع بلدية القاهرة وقد تأيد ما جاء بالعريضة من إفادة وردت إليها من هذه البلدية تضمنت أنه عين خفير مياه باليومية اعتباراً من 9 من فبراير سنة 1944 بأجر قدره 190 مليماً - وأضافت الطاعنة إلى هذه الوقائع أن المدعي حصل منها دون وجه حق - على مقدار المعاش من 9 من ماس سنة 1944 إلى 31 من أكتوبر سنة 1955 تاريخ إيقاف الصرف وهو المبلغ المطالب به، لأنه لا يجوز صرف معاش إليه مدة عمله، ولكن عندما فصل أخيراً من العمل لعدم اللياقة الطبية أعادت صرف المعاش إليه بتاريخ 12 من فبراير سنة 1956 فدفع الدعوى بأن المبلغ الذي تقرر له أولاً كإعانة لم يكفه فتظلم إلى الجهات المسئولة فرئي تعيينه خفيراً على حنفية مياه تبع وقف الوالدة باشا بأجر قدره 60 مليماً يومياً أي أنه لم يعمل في جهة حكومية، ومن ثم لا يكون هناك اختصاص للقضاء الإداري بنظر هذه الدعوى، وأن حقيقة ما منحه لا يعتبر معاشاً استثنائياً في معنى قوانين المعاشات المختلفة ومع التسليم جدلاً بأن كنهه معاش استثنائي فإن إعادته عاملاً بأجر يومي لا يعتبر من الأسباب المسقطة لحقه فيه وهي التي حددتها المادة 54 من القانون رقم 5 لسنة 1909 على وجه الحصر ثم انتهى في دفاعه إلى طلب رفض الدعوى مع إلزام رافعتها بالمصروفات.
وبتاريخ 4 من يناير سنة 1960 قضت تلك المحكمة برفض الدعوى وأسست حكمها على القول بأن النزاع يدور حول استرداد مبلغ معاش صرف إلى المطعون ضده دون وجه حق لعودته إلى الخدمة بعد أن تقرر له هذا المعاش الاستثنائي، ومن ثم يكون الاختصاص معقوداً للمحاكم الإدارية التابعة لمجلس الدولة وذلك إعمالاً للفقرة الثانية من المادة 8 من القانون رقم 165 لسنة 1955 التي تعقد لمجلس الدولة ولاية القضاء دون غيره في نظر المنازعات الخاصة بالمعاشات وأنه فصل من الخدمة بتاريخ 30 من نوفمبر سنة 1939 وصرفت له مكافأة نهاية مدة الخدمة التي يستحقها طبقاً لنص المادة 39 من القانون رقم 5 لسنة 1909 وأنه بان لها من مطالعة ملف خدمته أنه تقرر له أولاً إعانة مالية قدرها 24 جنيهاً سنوياً بتاريخ 11 من إبريل سنة 1945 على أن تصرف له على مدى سنتين فتظلم من ضآلة هذه الإعانة وعدم كفايتها لحاجته وحاجة أسرته المكونة من زوجة وثلاث بنات فرئي منحه إعانة أخرى قدرها عشرة جنيهات صرفت له مرة واحدة فتكون له رأس مال يدير بها تجارة بسيطة مع استمرار صرف أقساط الإعانة الأولى حتى نهاية مدتها المقررة، ولكنه عاد وقدم ملتمساً آخر طلب فيه تقرير معاش استثنائي أو منحه إعانة جديدة فبحثت اللجنة المالية طلبه الجديد ورأت تقرير معاش استثنائي له قدره جنيه و500 مليم يصرف له من تاريخ موافقة مجلس الوزراء على أن يوقف صرف الإعانة إليه من نفس التاريخ وقد وافق مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 13 من يناير سنة 1943 على رأي اللجنة المالية مع رفع المعاش الشهري إلى جنيهين و500 مليم وتأشر بتاريخ 30 من يناير سنة 1943 بأنه منح هذا المعاش الاستثنائي فوق المكافأة التي صرفت له وقت فصله من الخدمة فلا تخصم المكافأة وقد صرفت له أقساط الإعانة المتأخرة حتى 12 من يناير سنة 1943، ومن ثم تكون الإعانات أجريت عليه حتى تقرر له هذا المبلغ الذي سمي معاشاً استثنائياً وأنه قام مقام الإعانة التي أوقف صرفها من تاريخ قرار مجلس الوزراء، ومن ثم لا يخرج هذا المبلغ عن طبيعته وهي إعانة نظراً لظروف تقريرها السالف ذكرها ولو سمي جوازاً بأنه معاش بالنظر إلى استمرار صرفه، ثم أضافت إلى هذه الأسباب أسباباً أخرى استحدثها من نص المادة 54 من القانون رقم 5 لسنة 1909 الذي يقول "إذا أعيد صاحب المعاش إلى الخدمة سواء بصفة نهائية أو وقتية أو بصفة مستخدم خارج عن هيئة العمال فيوقف صرف معاشه" وفحوى هذه الأسباب أن الإعانة تخرج عن نطاق هذا النص؛ ومن ثم فإن إعادة صاحب الإعانة إلى الخدمة لا تستتبع وقف صرف الإعانة إليه ولا يستتبع ذلك إذا أعيد صاحب المعاش إلى الخدمة في وظيفة عامل باليومية، إذ النص جاء على سبيل الحصر وأخرج عمال اليومية عمداً من بين الوظائف التي إذا عاد صاحب المعاش إلى مباشرتها بوقف صرف المعاش إليه وأن هذا استثناء لا يمكن التوسع في تفسيره بطريق القياس أو التماس الحكمة في التفسير مع صراحة النص ومفهومه الواضح، وبعد أن استعرضت هذه الأسباب انتهت إلى القول بأن الدعوى غير قائمة على أساس من القانون وخليقة بالرفض.
ومن حيث إن الطعن بني على القول بأن ما منحه المطعون ضده بقرار مجلس الوزراء الصادر في 13 من يناير سنة 1943 ليس معاشاً تقاعدياً حتى يلزم فيه شروط الاستحقاق ومن بينها أن يكون مستحقه موظفاً أو مستخدماً مقيداً بصفة دائمة وإنما هو معاش خاص منحه بسبب حادث وقع له في أثناء تأديته أعمال وظيفته، ومن ثم يندرج في النوعين الخامس والسادس اللذين نصت عليهما المادة 12 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 وهي التي عددت أنواع المعاشات المختلفة التي يمكن تقريرها، وعلى أن المادة 54 من القانون رقم 5 لسنة 1909 تسري على من يعاد تعيينهم في خدمة الحكومة ولا محل للتفرقة بين من يعاد تعيينه بصفة وقتية أو بصفة مستخدم خارج الهيئة وبين عمال اليومية لعدم وجود أساس سليم لهذه التفرقة إذ جاء النص على وجه الإطلاق فيشمل من يعاد تعيينه في خدمة الحكومة بأية صفة كانت.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت تقريراً برأيها ردت فيه على الدفع بعدم الاختصاص بأن هذه المنازعة تدخل في اختصاص مجلس الدولة القضائي إعمالاً لنص الفقرة الثانية من المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة؛ وبالتالي يكون الدفع بعدم اختصاصه وباختصاص القضاء العادي على غير أساس وخليقاً بالرفض. كما ردت على موضوع المنازعة بأن المبلغ تقرر للمطعون ضده استناداً إلى قانون المعاشات رقم 5 لسنة 1909 وأن هذا القانون تضمن أنواعاً شتى للمعاشات فمنها المعاش الأصلي وهو لا يستحق إلا للموظف الذي يسري على راتبه حكم الاستقطاع ومنها المعاش الاستثنائي وهذا النوع لا يخضع للشرط السالف الذكر وقد جعله هذا القانون للموظف أو المستخدم في حالة العجز المترتب عن حادث نشأ من تأدية العمل أو بسببه كما هو الشأن في حالة المطعون ضده وبأن نص المادة 54 من القانون رقم 5 لسنة 1909 يوجب وقف صرف المعاش إليه إذا أعيد إلى خدمة الحكومة بأي صفة كانت وبالتالي تصبح المبالغ التي صرفت واجبة الرد من التاريخ الذي كان يجب فيه وقف صرف المعاش وهو تاريخ التحاقه بالعمل الجديد وأنه إذا حسبت المدة من تاريخ أدائها كل قسط من أقساط المعاش الاستثنائي حتى تاريخ رفع الدعوى يتبين أنه لم تمض مدة الخمس عشرة سنة المسقطة لحق الحكومة في الاسترداد طبقاً لما انتهى إليه قضاء هذه المحكمة وهو عدم خضوع حقوق الدولة في علاقاتها بموظفيها إلى نصوص القانون المدني في المادة 182 وما بعدها وخضوعها للتقادم العادي الطويل ولأن قواعد القانون الخاص لا تطبق وجوباً على روابط القانون العام إلا إذا وجد نص خاص يقضي بذلك وإن لم يوجد، كما هو الحال في هذه الدعوى، فلا يلتزم القضاء الإداري بتطبيق القواعد المدنية حتماً، ومن ثم يكون حق وزارة الخزانة فيما أدته إلى المطعون ضده ثابتاً ويتعين إجابتها إليه.
ومن حيث إن المطعون ضده قدم مذكرة بالرد على ما جاء في عريضة الطعن وعلى ما جاء في تقرير هيئة المفوضين قال فيها إن المبلغ المطالب به هو عبارة عن جنيه و847 مليماً مقدار المعاش عن 23 يوماً من 6 من مارس إلى 31 منه سنة 1944 ومبلغ 468 جنيهاً و346 مليماً من أول إبريل سنة 1944 إلى آخر أكتوبر سنة 1955 وأن مجموع هذين المبلغين حتى لو اعتبر معاشاً تقرر له فقد مضى أكثر من سنة على تقريره، ومن ثم دفع بعدم قبول الدعوى لفوات أكثر من سنة على تاريخ ربط ما سمي معاشاً تجاوزاً، وذلك طبقاً لنص المادة 6 من القانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية، مع تمسكه بالوصف الحقيقي لما صرف له من إعانة طلبت صرفها له رابطة الإصلاح الاجتماعي، كما هو ثابت في الأوراق، مراعاة لحالته الصحية التي انتهى إليها عقب إصابته أثناء العمل، ومن ثم لا ينطبق عليها حكم المادة 54 من القانون رقم 5 لسنة 1909 بهذه المثابة. ومن جهة أخرى فإن هذه المادة ذكرت المعاشات التي تقرر للمتقاعدين وورثتهم وهؤلاء لا يتصور عودتهم إلى الخدمة بأية حال من الأحوال ومن ثم لا يتصور أن تعني هذه المادة كل أصحاب المعاشات وإنما تعني فقط من نصت عليهم الفقرة الثانية من المادة 12 من نفس القانون دون غيرهم وهم الموظفون والمستخدمون الدائمون الذين يتقاضون معاشاً أو مكافأة بسبب إلغاء الوظيفة أو الوفر أو أمر ملكي أو بقرار من مجلس الوزراء - فهؤلاء هم الذين من المحتمل أن يعودوا إلى العمل ثانية؛ ومن ثم رأى الشارع بحق عدم جواز الجمع بين المعاش والمرتب بالنسبة لهم. وبعد أن استعرض حججه السالفة الذكر التمس تأييد الحكم المطعون فيه مع إلزام الطاعنة بالمصاريف المناسبة ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة عقبت على دفاع المطعون ضده بتقرير تكميلي، قالت فيه أن الموظف أو المستخدم الذي تقرر له معاش أياً كان نوعه إذا ما عاد إلى الحكومة فإن حقه في المعاش يسقط سواء اتحد المصدر الذي يأخذ منه المعاش والمرتب أو اختلف، واستشهدت في هذا الصدد بقضاء سابق لهذه المحكمة، ثم ردت على الدفع الذي أثاره المطعون ضده أخيراً والذي اعتمد فيه على المادة 6 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 سالف الذكر بأن هذه المادة تعني المنازعات في أصل استحقاق المعاش إذا أبديت من الحكومة بعد تسليم سركى المعاش أو في مقداره إذا صدرت من صاحب الشأن ولا تنصرف إلى أسباب قطع المعاش وسقوط الحق فيه؛ لأن أمثال هذه المنازعات لا تثور إلا بعد أكثر من سنة على تاريخ تسليم سركى المعاش، ومن ثم فطبيعتها تأبى قبول مثل هذا الدفع. وانتهى هذا التقرير الأخير إلى القول بأن ما قرر للمطعون ضده هو معاش استثنائي وليس إعانة وأنه جمع بين هذا المعاش ومرتبه كعامل حنفية في بلدية القاهرة الأمر الغير جائز قانوناً، ومن ثم يتعين عليه رد ما صرفه بغير وجه حق وأنه لم تمض المدة القانونية على تقادم حق الدولة فيما أدته إليه بغير وجه حق من 9 من مارس سنة 1944 حتى 31 من أكتوبر سنة 1955 مع إلزامه بالمصروفات.
ومن حيث إنه يبين من مساق وقائع هذه المنازعة أن محور الخلاف يدور فيها حول ما إذا كان المبلغ الذي تقرر صرفه للمطعون ضده بقرار مجلس الوزراء الصادر في 13 من يناير سنة 1943 يعتبر معاشاً استثنائياً أم أنه إعانة شهرية وإذا كان معاشاً استثنائياً فهل يوقف صرفه ويسقط الحق فيه إذا ما أعيد من تقرر له في خدمة البلدية بوصفه عاملاً بأجر يومي وعما إذا كان حق الدولة في استرداد ما صرف بغير وجه حق قد سقط بالتقادم أو لم يسقط به.
ومن حيث إن المحكمة ترى ضرورة التعرض لاختصاص القضاء الإداري لتقول كلمتها فيه قبل أن تعرض لمناقشة موضوع المنازعة.
ومن حيث إن هذه المنازعة تدور حول استرداد مبلغ، وصفته الطاعنة بأنه معاش استثنائي صرف إلى المطعون ضده دون وجه حق بعد أن عاد إلى خدمة الحكومة، فإن الاختصاص بالفصل فيها يكون معقوداً للقضاء الإداري إعمالاً لنص الفقرة الثانية للمادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، كما قال الحكم المطعون فيه بحق.
ومن حيث إن دفع المطعون ضده بعدم قبول الدعوى لفوات أكثر من سنة على ربط المعاش استناداً إلى نص المادة 6 من القانون رقم 5 لسنة 1909 المعدل بالمرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الذي يقول "لا يجوز للحكومة ولا لصاحب الشأن المنازعة في أي معاش تم قيده متى مضت مدة ستة أشهر من تاريخ تسليم السركى المبين فيه مقدار المعاش إلى صاحب الشأن... وكل دعوى يراد بها تعديل مقدار المعاش الذي تم قيده..." لا سند له؛ إذ أن هذا النص يهدف إلى كف المنازعات من حيث الأحقية أو المقدار، بيد أن المنازعة الحالية تدور حول توافر أو عدم توافر سبب سقوط المعاش الذي تقرر فعلاً، والفارق واضح بين الحالتين، ومن ثم يكون هذا الدفع قد أثير في غير مجال إعماله، فهو جدير بالرفض.
ومن حيث إنه فيما يختص بموضوع المنازعة، فقد بان من مذكرة اللجنة المالية السالف ذكرها أنها أشارت إلى الحادث الذي وقع للمطعون ضده في أثناء الخدمة والذي بسببه تخلفت لديه عاهة يستحيل معها استمراره في العمل، ومن ثم فصل منه ومنح مكافأة نهاية الخدمة ولكنه جأر بالشكوى نظراً لعدم وجود مصدر رزق له ولأولاده فتقررت له إعانة مشاهرة ثم إعانة أخرى تصرف له جملة واحدة لتكون رأس مال له في تجارة يديرها ومع ذلك لم يكف عن الشكوى فارتأت هذه اللجنة تقدير معاش على أن يصرف له من تاريخ موافقة مجلس الوزراء... وأن يوقف صرف أقساط الإعانة من ذلك التاريخ، ومن ثم يكون المبلغ الذي تقرر صرفه له معاشاً استثنائياً بحسب تسميته وللإجراءات التي اتخذت في صدد تقريره ولصدوره من مجلس الوزراء إعمالاً لسلطته التي يستمدها من المادة 12 من القانون رقم 5 لسنة 1909 التي عددت أنواع المعاشات وذكرت من بينها المعاشات الاستثنائية وتركت أمرها لتقديره مراعياً في ذلك الأسباب التي تدعو إليها، ومن ثم تكون طبيعة المعاشات الاستثنائية تختلف عن أنواع المعاشات الأخرى لاختلاف الأسباب التي يرتكز عليها كل نوع منها، ويبدو من البدهي عدم خضوعها جميعاً لحكم واحد.
ومن حيث إنه باستعراض نصوص القانون رقم 5 لسنة 1909 المعدل بالمرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 التي تحدثت عن أنواع المعاشات يتضح أنها تقرر المعاشات بسبب عاهات أو مرض أو بسبب حوادث تقع في أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها للموظفين أو المستخدمين الدائمين وهو ما يبين من نص المادتين 22، 32 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929، حيث تنص المادة الأولى على أن "كل موظف أو مستخدم دائم أصبح غير قادر على خدمة الحكومة بسبب عاهة أو أمراض أصابته في أثناء خدمته له الحق في ذات المعاش أو المكافأة التي كان ينالها لو رفت بسبب إلغاء الوظيفة". وتنص المادة الثانية "تمنح المعاشات الخاصة للأشخاص الآتي بيانهم: الموظفون والمستخدمون الدائمون الذين يصبحون غير قادرين على الخدمة بسبب حوادث وقعت أثناء تأدية أعمال وظيفتهم أو بسببها" ولكنها لم تستلزم صفة الدائمية في الموظف أو المستخدم عندما تحدثت عن المعاش الاستثنائي، إذ تنص المادة 38 من المرسوم سالف الذكر على أن "يجوز لمجلس الوزراء أن يقرر بناء على اقتراح وزير المالية ولأسباب يكون تقديرها موكولاً إلى المجلس منح معاشات استثنائية أو زيادات في المعاشات أو منح مكافآت استثنائية للموظفين والمستخدمين المحالين إلى المعاش أو الذين يفصلون من خدمة الحكومة أو لعائلات من يتوفى من الموظفين أو المستخدمين وهم في الخدمة أو بعد إحالتهم إلى المعاش"، ومن ثم يسوغ لمجلس الوزراء استناداً إلى هذا النص أن يقرر معاشاً استثنائياً لغير الموظف الدائم وللعامل الذي يتقاضى أجره يومياً.
ومن حيث إن نص المادة 54 من القانون رقم 5 لسنة 1909 التي وردت في الباب السابع تحت عنوان (أرباب المعاشات والقدماء من الموظفين أو المستخدمين الذين يعودون إلى الخدمة) يقضي بأنه "إذا أعيد صاحب المعاش إلى الخدمة سواء كان بصفة نهائية أو وقتية أو بصفة مستخدم خارج عن هيئة العمال فيوقف صرف معاشه" ويبين من صراحة هذا النص ومن عنوان هذا الباب أنه لم يذكر عمال اليومية، ذلك لأن هذا القانون لا يسري أصلاً على العمال، ومن ثم فلم ير الشارع داعياً للتحدث عنهم ولو أراد أن يجعل من عودة الموظف أو المستخدم إلى خدمة الحكومة كعامل باليومية سبباً لسقوط المعاش لتحتم عليه ذكر ذلك، أما ولم يفعل وهذا نص استثنائي فلا يتوسع في تفسيره طبقاً للأصول المرعية في قواعد التفسير. ويضاف إلى ما تقدم حجة أخرى تنبثق من بيان هذه المادة للوظائف التي تمنع العودة إليها من الجمع بين المعاش والمرتب الذي يتقاضاه العائد إلى الخدمة إذ أن هذا البيان جاء على سبيل الحصر لا التمثيل كما قال الحكم المطعون فيه بحق ولم يرد فيه ذكر لعمال اليومية لأنهم يخرجون عن مجال تطبيقه ولا تسري عليهم أحكامه، وأنه لو كان في مراد الشارع أن يكون هذا البيان للتمثيل لأورد ما ينم عن ذلك، وبهذه المثابة تكون علة عدم الجمع حسبما يستفاد منه ليس اتحاد أو اختلاف المصدر الذي يأخذ منه العائد راتبه أو معاشه وإنما مباشرته الوظائف التي حددها القانون على سبيل الحصر سواء اتحد المصدر أو اختلف.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن ما تقرر للمطعون ضده هو معاش استثنائي وليس إعانة كما ذهب الحكم المطعون فيه، وأنه مع كونه معاشاً استثنائياً فإن لصاحبه أن يجمع بينه وبين أجره كعامل باليومية وذلك في نطاق أحكام قانون المعاشات رقم 5 لسنة 1909 ولا تعتبر مباشرته هذا العمل سبباً من أسباب سقوط حقه في هذا المعاش الاستثنائي، ومن ثم تكون دعوى المدعية على غير أساس سليم من القانون ويكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه في النتيجة التي انتهى إليها ويتعين تأييده.
ومن حيث إن من خسر الدعوى يلزم بمصروفاتها وذلك إعمالاً لنص المادة 357 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً وألزمت الحكومة بالمصروفات.