مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة - العدد الثالث (من أول إبريل سنة 1961 إلى آخر سبتمبر سنة 1961) - صـ 903

(117)
جلسة 22 من إبريل سنة 1961

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة علي إبراهيم بغدادي ومحمود محمد إبراهيم والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

القضية رقم 1356 لسنة 5 القضائية

( أ ) جنسية - إسقاطها - صهيونيون - المادة 18 من القانون رقم 391 لسنة 1956 بشأن الجنسية المصرية - إجازتها لوزير الداخلية بقرار مسبب إسقاط الجنسية المصرية عن كل مصري يتصف بالصهيونية - كيفية إثبات هذه الصفة.
(ب) جنسية - إسقاطها - إقامة خاصة - منح الإقامة الخاصة بعد إسقاط الجنسية لا يعيب قرار الإسقاط - أساس ذلك.
(ج) قرار إداري - سلطة تقديرية - رقابة قضائية - ليس للقضاء الإداري استئناف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لدى الإدارة من اعتبارات ملاءمة إصدار قرارها.
1 - إن الفقرة ز من المادة 18 من القانون رقم 391 لسنة 1956 الخاص بالجنسية المصرية التي تقضي بأنه يجوز بقرار مسبب من وزير الداخلية إسقاط الجنسية المصرية عن كل مصري إذا انطبق عليه في أي وقت من الأوقات أحد الوصفين المنصوص عليهما في نهاية البند (أولاً) من المادة الأولى، وبالرجوع إلى هذا البند يبين أنه خاص بمن يتصف بالجنسية المصرية بناء على التوطن في الأراضي المصرية قبل أول يناير سنة 1900 مع المحافظة على الإقامة العادية في مصر حتى تاريخ العمل بالقانون مع اشتراط عدم اتصاف المتوطن برعوية أجنبية. وإذ كشف العمل عن ضرورة الحد من إطلاق حكم النص عند تعريف المصري وتحديد الجنسية المصرية بكيفية توجب أن تكون هذه الأسس مانعة من ثبوت الجنسية المصرية لأولئك الذين لا يدينون بالولاء لمصر بل يدينون به لغيرها وذلك حماية للدولة من أن تفرض عليها عناصر قد يكمن فيها أبلغ الخطر على كيانها، فأورد المشرع أنه لا يفيد من هذا الحكم ( أ ) الصهيونيون (ب) الذين يصدر حكم بإدانتهم في جرائم ينص الحكم على أنها تمس ولاءهم للبلاد أو تتضمن خيانتهم لها، ويلاحظ أن هاتين الطائفتين يجمع أفرادهما عدم الولاء للوطن وغير خاف أن الصهيونية ليست ديناً، إذ أن المصريين لدى القانون سواء، ولكنها رابطة روحية ومادية تقوم بين من يتصف بها وبين إسرائيل.
ولما كانت الجنسية رابطة سياسية وقانونية بين فرد ودولة توجب عليه الولاء لها وتوجب عليها حمايته، ومن ثم فكانت موضوعاتها تنبثق من سيادة الدولة ذاتها، فكان للدولة أن تتولى، بما لها من هذه السيادة تحديد عنصر السكان فيها، وهي إذ تخلق الجنسية، بإرادتها وحدها، تحدد شروط منح الجنسية وشروط كسبها وشروط فقدها حسب الوضع الذي تراه مستكملاً لعناصر وجودها.
لذلك كانت مسائل الجنسية من صميم الأمور الداخلة في كيان الدولة وكان تنظيمها يتعلق بسيادتها لاتصالها بالنظام العام من جهة الدولة ولكونها من عناصر الحالة الشخصية من جهة أخرى، ومن ثم فإن للمشرع مطلق الحرية بمقتضى القانون العام، في تنظيم الجنسية وتقديرها على الوجه الملائم الذي يتفق وصالح
الجماعة.. ولا محل، بهذه المثابة،.. للاحتجاج بوجود حق مكتسب أو ترتب مركز ذاتي للفرد قبل الدولة في اكتساب جنسيتها على وجه معين متى كان المشرع قد رأى تعديل ذلك بتشريع جديد.
وعلى هدي الاعتبارات السالفة خول المشرع، وزير الداخلية بقرار مسبب منه، أن يسقط الجنسية المصرية عن كل شخص صهيوني، أي عن كل من تقوم بينه وبين إسرائيل رابطة روحية ومادية لا تغيب عن ذوي الشأن ممن بيدهم زمام الأمر يستقونها بأنفسهم بمصادرهم الخاصة أو بالأجهزة الرسمية المخصصة لاستجماع هذه البيانات والمعلومات وتحريها واستقرائها. وغني عن القول كذلك أنه لا يلزم في هذا المجال وهو مجال يتعلق بسيادة الدولة ونظامها العام وفيه مساس بسلامة البلاد وأمنها وفي هذه الفترة الدقيقة من حياة الدولة كتلك التي تلت العدوان الإسرائيلي أن تواجه المدعى عليها بما ينسب إليها وأن يحقق معها أو يسمع دفاعها فيه، وإنما يكفي أن يقوم بها السبب المبرر لإسقاط الجنسية وأن يطمئن أولوا الأمر إلى قيامه.
2 - لا ينال من صحة قرار وزير الداخلية بإسقاط الجنسية عن المدعية منحها إقامة خاصة لمدة عشر سنوات تنتهي في 28 من يناير سنة 1968، وآية ذلك، الاختلاف الجوهري والمغايرة الأساسية بين التمتع بالجنسية وبين منح الإقامة الخاصة، في الشروط والاعتبارات وتباين كل منهما في الحقوق والواجبات، فلكل مجاله، ولكل نطاقه ومداه.
3 - ليس من حق القضاء الإداري أن يستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لدى الإدارة من اعتبارات قدرت على مقتضاها ملاءمة إصدار القرار ما دام هذا التقدير قد استخلص استخلاصاً سائغاً مما هو ثابت بالأوراق وإلا كان مصادرة للإدارة على تقديرها وغلاً ليدها عن مباشرة وظيفتها في الحدود الطبيعية التي تقتضيها هذه الوظيفة وما تستلزمه من حرية في وزن مناسبات القرارات التي تصدرها وتقدير ملاءمة إصدارها.


إجراءات الطعن

في يوم 20 من أغسطس سنة 1959 أودعت إدارة قضايا الحكومة بالنيابة عن وزارة الداخلية سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "هيئة منازعات الأفراد والهيئات" بجلسة 30 من يونيه سنة 1959 في القضية رقم 280 لسنة 12 القضائية المقامة من جولدا مناحم يوسف ضد وزارة الداخلية وإدارة قضايا الحكومة والقاضي "بإلغاء القرار الصادر من وزير الداخلية في 22 من أكتوبر سنة 1957 بإسقاط الجنسية المصرية عن المدعية، وألزمت بالمصروفات ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة" وطلبت إدارة قضايا الحكومة للأسباب التي استندت إليها في عريضة الطعن "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المطعون ضدها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين".
وقد أعلن الطعن للمدعية في 3 من سبتمبر سنة 1959 وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 27 من نوفمبر سنة 1960 وأبلغت الحكومة والمدعية في 15 من نوفمبر سنة 1960 بميعاد هذه الجلسة ثم قررت المحكمة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لذلك جلسة 8 من إبريل سنة 1961 وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه الموضح بمحضر الجلسة ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعية أقامت دعواها بعريضة أودعتها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 16 من ديسمبر سنة 1957 مع حافظة بمستنداتها طالبة الحكم (أولاً) بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر من وزير الداخلية في 22 من أكتوبر سنة 1957 بإسقاط الجنسية عنها. (ثانياً) وفي الموضوع بإلغاء القرار المذكور وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقالت بياناً لدعواها أنها ولدت في مدينة بورسعيد في 13 من يناير سنة 1896 من أب مصري الجنسية هو مناحم يوسف برلو الذي يعمل في صناعة الساعات ثم تزوجت في سنة 1917 من المأسوف عليه وولف حاييم برلو المصري الجنسية أيضاً والذي كان يعمل في التجارة ومنذ ميلادها بمصر وزواجها من مصري وهي مقيمة بالقطر المصري لم تبرحه قاطعة لإقامتها، قائمة بما يتطلبه وضعها كمصرية من حقوق وواجبات، مبرأة الصحيفة مما يشوب مصريتها ومع ذلك فقد فوجئت في 22 من أكتوبر سنة 1957 بقرار من وزير الداخلية نشر بالوقائع المصرية بالعدد رقم 84 بتاريخ 28 من أكتوبر سنة 1957 بإسقاط جنسيتها المصرية لميولها الصهيونية وكان ذلك حسبما جاء بديباجة القرار بعد الاطلاع على المادة 18 من القانون رقم 391 لسنة 1956 الخاص بالجنسية المصرية وعلى مذكرة مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية المؤرخة 16 من أكتوبر سنة 1957.
وتنعى المدعية على هذا القرار مخالفته للقانون، ولأنه مشوب بعيب إساءة استعمال السلطة للأسباب الآتية: -
أولاً - أنها بمقتضى قوانين الجنسية المصرية جميعها: القانون رقم 19 لسنة 1929 - والقانون رقم 160 لسنة 1950 أو القانون رقم 391 لسنة 1956 لها الجنسية المصرية بصفة أصلية بحكم ميلادها بمصر لأب مصري وزواجها من مصري وتوطنها بمصر قبل أول يناير سنة 1950 ومحافظتها على إقامتها هذه بمصر حتى الآن وأن هذه الجنسية المصرية لم يعتورها طوال هذه الفترة ما يعوق من نمائها أو بقائها لها، ولقد جاء القانون رقم 391 لسنة 1956 ناصاً في مادته الأولى على أن المصريين هم: أولاً - المتوطنون في الأراضي المصرية قبل أول يناير سنة 1900، المحافظون على إقامتهم فيها حتى تاريخ نشر هذا القانون ولم يكونوا من رعايا الدول الأجنبية، وتعتبر إقامة الأصول مكملة لإقامة الفروع والزوجة متى كانت لديهم نية التوطن ولا يفيد من هذا الحكم ( أ ) الصهيونيون (ب) الذين يصدر حكم بإدانتهم في جرائم ينص الحكم على أنها تمس ولاءهم أو تتضمن خيانتهم لها، وأنه لما كانت المذكرة الإيضاحية للقانون بياناً لحدود هذا الاستثناء ومداه قد أشارت إلى أنه "غير خاف أن الصهيونية ليست ديناً إذ أن المصريين لدى القانون سواء ولكنها رابطة روحية ومادية تقوم بين من يتصف بها وبين إسرائيل، وعلى أية حال فإن رأت الإدارة عدم الاعتراف لشخص بالجنسية المصرية باعتباره صهيونياً فإنه يجوز له أن يلتجئ إلى القضاء لتبرئة نفسه من هذه الصفة ولاستصدار حكم للاعتراف له بالجنسية المصرية أي أن الأمر في هذا الشأن موضوعي تتكشف عنه ظروف الحال وملابساته" وتعلق المدعية على هذا بقولها إن القانون جعل المناط في الاتصاف بالصهيونية لظروف الشخص نفسه وملابساته يعرضها على القضاء التماساً لتبرئة نفسه من هذا الوصف إن نسبته إليه الإدارة ذلك لأنه قضاء عليه بعدم الولاء للوطن وهو أقصى ما يطعن به مصري، ولذلك كان التحرز في نسبتها إليه أحرى بالمراعاة الدقيقة وكان رأي الإدارة في ذلك غير مطلق بلا معقب عليه من القضاء، يتحرى سائر الظروف ويقر بالجنسية إن لم يجد أساساً ثابتاً للاتصاف بالصهيونية، وبديهي أن الصهيونية وهي شيء غير الديانة اليهودية، لها باعتبارها رابطة بين الشخص ودولة إسرائيل مظاهرها المادية بطبيعة الحال ولا يتصور افتراضها في كل يهودي بل يتعين أن تتوفر دلائل قاطعة من تصرفات الشخص ومسلكه على قيام هذه الرابطة التي يعتبر معها من رعايا إسرائيل بالفعل، وما لم تقم هذه الدلائل فإنه يكون بمنأى عن الاتصاف بالصهيونية. وفي حالة الطالبة لم يقم أي دليل على ذلك يمكن حرمانها أصلاً من الجنسية المصرية.
ثانياً - ولقد جرى نص المادة 18 فقرة ز من القانون رقم 390 لسنة 1956 وهو مستند القرار المطعون فيه بأنه "يجوز بقرار مسبب من وزير الداخلية إسقاط الجنسية المصرية عن كل مصري في أية حالة من الحالات الآتية: -
(ز) إذا انطبق عليه في أي وقت من الأوقات أحد الوصفين المنصوص عليهما في نهاية البند (أولاً) من المادة الأولى.
وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية بشأن هذه الفقرة ".. وجواز إسقاط الجنسية المصرية عمن يثبت اتصافه بالصهيونية أو من يصدر عليه حكم بإدانته في جريمة ينص الحكم على أنها تمس ولاءه للبلاد أو تتضمن خيانته لها".
وتقول المدعية إنه لا شك أن الحكمة المتوخاة بهذا النص والاستثناء الوارد بالمادة الأولى إنما هي حماية النظام الاجتماعي والاقتصادي للدولة الذي كفل الدستور بيان أحكامه، وضمان الولاء للوطن من جميع المواطنين فإذا قامت الآيات على انتهاكها من مواطن أجيز إسقاط الجنسية المصرية عنه، وهو إجراء في خطورته يقابل هذه الجريمة في خطورتها، ولذلك كان حرص المشرع على ألا تنسب هذه الجريمة لمواطن إلا إذا قام اليقين بثبوتها، ولذلك كان نص المذكرة الإيضاحية واضحاً في استلزامه بثبوت الاتصاف بالصهيونية سبباً مجيزاً للإسقاط.
والتعبير بالثبوت يدل بذاته على وجوب توافر الأدلة القاطعة على أن المواطن بسلوكه سواء حيال مصر أو سواء حيال إسرائيل قد تأكد وضعه كرعية إسرائيلية أو على الأقل قائم بالفكرة الصهيونية إيماناً وتنفيذاً معاً بما يرتكبه من الأفعال التي تتضمن عدم الولاء لمصر وتهدد نظامها الاجتماعي والاقتصادي وتجعل من الرابطة بينه وبين إسرائيل حقيقة قائمة.
وطبيعي وهذه هي حدود ثبوت الاتصاف بالصهيونية، ألا يقام وزن لخلجات النفس وميولها لأن المعيار بها يتذبذب بين الشك وعدم الطمأنينة تذبذباً لا يصلح دليلاً على حالة واقعية توضع موضع المؤاخذة وينزل عليها حكم القانون فإذا جاء القرار المطعون مستنداً في إسقاط الجنسية عن الطالبة إلى ما سماه ميولها الصهيونية كان مخالفاً للقانون لما هو مسلم به من أن الميول لا يتسنى تحريها ولا تصلح بذاتها سبباً تقوم عليه نسبة تهمة خطيرة يترتب عليها جزاء خطير ولقد كان لزاماً أن يبين القرار سبباً لإسقاط الجنسية مستخلصاً من وقائع ثابتة محدودة تتضافر على ثبوت صفة الصهيونية للطالبة، أما إشارته إلى ميولها الصهيونية كسبب للإسقاط فهي مصادرة على المطلوب لا ترقى إلى السبب المتطلب قانوناً وبها يغدو القرار منعدم السبب مخالفاً بذلك للقانون.
ثالثاً - على أن القرار بإسقاط الجنسية عن الطالبة يدل على أن الإدارة قد اعتبرتها مصرية بحكم القانون وأنه، ولو أن هناك من الشبهات أو الأدلة ما يقوم على أنها صهيونية لأعملت جهة الإدارة الاستثناء الوارد في الفقرة أولاً من المادة الأولى ولكانت قد أجرت بشأنها ما يجرى بشأن الأجانب من قوانين الإقامة والإبعاد ولكنها لم تفعل من ذلك شيئاً بل اعتبرتها مصرية. وهذا الاعتبار في ذاته من جانب الإدارة دليل على براءتها من الاتصاف بالصهيونية حتى 20 من نوفمبر سنة 1956 وهو تاريخ نشر القانون وما بعد ذلك بشهور فحصت فيها حالات المتوطنين بوجه عام وحالات اليهود منهم بوجه خاص، وتتساءل المدعية عما جد خلال الشهور الأخيرة من وقائع ثابتة نسبت إليها ووصمتها على وجه التعيين بأنها أصبحت صهيونية تدين بالولاء لإسرائيل دون مصر - إن استحالة ذلك بالنسبة لها دليل على أن القرار المطعون فيه لم يتبع سببه من الواقع الثابت ولم يستخلص من ظروف الحال استخلاصاً سائغاً مما يعين دون شك ولو قد بني على أسباب مستمدة من الواقع، لأفصح عن ذلك القرار المطعون فيه وهو لم يكن.
رابعاً - والواقع أن الطالبة وقد عاشت في مصر أكثر من ستين عاماً لم يصدر عنها ما يهز ولاءها لمصر بحال من الأحوال خلال هذه الفترة الطويلة، فهل يتصور أن تهدر ذلك كله في أخريات أيامها وهي منذ أشهر ضحية أمراض عصبية تلزمها المستشفى، إن واقع حالها قاطع في عدم سلامة القرار المطعون فيه. كما تذكر المدعية أن القرار المطعون فيه مخالف للقانون ويترتب على تنفيذه ضرر بها لا يمكن تداركه.
واشتملت حافظة مستنداتها على: 1 - عدد الوقائع المصرية رقم 84 الصادر في 28 من أكتوبر سنة 1957 المنشور فيه القرار المطعون فيه. 2 - شهادة ميلادها مستخرجة من دفتر مواليد جهة بورسعيد تفيد بأنها مولودة في 14 من يناير سنة 1896. 3 - شهادة جنسية صادرة في 27 من سبتمبر سنة 1930 من قلم الجنسية. قسم الإدارة بوزارة الداخلية تفيد أن مناحم يوسف برلو وصناعته ساعاتي (والدها) معتبر داخلاً في الجنسية المصرية بحكم القانون طبقاً لنص المادة الأولى فقرة ثالثة من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929. 4 - شهادة الجنسية المصرية لولف برلو (زوجها) وصناعته تاجر وقومسيونجي ومقيم بالقاهرة وصادرة من قلم الجنسية قسم الإدارة بوزارة الداخلية في 26 من يونيه سنة 1930 وذلك طبقاً لنص المادة أولى فقرة ثالثة من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929.
وقالت وزارة الداخلية رداً على الدعوى إنه استجابة لطلب مقدم من وولف برلو حررت له بتاريخ 26 من مارس سنة 1930 شهادة تثبت جنسيته المصرية على أساس أنه يعتبر داخلاً في الجنسية المصرية بموجب نص المادة الأولى فقرة ثالثة من القانون رقم 19 لسنة 1929 وطبقاً للمادة الخامسة من نفس القانون اعتبرت زوجته جولده مناحم يوسف مصرية تبعاً لزوجها وقد تقدمت الزوجة المذكورة المدعية في 23 من فبراير سنة 1957 إلى وزارة الداخلية بطلب إعطائها شهادة بالجنسية المصرية.
وعند أخذ معلومات إدارة المباحث العامة بشأن هذا الطلب قامت بالتحريات اللازمة فاتضح أنه قد اشتهر عن المدعية أنها تعطف على إسرائيل وتعضدها بقصد إقامة وطن قومي يهودي بها وأن ميولها صهيونية مما يقطع بوجود صلة روحية بينها وبين دولة إسرائيل ويدمغها بوصف الصهيونية فرفعت وزارة الداخلية بتاريخ 16 من أكتوبر سنة 1957 تقريراً طلبت فيه إسقاط الجنسية عن المدعية لأنها صهيونية وبناء على هذه المذكرة صدر قرار وزير الداخلية المؤرخ 22 من أكتوبر سنة 1957 بإسقاط الجنسية المصرية عنها عملاً بالفقرة (ز) من المادة 18 من القانون رقم 391 لسنة 1956 وعين لنظر طلب وقف التنفيذ جلسة 7 من يناير سنة 1958 وبعد تداوله الجلسات قضت المحكمة بجلسة 4 من فبراير سنة 1958 برفض هذا الطلب.
وبجلسة 30 من يونيه سنة 1959 حكمت المحكمة بإلغاء القرار الصادر من وزير الداخلية في 22 من أكتوبر سنة 1957 بإسقاط الجنسية المصرية عن المدعية - وألزمت الحكومة بالمصروفات ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة وأقامت المحكمة قضاءها على أنه وإن كانت التحريات (دون ذكر وقائع) التي قامت بها جهة الإدارة قد أدت إلى إسقاط الجنسية المصرية عن المدعية لميولها الصهيونية وبعد أن أصبحت المدعية بهذا الوصف مصدر خطر شديد يهدد كيان البلاد إذا بإدارة الجنسية والمباحث تمنحان المدعية إقامة خاصة لمدة عشر سنوات وهي لا تمنح إلا لمن حسنت صلتهم بالبلاد الأمر الذي يتنافى مع القرار المطعون ويهدد آثاره ونتائجه ولعل القصد من هذا التصرف هو العدول عن القرار المطعون.
وإذ يبين أن القرار المطعون قد خلا من الأسباب أي الوقائع المعينة التي تثبت قيام الصلة الروحية والمادية بين المطعون ضدها وإسرائيل حتى تصبح في نظر القانون صهيونية. ومن ثم يكون قراراً باطلاً لمخالفته للقانون فيتعين إلغاؤه مع إلزام الحكومة بمصروفات الدعوى.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الثابت من الأوراق ومن تحريات المباحث أنه قد اشتهر عن المطعون ضدها عطفها على إسرائيل وتعضيدها بقصد إقامة وطن قومي يهودي بها وأن ميولها صهيونية الأمر الذي يقطع بوجود صلة روحية بينها وبين دولة إسرائيل ويدمغها بالصهيونية، ولما كانت المادة 18 من القانون رقم 391 لسنة 1956 قد نصت في الفقرة (ز) على أنه يجوز بقرار مسبب من وزير الداخلية إسقاط الجنسية المصرية عن كل مصري إذا انطبق عليه في أي وقت من الأوقات وصف الصهيوني، فقد رفعت وزارة الداخلية في 16 من أكتوبر سنة 1957 تقريراً طلبت فيه إسقاط الجنسية عن المطعون ضدها بعد أن تأكدت من ميولها الصهيونية وبناء على هذه المذكرة صدر قرار وزير الداخلية المؤرخ 22 من أكتوبر سنة 1957 بإسقاط الجنسية المصرية عنها، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد صدر مستنداً إلى تحريات جدية قامت بها جهات مختصة منوط بها إجراؤها وثبت منها على وجه أكيد اتصاف المطعون ضدها بالصهيونية وبنت الوزارة الطاعنة على ذلك أن وجودها في الجنسية المصرية خطراً يهدد سلامة البلاد الأمر الذي أدى إلى إسقاط الجنسية المصرية عنها، ولا وجه لما يذهب إليه الحكم المطعون فيه وأقام عليه قضاءه من أن منح المطعون ضدها إقامة خاصة لمدة عشر سنوات دليل على حسن صلتها بالبلاد مما يتنافى مع القرار المطعون ويدل على أن القصد هو العدول عنه لا وجه لذلك إذ أن هناك ثمة فروقاً جوهرية بين اعتبار الشخص مصرياً وبين اعتباره أجنبياً من ذوي الإقامة الخاصة وهذه الفروق... تشمل حقوق كل منهما وواجباته وسلطة الإدارة نحوه. ولا جدال في أن المستقر عليه في فقه القانون الدولي عامة وفي التشريع المصري خاصة أن الإدارة تملك سلطة واسعة بالنسبة للأجانب بحيث تستطيع الحد من حرياتهم وإبعادهم عن البلاد إذا دعت الضرورة إلى ذلك وهو ما لا تستطيع مباشرته بالنسبة للمصريين ونتيجة لذلك قد تقبل الإدارة معاملة الشخص كأجنبي من ذوي الإقامة الخاصة دون اعتباره داخلاً في الجنسية المصرية لاختلاف صلة كل منهما بإقليم الدولة ولتباين الحقوق الممنوحة لكل منهما طبقاً لقوانين البلاد، ومن ثم فلا تثريب على الإدارة إن هي أسقطت الجنسية عن المطعون ضدها لاعتبارات قدرتها إذ أن في ذلك دليلاً واضحاً على عدم تعسف الإدارة في استعمال حقها ويدل دلالة واضحة على أنها تريد معاملة المطعون ضدها كأجنبية فقط إن وجدت أنها لا تستحق شرف الانتماء إلى الجنسية المصرية. متى ثبت ذلك - كان القرار المطعون فيه مصادفاً حكم القانون مستخلصاً استخلاصاً سائغاً من وقائع لها عيون من الأوراق مستمداً من التحريات التي قامت بها الجهات المختصة وأنه لا تناقض البتة بين إسقاط الجنسية عن المطعون ضدها ومنحها الإقامة الخاصة لاختلاف كل منهما في الشروط والاعتبارات وتباين كل منهما في الحقوق والواجبات وأنه لذلك يكون الحكم المطعون فيه وقد قضى بغير ذلك في غير محله ويتعين إلغاؤه.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً في الدعوى حددت فيه وقائعها والمسائل القانونية التي أثارها النزاع وأيدت رأيها مسبباً انتهت فيه إلى أنها ترى قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
ومن حيث إنه يخلص من مطالعة الأوراق أن المدعية تقدمت في فبراير سنة 1957 إلى إدارة الجنسية لإثبات جنسيتها المصرية استناداً إلى زواجها في 30 من ديسمبر سنة 1917 من زوج اعترفت له الحكومة بالجنسية المصرية في سنة 1930، فكتبت إدارة الجوازات والجنسية للمباحث العامة لإجراء التحريات الدقيقة نحو ميولها السياسية، فأجابت إدارة المباحث العامة بوزارة الداخلية في 9 من مايو سنة 1957 - بأنه ظهر من التحريات أن المدعية اشتهر عنها أنها تعطف على إسرائيل وإنشاء وطن قومي لها وتدعيمها وميولها صهيونية. فاستفتت إدارة الجنسية في 25 من مايو سنة 1957 إدارة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة في جواز إسقاط الجنسية المصرية عن المدعية بالتطبيق للفقرة (ز) من المادة 18 من قانون الجنسية رقم 391 لسنة 1956 فأفتت في 5 من أغسطس سنة 1957 بأن وصف الصهيونية الذي يلحق بالمصري ويجيز إسقاط الجنسية المصرية عنه طبقاً للفقرة (ز) من المادة 18 المشار إليها يقوم على توافر رابطة مادية وروحية تقوم بين الشخص وإسرائيل، وأن هذه الرابطة لا تستفاد إلا من مظاهر مادية ووقائع ثابتة لم يتضمنها تقرير المباحث المرافق فكتبت إدارة الجنسية للمباحث في 4 من سبتمبر سنة 1957 لموافاتها بالوقائع المادية الثابتة التي تؤكد قيام رابطة روحية بين المدعية وإسرائيل، فأجابت إدارة المباحث العامة في 11 من سبتمبر سنة 1957 بأنه يكتفي بما لديها من تحريات سابقة دلت على أنها صهيونية. وفي 16 من أكتوبر سنة 1957 حررت إدارة الجنسية مذكرة للوزارة اقترحت فيها إسقاط الجنسية عن المدعية وأقامت اقتراحها على ما ورد بتقرير المباحث العامة المؤرخ 9 من مايو سنة 1957 أنه ظهر من التحريات أن هذه السيدة قد اشتهر عنها عطفها على إسرائيل وإنشاء وطن قومي لليهود وأن ميولها صهيونية - وأثبتت فيها أنها أعدت القرار الوزاري بعد أخذ رأي مجلس الدولة وموافقته وأصدر وزير الداخلية في 22 من أكتوبر سنة 1957 قرار إسقاط الجنسية مشيراً إلى هذه المذكرة ولميول المدعية الصهيونية. تقدمت المدعية في نوفمبر سنة 1957 بتظلم من قرار إسقاط الجنسية عنها ضمنته أنها لا تمت للصهيونية وأنها مصرية بالمولد والزواج باعتبارها مولودة بمصر بتاريخ 13 من يناير سنة 1896 لأب مصري (مناحم يوسف برلو) المصري الجنسية بحكم القانون طبقاً لنص المادة الأولى فقرة ثالثة من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 فضلاً عن أنها مصرية بالزواج - وذكرت أن حالتها الصحية في تدهور مستمر منذ أكثر من سنة مما يدل دلالة قاطعة على أنه ليس في وسعها أن يكون لها أي نشاط سياسي من أي نوع كان، وبناء على هذه الشكوى استفسرت إدارة المباحث العامة في 26 من نوفمبر سنة 1957 من إدارة الجنسية عما إذا كانت حالة المدعية حالة تجنس بالجنسية المصرية أو الاعتراف لها بها لما ورد بشكواها من أن والدها كان مصري الجنسية، وجاء رد إدارة الجنسية متضمناً أن هذه السيدة مصرية الجنسية وأثناء نظر الدعوى بمحكمة القضاء الإداري كلفت المحكمة جهة الإدارة بجلسة 7 من إبريل سنة 1959 بتقديم بيان واف عن الأعمال والوقائع المنسوبة إلى المدعية والتي استدلت منها الإدارة على أن لها ميولاً صهيونية مع إيداع ملف الإقامة الخاصة التي قالت المدعية إنها حصلت عليها بعد صدور القرار المطعون فيه. وبجلسة 17 من مايو سنة 1959 أودعت الحكومة ملف الإقامة مرفقاً به صورة من كتاب المباحث لإدارة الشئون القانونية بالوزارة في 17 من مايو سنة 1959 رداً على ما طلبته المحكمة من بيان عن الأعمال والوقائع المنسوبة للمدعية تقول فيه بأن المدعية اشتهر عنها عطفها على إسرائيل وتعضيد الوطن القومي لليهود بها مما يستشف منه ميولها للصهيونية ولم تقدم المباحث البيان المطلوب. ويبين من ملف الإقامة أن المدعية قدمت في 29 من يناير سنة 1958 طلباً لمنحها الإقامة الخاصة مع حفظ حقها في هذه الدعوى وأرفقت به المستندات الدالة على جنسية زوجها المصري وعلى أن ابنها الذي يكفلها مصري الجنسية وقد تأشر على هذا الطلب بعبارة يستطلع رأي المباحث العامة ثم تأشر في نهايته بعبارة أرى منحها إقامة خاصة. وقد وافقت المباحث على ذلك في 8 من إبريل سنة 1958 وصدر القرار في 6 من مايو سنة 1958 بمنح المدعية إقامة خاصة لمدة عشر سنوات تنتهي في 28 من يناير سنة 1968.
ومن حيث إنه يؤخذ مما تقدم أن النقطة القانونية مثار النزاع تنحصر في حق الدولة في إسقاط الجنسية المصرية عن المدعية، وقد استند وزير الداخلية في قراره الصادر في 22 من أكتوبر سنة 1957 بإسقاط الجنسية المصرية عن المدعية إلى الفقرة ز من المادة 18 من القانون رقم 391 لسنة 1956 الخاص بالجنسية المصرية التي تقضي بأنه يجوز بقرار مسبب من وزير الداخلية إسقاط الجنسية المصرية عن كل مصري إذا انطبق عليه في أي وقت من الأوقات أحد الوصفين المنصوص عليهما في نهاية البند (أولاً) من المادة الأولى، وبالرجوع إلى هذا البند يبين أنه خاص بمن يتصف بالجنسية المصرية بناء على التوطن في الأراضي المصرية قبل أول يناير سنة 1900 مع المحافظة على الإقامة العادية في مصر حتى تاريخ العمل بالقانون مع اشتراط عدم اتصاف المتوطن برعوية أجنبية. وإذ كشف العمل عن ضرورة الحد من إطلاق حكم النص عند تعريف المصري وتحديد الجنسية المصرية بكيفية توجب أن تكون هذه الأسس مانعة من ثبوت الجنسية المصرية لأولئك الذين لا يدينون بالولاء لمصر بل يدينون به لغيرها وذلك حماية للدولة من أن تفرض عليها عناصر قد يكمن فيها أبلغ الخطر على كيانها، فأورد المشرع أنه لا يفيد من هذا الحكم ( أ ) الصهيونيون (ب) الذين يصدر حكم بإدانتهم في جرائم ينص الحكم على أنها تمس ولاءهم للبلاد أو تتضمن خيانتهم لها، ويلاحظ أن هاتين الطائفتين يجمع أفرادهما عدم الولاء للوطن، وغير خاف أن الصهيونية ليست ديناً، إذ أن المصريين لدى القانون سواء، ولكنها رابطة روحية ومادية تقوم بين من يتصف بها وبين إسرائيل.
ومن حيث إن الجنسية رابطة سياسية وقانونية بين فرد ودولة توجب عليه الولاء لها وتوجب عليها حمايته، ومن ثم فكانت موضوعاتها تنبثق من سيادة الدولة ذاتها. فكان للدولة أن تتولى، بما لها من هذه السيادة تحديد عنصر السكان فيها. وهي إذ تخلق الجنسية - بإرادتها وحدها - تحدد شروط منح الجنسية وشروط كسبها وشروط فقدها حسب الوضع الذي تراه مستكملاً لعناصر وجودها.
ومن حيث إنه لذلك كانت مسائل الجنسية من صميم الأمور الداخلة في كيان الدولة وكان تنظيمها يتعلق بسيادتها لاتصالها بالنظام العام من جهة ولكونها من عناصر الحالة الشخصية من جهة أخرى، ومن ثم فإن للمشرع مطلق الحرية بمقتضى القانون العام، في تنظيم الجنسية وتقديرها على الوجه الملائم الذي يتفق وصالح الجماعة.. ولا محل بهذه المثابة.. للاحتجاج بوجود حق مكتسب أو ترتب مركز ذاتي للفرد قبل الدولة في اكتساب جنسيتها على وجه معين متى كان المشرع قد رأى تعديل ذلك بتشريع جديد.
ومن حيث إنه على هدي الاعتبارات السالفة خول المشرع، وزير الداخلية بقرار مسبب منه أن يسقط الجنسية المصرية عن كل شخص صهيوني، أي عن كل من تقوم بينه وبين إسرائيل رابطة روحية ومادية لا تغيب عن ذوي الشأن ممن بيدهم زمام الأمر يستقونها بأنفسهم بمصادرهم الخاصة أو بالأجهزة الرسمية المخصصة لاستجماع هذه البيانات والمعلومات وتحريها واستقرائها. وغني عن القول كذلك أنه لا يلزم في هذا المجال وهو مجال يتعلق بسيادة الدولة ونظامها العام وفيه مساس بسلامة البلاد وأمنها وفي هذه الفترة الدقيقة من حياة الدولة - تلك التي تلت العدوان الإسرائيلي - أن تواجه المدعى عليها بما ينسب إليها وأن يحقق معها أو يسمع دفاعها فيه، وإنما يكفي أن يقوم بها السبب المبرر لإسقاط الجنسية وأن يطمئن أولو الأمر إلى قيامه، فيكون القرار المطعون فيه - والحالة هذه - قد صدر مطابقاً للقانون خالياً من أي عيب، ولا ينال من ذلك منح المدعية إقامة خاصة لمدة عشر سنوات تنتهي في 28 من يناير سنة 1968، وآية ذلك، الاختلاف الجوهري والمغايرة الأساسية بين التمتع بالجنسية وبين منح الإقامة الخاصة، في الشروط والاعتبارات، وتباين كل منهما في الحقوق والواجبات، فلكل مجاله، ولكل نطاقه ومداه.
ومن حيث إنه من أجل ذلك يكون الحكم المطعون فيه، إذ ذهب غير هذا المذهب قد خرج عن مجال التعقيب القانوني الصحيح على القرار، واتجه وجهة أخرى قوامها مراجعة الإدارة في وزنها لمناسبات القرار وملاءمة إصداره فأحل نفسه بذلك محلها فيما هو داخل في صميم اختصاصها وتقديرها بدعوى أن الأسباب التي أخذت بها الإدارة لا تؤدي عقلاً إلى النتيجة التي انتهت إليها مع أن هذه دعوى لا تستند إلى أي أساس سليم لا من الواقع أو القانون، بل على العكس من ذلك قد كان وزن الإدارة لمناسبات قرارها وزناً معقولاً وهي صاحبة التقدير الأول والأخير في هذا الشأن، كما يجب التنبيه في هذا المقام إلى أنه ليس من حق القضاء الإداري أن يستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لدى الإدارة من اعتبارات قدرت على مقتضاها ملاءمة إصدار القرار ما دام هذا التقدير قد استخلص استخلاصاً سائغاً مما هو ثابت في الأوراق وإلا كان مصادرة للإدارة على تقديرها وغلاً ليدها عن مباشرة وظيفتها في الحدود الطبيعية التي تقتضيها هذه الوظيفة وما تستلزمه من حرية في وزن مناسبات القرارات التي تصدرها وتقدير ملاءمة إصدارها، ومن ثم يتعين إلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى، وألزمت المدعية المصروفات.