مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة - العدد الثالث (من أول إبريل سنة 1961 إلى آخر سبتمبر سنة 1961) - صـ 883

(114)
جلسة 15 من إبريل سنة 1961

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة سيد إبراهيم الديواني ومحمد مختار الغربي وعزت عبد المحسن وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 2495 لسنة 6 القضائية

( أ ) قرار إداري - عناصره - تخفيض مجلس إدارة اتحاد نقابات المهن الطبية معاش عضو الاتحاد مدة إقامته بالخارج إلى جنيه واحد شهرياً بما له من سلطة بمقتضى تفويض الجمعية العمومية للاتحاد - يعتبر قراراً إدارياً نهائياً - خضوع دعوى إلغائه للميعاد المقرر.
(ب) قرار إداري - ميعاد الإلغاء - العلم اليقيني الذي يقوم مقام الإعلان أو النشر في حساب بدء هذا الميعاد - المقصود به - ترتيب علم ذي الشأن بالقرار على العلم اليقيني لوكيله به - هو ترتيب حكمي يقوم على الافتراض - عدم قيامه مقام العلم اليقيني بالنسبة للموكل - أساس ذلك ونتائجه - مثال.
(ج) اتحاد نقابات المهن الطبية - المعاش المقرر للأعضاء المتقاعدين بالتطبيق للمادة 63 من القانون رقم 62 لسنة 1949 الخاص بإنشاء نقابات المهن الطبية - تخفيض مجلس الاتحاد هذا المعاش إلى جنيه واحد شهرياً أو حرمان العضو منه إذا غادر البلاد وأقام بالخارج - غير جائز - أساس ذلك.
1 - إذا كان الثابت أن مجلس اتحاد نقابات المهن الطبية قرر بتاريخ 11 من يونيه سنة 1958 - بعد فحص ملف المدعي - أن يصرف له جنيهاً مصرياً واحداً شهرياً مدة إقامته بالخارج وأن يصرف المعاش المقرر حسب القواعد مدة إقامته بالأراضي المصرية على أن يتقدم كل ستة شهور للاتحاد للاطلاع على جواز السفر، فإن هذا القرار ما هو إلا إفصاح من مجلس الاتحاد بقصد تخفيض معاش المدعي إلى مبلغ اسمي قدره جنيه واحد شهرياً. وقد اعتبر المجلس أن له إرادة ملزمة في هذا الشأن بما له من سلطة بمقتضى تفويض الجمعية له بجلستها المنعقدة بتاريخ 28 من مارس سنة 1958؛ ومن ثم فقد اكتملت لهذا القرار جميع عناصر القرارات الإدارية النهائية التي تخضع الدعاوى بطلب إلغائها للميعاد المقرر في صدد دعاوى الإلغاء.
2 - إنه ولئن كان العلم اليقيني يقوم مقام الإعلان أو النشر في حساب بداية الميعاد إلا أن هذا العلم اليقيني يجب أن يكون حقيقياً لا ظنياً ولا افتراضياً. ومن ثم فإنه إذا كان أساس الدفع بعدم قبول الدعوى الحالية هو الكتاب المرسل من وكيل المدعي إلى السيد سفير اليونان بتاريخ 14 من يوليه سنة 1958 والذي رأى فيه الاتحاد أنه يعبر عن العلم اليقيني لوكيل المدعي بالقرار محل الطعن، غير أن ترتيب علم المدعي بالقرار المذكور على علم وكيله هو ترتيب حكمي يقوم على الافتراض، فإذا صح أن وكيل المدعي قد علم علماً يقينياً بالقرار المطعون فيه في التاريخ المشار إليه، فإنه يحتمل ألا يكون المدعي قد علم، في الحقيقة بالقرار المذكور في التاريخ سالف الذكر، العلم اليقيني الذي يقوم مقام الإعلان أو النشر في حساب بداية الميعاد، خصوصاً وأن المدعي يقيم في اليونان؛ ومن ثم فإن الدفع بعدم قبول الدعوى لا يقوم على أساس سليم من القانون.
3 - إذا كانت شروط استحقاق المعاش بالتطبيق للمادة 63 من القانون رقم 62 لسنة 1949 الخاص بإنشاء نقابات المهن الطبية متوافرة في المدعي فإنه يستحق المعاش المقرر له كاملاً ولا يجوز حرمانه منه كله أو بعضه إلا بناء على سبب يقره القانون، ولا يجوز لمجلس الاتحاد أن يقرر أسباباً جديدة للحرمان من المعاش كله أو بعضه لم ينص عليها القانون. وأما استناد مجلس الاتحاد إلى قرار الجمعية العمومية الصادر بتخفيض معاش الأعضاء وأسرهم إلى جنيه مصري واحد شهرياً في حالة مغادرتهم الأراضي المصرية ومن تاريخ مغادرتهم البلاد استناداً إلى التفويض المنصوص عليه في المادة 65 من القانون، فإنه استناد في غير محله؛ لأنه فضلاً عن أن التفويض لا يخول غير إنقاص أو زيادة المعاش المقرر لأرامل الأعضاء وأولادهم دون المعاش المقرر للعضو، فإنه لو سلم جدلاً بأن هذا التفويض يشمله، فإنه يجب أن يكون إنقاص المعاش أو زيادته راجعاً إلى أسباب تتعلق بموارد الصندوق ومقتضيات احتياطية مما يقتضي أن يكون القرار بذلك عاماً وشاملاً لجميع الأعضاء بغير تمييز بينهم بسبب ظروفهم الخاصة.


إجراءات الطعن

في 18 من أغسطس سنة 1960 أودع الأستاذ فيكتور تاجر المحامي سكرتيرية هذه المحكمة بصفته وكيلاً عن الدكتور رشوان فهمي بصفته رئيساً لاتحاد نقابات المهن الطبية عريضة طعن في الحكم الصادر بتاريخ 21 من يونيه سنة 1960 من محكمة القضاء الإداري "هيئة منازعات الأفراد والهيئات" في الدعوى رقم 551 لسنة 13 القضائية المقامة من الدكتور تيودور بنايوتو بلو ضد السادة وزير الصحة والدكتور نقيب الصيادلة ورئيس اتحاد نقابات المهن الطبية والقاضي برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من مجلس اتحاد نقابات المهن الطبية بالقاهرة بتاريخ 7 من يونيه سنة 1958 بتخفيض معاش المدعي إلى مبلغ اسمي قدره جنيه واحد شهرياً واستحقاق المدعي لما يترتب على ذلك من آثار وإلزام اتحاد نقابات المهن الطبية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وطلب الطاعن للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المطعون ضده الأول (الدكتور تيودور بنايوتو بلو) مع إلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وأعلنت صحيفة الطعن إلى وكيل الدكتور تيودور بنايوتو بلو في 21 من أكتوبر سنة 1960 وإلى السيد وزير الصحة في 27 من أغسطس سنة 1960 وإلى السيد مدير صندوق معاشات الصيادلة في 25 من أغسطس سنة 1960 وإلى السيد نقيب الصيادلة في 31 من يناير سنة 1961. وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 8 من يناير سنة 1961 وأبلغ الطرفان في 2 من يناير سنة 1961 بميعاد هذه الجلسة وفيها أجل نظر الطعن لجلسة 5 من فبراير سنة 1961 وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة العليا لنظره بجلسة 11 من مارس سنة 1961 وفيها قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 551 لسنة 13 القضائية بصحيفة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري بتاريخ 19 من فبراير سنة 1959 وقال بياناً لدعواه إنه صيدلي وزاول مهنته في الإقليم المصري زهاء 40 عاماً ثم تقاعد لتقدمه في السن فقررت له إدارة صندوق المعاشات باتحاد نقابات المهن الطبية بناء على طلبه معاشاً بواقع 12 جنيهاً و870 مليماً شهرياً. وكان هذا المعاش يدفع له بصفة منتظمة حتى شهر سبتمبر سنة 1954، وفي هذا الشهر سافر إلى اليونان مسقط رأسه إذ كانت صحته قد ساءت. وما أن علمت إدارة الصندوق بسفره حتى أوقفت صرف معاشه بدعوى أنه رحل عن القطر المصري فاتصل محاميه بإدارة الصندوق مبيناً عدم سلامة هذا الإجراء. فأرسل الاتحاد المعاش المتأخر واستمر في الدفع حتى شهر سبتمبر سنة 1956، ثم فوجئ المدعي بوقف معاشه ابتداء من أكتوبر سنة 1956 وعلم أن معاشه سيصرف له بالكامل بمجرد أن يثبت أنه كف عن مزاولة مهنة الصيدلة - فقدمت سفارة اليونان إلى وزارة الخارجية المصرية شهادة صادرة من السلطات اليونانية المختصة ثابت فيها أن المدعي لا يزاول مهنة الصيدلة، إلا أن السفارة تسلمت كتاباً من صندوق النقابة جاء به أن قراراً قد صدر من مجلس إدارة الاتحاد في 11 من يونيه سنة 1956 يقضي بدفع معاش رمزي قدره جنيه واحد شهرياً للمدعي طوال مدة تغيبه عن القطر المصري على أن يعاد صرف معاشه بالكامل عند عودته إلى مصر، ونعى المدعي على هذا القرار مخالفته لأحكام القانون رقم 62 لسنة 1949 إذ لم يميز القانون بين الأعضاء المتقاعدين بسبب إقامتهم في الخارج كما أن القرار صدر ماساً بحق المدعي المكتسب لأنه قضى بحرمانه من معاش استحقه فعلاً واعتمد عليه لسد حاجاته الضرورية في أيام شيخوخته، هذا فضلاً عن مخالفته للقواعد الدستورية التي تبيح للفرد الحرية في اختيار محل إقامته. ثم إن الاتحاد بفرضه عودة العضو إلى مصر إنما يفرض شرطاً مستحيلاً؛ لأن المدعي رحل عن الديار المصرية منذ سنة 1954 ففقد حقه في الإقامة بمصر منذ زمن بعيد. وأخيراً فإن هذا القرار قد صدر بالمخالفة لما قضت به محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 1014 لسنة 7 القضائية من استحقاق العضو للمعاش بصرف النظر عن إقامته بمصر أو في الخارج. وانتهى المدعي إلى طلب الحكم بإلغاء القرار الصادر من مجلس اتحاد نقابات المهن الطبية بالقاهرة الصادر في 11 من يونيه سنة 1958 بتخفيض معاشه السابق تقريره إلى مبلغ اسمي قدره جنيه واحد شهرياً مع جميع ما يترتب على هذا الإلغاء من نتائج وتقرير أحقية المدعي لمعاشه كاملاً بالقدر الذي كان يصرف له قبل صدور القرار المطعون فيه وبإلزام اتحاد النقابات بأن يدفع إلى المدعي متأخر معاشه منذ أول أكتوبر سنة 1956 حتى 30 من نوفمبر سنة 1958 البالغ 308 جنيهات و620 مليماً على أن يواصل الاتحاد صرف معاش المدعي بواقع 12 جنيهاً و870 مليماً شهرياً ابتداء من أول ديسمبر سنة 1958 وإلزام اتحاد نقابات المهن الطبية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وأجاب الاتحاد على الدعوى بأن دفع بعدم قبولها شكلاً لأن المدعي علم بالقرار محل الطعن في موعد غايته يوم 14 من يوليه سنة 1958 وهو تاريخ الكتاب المرسل من وكيل المدعي إلى السيد سفير اليونان، على حين لم يودع صحيفة الدعوى إلا في 19 من فبراير سنة 1951، وحتى لو قيل بأحقية المدعي في مواعيد مسافة لإقامته باليونان فإن قانون المرافعات لا يعطيه أكثر من ثلاثين يوماً فوق المواعيد المقررة بقانون مجلس الدولة لكونه مقيماً في بلد تقع على حوض البحر الأبيض المتوسط. وفي الموضوع أجاب الاتحاد بأنه استناداً للفقرة الأخيرة من المادة 65 من القانون رقم 62 لسنة 1949 الخاص بإنشاء نقابات المهن الطبية فوضت الجمعية العمومية مجلس الاتحاد في أن يتخذ القرارات اللازمة التي تكفل بمقتضاها الموازنة بين الإيرادات والمصروفات بطريقة تضمن استمرار الصندوق في أداء رسالته فقرر الاتحاد قاعدة من مقتضاها أن معاشات الأعضاء وأسرهم السابق تقريرها تخفض إلى جنيه مصري واحد شهرياً في حالة مغادرتهم الأراضي المصرية ومن تاريخ مغادرتهم للبلاد على أن ينظر في كل حالة على حدة عند عودتهم للبلاد ثانية واستثنى من ذلك الحجاج مدة تغيبهم لأداء فريضة الحج، وأنه إذا كان القانون يمنح الجمعية العمومية بناء على اقتراح مجلس الاتحاد الحق في إنقاص أو زيادة المعاش حسب موارد الصندوق ومقتضيات الاحتياطي وباشرت الجمعية العمومية هذا الحق بأن فوضت اتحاد نقابات المهن الطبية في اتخاذ القرارات اللازمة لتحقيق هذا الهدف وقام مجلس الاتحاد استناداً إلى هذه الرخصة بمباشرة حقه فأصدر قراراً مؤداه تخفيض معاش الأعضاء إلى جنيه واحد شهرياً في حالة مغادرتهم الأراضي المصرية ومن تاريخ المغادرة فإن هذا القرار يكون بعيداً عن أي طعن أو تجريح. وبجلسة 21 من يونيه سنة 1960 قضت محكمة القضاء الإداري برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من مجلس اتحاد نقابات المهن الطبية بالقاهرة بتاريخ 7 من يونيه سنة 1958 بتخفيض معاش المدعي إلى مبلغ اسمي قدره جنيه واحد شهرياً واستحقاق المدعي لما يترتب على ذلك من آثار وإلزام اتحاد نقابات المهن الطبية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وأقامت قضاءها فيما يتعلق بالدفع على أن القرار الإداري محل الطعن صادر من اتحاد نقابات المهن الطبية بناء على سلطته المقيدة بالقانون إذ أن سلطته في منح المعاش أو منعه مقيدة بنصوص آمرة في القانون والقرار الصادر بناء على سلطة مقيدة لا يكتسب أية حصانة تعصمه من الإلغاء إذا ما كان مخالفاً للقانون لأن هذه المخالفة تبطله بطلاناً مطلقاً؛ ومن ثم يجوز طلب إلغائه دون التقيد بميعاد الستين يوماً. وفيما يتعلق بالموضوع أقامت قضاءها على أن شروط استحقاق المعاش بالتطبيق للمادة 63 من القانون رقم 62 لسنة 1948 الخاص بإنشاء نقابات المهن الطبية متوافرة في المدعي فإنه يستحق المعاش المقرر له كاملاً ولا يجوز حرمانه منه كله أو بعضه إلا بناء على سبب يقره القانون، ولم يقم بالمدعي هذا السبب ولا يجوز لمجلس الاتحاد أن يقرر أسباباً جديدة للحرمان من المعاش كله أو بعضه لم ينص عليها القانون، وأما استناد مجلس الاتحاد إلى قرار الجمعية العمومية الصادر بتخفيض معاش الأعضاء وأسرهم إلى جنيه مصري واحد شهرياً في حالة مغادرتهم الأراضي المصرية ومن تاريخ مغادرتهم البلاد استناداً إلى التفويض المنصوص عليه في المادة 65 من القانون فإنه استناد في غير محله؛ لأنه فضلاً عن أن التفويض لا يخول غير إنقاص أو زيادة المعاش المقرر لأرامل الأعضاء وأولادهم دون المعاش المقرر للعضو فإنه لو سلم جدلاً بأن هذا التفويض يشمله فإنه يجب أن يكون إنقاص المعاش أو زيادته راجعاً إلى أسباب تتعلق بموارد الصندوق ومقتضيات احتياطية مما يقتضي أن يكون القرار بذلك عاماً وشاملاً لجميع الأعضاء بغير تمييز بينهم بسبب ظروفهم الخاصة.
ومن حيث إن الطعن يقوم فيما يتعلق بالدفع على أن الحكم المطعون فيه جاء مخالفاً لما سبق أن أصدرته محكمة القضاء الإداري من أحكام وفيما يتعلق بالموضوع على أن نص الفقرة الأخيرة من المادة 65 جاء عاماً بغير تخصيص ومطلقاً بغير تحديد ولذا فإنه يجب أن يبقى على عموميته وإطلاقه. وأن الجمعية العمومية هي التي تحدد قواعد المعاش ومقداره. وهي قد فوضت مجلس الاتحاد فيما تملكه. والقرار المطعون فيه لم يأت مقرراً حرمان المدعي من المعاش.
ومن حيث إنه يبين من تقصي مراحل الموضوع مما هو ثابت في الأوراق أن اتحاد نقابات المهن الطبية كان قد جرى على وقف صرف معاشات الأعضاء المتقاعدين إذا غادروا البلاد وأقاموا بالخارج وكان يتذرع لذلك بأن نصوص القانون رقم 62 لسنة 1949 بإنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن الطبية تقضي كما تقضي روحه بوجوب إقامة العضو المتقاعد في البلاد المصرية لكي يتسنى للاتحاد التحقق من المساواة وعدم مزاولته المهنة - بيد أن أحد الأطباء المتقاعدين الذي كان أوقف معاشه لهذا السبب لم يرتض هذا التفسير وأقام الدعوى رقم 1014 لسنة 7 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بطلب الحكم بإلغاء قرار وقف صرف معاشه فقضت المحكمة بجلسة 23 من يونيه سنة 1954 بإلغاء القرار المذكور استناداً إلى أن المادة 61 من القانون المشار إليه لا تشترط الإقامة في مصر بعد التقاعد لمنح المعاش وكل ما تشترطه هو أن يمضي العضو المدة التي تخوله الحق في المعاش أو يصبح عاجزاً صحياً عن مزاولة المهنة إذا كان يقوم بسداد رسم اشتراكه في النقابة منذ قيد اسمه بالجدول وذلك بصرف النظر عن إقامته بعد التقاعد في مصر أو في الخارج، ولمجلس النقابة أن يتحرى أسباب يساره أو مزاولته لمهنته بالكيفية التي يراها لتحقيق عدم توافر منح المعاش. وعلى أثر صدور هذا الحكم اجتمع مجلس اتحاد نقابات المهن الطبية بتاريخ 31 من يوليه سنة 1954 وقرر "بناء على حكم مجلس الدولة بأحقية الأعضاء في صرف معاش من الاتحاد رغم مغادرتهم البلاد المصرية أن يصرف لهم المعاش بعد أن يتحقق الاتحاد من عدم مزاولتهم المهنة في الخارج وأنه ليس لهم أي نشاط تجاري يدر عليهم دخلاً وذلك عن طريق ممثل مصر في البلد التي يقيم فيها العضو وذلك حفظاً على أموال الاتحاد من صرفها للأعضاء الغير مستحقين فعلاً لمساعدة الاتحاد" وبتاريخ 28 من مارس سنة 1958 اجتمعت الجمعية العمومية السنوية الاعتيادية لاتحاد نقابات المهن الطبية فطلب السيد الدكتور السكرتير العام إلى الجمعية الموافقة على القرار الآتي: "بالنظر إلى حالة صندوق الاتحاد وما يتبين من التقرير السنوي للسكرتير العام عن أعمال اتحاد نقابات المهن الطبية عامي 1956، 1957 اللذين كشفا عن الضرورة في أن يبصر الاتحاد الجمعية العمومية بوضع الصندوق ليترك لمجلس الاتحاد اتخاذ القرارات اللازمة التي تكفل بمقتضاها الموازنة بين الإيرادات والمصروفات بطريقة تضمن استمرار الصندوق في أداء رسالته الإنسانية وأخذاً بحكم الفقرة الأخيرة من المادة 65 من القانون رقم 63 لسنة 1949 الخاص بإنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن الطبية، فإن مجلس الاتحاد يقترح على الجمعية العمومية الموافقة على إعادة النظر بإنقاص مقدار المعاش المقرر للأعضاء والأسر حسب ما يتبدى للمجلس من ظروف كل حالة توصلاً إلى الموازنة بين الإيرادات والمصروفات وإيجاد نوع من التضامن بين الجميع وتوزيع الأعباء توزيعاً عادلاً بأن يحمل القادر بنصيب من الأعباء أكثر مما يحمل به غير القادر وتفويض الجمعية العامة لمجلس الاتحاد تفويضاً مطلقاً في إجراء هذا التعديل بالنقص بمراعاة الاعتبارات السابقة على أن يسري هذا التعديل اعتباراً من شهر إبريل سنة 1957" فوافقت الجمعية العمومية للاتحاد على هذا النص بالإجماع ثم اجتمع مجلس الاتحاد بتاريخ 14 من مايو سنة 1958 "وتناقش في موضوع معاشات الأعضاء وأسر الأعضاء السابق تقرير معاش لهم الذين يغادرون أراضي الجمهورية (الإقليم المصري) إلى الخارج سواء بصفة دائمة أو مؤقتة وبعد الاطلاع على رأي المستشار القانوني وعلى محضر الجمعية العمومية للاتحاد تقرر المبدأ الآتي: قرر المجلس تخفيض معاش الأعضاء أو أسرهم المنتفعين بالمعاش الذين يغادرون أراضي الجمهورية (الإقليم المصري) إلى ما قيمته جنيه واحد شهرياً للمنتفع أو المنتفعين مجتمعين من تاريخ مغادرتهم البلاد. على أن ينظر في كل حالة على حدة عند عودتهم للبلاد ثانية وعلى أن ينفذ ذلك ابتداء من تاريخ عقد الجمعية العمومية اعتباراً من 28 من مارس سنة 1958".
ومن حيث إنه يبين من مطالعة ملف المدعي باتحاد نقابات المهن الطبية أن مجلس اتحاد نقابات المهن الطبية قرر بتاريخ 11 من يونيه سنة 1958 بعد فحص ملف المدعي أن يصرف له جنيهاًً مصرياً واحداً شهرياً مدة إقامته بالخارج، وأن يصرف المعاش المقرر حسب القواعد مدة إقامته بالأراضي المصرية على أن يتقدم كل ستة شهور للاتحاد للاطلاع على جواز السفر.
ومن حيث إنه عن الشكل يبين مما تقدم أن القرار الإداري الذي يستهدف المدعي إلغاءه هو قرار مجلس الاتحاد بتاريخ 11 من يونيه سنة 1958 سالف الذكر - وهو القرار الذي قصد الحكم المطعون فيه القضاء بإلغائه - فإن هذا القرار كما هو ثابت مما تقدم ما هو إلا إفصاح من مجلس الاتحاد بقصد تخفيض معاش المدعي إلى مبلغ اسمي قدره جنيه واحد شهرياً. وقد اعتبر أن له إرادة ملزمة في هذا الشأن بما له من سلطة بمقتضى تفويض الجمعية له بجلستها المنعقدة بتاريخ 28 من مارس سنة 1958 - ومن ثم فقد اكتملت لهذا القرار جميع عناصر القرارات الإدارية النهائية التي تخضع الدعاوى بطلب إلغائها للميعاد المقرر في صدد دعاوى الإلغاء. بيد أنه ولئن كان العلم اليقيني يقوم مقام الإعلان أو النشر في احتساب بداية الميعاد. إلا أن هذا العلم اليقيني يجب أن يكون حقيقياً لا ظنياً ولا افتراضياً. وأساس الدفع بعدم قبول الدعوى الحالية هو الكتاب المرسل من وكيل المدعي إلى السيد سفير اليونان بتاريخ 14 من يوليه سنة 1958 والذي رأى فيه الاتحاد أنه يعبر عن العلم اليقيني لوكيل المدعي بالقرار محل الطعن، غير أن ترتيب علم المدعي بالقرار المذكور على علم وكيله، هو ترتيب حكمي يقوم على الافتراض. فإذا صح أن وكيل المدعي قد علم علماً يقينياً بالقرار المطعون فيه في التاريخ المشار إليه، فإنه يحتمل ألا يكون المدعي قد علم في الحقيقة، بالقرار المذكور في التاريخ سالف الذكر، العلم اليقيني الذي يقوم مقام الإعلان أو النشر في احتساب بداية الميعاد. خصوصاً وأن المدعي يقيم في اليونان. ومن ثم فإن الدفع بعدم قبول الدعوى لا يقوم على أساس سليم من القانون. ويكون الحكم المطعون فيه سليماً فيما انتهى إليه من القضاء برفض هذا الدفع وبقبول الدعوى.
ومن حيث إنه عن الموضوع فإن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما ذهب إليه من أنه ما كان يجوز لمجلس الاتحاد تخفيض معاش المدعي بسبب إقامته خارج البلاد بعد التقاعد. وذلك للأسباب التي ساقها والتي تتخذها هذه المحكمة أسباباً لها وتجد فيها ما يكفي للرد على أسباب الطعن، ومن ثم فإن الطعن لا يقوم على أساس سليم من القانون ويتعين القضاء برفضه موضوعاً وإلزام اتحاد نقابات المهن الطبية بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً، وألزمت اتحاد نقابات المهن الطبية بالمصروفات وبمبلغ ألف قرش مقابل أتعاب المحاماة.